في محاضرة للجزيرة للدراسات: خرَّازي يدعو إلى تعاون إقليمي دون تدخلات خارجية

61accccb068d49da80f94cc8d4755eb0_18.jpg
كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، أثناء إلقاء محاضرته (الجزيرة)

أكد الدكتور كمال خرَّازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، أن بلاده جاهزة لإطلاق محادثات والتعاون مع جميع دول المنطقة لافتًا إلى أن التخويف غير المبرر من إيران أدى إلى تبديد ثروات الدول العربية بل تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني. 

جاء ذلك في محاضرة عقدها مركز الجزيرة للدراسات، يوم السبت 9 فبراير/شباط 2019، بالعاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان: "40 عامًا على الثورة الإسلامية الإيرانية، التعاون الإقليمي: الآفاق والتحديات". وتأتي هذه المحاضرة في مستهل سلسلة محاضرات ينظِّمها مركز الجزيرة للدراسات هذا العام. كما تأتي في إطار التعاون المقترح بين مركز الجزيرة للدراسات والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، وفي سياق الذكرى الأربعين لاندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية. 

استهل الدكتور كمال خرازي، الذي عمل وزيرًا للخارجية في حكومة الرئيس الإيراني، محمد خاتمي، لمدة 8 سنوات (2 أغسطس/آب 1997- 3 أغسطس/آب 2005)، محاضرته بالإعراب عن أمله في أن يكون هذا اللقاء بداية جيدة للمزيد من التعاون مع مركز الجزيرة للدراسات حتى يمكن المساهمة بفعالية في توسيع العلاقات بين قطر وإيران وتعزيز مساعي تحقيق السلام والأمن الإقليمي.

تعميق الانقسامات والتنافس السياسي 

استعرض كمال خرازي رؤيته للأوضاع الإقليمية والدولية قائلًا: "إننا نعيش في عالم يمر بحالة من الفوضى وإن الليبرالية التي تزعم أن لديها عصى سحرية لحل كافة المشكلات تواجه تحديات كبيرة، كما تعاني الرأسمالية أزمات عديدة حيث ازدادت أعداد الفقراء والجياع حول العالم". 

وأضاف أن "منطقتنا على وجه الخصوص، تعيش أزمة طويلة منذ طرد الاستعمار وزرع الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية كبذرة للشقاق والانقسام"، لافتًا إلى مرورها بالكثير من الحروب وصولًا إلى الربيع العربي الذي كان متوقعًا له أن يُحدِث صحوة عميقة وتنمية في المنطقة "ولكنه وصل إلى طريق مسدود بسبب تدخل العملاء الأجانب وزبانيتهم في منطقتنا وتعميق الانقسامات. ونتيجة لذلك، ازداد التنافس السياسي وأصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم والأعداء أصبحوا أصدقاء".

السياسات العدائية وتدمير الثروات الوطنية

وقال رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية: "إن تدخل التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في مصر وليبيا والبحرين وسوريا واليمن ومؤخرًا محاولة السعودية انتهاك سيادة أحد حلفائها، قطر، تحت ذريعة عدم الإذعان لسياسة الهيمنة السعودية، هي نماذج لما تلا الربيع العربي"، وإن هذه السياسات والتدابير العدائية أفضت إلى تدمير الثروات الوطنية والبنية التحتية وزرع بذور الشقاق بين دول المنطقة. 

وتابع: إن هذه السياسات أدت إلى تشكيل تعاون أمني واستخباراتي وحتى عسكري مع الكيان الصهيوني ضد شقيقتهم الكبرى، إيران. وأكد أن الولايات المتحدة تدعم السعودية، لأنها تحتاج أموالها وأخذت منها 400 مليار دولار في أشياء لا معنى لها، لافتًا إلى أن إيران حققت نجاحات دون الحاجة إلى أي دعم خارجي، وقال: "إنه حتى في فترة الحرب مع العراق لم يكن أحد يدعمنا والآن نحن أكثر قوة".

الرهاب الإيراني 

أوضح كمال خرازي أن الولايات المتحدة التي تحاول دومًا الصيد في الماء العكر، كثَّفت بالتعاون مع الكيان الصهيوني حملة التخويف من إيران والتي أفزعت النظام السعودي بقوة باتجاه كسب دعم الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات من احتياطياتها لصالح الأميركيين. 

وقال: إن رهاب إيران أدى إلى تبديد ثروات الدول العربية بل تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني لافتًا إلى أن مؤتمر بولندا القادم لا يستهدف فقط مواجهة إيران ولكن روسيا أيضًا. وحذَّر خرَّازي من أن هذه السياسات الخطيرة يمكن أن تتحول إلى أزمات تشمل هذه البلدان نفسها. 

وشدَّد على أن هناك استغلالًا كبيرًا لنشر الرهاب الإيراني في المنطقة والأميركيون -بشكل خاص- يدفعون بهذا الاتجاه، لأن زيادة خوف الدول من إيران تعني المزيد من الاعتماد على أميركا. 

وقال خرازي: "لابد أن نبذل قصارى جهدنا للحديث إلى الناس من أجل إزالة هذا الرهاب الإيراني قدر المستطاع"، مؤكدًا أن الرأي العام سوف يدرك أن هذا الرهاب كله فبركة في نهاية المطاف. وأشار في سياق متصل إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى الإمبريالية المالية من خلال القوة العسكرية والسلطة المالية وأن سياسة ترامب لم تزعج فقط إيران ولكن الأوروبيين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية أنفسهم.

احترام السيادة 

طالب رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية بضرورة الاتفاق على أن المنطقة تمر بظروف حرجة وأنه لا طريق لتحقيق الأمن والاستقرار إلا بالتواصل والحوار والاحترام المتبادل للسيادة. وقال: إن دول المنطقة في حاجة إلى امتلاك البصيرة السياسية وبناء الثقة بالنفس والحفاظ على استقلاليتها السياسية، "وإنه يمكننا تعزيز الثقة بيننا وتسوية خلافاتنا من خلال الحوار، وأيضًا عندما نؤمن بقوتنا كدول مسلمة وأن الدول الأجنبية لن تنجح في فرض إرادتها علينا في مواجهة قوة إيمان شعوبنا". 

وأشار إلى ما وصفه بمعجزة الإيمان والثقة بالنفس في إيران، قائلًا: إن إيران حققت نجاحات مميزة في العلوم والتكنولوجيا وغيرها بالثقة والاعتماد على الذات، ورغم المؤامرات فهي الدولة الأكثر استقرارًا في هذه المنطقة المضطربة؛ إذ لا تعتمد إيران على أية قوة للحفاظ على هويتها ومصالحها الوطنية.

نفوذ رُوحي لإيران في المنطقة 

قال كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية: إن ما حققته إيران أصبح مصدر إلهام للعديد من الشعوب ما أدى إلى وجود نفوذ رُوحي طبيعي لها في المنطقة. وأوضح أن إيران لم تبدأ أي عمل عسكري ضد أية دولة في المنطقة ولم تتوان عن الدفاع عن استقرار أية دولة بها أيضًا. واستطرد قائلًا: هل النفوذ الروحي وإلهام الشعوب الأخرى جريمة أو خطيئة؟ 

وردًّا على اتهامات بتغلغل النفوذ الإيراني في بعض العواصم العربية، قال الدكتور خرازي: "يجب أن تُبرِّروا اتهامات ما يسمى احتلال إيران لأربع عواصم عربية، صحيح أن لدينا نفوذًا في دول عربية وغير عربية، لأن إيران دأبت على إلهام الآخرين وهي طبعًا دولة استطاعت أن تنمو وتتطور من دون دعم الأجانب، وهو نموذج ملهم، فلدينا نفوذ طبيعي ونفوذ روحي ولا ضير في ذلك".

استعداد إيران للحوار 

وعن استشرافه لمستقبل الأمن الإقليمي في المنطقة، أكد خرازي على أن "هناك حاجة إلى منطقة قوية تعتمد فيها دولنا على قدراتها وتدعم بعضها البعض من خلال الحوار بهدف تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي". وأكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية جاهزة لإطلاق مباحثات والتعاون مع جميع دول المنطقة وتزويدها بما خلصت إليه من خبرات امتدت لأربعة عقود حول الاكتفاء والاعتماد على الذات. 

وقال: إن ما نحتاجه هو البصيرة السياسية والاعتماد على الذات، وعلى دول المنطقة أن تجلس مع بعضها وتأخذ قرارًا جماعيًّا بالوصول إلى السلام والأمن وبدون تدخل الدول الأجنبية. 

وطالب بضرورة إعادة إحياء الحضارة الإسلامية التي كانت تقود العالم في أزمان سابقة لافتًا إلى أن العلماء الإيرانيين نجحوا بدون مساعدة الدول الأخرى وأن إنجازاتهم فاجأت العلماء الغربيين "ولكي نعود دولًا إسلامية قوية علينا استغلال مواردنا في تطوير العلوم والتقنيات وثقل المهارات لتحقيق التنمية الشاملة لبلادنا بدلًا من الحروب وسفك الدماء".

قطر وإيران 

وعن العلاقات القطرية-الإيرانية، قال كمال خرازي: "لدينا احترام خاص لجارتنا دولة قطر وهو أمر أساسي ورغم أن بعض السياسات لا تتواءم مع إيران ولكن ما نثني عليه هو مقاومة هذه الدولة للضغوط السياسية والعقوبات التي فرضتها السعودية والإمارات". وأضاف: "لقد مدَّت إيران يد العون إلى قطر، لأننا نؤمن بأنه لا يمكن لأي دولة أن تعتبر نفسها القوة المهيمنة على المنطقة وتمارس التنمر والابتزاز. كما أن التدخل في سياسة الدول وانتهاك حقوق السيادة أمر غير مقبول على الإطلاق". 

وقال خرازي: "إننا مستعدون للتعاون مع قطر ودول المنطقة لتبادل الخبرات التعليمية والعلمية وإقامة مشاريع مشتركة وتبادل الأساتذة والخبراء بين جامعاتنا"، معربًا عن أمله في بدء التعاون في مجال العلوم الإدراكية وأخذ خطوات موثوقة لتعزيز هذه المعرفة والتكنولوجيا الجديدة لصالح شعوب المنطقة.

الدستور الإيراني 

وحول دور مجلس العلاقات الخارجية الإيراني في صياغة السياسة الخارجية الإيرانية، قال خرازي: إن سياسات إيران هي نفسها منذ الثورة وتسير وفق الدستور الإيراني ولم تتغير، وإن السياسة الخارجية الإيرانية يقودها المرشد الأعلى، ويساعد مجلس العلاقات الخارجية القادة لصياغة هذه السياسات. وأضاف "إن مهمتنا الأساسية، على مستوى الداخل الإيراني هي الاهتمام بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لثروة إيران وألا تكون في أيدي عدد محدود من الناس". 

وأوضح خرازي أن هناك تقدمًا كبيرًا في إيران منذ اندلاع الثورة حيث إن 80% من المناطق الريفية في إيران تنعم بالطاقة الكهربائية والغاز والإنترنت، كما أن 97% من الإيرانيين متعلمون وعدد الطلبة في الجامعات وصل 4 ملايين طالب وكان العدد قبل الثورة 170 ألف طالب وعدد الجامعات وصل إلى 2500 جامعة.

وأشار إلى أن دستور إيران صيغ منذ 40 عامًا بعد اندلاع الثورة وكانت ثورة إسلامية حقًّا وكانت مختلفة تمامًا عمَّا تسمى بالثورات الأخرى.. و"الدستور قائم على الإسلام الذي لا يتغير مع مرور الأيام ولا يتعين علينا أن نغير دستورنا، لأننا نؤمن أنه قائم على الإسلام". 

وأقر خرازي بأنه تم إساءة استغلال العامل الديني "ولكن علينا الدفاع عن دستورنا ومبادئنا، لأننا نؤمن بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم كل الضغوط والفظائع تحاول التطوير ما اكتسب دعم الإيرانيين جميعهم"، وأن إيران استطاعت أن تبقى وتطور ثقتها بنفسها وتصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والتنمية.

سوريا والعراق

وبشأن النفوذ الإيراني في سوريا والعراق، قال الدكتور خرازي: إن إيران سعت إلى مساعدة الحكومة العراقية والسورية بناءً على طلبهما لمواجهة المجموعات الإرهابية، وشدَّد قائلًا: "أؤمن إيمانًا راسخًا بأن ما حدث في سوريا كان مكيدة إسرائيلية لتفكيك الدول حولها". وأضاف أن بعض الدول دخلت لدعم المجموعات الإرهابية في سوريا "وبالطبع كانت هناك مظاهرات، ولكن بعد أسبوعين بدأ الدعم يتدفق وتم تشكيل جماعات إرهابية ولم يكن ليتم تشكيل داعش وجبهة النصرة بدون دعم أجنبي وصبَّ ذلك في صالح إسرائيل ليجعلوا العالم العربي أكثر ضعفًا".

سلام أفغانستان 

وعن موقف إيران من محادثات السلام الأفغانية، قال رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية: "لم نبق صامتين حيال ما يحدث في أفغانستان وكنَّا مؤثِّرين جدًّا من خلال دعمنا للمجاهدين الأفغان في الوقت الذي كان هناك تفاعل مع طالبان في ذلك الوقت. وبعد ذلك واصلنا تعاملنا وتعاوننا مع الأفغان والحكومة الأفغانية والآن بعد 17 عامًا من الوجود الأميركي في أفغانستان، وصل الجميع إلى الخلاصة بأنه لا فائدة للوجود الأميركي في أفغانستان، لأنه لم يخفف من عمليات سفك الدماء بل زادها أكثر واقتنعت أميركا في النهاية بضرورة السلام".

دعم الحوثيين وحزب الله 

وفيما يتعلق بالدعم الإيراني على أساس طائفي، للحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، قال الدكتور كمال خرازي: إن الشعب اليمني فقير والحوثيون الزيديون يريدون أن يكون لهم حصة في الحكومة فيما القصف السعودي يقتل الأبرياء ووصلت أميركا إلى قناعة بأنه لا فائدة من هذه الحرب. 

وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تنتهك حق الحوثيين بقصفهم يوميًّا ومن واجب جميع المسلمين دعم الحوثيين. وأضاف: "لم ندعم الحوثيين فقط بل الفلسطينيين أيضًا وهم ليسوا شيعة ودعمناهم لا لِنُشيِّعَهم ولكن لأنهم مسلمون والإسرائيليون يحتلون أراضيهم وسوف نواصل دعمهم". 

وقال: "إن إيران تدعم حزب الله، لأنه يقاتل المحتلين وهو الذي دفع بإسرائيل خارج لبنان والدول العربية مثل مصر وسوريا لم يتمكنا من فعل ذلك". وأضاف: "مسؤوليتنا هي تقديم الدعم لحزب الله، وهو أكثر قوة من أي وقت مضى، لأنهم يؤمنون بالإسلام وضرورة نضالهم من أجل حياة أفضل. وداعش كان بإمكانها القدوم إلى لبنان وقتل كل المسيحيين ولكن حزب الله أوقفهم وكان يخدم الجميع ويدافع عنهم، وحزب الله ناضجون بدرجة كافية لتقرير ما يقومون به".