تصريح هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية جواباً على تعثّر المفاوضات المباشرة بأن أميركا لا تحمل عصا سحرية لإطلاق المفاوضات المباشرة يحمل أكثر من بُعْد له مغزى في تقويم قدرات أميركا بعامّة، وعلاقتها بالكيان الصهيوني ومدى إمكانها في إقناعه بوجهة نظرها خصوصاً.
طلب بسيط وإغراءات سخية
استهتار إسرائيلي بأوباما
تغييرات لها أكثر من معنى
كان يفترض بأن يُلبّي طلب أوباما المتواضع على الأقل مقابل الهدايا المجانية التي سبق وقدّمها للكيان الصهيوني والتي كان أولّها اعترافه الخطير بيهوديّة دولة الكيان الصهيوني، بمعنى أن فلسطين المغتصبة 1948 "وطن" لليهود فقط |
الطلب الأميركي من نتنياهو في منتهى البساطة والسهولة وليس من الصحيح أن وزارته كانت ستتفجّر لو قبِلَ به، مع كل الإغراءات السخيّة الكثيرة التي قُدِّمت له، ولكنه أراد المزيد فقط.
فنتنياهو لم يرفض انطلاقاً من موقف مبدئي وإنما أخضع قبوله للمساومة، واضعاً عدّة شروط إضافية عما قُدِّم له للقبول بتمديد قراره السابق بتجميد الاستيطان جزئياً ومؤقتاً في الضفة الغربية، ومن دون أن يمسّ إطلاق العنان له في شرقيّ القدس أو في القدس الكبرى حسب الاستخدام الصهيوني الذي يعني التهام أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، أي كل ما يشمله تعريف القدس الكبرى بما يزيد على 20% من الضفة الغربية.
فما دام الموضوع مطروحاً للمساومة، ولم ينطلق من موقف مبدئي لا رجعة عنه، كان يفترض بأن يُلبّي هذا الطلب المتواضع لأوباما، على الأقل مقابل الهدايا المجانية التي سبق وقدّمها للكيان الصهيوني والتي كان أولّها اعترافه الخطير بيهوديّة دولة الكيان الصهيوني، بمعنى أن فلسطين المغتصبة 1948 "وطن" لليهود فقط. وهو ما أكدّه أوباما وإدارته مراراً وتحوّل إلى سياسة ثابتة لهما. ثم يجب أن يُضاف إلى ذلك ما جاء في برقيتيْه اللتيْن أرسلهما لكل من نتنياهو وبيريز في أيار/مايو الماضي لتهنئتهما بعيد الاستقلال الثاني والستين، وقد قال فيهما: "إن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي".
ولكل ما سبق، عدا ما قدّم من إغراءات وتعهّدات علنية وسريّة إضافية، كان من المفترض أن تُلبّي حكومة نتنياهو هذا الطلب الذي لا يكلفها شيئاً. فهو مجرّد تمديد لشهرين لما كان معمولاً به لتسعة أشهر.
بدلاً من أن تغضب السيدة هيلاري كلينتون من نتنياهو انسحبت من مواجهته. وقد سوغّت هذا الانسحاب بمقولة مهينة لأميركا، الدولة الكبرى، أعلنت فيها أن إدارتها لا تملك عصا سحرية |
وبكلمة أخرى، إنها رسالة تقول أولاً مَنْ هذا الأوباما؟ ومَنْ إدارته؟ ومن هي القوى التي تسنده؟ وتقول ثانية، مَنْ محمود عباس؟ ومَنْ الحكومة المصرية؟ ومَنْ لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية؟ من هم هؤلاء حتى نحافظ على الحدّ الأدنى من ماء وجوههم ؟
فبدلاً من أن تغضب السيدة هيلاري كلينتون من نتنياهو انسحبت من مواجهته. وقد سوغّت هذا الانسحاب بمقولة مهينة لأميركا، الدولة الكبرى، أعلنت فيها أن إدارتها لا تملك عصا سحرية.
طبعاً لا أحد يطالبها بامتلاك العصا السحرية، ولكن يطالبها باستخدام ما لديها من أوراق ضغط، وأولها، على الأقلّ، إبداء غضب خفيف من هذا الاستهتار الصهيوني المذلّ لإدارة أوباما، ودعك من الأطراف الفلسطينية والعربية المتهالكة على التسوية والمفاوضات. فنحن هنا أمام حالة ينطبق عليها القول "ما لجرح بميّت إيلام"، سواء أكان هذا الجرح ماديّاً أو معنويّاً أو ماسّاً بالكرامة.
هنالك من الخبراء في الشأن الأميركي من رأوا في ما حدث من استقالات في إدارة أوباما مؤخراً وما قد يحدث، وفي الذين حلّوا مكانهم، انهزاماً أمام ضغط اللوبي الصهيوني الأميركي حتى على مستوى تشكيلة الإدارة نفسها بعد أن بات معيار الصهينة أكثر حضورا.
لا شك في أن تصريح هيلاري كلينتون حول العصا السحرية يعزّز رأي هؤلاء الخبراء، ولكنه غير كافٍ لوحده في سبر ما حدث من استقالات واستبدال، ما يجعلنا نستنتج بأن نسبة النفوذ الصهيوني داخل متخذّي القرار في إدارة أوباما ارتفع إلى مستوى أعلى مما كان عليه في السابق.
ستزداد متاعب إدارة أوباما بعد تحقيق الجمهوريين فوزا في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس مما يجعلهم أكثر تحكما في إدارة السياسة الخارجية، وخاصة في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهم يميلون في العادة إلى سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم حاليا |
إن ما يجري من تغييرات وبعضها في الطريق أيضاً، كما في استقالة روبرت غيتس وزير الدفاع قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، يدلّ على أن هزّة قويّة تتعرّض لها إدارة أوباما، وأن ثمّة إرباكاً كبيراً تتعرّض له مراكز القوى داخلياً، الأمر الذي سيزيد من الإرباك الذي عانت منه السياسات الأميركية خلال السنوات الخمس الماضية.
على أن تسريب الوثائق التي نشرتها ويكيليكس تعزّز، أيضاً، المقولة أعلاه المتعلقة بالمتغيرات ذات المغزى التي يراد للإدارة الأميركية أن تغير الدفة باتجاهها. كيف؟
تحمل هذه الوثائق ونشرها عدّة أبعاد: أوّلها ذو علاقة بموضوع ما يتوقع من تغيير في سياسات إدارة أوباما. وثانيها وهذا ما انشغل به الكثيرون، يتعلق بما تكشفه الوثائق من جرائم تدين الاحتلال الأميركي. وقد اندفعت جهات عراقية وعربية ودولية للبحث عن إمكان رفع قضايا ضد الذين يمكن تقديمهم للمحاكم استناداً إلى تلك الوثائق. وثالثها ما ستتركه من أثر في مجرى الصراع الداخلي في العراق. فمن الآن أخذت تلك الوثائق تُستخدم بكثافة في مجرى ذلك الصراع لاسيما ضد المالكي وإيران كما أن بعض الشظايا قد تصيب أطرافاً أخرى.
وستزداد متاعب إدارة أوباما بعد تحقيق الجمهوريين فوزا في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأمريكي، يجعلهم أكثر تحكما في إدارة السياسة الخارجية، وخاصة في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أن الجمهوريين يميلون في العادة إلى سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم حاليا في تل أبيب.
_______________
مفكر وكاتب فلسطيني