ندوة مشتركة لمركزي الجزيرة والدراسات المتوسطية تناقش تحديات ومستقبل المغرب العربي

95a765197b6546d0b77e81e099139559_18.jpg
جلسة حوارية تناقش مستقبل المغرب العربي ودور المجتمع المدني (الجزيرة)

في ندوة نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع مركز الدراسات المتوسطية والدولية، يومي 16 و17 فبراير/شباط 2019، في تونس العاصمة تحت عنوان "التحولات السياسية في المغرب العربي: الحصيلة والآفاق"، ناقش عدد من الخبراء والمختصين في العلاقات الدولية والعلوم السياسية والإعلام والاتصال مختلف التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي عرفتها دول المغرب العربي خاصة خلال العقد الأخير في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وركزت محاور الندوة على حصيلة الإصلاحات السياسية للبلدان المغاربية، والعلاقات فيما بينها ومع دول الجوار الإقليمي والدولي بالإضافة إلى التهديدات العابرة لحدود دول المغرب العربي ومستقبل المنطقة في خضم التحولات السياسية والمجتمعية التي تشهدها. وقد واكب النقاش ثُلَّة من السياسيين والبرلمانيين والإعلاميين والناشطين العرب بمداخلاتهم وآرائهم لإثراء محاور الجلسات النقاشية.

حصيلة الإصلاحات والتحديات السياسية الداخلية 

من اليمين: السنوسي بسيكري، محمد جميل منصور، محمد المختار الخليل، عرفات شكري، أحمد إدريس، امحمد المالكي، محمد سي بشير (الجزيرة) 

بعد عقود من تأسيس اتحاد المغرب العربي، في 17 فبراير/شباط 1989، وبعد حوالي عقد من اندلاع الربيع العربي باعتباره ظاهرة سياسية انطلقت من قلب المغرب العربي الكبير وكان لها الوقع السياسي والاقتصادي والإعلامي على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ولو بدرجات متفاوتة، تقف ندوة "التحولات السياسية في المغرب العربي: الحصيلة والآفاق" وقفة تأمل وتقييم لتناقش المسارات المتباينة في التعامل مع الربيع العربي داخل بلدان المغرب العربي وحصيلة التجارب السياسية بعد سنوات من انطلاقها.

الدكتور أحمد إدريس، المدير التنفيذي لمركز الدراسات المتوسطية والدولية بتونس، أكد أن تونس خطت خطوات مهمة في مسار الإصلاح السياسي والدستوري، تكاد تكون جذرية لولا عدم تخلصها من عديد المناهج السياسية المرتبطة بالمنظومة القديمة سواء كانت أفكارًا أو أشخاصًا أو تنظيمات. وأضاف أن التعامل مع دستور 26 يناير/كانون الثاني 2014 لم يكن في مستوى الطموح السياسي لمُؤَسِّسِيه وللنخبة السياسية في البلاد باعتبار الفجوة الكبيرة بين النص وآليات التنزيل في الواقع السياسي وأيضًا الفشل في إرساء المؤسسات الدستورية. وعزا المتحدث هذا الفشل بالأساس إلى هشاشة البنى الحزبية وعدم قدرتها على التنظيم باستثناء حزب وحيد هو حركة النهضة التي ما زالت تحافظ على استقرارها الهيكلي البنيوي رغم المراجعات الفكرية التي تشهدها، وكذلك غياب الحد الأدنى من الثقافة السياسية اللازمة لخوض مرحلة انتقال ديمقراطي جد دقيقة وحساسة قد باتت مخرجاتها مهددة.

أما الدكتور امحمد المالكي، أستاذ القانون العام بجامعة السلطان قابوس، فقد أشار إلى أن فكرة الإصلاح فكرة قديمة ومتجذرة في المغرب منذ القرن التاسع عشر، وبقدوم الربيع العربي كانت السلطة جاهزة لخوض مخاض إصلاحي شامل بادرت به المؤسسة الملكية وعملت على تدعيمه، مؤكدًا في ذات الصدد أن حصيلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقانونية التي انتهجها المغرب تمثَّلت في إعادة صياغة مفهوم جديد للسلطة، والانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان بإمضاء أكثر من 25 اتفاقية دولية، والحوكمة المؤسساتية وإصلاح منظومة الأحوال الشخصية عبر تحوير قانون الأسرة والطفولة.

وأضاف المالكي أن المغرب يعيش نزاعًا حديًّا بين المحافظين من جهة والطامحين للتغيير من جهة أخرى وبقي في تلك الدوامة مما حدَّ من تأصيل الإصلاحات وتفعيلها بالطريقة التي أُريد لها بفعل الهوة بين فعل التحديث وخلق بديل عملي لإرساء تحول ديمقراطي ملموس. 

من ناحيته، قال محمد جميل منصور، القيادي في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية: إن الربيع العربي أجبر السلطة الحاكمة في موريتانيا على الاستجابة للمطالب الشعبية ومزيد من الانفتاح على مختلف القوى المدنية والسياسية وذلك ما أوصل البلد لخوض موعد انتخابي رئاسي في يونيو/حزيران المقبل (2019)، لكن هذا الانفتاح كان محدودًا جدًّا؛ لأنه اقتصر على أطراف سياسية ومدنية دون غيرها ولأن الحالة الموريتانية عرفت انتكاسة متأثرة بما حدث في سوريا واليمن وليبيا 

أما السنوسي بسيكري، مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية، فأكد أن خلل مقاربة التأسيس الإصلاحي في ليبيا الثورة بدأ مع وضع الدستور وخوض أول انتخابات تشريعية، سنة 2012، حسب مقتضيات المادة 30 منه التي كانت لغمًا عصف بمسار بأكمله، انتهى مع طغيان منطق عشائري قبائلي وسياسي رافقه فشل حكومي ذريع على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كشفت عن أزمات عميقة ضربت قلب البنية المجتمعية الليبية. 

من جهته، أشار الدكتور محمد سي بشير، الأستاذ الجامعي في المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، إلى أنه يُحسَب لبلاده كونها أول من بادر بالاستجابة للمطالب الشعبية التي جاء بها الربيع العربي وأن الذاكرة الجمعية الحية في الجزائر والمنطقة تتذكر كيف استجابت السلطة لمطالب مظاهرات "الزيت والسكر" سنة 2011، واستدرك بالقول: "إن الإصلاحات التي قامت بها السلطة الجزائرية بقي أغلبها حبرًا على ورق وسيأتي اليوم الذي سترى فيه النور وتتجسد كإنجازات ديمقراطية وتنموية واقتصادية على أرض الواقع فالفشل ليس دائمًا والاستبداد ليس دائمًا".

العلاقات المغاربية: الإمكانيات والعوائق

من اليمين: محمد المختار الخليل، إسماعيل القريتلي، منير الكشو، لطفي حجي، لويزة آيت حمدوش، سيد أعمر شيخنا، عرفات ماضي (الجزيرة)

في قلب العالم وبين قاراته الخمس تتموقع دول المغرب العربي التي يملك بعضها ثروات بترولية وغازية هائلة وتختزن أخرى موارد منجمية لا حصر لها، وثروات بحرية وصناعية وطبية ناهيك عن الموارد البشرية التي تتميز بها المنطقة، رغم كل ذلك، لم يشد المغرب العربي الرحال بعد على طريق التنمية بالسرعة والنجاعة المطلوبين إذا ما نظرنا لجملة الإمكانيات المتنوعة في المنطقة. 

فبسبب ضعف الإرادة السياسية وتفشي الفساد والجريمة المنظمة وخلل منظومات توزيع الثروات، وأمام وضع إقليمي ودولي متقلب فتح بدوره جبهات أخرى على دول المنطقة، يجد المغرب العربي نفسه مثل الأمس تمامًا خلال سنوات بلورة مشروع الاتحاد أو يكاد. 

وفي هذا السياق، أوضحت الدكتورة لويزة آيت حمدوش، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن انقسام المغرب العربي في شكل أقطاب اقتصادية منفصلة وعجز حكومات المنطقة عن إيجاد صيغ توحيدية يكلف المنطقة خسارة 5 مليارات دولار سنويًّا من الاستثمارات التي يمكنها أن تكون البوابة لانتعاش اقتصادي واجتماعي. 

وبالحديث عن التحديات الجديدة في المنطقة، أردفت آيت حمدوش بالقول: لا يمكن لأي دولة مغاربية أن تتحدى بمفردها جملة التهديدات الأمنية ما لم يتم إرساء خطط أمنية وعسكرية موحدة وشاملة وجامعة بعيدًا عن الأحادية والثنائية في التنسيق الأمني في المنطقة. وأشارت في الآن ذاته إلى أن هذه المرحلة الجديدة في تاريخ المنطقة شهدت سقوط مناعة أنظمة وبقاء أخرى تكيفت مع الأحداث، أما مناعة المنطقة ككل فلم يتغير بخصوصها شيء مما أسهم في إعادة اجترار سياسات قديمة وبالتالي إعادة إنتاج "اللامغرب العربي".

أما الأستاذ منير الكشو، أستاذ الفلسفة الأخلاقية والسياسية الحديثة بجامعة تونس، فأكد أنه نظرًا لكون الدولة المغاربية الوحيدة التي حصلت على مؤشر جيد على سلم الديمقراطية هي تونس "فهذا ما يحيلنا إلى أن المغرب العربي غير متجانس سياسيًّا و مؤسساتيًّا مما يعيق بلورة مشروع المغرب الكبير ويعرقله"، وأكد أيضًا أن "الديمقراطية التونسية بدورها ما زالت مهدَّدة في كيانها ما لم يتم إرساء المؤسسات الدستورية وإصلاح المنظومة الأمنية التي تكشف لنا في كل مرة عن كم غير مقبول من التجاوزات الخطيرة في حق المواطنين العزل".

وبيَّن الدكتور عمر شيخنا، رئيس تيار الوفاق الوطني الموريتاني، أن الدول التسلطية في منطقة المغرب العربي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنتج اتحادًا أو تُحدث تجانسًا سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا، "ولو أن الدول المغاربية كانت ديمقراطية لتم إيجاد حلول ملائمة لمشاكل أزلية تعيق وحدة المغرب العربي ولعل من أهمها قضية الصحراء الكبرى".

علاقات دول المغرب العربي بالجوار الإقليمي والقوى الدولية 

من اليمين: محمد المختار الخليل، صلاح القادري، محمد سيد أحمد فال الوداني، محمد سعدن طالب

تعتبر الدبلوماسية سلاحًا قد يكون في بعض الظروف والمعارك أقوى من القوة العسكرية، فهناك شعوب حققت بواسطة الدبلوماسية الواعية المتحركة انتصارات باهرة. وليس مجافاة للواقع القول: إن أثقل الهزائم العربية عمومًا والمغاربية خصوصًا كانت -على مر التاريخ- دبلوماسية قبل أن تكون عسكرية. 

ولا يخفى على أحد أن سعي الدول المغاربية نحو الوحدة وتأسيس اتحاد إقليمي صلب بقي لعقود مجرد هياكل لضعف أو لخلل في بناء علاقات دولية متوازنة وبنَّاءة يتم من خلالها التسويق لهذا المشروع لدى الرأي العام الدولي عبر علاقات رسمية وشعبية متينة مع مختلف صنَّاع القرار الدولي والحال أن هذه الدول لها ما يجمعها من قيم ومبادئ وتاريخ وجغرافيا ومصير مشترك يفوق بكثير ما يجمع أقطارًا أخرى في أقاليم أخرى من العالم كالاتحاد الأوروبي مثلًا.

في هذا السياق، قال الدكتور عبد النور بن عنتر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس: لا يمكن الحديث عن مغرب عربي ككيان متجانس ومؤثر في المنطقة دون تنسيق ودون بناء علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والدول العظمى خاصة منها أميركا، مبيِّنًا أن هذا التنسيق يمكِّن المجموعة المغاربية من تصور محكم للتحديات القائمة وخاصة منها الأمنية والعسكرية التي تطرح نفسها بقوة في الوقت الراهن.

بدوره، أكد الباحث السياسي، صلاح القادري، أن دول الجوار الإفريقي جنوبًا أصبحت تمثل اليوم خطرًا استراتيجيًّا محدقًا على المنطقة المغاربية من ناحية الإجرام والإرهاب والهجرة غير النظامية. وعليه وجب الحذر مما تسببه للمنطقة من مخاطر. كما دعا إلى فتح قنوات حوار دبلوماسية مع الجهات الرسمية لتلك الدول للبحث عن حلول ملائمة.

وأضاف القادري أن امتلاك القدرة على الـتأثير في القرار الدولي يمر عبر تحرير الاقتصاد الداخلي للمنطقة وتطويره من خلال وضع حد للريع خاصة فيما يتعلق بالثروات الطبيعية. كما شدد الباحث على ضرورة القطع مع الاقتصاد الاستهلاكي والاقتصاد التقليدي الذي يفتقر إلى التكنولوجيا.

التهديدات العابرة للحدود: الإرهاب والجريمة المنظمة واللاجئون 

من اليمين: محمد المختار الخليل، منى بنت الدي، مصطفى عمر التير، أحمد إدريس، الحواس تقية، إسماعيل حمودي (الجزيرة) 

واجهت الأقطار المغاربية على مرِّ الأزمنة تحديات أمنية متلاحقة تجلت في الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة السلاح وصولًا إلى تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية باعتبار المنطقة ممرًّا نحو جنوب أوروبا وكذلك انتشار الأمراض. هذه الأزمات الأمنية المهددة للفضاء المغاربي الواحد، أعادت النظر في مبادئ ومفاهيم الرؤية الأمنية الشاملة والمشتركة، والتعاون والاعتماد المتبادل عسكريًّا. هذه التحديات التي تفاقمت في تونس وليبيا بعد 2011 على وجه الخصوص، لم تسمح باتخاذ أيه خطوات عملية سياسية أو عسكرية لتحقيق ذلك، فقد عرفت المنطقة تدهورًا أمنيًّا آخذًا في التصاعد يومًا بعد يوم. ورغم إدراك الدول المغاربية لحجم المخاطر والتهديدات الأمنية التي تشهدها المنطقة، إلا أن تباين وجهات النظر بينها، واستمرار الخلاف السياسي المؤسساتي الجلي، لم يلغ التعاون البيني لمواجهة التداعيات الأمنية والتهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة بكل أنواعها العابرة للحدود ولكنه يظل تعاونًا محدودًا وغير ذي نجاعة.

وقال الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الحواس تقية: إن الحدود البين-مغاربية أصبحت عاملًا للصراع البيني عوض أن تكون رافدًا للتنمية والتعاون الأمني والتنسيق العسكري مما يجعلها تفقد السيطرة على المجال الجغرافي وبالتالي تخسر حربها ضد الجريمة العابرة للحدود. فكلما زادت الدول هشاشة تعزز مجال المجموعات المهمشة التي تبحث عن الوجود بكافة السبل. ولذلك يتوجب على المجموعة المغاربية اليوم أن تناهض المجموعات المهمشة التي تريد إبراز نفسها فوق القانون ولعل من أهمها عصابات التهريب وتجارة المخدرات والسلاح بين دول المنطقة.

وأكد الدكتور مصطفى عمر التير، أستاذ علم الاجتماع بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا، أن الاختلاف العرقي والاجتماعي في الصحراء الليبية كرَّس ظاهرة العنف وحمل السلاح في الوقت الذي لم تقرأ فيه السلطة على مر العصور حسابًا لذلك وهذا العامل لم يكن متوفرًا في بقية دول المغرب العربي باعتبار الوحدة العرقية نسبيًّا عكس الحالة الليبية. وأضاف التير أن الميليشيات المسلحة التي ضمت مرتزقة من إفريقيا لم تكن واعية بالحال التي يمكن أن تصل إليها ليبيا ما بعد القذافي حيث إن أغلب عناصرها أصبحوا مهربين محترفين بين ليبيا ومالي والسودان. وانتهى التير بقول لا يخلو من السخرية بخصوص مصير الانتقال الليبي في خضم هذا المشهد المعقد: "إن الثورة الليبية ثورة متفوقة بامتياز فقد تفوقت على الثورتين التونسية والمصرية من حيث حجم الدمار والعنف والسلاح".

مستقبل المغرب العربي ودور المجتمع المدني

من اليمين: عمر بغزوز، إسماعيل حمودي، أحمد الأطرش، عبد الرزاق مختار، محمد المختار الخليل، (مدير الجلسة سالم المحروقي) (الجزيرة)

لعب المجتمع المدني في بلدان المغرب العربي دورًا حاسمًا في إنجاح تجارب إصلاحية وإفشال أخرى، هذا المكون الشعبي الثري والمتنوع مكَّن تونس من أن تخطو خطوات مهمة في مسارها الثوري الإصلاحي مثلما مكَّن من إضفاء انتعاشة داخل المشهد المغربي في الوقت الذي تمت فيه محاصرته والضغط عليه بشتى الوسائل في ليبيا بسبب الوضع السياسي والأمني في البلاد مما أدى إلى وضعه على هامش المشهد الليبي العام.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور عبد الرزاق مختار، أستاذ بكلية القانون بتونس، أن حصول تونس على جائزة نوبل للسلام -عبر منظماتها المدنية ممثلة في الرباعي الراعي للحوار المتكون من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس- كان لحظة فارقة لها ما قبلها وما بعدها في التاريخ السياسي المعاصر لتونس. وأضاف أن المجتمع المدني في تونس له تاريخه قبل الثورة وبعدها حيث كان مهربًا للناشطين السياسيين في نضالاتهم وأصبح بعد الثورة فاعلًا أساسيًّا في المشهد التونسي وهو اليوم في حالة تطور ونمو مستمر يعمل على تكريس مبادئ الشفافية وعلوية القانون ويسهم في الحوكمة لتحقيق مزيد من التطور والنجاعة كما أن المكتسب الدستوري الذي كرس دور المجتمع المدني في الحياة السياسية في حاجة لتدعيم فعلي على الأرضية السياسية وخاصة فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية كضمانة لنجاح التجربة التونسية، حسب قوله.

من جهته، بيَّن الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، أن الربيع العربي كان نتاجًا لحراك دفع به المجتمع المدني أكثر منه حراكًا سياسيًّا متحزبًا. ولاحظ أن المجتمع المدني المغاربي عمومًا يثير في علاقته بالخارج قضايا عديدة تتعلق بالتمويل والولاء والعمالة، وهو ما يستدعي تقنين العمل الجمعياتي ومراقبته وتأطيره حتى يؤدي الأدوار التنموية والإصلاحية المنوطة به.

أما الكاتب الصحفي المغربي إسماعيل حمودي، فقد أوضح أن المشهد المغربي عرف نقلة نوعية خلال العشرية الأخيرة وذلك في علاقة بدور المجتمع المدني الذي خرج من قوقعته وانخرط في الحياة العامة وغدا مؤثرًا فيها على ضوء الدستور الجديد الذي أعطي المكونات المدنية مجالًا واسعًا للتفكير والبحث والفعل في المجال العام.

بدوره قال الدكتور أحمد الأطرش، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد في طرابلس: إن التونسيين محظوظون لأن الرئيس المخلوع قال لهم: "فهمتُكم" في الوقت الذي قال فيه القذافي لليبيين: "من أنتم؟" وهذه دلالة على كم الوعي السياسي والحضاري في كلا البلدين. وأضاف أن دولًا عربية كثيرة "تهتم بأمن النظام دون أمن المواطن وهذا ما أسهم في تخلفها وعرقلة الإصلاح، لكن الأمل فيها يبقى قائمًا".

وخلص أستاذ العلوم السياسية، عمر بغزوز، إلى أن الشعب التونسي نجح في رفع سقف الفعل الشعبي بفضل جهود المجتمع المدني الرقابية وهو اليوم يتوِّج مساره بإنهاء المرحلة الانتقالية عبر خوض الانتخابات التشريعية والرئاسية هذه السنة مؤكدًا أن قطار الإصلاح في المغرب العربي انطلق ولن يعود للوراء. 

من خلال ما ســبق، يتضح حجم المصالح المشتركة بيــن دول المغــرب العربــي ويتبيَّن معها حجم التحديات المتنوعة (سياسية واقتصادية وأمنية) التي تعرفها المنطقة، وتبــرز بالتوازي مع ذلك الإمكانيــات الموضوعية والمؤشــرات العملية التــي بإمكانها -إذا توافرت مجموعة من الشــروط- أن تســهم في تحويل منطقة المغرب العربي إلى قــوة إقليمية ذات رهانات استراتيجية أكبر وأوسع وأشمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*آدم كامل مطيراوي، صحفي تونسي.