الإخوان المسلمون... تطور حركة إسلامية

لعل الإسهام الرئيسي لكتاب "الإخوان المسلمون.. تطور حركة إسلامية" لمؤلفته كاري روسفسكي ويكام أنه يفكك الكثير من المقولات الشائكة حول الحركات الإسلامية والتي كانت تُتّخذ في الماضي كمسلّمات وبديهيات، مثل جمود هذه الحركات وعدم وجود تنوع داخلها سواء في الرؤى والأفكار أو بين الأجيال والتيارات السياسية.
2 يناير 2014
201412105534861734_20.jpg
(الجزيرة)

على الرغم من أهميتها التاريخية وثقلها السياسي والمجتمعي، إلا أن جماعة "الإخوان المسلمين" لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة الجادة والرصينة أكاديميًا وبحثيًا. ولعله من الحظ العاثر لهذه الحركة أنه كلما حانت الفرصة للباحثين والمشتغلين في حقل الدراسات الإسلامية للاقتراب منها ودراستها بعيدًا عن التحيزات السياسية والتأثيرات الأيديولوجية، دخلت الجماعة في صراع سياسي شرس من أجل البقاء ما يصعّب مهمة الباحثين والمراقبين منهجيًا وميدانيًا.

وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية خرجت دراسات عديدة عن حركة "الإخوان" قام بها باحثون أجانب وعرب ومصريون، ولكن القليل منها هو ما يمكن الاعتماد عليه من أجل بلورة فهم موضوعي لهذه الجماعة باعتبارها ظاهرة سوسيولوجية وحركة اجتماعية قبل أن تكون حزبًا سياسيًا أو حركة دينية. ونذكر في هذا الصدد دراسات لعدد من الباحثين الجادين مثل مني الغباشي (1) وناثان براون (2) وجيليان شويدلر (3) والباحث المصري الراحل حسام تمام. (4)

من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب "الإخوان المسلمون... تطور حركة إسلامية" للبروفيسورة "كاري روسفسكي ويكام" الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة "إيموري" بولاية جورجيا الأميركية. وقبل الخوض في عرض الكتاب، تجدر الإشارة السريعة لمؤلفته ورصد اهتمامها بدراسة الحركات الإسلامية؛ حيث تعد ويكام من أكثر الباحثين الغربيين جدية ورصانة في تناول الظاهرة الإسلامية، وقد أمضت العقدين الأخيرين في دراسة جماعة الإخوان المسلمين في مصر حيث أقامت "ويكام" بالقاهرة عدة أعوام أوائل التسعينيات أثناء إعداد أطروحتها للدكتوراه من جامعة "بريستون" المرموقة والتي كان ثمرتها كتابها الأول المهم "الإسلام التعبوي... الدين والحركية والتغيير السياسي في مصر" (5) المنشور عام 2002 والذي يعد من الدراسات المعتبرة في مجال الحركات الإسلامية. وقد كان صدور هذا الكتاب دافعًا لظهور جيل جديد من الباحثين الغربيين يهتمون بدراسة الأبعاد السوسيولوجية والأنثروبولوجية والإثنوجرافية للحركات الإسلامية منطلقين في ذلك من نظرية "الحركات الاجتماعية"Social Movements Theory وذلك بعد أن هيمن التيار الاستشراقي على هذا المجال لعقود طويلة.

أما كتاب "ويكام" الجديد والذي بين أيدينا الآن، فقد أمضت السنوات التسع الماضية في التحضير والإعداد له، وقد التقى كاتب هذه السطور المؤلفة عدة مرات خلال تلك الفترة وتناقشا في بعض أفكار الكتاب مثلما فعلت مع باحثين آخرين أمثال البروفيسورة إيفا بيلين من جامعة برانديز والبروفيسور جيسون براونلي من جامعة تكساس-أوستن، والبروفيسور دانيا بريمبرج من جامعة جورج تاون والبروفيسور مارك لينش من جامعة جورج واشنطن والبروفيسور فالي نصر من جامعة جونز هوبكنز، وغيرهم من المهتمين بحقل الحركات الإسلامية.

يقع كتاب "ويكام" (الإخوان المسلمون... تطور حركة إسلامية) في تسعة فصول تختص ثمانية منها بالنظر في تطور جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، وفصل يقارن بينها وبين نظيراتها في الأردن والكويت والمغرب. ولعل الإسهام الرئيسي لكتاب "ويكام" أنه يقوم بتفكيك الكثير من المقولات الشائكة حول الحركات الإسلامية والتي كان يتم اتخاذها في الماضي كمسلّمات وبديهيات مثل جمود هذه الحركات وعدم وجود تنوع داخلها سواء في الرؤى والأفكار أو بين الأجيال والتيارات السياسية.

إعادة النظر في أطروحة "الدمج والاعتدال"

من أهم الأفكار التي تطرحها "ويكام" في كتابها الجديد هو اختبار مدي تأثير المشاركة السياسية على سلوك وتوجهات وأيديولوجيا الحركات الإسلامية؛ ففي الوقت الذي يجادل فيه بعض الباحثين بأن ثمة علاقة حتمية بين المشاركة واعتدال الحركات الإسلامية، (6) فإن "ويكام" ترى أن هذه العلاقة ليست بالضرورة علاقة ميكانيكية أو خطية وإنما تخضع لكثير من المتغيرات لعل أهمها طبيعة التوازنات الداخلية في التنظيمات الإسلامية والعلاقة بين مراكز القوى والتراتبية التنظيمية (الهيراركية). الأكثر من ذلك أن "ويكام" تسائل مفهوم "الاعتدال" ذاته والذي يطرح إشكالات عديدة وما إذا كان يعني أن يتبنى الإسلاميون رؤى ليبرالية وديمقراطية التي يتبناها الغرب أم يعني أن يتوقفوا عن استخدام العنف في العمل السياسي أم يعني عدم الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية.

يمثل الخلاف حول طبيعة وكنه ومعنى الاعتدال إحدى الإشكاليات المهمة في دراسة تطور الحركات الإسلامية؛ لذا فإن "ويكام" ترفض استخدام معيار الاعتدال من أجل قياس التغيرات في سلوك وأفكار الحركات الإسلامية. وبدلاً من ذلك ترى أن المهم هو أن يتم مراقبة التغيرات في سياقها الأوسع وعدم إعطاء حكم معياري عليها. لذا فبدلاً من أن يتم النظر لسلوك جماعة كالإخوان المسلمين في مصر ونظيراتها كمؤشر على الاعتدال من عدمه، فإن "ويكام" تتبنى اقترابًا مفتوح النهايات Open-ended approach من أجل دراسة التغير في سلوك الحركات الإسلامية. لذا فهي تهتم بقدرة هذه الحركات على التكيف مع السياق السياسي ومدى استعدادها لتغيير رؤيتها الفكرية والأيديولوجية أثناء انخراطها في المجال السياسي. وهنا تطرح "ويكام" أربعة معايير لقياس هذا التغير، أولها: قدرة الحركات الإسلامية على تبني تفسيرات نسبية (أي غير مطلقة) للنصوص الدينية وعدم ادعاء احتكار الحقيقة الدينية. ثانيًا: قدرة هذه الحركات على تقبل أفكار الآخرين وعدم فرض نمط محدد على الأفراد خاصة في القضايا الثقافية والقيمية. ثالثًا: مدى قبول هذه الحركات بالتعددية السياسية واحترام الحريات الفردية وأسلوب الحياة. رابعًا: مدى تقبل الإسلاميين لمفهوم المواطنة والمساواة سواء بين المرأة والرجل أو بين المسلمين وغير المسلمين خاصة في المسائل الشخصية كالزواج والطلاق والميراث أو ما يُطلق عليه "المجال الخاص للأفراد".

بكلمات أخرى، فإن "ويكام" تراقب التحولات الفكرية للحركات الإسلامية من خلال اختبار سلوكها ومنهجها السياسي والأيديولوجي عبر مراحل زمنية مختلفة.

محافظون وإصلاحيون

يمثل توازن القوى داخل الحركات الإسلامية إحدى نقاط الجدل والخلاف ليس فقط بين الباحثين المختصين وإنما أيضًا داخل الحركة نفسها التي كثيرًا ما ينفي قادتها وجود تقسيمات مثل محافظين وإصلاحيين أو صقور وحمائم. وحقيقة الأمر فإنه إذا تعاطينا مع حركة جماهيرية كبيرة مثل جماعة "الإخوان المسلمين" باعتبارها تنظيمًا بيروقراطيًا، فمن المنطقي أن يكون لديها تنويعات فكرية وأيديولوجية وجيلية وهو أمر بدهي ويعكس مدى خصوبة الحركة وحيويتها على عكس ما قد يعتقد البعض. وهنا يلقي كتاب "ويكام" الكثير من الضوء حول توزانات القوى داخل جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر طيلة العقدين الماضيين؛ حيث ترصد "ويكام" بكثير من التفاصيل الخلافات الداخلية في الجماعة خاصة تلك التي وقعت إبان أزمة مكتب الإرشاد عام 2008 وأزمة اختيار المرشد العام الحالي للجماعة الدكتور محمد بديع. وقد أجرت "ويكام" العديد من المقابلات مع رموز وشخصيات من الإخوان سواء من القيادات أو من جيل الشباب كي تقف على حقيقة الاختلافات الفكرية والأيديولوجية والجيلية داخل الجماعة.

تقسم "ويكام" الصف القيادي في جماعة الإخوان إلى ثلاثة تيارات، أولها: هو "تيار الدعوة" والذي يشير حسبما تقول "ويكام" إلى جيل الشيوخ داخل الجماعة أو "الحرس القديم" والذين حافظوا على التنظيم منذ الحقبة الناصرية وحتى الآن. ويركز هذا التيار على الأنشطة الدعوية والدينية والاجتماعية للجماعة وليس فقط الجانب السياسي. أما التيار الثاني فهو "تيار الواقعيين المحافظين" The Pragmatic Conservatives وتقصد به مجموعة القيادات الأكثر تسييسًا سواء تلك التي كانت تمثل الجماعة في البرلمان طيلة العقد الماضي أو تلك التي انخرطت في اللعبة السياسية مثل الدكتور محمد سعد الكتاتني والدكتور محمد مرسي والمهندس خيرت الشاطر والنائب البرلماني السابق علي لبن وغيرهم. ولعل الملاحظة المهمة هي ما تشير إليه "ويكام" حول التغيرات الأيديولوجية التي حدثت لهذه القيادات بسبب انخراطها في العمل العام، وإن كانت هذه التغيرات لم تجد طريقها لبقية الجسد الإخواني حسب "ويكام".

أما التيار الثالث فهو التيار الإصلاحي داخل جماعة الإخوان وتقصد به "ويكام" الجيل الوسيط في الإخوان الذي نشط في الجامعات طيلة السبعينيات ثم أصبح مؤثرًا في الثمانينيات والتسعينيات كالدكتور عبد المنعم أبوالفتوح وعصام العريان وحلمي الجزار وأبوالعلا ماضي قبل ترك الجماعة منتصف التسعينيات. وتشير "ويكام" إلى أن حضور التيار الإصلاحي قد تضاءل وتراجع منذ نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة وذلك لصالح التيار الأكثر محافظة. ولعل الملاحظة المهمة التي توردها "ويكام" هي أن التيار الإصلاحي كان يزداد حضورًا في فترات الانفتاح ويتراجع أوقات القمع والبطش بالجماعة حيث يكون الهدف الأساسي هو بقاء التنظيم.

وبالرغم من وجاهة هذه التقسيمات إلا أنها أغفلت أمرين، أولهما: التقاطعات بين هذه التيارات وعدم وجود حدود فاصلة بينها؛ فبعض رموز التيار البراجماتي المحافظ لديها تقاطعات مع التيار الإصلاحي والعكس. ثانيهما: أن المؤلفة لم تعط مساحة كافية لمعرفة الظروف والمحددت التي قد تجعل من هذا الشخص أو ذاك إصلاحيًا أو محافظًا. بكلمات أخرى، فإن معايير التصنيف والتمييز تبدو غامضة إلى حد ما.

إخوان ما بعد الثورة... معضلة الصعود وكبح الذات

طيلة عهد مبارك نجح الإخوان في رسم خط رفيع بين تعزيز مكانتهم السياسية من جهة والحرص على عدم تهديد نظام مبارك من جهة أخرى. وكانت استراتيجية الإخوان -حسب "ويكام"- تقوم على "تأكيد الذات" ولكن في نفس الوقت "كبح جماحها". بمعنى أن الجماعة كانت تأخذ خطوات تدريجية من أجل الاندماج في النظام السياسي القائم ولكنها في نفس الوقت كانت حريصة على ألا تغامر في حساباتها حتى لا تهدد بقاءها أو تشكّل تهديدًا جديًا لنظام مبارك. لذا عندما قامت الثورة، تقول "ويكام"، وقعت الجماعة في مأزق حقيقي وما إذا كان الوقت قد حان كي تتخلى عن استراتيجتها الحذرة وتقوم بالمساهمة في إسقاط النظام. وكان المخرج من ذلك هو ما قامت به الجماعة حين دفعت بشبابها للمشاركة في فعاليات ثورة 25 يناير/كانون الثاني في البداية وعندما بدا أن الثورة قادمة ألقت الجماعة بثقلها خلف الشباب حتى سقوط مبارك في 11 فبراير/شباط 2011.

خرج الإخوان من الثورة كأقوى لاعب سياسي على الساحة المصرية. وقد بدأت الجماعة في إعادة حساباتها وكان السؤال الذي واجه الجماعة هو: هل تتم المغامرة وحصد مزيد من المكاسب أم التهدئة واتباع استراتيجية حذرة؟ هنا ترصد "ويكام" تخلّي الجماعة عن حذرها التاريخي وكيف أن اندفاعها السياسي قد أدى إلى قدر من التشرذم والانقسامات الداخلية؛ حيث بدأت مجموعات شبابية تنادي بالتغيير والإصلاح داخل الجماعة ولما قوبلت مطالبها بالرفض انشقوا وخرجوا منها وأنشأوا أحزابًا سياسية مثل شباب "التيار المصري" أو انضموا إلى حركات سياسية أخرى. فضلاً عن خروج بعض القيادات مثل عبد المنعم أبوالفتوح ومحمد حبيب وحامد الدفراوي وغيرهم.

أما على صعيد التحولات الفكرية والأيديولوجية، فترى "ويكام" أن الانفتاح السياسي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني قد أجبر جماعة الإخوان على ضرورة الإجابة على الكثير من الأسئلة والإشكالات العالقة مثل الموقف من تطبيق الشريعة والالتزام بالحريات والتعددية السياسية والمواطنة. كما دفعها لإيضاح أهدافها الرئيسية وما إذا كان بناء دولة إسلامية لا يزال يمثل أحد أهداف الجماعة. ولم تغفل "ويكام" السياق السياسي الذي يتحرك به الإخوان حيث أشارت إلى محاولات مراكز القوى القديمة إعاقة تقدم الإخوان المسلمين إلى السلطة وهنا ترصد دور "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" في عرقلة الإخوان. وتلقي "ويكام" الضوء على الدور الذي لعبته "المحكمة الدستورية العليا" أيضًا في مواجهة الإخوان وذلك حين قامت بحل مجلس الشعب المنتخب من أجل حرمان الإخوان من إحدى الأدوات المهمة في مرحلة ما بعد الثورة.

مرسي في السلطة... يملك ولا يحكم

من الناحية النظرية كان وصول مرسي إلى السلطة في 30 يونيو/حزيران 2012 نقطة تحول في مسار جماعة "الإخوان المسلمين" منذ قيامها قبل ثمانية عقود. ولكن عمليًا لم يكن لدى مرسي الكثير من السلطات التي يمكن أن تجعله رئيسًا حقيقيًا. هنا تفتح "ويكام" النقاش حول بداية التوتر بين مرسي ومؤسسات الدولة التي رفضت التعاون معه وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية ومؤسسة القضاء. ومن أجل تعزيز سلطاته قام مرسي في 12 أغسطس/آب بإقالة وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان في خطوة مفاجئة للجميع ولحقها بمجموعة من الإعلانات الدستورية الجريئة.

ترى "ويكام" أن محاولات مرسي لتعزيز سلطاته جاءت على حساب علاقته ببقية القوى السياسية والثورية. وهنا ترصد عدم قيام مرسي بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وإصراره على دعم حلفائه الإسلاميين وهو ما أوجد فجوة مع بقية القوى الليبرالية والعلمانية التي دعمته خلال الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة. كذلك أدى ضعف خبرة الإخوان في الحكم إلى زيادة المشاكل وبداية تآكل في القاعدة الشعبية التي أتت بمرسي إلى السلطة.

ولعل إحدى القضايا المهمة التي تثيرها "ويكام" هي مأزق "الإخوان المسلمين" بعد وصولهم للسلطة؛ فمن جهة لم تستطع الجماعة تقديم تنازلات أيديولوجية حتى لا تتهم بالتفريط في مبادئها وأفكارها بين أنصارها ومؤيديها، ومن جهة أخرى لم تستطع القيام بإصلاحات حقيقية لأجهزة ومؤسسات الدولة وهو ما أفقدها ثقة ودعم القوى الثورية. وبمرور الوقت انحازت الجماعة لقاعدتها الاجتماعية والدينية وهو ما بدا بوضوح في مسألة الدستور التي كانت إحدى محطات الخلاف الشديدة مع بقية القوى السياسية وكانت نقطة فارقة في خسارة الإخوان للسلطة فيما بعد.

الإخوان المسلمون في إطار مقارن

بشكل ذكي تحاول "ويكام" وضع إطار مقارن للسلوك السياسي لجماعة الإخوان في العالم العربي؛ فقد قدمت عرضًا لأوجه الشبه والاختلاف بين إخوان مصر والأردن والمغرب والكويت. ولعل إحدى نقاط الاختلاف بين هذه الحركات -حسب "ويكام"- هي في طبيعة العلاقة بين الجماعة الدينية والحزب السياسي؛ ففي حين نجح الإخوان في الأردن والكويت والمغرب في الفصل بين النشاطين الدعوي والسياسي، فإن إخوان مصر آثروا الدمج بين الطرفين وهو ما أثّر على كفاءة كليهما حسب "ويكام".

ومن خلال عرض "ويكام" لهذه الحالات الأربع يتضح البون الشاسع بين الحركات الإسلامية في العالم العربي وأنها إذا اتفقت في الرابط الأيديولوجي والفكري فإنها تختلف هيكليًا فيما يخص السياسات والبرامج والاستراتيجيات. وهنا أيضًا يتضح مدي تأثير السياق السياسي وعلاقته بالتحول في أفكار وسلوك هذه الحركات؛ ففي الوقت الذي تراوحت فيه العلاقة بين إخوان الأردن والنظام ما بين الشد والجذب إلى أن وصلت حد القطيعة والصدام مؤخرًا، فإنها اتخذت منحى تصالحيًا في المغرب والكويت. وترصد "ويكام" نجاح حزب "العدالة والتنمية" المغربي في الوصول للسلطة بعد عدة جولات حيث تعاطى الحزب بواقعية وذكاء مع المؤسسة الحاكمة "المخزن" بحيث لم يمثل تهديدًا حقيقيًا لها.

الإخوان في طور التحول

بقدوم "الربيع العربي" دخلت جماعة "الإخوان المسلمين" في مرحلة من التحولات لا يعلم أحد أين ستنتهي وماذا ستكون نتائجها؛ لذا تشير "ويكام" إلى أنه من الخطأ النظر لتطور الحركة الإسلامية من منظور خطي أو ميكانيكي. فالتحولات التي تحدث الآن هي نتيجة لسياقات وديناميات عديدة متداخلة ومتقاطعة ولا يمكن الجزم أي المسارات سوف تصبح عليه حال الجماعة في المستقبل. بيد أن النقطة اللافتة التي تطرحها "ويكام" هي أن الحركات الإسلامية في مصر والأردن والمغرب والكويت عندما قررت الاندماج في النظام السياسي بهدف تغييره انتهى بها الحال إلى أنها هي التي تغيرت بفعل ديناميات اللعبة السياسية وهو ما يؤكد أن هذه الحركات ليست كتلة صماء وإنما كيانات حية تؤثر وتتأثر بما يدور حولها.

معلومات الكتاب
العنوان: الإخوان المسلمون... تطور حركة إسلامية.
misunderstanding
المؤلف: كاري روسفسكي ويكام.
عرض: د. خليل العناني - كبير باحثين بمعهد الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية بجامعة جونز هوبكنز الأميركية (واشنطن)
الناشر: مطبوعات جامعة برنستون.
تاريخ النشر: 2013
عدد الصفحات: 360
_____________________________________
د. خليل العناني - كبير باحثين بمعهد الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية بجامعة جونز هوبكنز الأميركية (واشنطن)

المصادر
1- Mona El-Ghobashy, The Metaphors of the Egyptian Muslim Brothers, International Journal of Middle East Studies, 37 (2005), 373-395.
2- Nathan J. Brown, When Victory Is Not an Option: Islamist Movements in Arab Politics, Cornell University Press, 2012.
3- Jillian Schwedler, Faith in Moderation: Islamist Parties in Jordan and Yemen, Cambridge: Cambridge University Press, 2007.
4- حسام تمام، تحولات الإخوان المسلمين: تفكك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم، مكتبة مدبولي 2008.
5- Carrie Rosefsky Wickham, Mobilizing Islam: Religion, Activism and Political Change in Egypt, New York: Columbia University Press, 2002.
6- تمثل أطروحة "الدمج والاعتدال" إحدى أكثر النقاط إثارة للجدل بين باحثي الحركات الإسلامية. وتقوم هذه الأطروحة على فكرة بسيطة مفادها أنه كلما جرى دمج القوى والتيارات الأيديولوجية في العملية السياسية أثّر ذلك على أفكارهم وسلوكهم واستراتيجيتهم السياسية؛ وذلك مثلما حدث مع كثير من الأحزاب الأيديولوجية بعد الحرب العالمية الثانية كالأحزاب المسيحية والشيوعية في إيطاليا وألمانيا. ورغم وجاهة الأطروحة إلا أنه لا يمكن إسقاطها ميكانيكيًا على كل الحالات بسبب اختلاف السياقات والثقافات. للمزيد حول هذه الأطروحة والجدل بشأنها يمكن مراجعة:
- Janine A. Clark, ‘The Conditions of Islamist Moderation: Unpacking Cross-Ideological Cooperation in Jordan,’ International Journal of Middle East Studies 38 (2006): 539–560
- Gu?nes Murat Tezcu?r, ‘The Moderation Theory Revisited: The Case of Islamic Political Actors,’ Party Politics, 16 (2010): 69-88.
- Jillian Schwedler, ‘Can Islamists Become Moderates?: Rethinking the Inclusion-Moderation Hypothesis,’ World Politics, 63 (April 2011): 347-376.

نبذة عن الكاتب