في محاضرة للجزيرة للدراسات: خرَّازي يدعو إلى تعاون إقليمي دون تدخلات خارجية

cda46beb62a048c5b783791837f612eb_18.jpg
يمينًا، الدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، ويسارًا، الدكتورة فاطمة الصمادي، باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات ومتخصصة في الشأن الإيراني (الجزيرة)

دعا وزير الخارجية الإيرانية الأسبق، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، الدكتور كمال خرَّازي، الدول العربية إلى البحث عن سبل للتعاون الإقليمي دون تدخلات خارجية، وقال: إنَّ المنطقة غنية بمواردها البشرية والطبيعية لكنها لم تُستَثمر الاستثمار الأمثل بسبب ما أسماه "رُهاب إيران" الذي تروِّجه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وأعرب عن رغبة إيران في مد جسور الحوار والتعاون مع جيرانها في كافة الأصعدة خاصة التعليمية والتكنولوجية، والاستفادة من طاقات الشباب لإعادة إحياء مجد الحضارة الإسلامية. 

جاء ذلك في ندوة عامة نظمها مركز الجزيرة للدراسات، يوم السبت 9 فبراير/شباط 2019، في العاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان "40 عامًا على الثورة الإٍسلامية الإيرانية، التعاون الإقليمي: الآفاق والتحديات" واستهلَّ بها سلسلة محاضراته لهذا العام. 

وتحدث خرَّازي عن جملة من الموضوعات قدَّم من خلالها رؤية إيران لأهم الأحداث التي شهدها إقليم الشرق الأوسط في الأعوام الماضية، منها ثورات الربيع العربي وما شهده اليمن والعراق وسوريا من صراعات وحروب. كما تحدث عن أسس ومرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية كما رسم ملامحها وحدَّد مساراتها الدستور.

وقال في هذا الصدد: إنَّ الثورات العربية التي اندلعت قبل ثمانية أعوام وصلت إلى طريق مسدود بسبب التدخلات الخارجية، لاسيَّما من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وأشار خرَّازي إلى علاقة بلاده بالمملكة العربية السعودية واصفًا الرياض بأنها و"الكيان الصهيوني بذرا بذور الشقاق في المنطقة"، على حد قوله. 

وأكد أنه بسبب الرُهاب من إيران بدَّدت السعودية مليارات الدولارات دون فائدة، وأشار في هذا السياق إلى أن احتياطي النقد الأجنبي السعودي انخفض بسبب هذه السياسات من 700 مليار دولار إلى 300 مليار دولار.

وعن مؤتمر بولندا الذي دعا إليه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، لحشد التأييد الدولي ضد السياسات الإيرانية في الشرق الأوسط؛ قال خرَّازي: إنَّ هذا المؤتمر ليس موجهًا ضد إيران فقط وإنما ضد روسيا أيضا وإن "هذه السياسات الخطيرة سوف تلتهم من خطَّط لها". 

وعن رؤيته لسبل السلام والعيش المشترك بين إيران وجيرانها، قال خرَّازي: إن السلام والأمن في المنطقة لا يتم إلا بالاحترام والتعاون، وإن هذا الأمر بحاجة إلى "بصيرة سياسية، واستقلال للقرار، وإيمان بقوتنا الذاتية كدول مسلمة". 

وعن أهمية الثقة بالنفس والإيمان بالقدرات الذاتية، قال خرَّازي: إن الثورة الإسلامية -التي تحتفل بلاده بمرور 40 عامًا على اندلاعها- قد نجحت في تحقيق أهدافها بفضل إيمانها بالله، وبمبادئ الإسلام، وبسبب ثقتها في نفسها رغم المؤامرات التي شُنَّت ضدها. 

وعدَّد خرَّازي تجليات نجاح الثورة الإسلامية في زيادة نسبة المتعلمين في إيران والتي بلغت -كما يقول- 97% من مجموع الشعب، وفي ازدياد أعداد الجامعات وتنوِّعها حتى وصلت إلى 2500 جامعة ما بين كبيرة وصغيرة، فضلاً عن مشاريع البنية التحتية التي أوصلت مياه الشرب والكهرباء والإنترنت إلى معظم القرى الإيرانية. 

وردًّا على سؤال من أحد الحضور عن السياسة الخارجية الإيرانية القائمة -كما يقول- على مفهوم الهيمنة وبسط النفوذ والتدخل في شؤون الآخرين، قال خرَّازي: إن طهران لا تعادي أحدًا، ولم تشن حربًا على أحد، ولكنها تقدِّم يد المساعدة لمن يطلبها، وإن هذا مبدأ إسلامي نصَّ عليه دستور بلاده، ولأنه مبدأ إسلاميٌّ فإنه لن يتغير. وأشار في هذا الصدد إلى أن بلاده قدَّمت يد المساعدة للعراق بعد أن طلبت الحكومة العراقية العون في محاربة الإرهاب، والشيء نفسه حدث بالنسبة للحكومة السورية التي طلبت الدعم الإيراني حفاظًا على وحدة أراضيها، ودفاعًا عن أمنها ضد جماعات العنف والإرهاب، وضد التدخلات الخارجية -وبخاصة الإسرائيلية- التي تريد لهذا البلد الفوضى. 

وعن دعم إيران لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن برَّر خرَّازي ذلك بالقول: "إن إيران تساعد "الزيديين" في اليمن ليكون لهم تمثيلٌ عادلٌ في الحكومة يتناسب مع نسبتهم التي تقدَّر بـ40% من مجموع السكان"، وأضاف: "إن هذا حقٌّ لهم، وإن إيران ملتزمة بمساعدتهم في نيل حقوقهم، وصد الظلم والعدوان عنهم". 

وردًّا على سؤال بشأن تقديم الدعم لحزب الله، قال خرَّازي: إن بلاده تدعم حزب الله لأنه الحزب الذي أخرج إسرائيل من لبنان، في حين أن الدول العربية لم تستطع أن تفعل ذلك. وأضاف أن حزب الله أصبح أكثر قوة لأنهم (أي الحزب) يؤمنون بالله وبالإسلام وبالنضال من أجل حياة أفضل، وشدَّد على أن قوة حزب الله تخدم الجميع في لبنان لأنه حزب يدافع عن جميع اللبنانيين أيًّا كان دينهم أو مذهبهم، وقال: "إننا لا نملي على حزب الله الأوامر، فهو حزب ناضج يعرف ما يفعل". 

وتحدَّث خرَّازي عمَّا أسماه "نموذج إيران الملهم روحيًّا للشعوب" كأحد مصادر القوة الناعمة؛ فقال: إن النفوذ الإيراني هو نفوذ طبيعي، لأننا دولة لها "نفوذ روحاني، تُقدِّم من خلاله نموذجًا مُلهمًا للشعوب".

وعرَّج خرازي في محاضرته على العلاقات الإيرانية-القطرية، قائلاً: إنَّ إيران تحترم قطر احترامًا أصيلاً، وإن هذا الاحترام قد ازداد بفضل إصرار الدوحة على مقاومة الحصار والوقوف ضد النفوذ السعودي والإماراتي، وأشار إلى أن إيران قد بسطت يد المساعدة لقطر "لأننا لا نقبل أن يتم السيطرة عليها من قِبَل القوى الأخرى، وكذلك فعلنا في مساعدتنا لسوريا والعراق"، وإن ذلك كله تمَّ "بناء على طلبات للتعاون مَقدَّمة من حكومات هذه الدول". 

واختتم رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، كمال خرَّازي، محاضرته بالدعوة إلى التعاون الإقليمي بعيدًا عن التدخلات الخارجية، خاصة من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل، على حد قوله، وبعيدًا عن رُهاب إيران، وقال: إنَّ ما نحتاجه هو البصيرة السياسية، والاعتماد على الذات، وإن هذا يتطلب من دول المنطقة أن تجلس معًا للبحث عن سبل التعاون دون تدخل خارجي، مؤكدًا أن دول المنطقة غنية، وذات حضارة إسلامية عريقة، وأن "واجبنا اليوم هو المساعدة على بث الروح مجدَّدًا في هذه الحضارة، والاستفادة من طاقات الشباب في المنطقة لتعزيز التقدُّم في كافة الأصعدة وبخاصة على الصعيدين التعليمي والتكنولوجي".