تكلفة الأزمة باهظة والحل في تطبيق الشرعية الدولية

يرى عميمور أن حل قضية الصحراء هو التمسك بالشرعية الدولية، ويعتبر مشروع الحكم الذاتي هو لدمج المنطقة مستقبلا، معترفا بتكلفة الأزمة الباهضة
8fae1ea584e24030b6e9062698b9e0cb_18.jpg
محي الدين عميمور (الجزيرة)
يتحفظ الدكتور محي الدين عميمور في تناوله لقضية الصحراء الغربية من وجهة نظر جزائرية بداية على تعبير "الصراع"، الذي توصف به القضية، ويعتبر أن هنالك اختلافا بين الجزائر والمغرب حول نظرة كل منهما لقضية الصحراء الغربية، لكن "الصراع"  هو بين المملكة المغربية وشعب الصحراء بقيادته المعترف بها دوليا، وهي "جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، المعروفة إعلاميا باسم البوليساريو.
وينطلق من مقدمة مفادها أن الحل ينبغي أن يكون بما يخدم مصالح دول وشعوب المنطقة في وقت واحد.

 

"

بكل صراحة، المستقبل لن يكون مشرقا أو واعدا أو حتى مُطمْئنا، لأن تصلب الأشقاء في المغرب سيقابله تصلب الأشقاء في الطرف المقابل وبالتالي تصلب مؤيدي هذا الطرف أو ذاك

"

الحل في الشرعية الدولية

الأسلوب الأمثل للحل بالنسبة للجزائر يكمن في تطبيق الشرعية الدولية التي تمثلها قرارات مجلس الأمن ومقررات الاتحاد الإفريقي وقبله منظمة الوحدة الإفريقية، وهو ما نقوله ونردده منذ بدايات الأزمة.

وبالطبع فإن المفاوضات بين الطرفيين المعنيين طبقا لقرار مجلس الأمن هو طريق ملائم لحل القضية بشرط التقيد بنص القرار الذي يوصي باستبعاد أي شروط مسبقة. وهنا يجب التقيد بما يتفق عليه، حتى لا نكرر قضية هيوستون 1997، حيث تنكر المغرب للاتفاق مع الصحراويين، والذي كان وقعه على ما أتذكر السيد عبد اللطيف الفيلالي آنذاك.

وبكل صراحة، المستقبل لن يكون مشرقا أو واعدا أو حتى مُطمْئنا،  لأن تصلب الأشقاء في المغرب سيقابله تصلب الأشقاء في الطرف المقابل وبالتالي تصلب مؤيدي هذا الطرف أو ذاك، والأمر ينطبق على المدى البعيد والقريب في وقت واحد، وقد تؤدي تعقيدات القضية إلى توترات في المنطقة لا أول لها ولا آخر.

وبالنسبة لمستقبل العلاقات بين الجزائر والمغرب، هناك طريق واحد كنا اقترحناه سابقا على الأشقاء وهو السير على نفس الطريق الذي انطلق به الرئيس الشاذلي بن جديد من "زيرالدا" في الجزائر لبناء اتحاد المغرب العربي عام 1988، والذي وقعناه في العام التالي في مراكش إكراما للأشقاء المغاربة.

وكان المنطلق هو أن تزاح قضية الصحراء الغربية جانبا لتتولاها المنظمة الأممية ونتفرغ نحن لدراسة القضايا الثنائية عبر لقاءات منظمة بين الجزائر والمغرب وبواسطة لجان تم تشكيلها فعلا، وهو ما يعني تفادي التصرفات الساذجة التي يلجأ لها بعض الأشقاء بإصدار بيانات في أيام العطلات الرسمية، تبدو وكأنها محاولات إعلامية أو إعلانية لتجريم الجزائر وتسجيل مواقف،  بدلا من العمل الجاد لحل الأزمة.

ولقد كنا نأمل أن يقابلنا الأشقاء بردود فعل جادة تمكننا من أن نصل معا وبجهد مشترك، إلى دراسة كل المعطيات واتخاذ القرارات المناسبة التي تستجيب لإرادة بلدينا وتحترم الالتزامات الوطنية والجهوية والدولية لكل منهما، لكننا فوجئنا دائما بتصرفات تنقصها الجدية.

كما حدث عندما ألغى المغرب من طرف واحد، زيارة مبرمجة للسيد أحمد أويحيى رئيس الحكومة الجزائرية عام 2005 قبل موعدها بيومين، أو نتعرض لمواقف استفزازية تعوزها الحكمة، كما حدث خلال زيارة السيد عبد العزيز بلخادم لطنجة منذ شهور للاحتفال بخمسينية المغرب العربي، وهي زيارة كان يجب أن تستثمر لإزالة الجليد المتراكم بين البلدين، ولكن، وبدلا من انتهاز المناسبة التي أرسلت الجزائر رئيس حكومتها للمشاركة فيها، وهو ما لم يكن أمرا عفويا أو ارتجاليا، راح البعض يطرح قضايا لم يكن ذلك مكانها ويرفع شعارات لم يكن ذلك وقتها.

وهكذا أضاع الأشقاء موعدا آخر، مما أعطانا الشعور بأنهم ليسوا حريصين على إزالة التوتر، وهذا هو ما جعلنا نعتبر تلك الاستفزازات محاولات مغربية لتمييع مشاكل داخلية.

توقعات بزيادة حدة التوتر
بالنسبة إلى المعطيات الحالية على الأرض، أقول بوضوح أن القضية بالنسبة لنا كانت وستظل دائما قضية تصفية استعمار، وأي واقع استعماري هو قضية مرتبطة بتوازن القوى، وهذا ليس أمرا ثابتا بدليل استقلال دول إفريقية لم يكن الواقع على الأرض يمثل دائما الوضعية المثالية بالنسبة لشعوبها، والجزائر وجنوب إفريقيا مثالين لذلك.

أما بالنسبة للواقع الحالي فالصحراء مقسمة إلى أجزاء ثلاثة، قسم كبير تحتله القوات المغربية في تناقض تام مع اتفاقيات مدريد بين المغرب وإسبانيا والتي نقلت "الإدارة" ولم تنقل "السيادة"، وبغض النظر عن أن الاتفاقية غير مسجلة في الأمم المتحدة كاتفاقية بين دولتين، و"الكورتيس"(البرلمان) الإسباني لم يُصادق عليها.

ولا أخفي أن هناك عندنا من يظن بأن الاتفاقية المتسرعة ارتجلت في مرحلة كانت إسبانيا تعاني فيها من صدمة وفاة فرانكو، وهناك آخرون يرون أن الاتفاقية كانت رشوة إسبانية ذكية لطمس قضية سبتة ومليلية، وهذا أمر يهم البلدين.

وهذا الجزء المحتل يحميه جنوبا سور لعلكم تعرفون قصته، ودور الجنرال وولترز الأمريكي في بنائه، بنصائح من خبراء إسرائيليين أشاروا  ببناء مثيل لما يسمى اليوم "سور العار"، الذي أدانته محكمة العدل الدولية.

الجزء الثاني من الصحراء هو حيث توجد "البوليساريو"، التي عقدت مؤتمرها الأخير في منطقة تفاريتي المجاورة لموريتانيا، وهو جزء لا توجد به قوات عسكرية مغربية كالجزء الشمالي.

أما الجزء الثالث هو ما يوجد بين السور والمنطقة التي يوجد فيها الصحراويون، وهو ما يمكن أن يعتبر "No man’s land"، وكان ثمرة للاتفاق الشجاع على وقف إطلاق النار والذي وقعه المغرب مع البوليساريو بإرادة أممية.

والتوقعات المستقبلية هي بكل أسف، زيادة التوتر مع اختلاف درجة خطورته طبقا للظروف المرحلية، ومن الممكن أن تضطر الجزائر إلى الانسحاب تماما من اتحاد المغرب العربي الذي كان المغرب قد جمد مشاركته فيه عندما كنا نعاني من الأزمة الدموية، بما بدا ضغطا على الجزائر لانتزاع مواقف معينة تتنازل بها عن التزاماتها المستمدة من مبادئها. وسيؤدي الانسحاب إلى اتجاه الجزائر نحو الاكتفاء بالعلاقات الثنائية مع الراغبين من  بلدان المنطقة.

وبالطبع فسوف يتواصل التمسك بعدم فتح الحدود البرية، التي أغلقت في منتصف التسعينيات بعد اتهامات ظالمة من المغرب للجزائر إثر ما حدث في مراكش من أعمال إجرامية.

ونحن نعرف الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية لعدم فتح الحدود البرية والتي ستمس أساسا السكان المغاربة في المناطق المجاورة، ونحس بالأسى لذلك، ولكن ليس هناك من يستطيع، وأيا كانت الشعارات البراقة المرفوعة، أن يفرض علينا فتح أبوابنا للتهريب بكل ما يأتي به من سلاح ومخدرات وتسلل إجرامي، وبغض النظر عن جنسية المهربين أو اتهام للأشقاء باحتكار هذه الممارسات.

لكن الأمر كله كان يمكن علاجه بالعمل المشترك والممنهج بين البلدين، وهو ما يتهرب منه الأشقاء في القيادة المغربية. وبالتالي فستظل دول المنطقة تواجه الشمال بشكل فردي، يجعلنا فريسة للتعنت الأوربي، ويقلص من مقدرتنا التفاوضية في مجال الاتحاد من أجل المتوسط، الذي يريد البعض من خلاله أن يجعل منا مجرد حراس لحدودهم نحميهم من الهجرات الإفريقية غير الشرعية، أو موردين للإطارات التي ننفق على تكوينها لكي تستفيد منها المؤسسات الغربية.

لم نتشنج في التعامل مع مشروع الحكم الذاتي رغم أنه يبدو كسراب بقيعة يُخفي أهدافا إدماجية، ولم نحاول أن ننتقص من قيمة مبادرة المغرب، بالرغم من أننا نعرف أنها نتجت عن ضغوط أمريكية عكست قلق واشنطن من جمود الأوضاع

مشروع الحكم الذاتي سراب بقيعة

أما مشروع الحكم الذاتي، فأذكر بأننا لم نتشنج في التعامل معه رغم أنه يبدو كسراب بقيعة يُخفي أهدافا إدماجية، بل ولم نحاول أن ننتقص من قيمة مبادرة المغرب، بالرغم من أننا نعرف أنها نتجت عن ضغوط أمريكية عكست قلق واشنطن من جمود الأوضاع، وبالتالي لم نحاول أن نذكر بأن النظام في القطر الشقيق  تراجع عن المطالبة بموريتانيا، وبأنه قبل التفاوض رسميا مع من كان يقول بأنهم مجرد دمىً في يد السلطة الجزائرية، بل واستقبلهم في القصر الملكي.

أكثر من ذلك، ارتفعت أصوات جزائرية مسؤولة رحبت بالموقف الشجاع للمغرب، وكنت من بين كتبوا عن ذلك داخل الجزائر وخارجها، وكنا نأمل أن يتم التصرف مع اقتراح الحكم الذاتي لا كأمر مفروض من أعلى ولكن كوضع مقبول من أسفل، وهو ما يعني أنه كان يجب أن يوضع كاختيار بجانب الاختيارين اللذين طرحتهما القرارات الدولية، أي الاستقلال أو الانضمام الكامل للمغرب، مع التأكيد بأن الجزائر تقبل كل ما يتفق عليه الطرفان.

وقد كنت في السبعينيات من بين من يتصورون أن الصحراويين سينادون بشكل جماعي بالانضمام للمغرب لو تم الاستفتاء آنذاك، لأن الصورة التي كانت تبدو عليها المنطقة هي أن الجزائر لم تكن مهتمة وموريتانيا لم تكن قادرة وتونس لم تكن معنية وليبيا كانت بعيدة.

لكن كل ذلك طاش في الهواء نتيجة لتعنت الأشقاء في المغرب، بعد نجاحهم في التأثير على الرئيس الموريتاني ولد داده واجتذابه لفخ تقسيم الصحراء بين البلدين، وهكذا تجاهل المغرب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والذي سجل بوضوح أنه لم يثبت وجود سيادة تاريخية للمغرب على الصحراء "الإسبانية سابقا"، برغم وجود علاقات ولاء بين سلطانه وبعض القبائل التي تعيش على أرض الصحراء (وأرجو أن ملاحظة الصياغة القانونية الدقيقة، التي لم تتحدث عن قبائل "صحراوية"، وإنما عن "بعض القبائل التي تعيش على أرض الصحراء).

ورغم أن تلك الروابط كانت أساسا ذات طابع ديني انطلاقا من أن السلطان كان يحمل لقب أمير المؤمنين، فقد اعتبرها الأشقاء روابط سياسية على أساس أنها كانت "بيعة".

وتجاوبنا آنذاك مع هذا المنطق وقلنا بوضوح أن البيعة هي دائما رباط شخصي لا يمكن أن يورث، وبالتالي فالمطلوب هو تجديدها بمنطق العصر الحديث، أي الاستفتاء.

لكن المغرب قدم قراءته بطريقة "ويل للمصلين"، ثم قام بعملية دعائية هائلة أطلق عليها اسم "المسيرة الخضراء"، سلطت عليها الأضواء الإعلامية التي قدمت جموعا تسير في منطقة صحراوية يُمكن أن تكون في أي مكان، حيث لم نشهد اختراقا لأي مدينة صحراوية،  بالرغم من أن العاصمة "العيون" هي على مرمى حجر من الحدود المغربية، ولم نسمع أو نشاهد احتكاكا بين الجموع المغربية الكبيرة وجندي إسباني واحد، رغم أن القوات الإسبانية لم تكن قد انسحبت من الصحراء الغربية.

وثبت فيما بعد أن المسيرة كانت طبولا ضخمة قصد منها التغطية على تسرب الجيش المغربي إلى الصحراء شرقا، وعبر محور منطقة "المحبس"، وهناك حدثت المذابح  ثم الفرار الجماعي للسكان نحو الجزائر، ومن هنا نعرف سر وجود اللاجئين الصحراويين في تندوف.

عقدة التحليل المغربي
ترتبط العقدة تحديدا بأمرين،الأول هو أن البعض هناك يتصور بأن الجزائر تريد إضعاف المغرب وترى في ذلك قوة لها، وهو خطأ ثابت تاريخيا، فالجزائر كانت أول من وقف بجانب الملك الحسن الثاني رحمه الله إثر انقلاب الصخيرات عام 1971، ثم عند محاولة إسقاط الطائرة الملكية عام 1972، والجزائر هي التي أعلنت رسميا عن دعمها للمغرب عند أي مواجهة مع الإسبان، وهو ما اعترف به العاهل المغربي شخصيا في حديث متلفز سمعته شخصيا في أكتوبر/ تشرين الأول 1974، وقال بأنه تلقى وعدا من الرئيس بو مدين بأن الجيش الجزائري سيكون إلى جانب الجيش المغربي في أي مواجهة محتملة.

وكنا نقول دائما للأشقاء، الذين نثمن دعمهم لنا خلال ثورتنا، بأننا نؤمن بأن الجار القوي هو ضمانة لقوتنا في حين أن الجار الضعيف هو مصدر خطر متزايد على أمننا، وبأننا نرى أن استقرار المغرب هو استقرار لنا، وأن الملكية في المغرب هي ضمان لاستقراره، وهو ما سمعه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي السابق من الرئيس هواري بو مدين رحمه الله، وكتبه  في مذكراته وهي منشورة.

الأمر الثاني أن المتحدثين باسم المغرب يتعاملون مع الجزائر، وخصوصا منذ السبعينيات، بأسلوب فرض الأمر الواقع والمطالبة الابتزازية بقبوله، وأصبحنا نرى اليوم توزيعا للأدوار وصل إلى حد أن بعضا منهم يعلن رفضه الاعتراف باتفاقيات الحدود الموقعة بين البلدين، وخصوصا اتفاقية 1972، وبعضهم يتحدثون عن "استرجاع" أراض مغربية يدعون أن الجزائر "تحتلها" ويطلقون عليها اسم الصحراء الشرقية، وهو ما رأينا فيه تبريرا للغزو المغربي للحدود الجزائرية عام 1963، والذي أدانت قمة باماكو التي عقدت في نفس العام كل ما ارتبط به.

وتتواصل الكتابات الموجهة التي تسيء للجزائر ونظامها السياسي الذي ارتضاه، وتنتهز هدوء الجزائر وصمتها وعفتها في التعامل مع الجيران لتردد التهجمات التي وصلت إلى حد التشكيك في التاريخ الجزائري العريق وترديد الادعاءات الاستعمارية بأن الجزائر ولدت بإرادة الجنرال الفرنسي شارل ديغول عام 1962، وكأن هزيمة "شارلكان" في خليج العاصمة الجزائرية عام  1541 وحرب الثلاثمائة سنة بعد ذلك ضد إسبانيا ومقاومة الأمير عبد القادر في القرن التاسع عشر كانت كلها من حكايات ألف ليلة وليلة.

وتجتر وسائل الإعلام المغربية أسطوانة الإدعاءات بوجود صحراويين محتجزين في الجنوب الجزائري، الذي زارته عشرات المنظمات الدولية واطمأنت فيه إلى وضعية اللاجئين الصحراويين، الذين نستضيفهم منذ الغزو العسكري الذي استتر بما سُمي "المسيرة الخضراء".

والمشكل هو أن الأشقاء لم يفهموا أن الجزائر، التي نالت استقلالها عبر استفتاء لتقرير المصير رغم كل تضحياتها خلال قرن ونصف، والتي نادت بتقرير المصير لناميبيا ولجنوب إفريقيا وغيرها، لا يمكن أن تتنكر لأمر تراه في مرتبة التقديس، وأن تتصرف تجاهه كما تتصرف دول لعله حُكم عليها باستقلال لم تسع له وتتمتع بحرية لعلها لم تبذل تضحيات من أجلها.

ولا أستطيع أن أخفي استياءنا ونحن نتابع مبادرات مغربية فردية يلقى بها عبر وسائل الإعلام،  تزيد من حدة الشكوك وتضاعف من خطورة أزمة الثقة، فنسمع خطبا تتحدث عما هو ثنائي تلقى بشكل مفاجئ ومرتجل لا يرقى إلى مستوى أهمية العلاقات بين البلدين، وبيانات تتفنن في استعمال البلاغيات الأخوية، بل إن رسالة رسمية تسلم للقائم بالأعمال الجزائري في الرباط يتم تسريبها للصحافة قبل أن تتلقاها السلطات الجزائرية.

وكثيرون عندنا يتذكرون الحملات الإعلامية التي توقفت عند تعبير استعمله كوفي عنان قال فيه، تعليقا على تقرير مبعوثه الخاص جيمس بيكر بما معناه، أن الوزير الأمريكي السابق يتصور أن البوليساريو التي تدعمها الجزائر يمكن أن تقبل بتقسيم للصحراء بينها وبين المغرب، واستعمل الأمين العام في نقل تصوره  الأسلوب الشرطي (Conditionnel) الذي يعني الاحتمال.

فإذا بالأشقاء يقدمون الأمر على أن الجزائر تنادي بالتقسيم، في حين لم يقدم بيكر ولا الأمين العام ما يثبت أن الجزائر نادت بذلك بأي شكل من الأشكال، رسميا أو كتابيا، ولهذا كذبت الجزائر على الفور كل تلك الادعاءات التي تتناقض مع موقفها الثابت، والذي لا يمكن أن يتم التعامل معه بأسلوب القيل والقال.

ولن أتوقف هنا عند الحملات المتواصلة للتلفزة المغربية ولن أصف حتى نظرتنا لمحتواها، الذي يؤكد مرة أخرى أن هناك في المغرب من يحرص على بقاء التوتر، ويعطي الفرصة عندنا لمن يقول بأن الأمر مقصود لمجرد استمطار الدعم المالي من بعض دول النفط العربية بجانب التهرب من الالتزام بالشرعية الدولية.

وكان الأمر الذي يثير الأسف الشديد هو أن التطاول لم يبق محصورا في المستوى التنفيذي المتواضع أو مقصورا على بعض كبار الموظفين الأشقاء بل ارتفع إلى قمة الدولة، في حين أنه لم يسجل مطلقا أن الرئيس عبد العزيز بو تفليقة استعمل بأي شكل من الأشكال ما يمكن أن يعتبر إساءة للمغرب، وظل على احترامه للملك المغربي الشاب وكأنه يلتزم بعهد قطعه على نفسه وهو يضع يده على نعش الملك الحسن الثاني، يوم تشييع العاهل الراحل في الرباط  إلى مقره الأخير.

هذا كله يعني، باختصار شديد وبمنتهى البساطة، أن في الجزائر أزمة ثقة تجاه الجار المغربي، الذي لا يبذل الجهد المناسب لكسب ثقة الجزائر بل يبدو وكأنه يتعمد تذكير الجزائريين بتصرفات مغربية قديمة وأقل قدما، من الأفضل، لمصلحة البلدين، أن توضع في ملف النسيان.

التكلفة الباهظة للأزمة

التكلفة باهظة فعلا، فبالإضافة إلى ما يعانيه أشقاؤنا من جراء إغلاق الحدود البرية،  وتقلص السياحة الجزائرية نحو المغرب، والقلق الذي يُساورنا من جراء المفاجآت المغربية، والألم الذي نحسه نتيجة انقطاع صلة الرحم، واستياؤنا من النظرة التي ينظر بها العالم إلى فشلنا في الوصول إلى حل عادل ومنطقي لقضية إنسانية قبل أن تكون سياسية، هناك احتمالات انفجار احتكاكات على الحدود نتيجة للتصعيد المغربي المتواصل ولعملية شحن العواطف المستمرة، وهكذا نقع في شراك الأفعال وردود الأفعال.

وربما وصل الأمر إلى تداعيات تؤثر على تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر المغرب، والذي يستفيد منه الجميع، مغاربة وجزائريين وأوروبيين، وهو جهد أنجز بإرادة جزائرية صادقة في ترسيخ أسس التعاون المتزايد بين الجيران.

ولا أستبعد احتمال الانهيار الكامل لاتحاد المغرب العربي، وهذا، وبجانب آثاره السياسية والاقتصادية على الجميع، سيؤدي إلى فشل جاليتنا في أوروبا، وفرنسا على وجه التحديد في مواجهة عمليات الإقصاء والتهميش التي تتعرض لها، وربما وكشبه نكتة، سوف تتناقص مقدرة جالية المغرب العربي على أن تعطي لفرنسا صورة أوربية من باراك أوباما.

والواقع أن الإشارة لأوربا والتي تذكرنا بالوحدة الأوربية، بكل نتائجها الإيجابية على سكان القارة والمنطقة، يجب أن تذكرنا بأن تلك الوحدة تمت أساسا بفضل التفاهم الفرنسي الألماني، وهو ما لم يكن من الممكن حدوثه لولا أن ألمانيا تخلت عن أحلامها أو أطماعها في الألزاس واللورين. وتكفينا مغامرة كل من زياد بري وصدام حسين.
_____________
عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة الجزائري