الكلفة الاقتصادية لحرب دارفور

الحرب في دارفور –كما في كل مكان- لها كلفة عالية على المستويين الاقتصادي والإنساني. وقد أظهرت التقديرات التي حوتها هذه الدراسة أن حكومة السودان أنفقت على حرب دارفور 24.07 بليون دولار وهو ما يعادل 162 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الحرب.
201181181035882734_2.jpg

الحرب في دارفور –كما في كل مكان- لها كلفة عالية على المستويين الاقتصادي والإنساني. وقد أظهرت التقديرات التي حوتها هذه الدراسة أن حكومة السودان أنفقت على حرب دارفور 24.07 بليون دولار وهو ما يعادل 162 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الحرب. ويشتمل هذا على 10.08 بليون دولار في صورة نفقات عسكرية مباشرة، و7.2  بليون دولار في صورة خسائر في الإنتاجية فقدها النازحون عن أراضيهم داخل دارفور، و2.6  بليون دولار في صورة خسائر في المدخرات الحياتية فقدها القتلى في الحرب، و4.1  بليون دولار خسائر نتجت عن الإضرار بالبنية الأساسية.

وفي الوقت الذي كانت الدولة على مدار عقدين توجه ما نسبته 1.3 % من ميزانيتها إلى الصحة العامة و1.2 % إلى التعليم، فإنها كانت تنفق ما نسبته 23 % من الميزانية السنوية إلى المجهود الحربي في سنوات الحرب في دارفور. والمؤمَّل من هذه الورقة أن تلقي مزيدا من الضوء على الكلفة الاقتصادية والإنسانية لهذه الحرب التي يبدو أنها لم تخضع لدراسات اقتصادية معمقة بالقدر الذي يتناسب وجسامة ما راح ضحيتها من خسائر.

أنماط الخسائر وسبل حصرها

تبعا لتقرير التنمية الدولي لعام 2011 تسبب ارتفاع عدد النازحين داخليا في مختلف الدول، ومن بينها السودان، إلى تقطع أواصر التنمية البشرية، وخلق تحديات كبرى أمام تلبية الأهداف التنموية في الألفية الجديدة. وقد خلّفت الحرب التي شهدتها دارفور أكثر من 30 ألف قتيل، ونزوح 3 ملايين إنسان، وإضرام النيران في حوالي 3000 قرية، وفقدان ما قيمته ملايين الدولارات من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية التي نهبتها الحكومة وجماعاتها المسلحة، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA.

وفيما وراء ذلك، لا يمكن تقدير الخسائر النفسية التي ترتبت على تلك الحرب وما ارتبط بها من تمزيق اللحمة الاجتماعية للدولة، وتدهور سمعتها. كما تعرضت الأولويات الاقتصادية للدولة لخلل تام؛ فالسودان، تلك الدولة الفقيرة نسبيا، صارت تنفق بسخاء على البارود أكثر مما تنفق على الخبز.

ولأكثر من عقدين كانت الحكومة السودانية تنفق من ميزانيتها السنوية ما نسبته 1.3 % على الصحة العامة، و1.2 % على التعليم بينما كانت تنفق نسبا أكبر على حرب دارفور؛ فقد بلغت كلفة هذه الحرب أرقاما كبيرة لدولة مثل السودان؛ إذ كان المجهود الحربي في دارفور يلتهم نسبا متزايدة من الناتج المحلي الإجمالي. ونظرا لأهمية هذه القضية التي شغلت المجتمع الدولي لأكثر من 9 سنوات يبدو جديرا بالتأمل أن نراجع تأثير هذا النزاع على الخسائر الاقتصادية للاقتصاد السوداني.

وقد قامت بعض المراجعات البحثية بحصر الدراسات التي تناولت قضية تقدير كلفة النزاعات المسلحة على المستوى العالمي. وتركز مثل هذه الدراسات عادة على خسائر الدخل القومي باستخدام تقنيات نمذجة حسابية متنوعة وغير متسقة. وتعبر معظم الدراسات عن التداعيات الاقتصادية للحرب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي كثير من الحالات تشتمل هذه الدراسات على الآثار التي يمكن إرجاعها بشكل مباشر إلى النزاع، لكنها تستبعد الآثار غير المباشرة، التي قد تزيد من عبء ذلك النزاع.

وثمة أسلوبان لحساب كلفة الحرب: الأول: يحسب كلفة إحلال المواد المدمرة، ويشتمل هذا الأسلوب على الخسائر المباشرة وغير المباشرة للنزاع بناء على نظرية اقتصادية أو دليل تجريبي. أما الأسلوب الثاني فيحسب كلفة الحرب من خلال نمذجة معروفة باسم التحليل المغاير counter-factual analysis والذي يُبنى على تقدير ما كان يتوقع أن يشهده النمو الاقتصادي والرفاهية العامة للدولة في حالة عدم تورط الدولة في النزاع. وباتباع أي من الأسلوبين فإنه من الصعب قياس كلفة النزاع بشكل كامل ذلك لأنها تختلف من حالة لأخرى.
فعلى سبيل المثال فإنه في حالة دارفور نشب النزاع بين إقليم داخلي ودولة ضعيفة. وبإخضاع البيانات للمراجعة والتقييم، وبحساب وتصنيف كافة العناصر الداخلة في الصراع، يصبح من الصعوبة الوصول إلى أي سلسلة زمنية كثيفة طويلة الأمد لكي تطبق اختبارات تجريبية صارمة بهدف حساب الكلفة الحقيقية للحرب.

ويذهب بعض الباحثين إلى أن الحرب الأهلية تؤثر على النمو الاقتصادي من خلال تدميرها للموارد، وإضرارها بالبنية الأساسية، وإخلالها بالنظام الاجتماعي، وتبديدها للنفقات، وهروب رؤوس الأموال؛ ومن ثم فإن سرعة التعافي من آلام ما بعد الحرب تبقى رهينة بالفترة التي استغرقتها الحرب نفسها.

وإضافة إلى ما سبق، فإن خسائر الأرواح أو الدخل الذي كان يُنتظر أن يجلبه الذين لقوا حتفهم يجب أن يؤخذ في الاعتبار. ونظرا لعدم وجود بيانات كافية، فإنه لا يمكن تقدير الكلفة غير المباشرة وفي مقدمتها هروب رؤوس الأموال وهجرة العمالة المدربة، وضياع فرص التعليم للأجيال الجديدة. ونأمل في أن تتمكن دراسة مقبلة من سد العجز في هذه البيانات.

وثمة نقاط أخرى عديدة يجب أن يشار إليها، نجملها على النحو التالي

  • أولا:تقدم هذه الدراسة تقييما لكلفة الحرب في دارفور في وقت لا يزال النزاع المسلح لم ينته فيه بصورة نهائية وتامة؛ ومن ثَمَّ فإن الكلفة الإجمالية للحرب لا يمكن الحصول على تقدير نهائي لها، كما أننا أمام حالة يندر فيها وجود البيانات المطلوبة للتقدير والحساب.
  • ثانيا: رغم تعاقب موجات الأزمات السياسية والاقتصادية التي ضربت دارفور، فإنه خلال سنوات النزاع المسلح تمكنت الدولة من استغلال المخزون النفطي لتمويل آلة الحرب. ويمكن إرجاع النمو الاقتصادي المحدود الذي شهدته البلاد إلى ما توفر للدولة من عائدات النفط التي ربحتها خلال تلك الفترة، ومع هذا فقد كان من المتوقع أن يُحدث النمو الاقتصادي مستوى أعلى لو لم يكن هذا النزاع المسلح قد اندلع.
  • ثالثا: من المثير للتناقضات أن الحرب في دارفور أوجدت وظائف جديدة لأجزاء أخرى من السودان؛ فالمهمة المشتركة التي جمعت قوات من الأمم المتحدة وقوات من الاتحاد الإفريقي في دارفور قد بدأت عملها في 2007. وقدمت هذه المهمة فرصا للعمل استفاد منها 3000 مواطن وعمل فيها 26000 عسكري. كما تزايد حجم العاملين في منظمات المجتمع المدني ليتضاعف عددهم بالمئات.

ورغم أن التدمير الذي ألحقته الحرب بالثروات القومية كان كبيرا، سنحاول الوقوف على بعض المنافع التي عادت على السكان النازحين من قبل جهود المهمة المشتركة لقوات الأمم المتحدة وقوات الاتحاد الإفريقي، خاصة في مجال الخدمات الطبية وتوفير الغذاء.

 كلفة الإنفاق الدفاعي 

قبل الشروع في مناقشة العلاقة التي تجمع الإنفاق العسكري والنمو الاقتصادي في السودان، يجب أن نقدم الأساس النظري. وهناك ثلاث نظريات متباينة تقارن بين نفقات الدفاع ومعدلات النمو الاقتصادي: النظرية الأولى تقوم على أن الإنفاق العسكري يؤثر بشكل سلبي على النمو الاقتصادي؛ إذ يمثل الإنفاق العسكري عبئا ثقيلا على الأمم فهو يعطل الاستثمار على نحو ما يذهب إليه عدد من الباحثين. أما النظرية الثانية فترى أن الإنفاق العسكري وسيلة للتوسع المالي، فهو يزيد من حجم الطلب الكلي؛ ومن ثم يزيد من الوظائف والناتج الاقتصادي. وقد قام بعض الباحثين، من خلال دراسة غطت 44 دولة، بتقديم دليل قوي على أن الإنفاق العسكري له تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي. أما النظرية الثالثة فلا ترى وجود أية علاقة سببية بين الإنفاق العسكري والنمو الاقتصادي.

ولعل الأسلوب البحثي الأول هو الوثيق الصلة أكثر بالحالة السودانية؛ فالإنفاق العسكري يعرقل استثمار رأس المال ويعوق من النمو الاقتصادي. وحري بنا أن نلاحظ أن الإنفاق الدفاعي في السودان يتخذ أشكالا مموهة ليحافظ على سريته. وليس هناك بيانات عن العناصر التفصيلية للإنفاق الحكومي على أسس تصنيفية. ويزيد المشكلة تعقيدا أن الجيش منخرط في التجارة ويمتلك مستشفيات وشركات تجارية؛ ومن ثم فإن الإنفاق العسكري الفعلي دوما ما يكون أقل بكثير من التقديرات النظرية. وفضلا عن ذلك فإن المؤسسة العسكرية منخرطة أيضا في القطاع النفطي، الذي تستمد منه الموارد الكافية لتغطية نفقاتها.

جدول (1) النفقات العسكرية والصادرات (مقدرة بملايين الدولارات)

السنة

النفقات العسكرية

تقدير النفقات العسكرية في دارفور

صادرات النفط

إجمالي الصادرات

صادرات السلع غير النفطية

نسبة صادرات النفط لإجمالي الصادرات

1997

206

-

46

596

550

7.7

1998

596

-

60

780

720

7.7

1999

1.068

-

276

1.807

1.531

15.3

2000

1.390

-

1.300

1.699

399

76.5

2001

873

-

1.370

1.699

329

80.6

2002

1.011

-

1.511

1.949

438

77.5

2003

773

0.00

1.994

2.542

548

78.4

2004

2.198 (*)

1.352.71

1.226

3.778

2.552

32.5

2005

1.797

951.71

4.187

5.254

1.067

79.7

2006

2.113

1.267.71

5.087

5.700

613

89.2

2007

2.676

1.830.71

8.419

8.900

481

94.6

2008

3.228

2.382.71

11.106

11.700

594

94.9

2009

3.148

2.302.71

7.836

8.400

564

93.3

الإجمالي

-

10.088.29

-

-

-

-

المصدر: البنك الدولي (2011)
(*) بدأ الصراع في دارفور في 2003 بينما بدأت الدولة في تحركها العسكري في 2004، على نحو ما يمكن ملاحظته من تضاعف إجمالي النفقات العسكرية بمقدار ثلاثة أمثال بين عامي 2003 و 2004.

وعلى نحو ما يوضح جدول (1) فإن الإنفاق العسكري في السودان كان آخذا في الارتفاع؛ فقبل بداية النزاع في دارفور في 2003 كانت الدولة توجه 845 مليون دولار كمعدل سنوي لتغطية النفقات العسكرية. ومنذ ذلك التاريخ، بلغ معدل الإنفاق العسكري أكثر من الضعف. وكانت الزيادة في الإنفاق العسكري خلال السنوات الست التالية (2004 -2009) تقدر بنحو 10 بلايين دولار ( بمعدل 1.7  بليون دولار سنويا)، وقد وُجِّهت بشكل مباشر للمجهود الحربي في دارفور.

ويزودنا جدول (1) بدليل دامغ على أن دارفور التهمت الحصة الأكبر من الإنفاق العسكري؛ فبعد عام 2003، حين انطلقت شرارة النزاع، كانت مشكلة جنوب السودان في هدوء نسبي تحت مراقبة الأمم المتحدة، وكانت الأنشطة العسكرية في ذلك الإقليم قد توقفت.

وخلال نفس الفترة، وقَّعت الحكومة السودانية اتفاقات سلام مع دول الجوار، بما فيها إثيوبيا وإريتريا، كما أن المعارضة الشمالية المعروفة باسم "التجمع الوطني الديمقراطي"، عادت إلى طاولة الحوار في كنف تسوية سياسية كانت مصر هي الوسيط فيها. وبالمثل، فإن النزاع الذي اشتعل في شرق السودان تم إنهاؤه عبر اتفاقية سلام وقعت في عام 2006.

ولعل القول بأن الإنفاق العسكري الذي يرتبط بصناعة النفط عبر الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية قد تسبب في تدمير قطاع التصدير -من خلال مزاحمته وتعطيله لتكوين رأس المال في الصناعات المدنية- قد ثبتت صحته؛ ففي عام 1999 على سبيل المثال، شكّلت الصادرات النفطية 15 % من إجمالي الصادرات السودانية. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ ارتفعت النسبة إلى 93 %. وكانت الصادرات النفطية تعرقل الصادرات غير النفطية، لأن الحكومة كانت توجه عائداتها النفطية بشكل مباشر نحو المشتريات العسكرية واستيراد التجهيزات العسكرية، وليس نحو تحسين قطاع الصادرات غير النفطية. وحل البديل محل الأصيل؛ فالحكومة كانت تتكسب أموالا بخسة من خلال بيع النفط بدلا من الاعتماد على التصنيع مثل الصناعات الغذائية والصناعات الخفيفة.

وقد خلصت دراسة سابقة إلى أنه من بين كل دولار تتلقاه الحكومة من عائدات النفط، كانت تنفق منه 0.21 دولارا على التسليح. وقد تسببت هذه السياسة في تراجع الصادرات غير النفطية، ولم يكن هناك تغير ملحوظ في هذا الاتجاه خلال الفترة بين 1997 و2009. وقد تحقق ثبات قصير الأمد في صادرات السلع غير النفطية عام 2004، وهو ما نتج عن بيع السودان لخدمات شبكات الاتصالات اللاسلكية لطرف أجنبي، لكن في المتوسط فإن قيمة الصادرات الحكومية كانت في حدود 600 مليون دولار.

 خسائر رأس المال البشري 

تبعا لتقرير التنمية الدولي الصادر عن البنك الدولي (2011) فإن من يعيشون في دولة هشة متأثرين بالنزاعات المسلحة عادة ما يكونون أكثر عرضة لمعاناة الفقر والحرمان، والعجز عن الالتحاق بالتعليم المدرسي، أو الحصول على الرعاية الأساسية.

ومثل هذه التحديات ذات تأثير طول الأمد على الكسب المعيشي اليومي؛ ومن ثَمَّ تترك آثارها على التنمية الاقتصادية. وقد أظهرت الدراسات السابقة أن أحد أشكال كلفة الحرب غير المباشرة تتجسد في انخفاض الإنتاجية نتيجة هروب رؤوس الأموال وهلاك البشر. وفي السطور التالية سنعرض لعدد السكان النازحين داخليا، والسكان المتأثرين بالحرب، فضلا عن تقدير عدد القرى التي أُحرقت وإجمالي عدد القتلى، ثم تقدير الكلفة الإنتاجية للحرب.

يوضح جدول (2) أنه حتى عام 2009 فإن النزاع في دارفور قد أثّر بالضرر على نحو 1.5 مليون نسمة في شمال دارفور، و1.9 مليون في دارفور الجنوبية، و1.2 مليون في غرب دارفور. وقد تسببت الحرب في نزوح 0.5 مليون نسمة من شمال دارفور، و1.4 مليون من جنوب دارفور، و1.2 مليون من غرب دارفور.

وتتمثل الكلفة المباشرة للنزاع المسلح في دارفور في فقدان المكاسب المعيشية اليومية للنازحين داخليا. ونستخدم هنا معدلات الفترة من 2005 إلى 2009 لحساب المكاسب المفقودة على مستوى الأسرة. كما سنقوم علاوة على ما سبق بحساب المكاسب المالية المفقودة نتيجة هلاك الأفراد.

جدول (2) عدد النازحين داخليا والسكان المتضررين بسبب النزاع في دارفور
(الفترة من 2005 إلى 2009)
 

السنة

شمال دارفور

جنوب دارفور

غرب دارفور

القتل والتدمير

عدد المتضررين

عدد النازحين

عدد المتضررين

عدد النازحين

عدد المتضررين

عدد النازحين

عدد القتلى

عدد القرى المدمرة

2005

725.736

393.75

824.346

603.719

854.388

662.0

64162

2.767

2006

1.307.025

475.257

1.413.099

722.922

1.276.087

776.348

10.859

384

2007

1.355.594

461.399

1.546.173

862.385

1.263.956

779.226

5.468

89

2008

1.516.680

508.499

1.913.518

1.410.704

1.293.394

766.363

20.788

701

2009

1.518.064

508.499

1.913.518

1.410.704

1.283.124

746.912

-671

-141

المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA.

وعلى نحو ما يشير جدول (3) فإن السكان المتضررين قد فقدوا مصادر رزقهم ويعيشون كلية على الإعانات الغذائية. وقد بدأت الخسارة السنوية لمصادر الكسب الحياتي أو فقدان سبل الإنتاجية بنحو 100 مليون دولار في عام 2003 وذلك مع بداية اشتعال النزاع. ومع توسع النزاع وامتداد رقعته نحو مناطق أخرى في دارفور ارتفع مقدار الخسارة في الإنتاجية لنحو 1.8 بليون دولار في 2009. وبلغ مجموع الخسارة الإنتاجية الكلية للفترة الممتدة من 2003 وحتى 2009 نحو 7 بليون دولار.

جدول (3) الفاقد في الإنتاجية مقدرا بثابت سعر الدولار لعام 2005

السنة

نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي

عدد السكان المتضررين

عدد الأسر

الفاقد في الدخل

2003

1.492

410.000

68.333

101.984.722

2004

1.537

1.600.000

266.667

409.978.661

2005

1.601

2.604.470

434.078

694.949.908

2006

1.744

4.196.211

699.369

1.219.399.990

2007

1.879

4.365.723

727.621

1.366.920.073

2008

1.990

4.923.592

820.599

1.633.230.390

2009

2.193

4.914.706

819.118

1.796.325.043

الإجمالي

-

-

-

7.222.788.786

المصدر: مؤشرات التنمية الدولية، البنك الدولي عام 2011

وقد أظهرت دراسات سابقة أن عدد القرى المدمرة في دارفور قد بلغ 3,408، منها 1,173 في شمال دارفور، و1,100 في جنوب دارفور، و1,135 في غرب دارفور. ويشير تقرير منظمة العفو الدولية (2004) إلى أن 44 % من القرى في دارفور قد أُحرق. ومع تمدد رقعة النزاع، يتعرض المزيد من القرى للحرق، وإن كان بمعدل أقل؛ وذلك لأنه لا يتبقى سوى القليل من القرى التي لم يطُلها التدمير.

وفي الدراسة التي بين أيدينا قدمنا تقديرا بعدد القرى التي أُحرقت بحلول عام 2009 مستدلين في ذلك بأعداد النازحين هربا من الحرب. وخلال عملية التقدير هذه افترضنا أن 730 فردا يشكلون قرية، وأن عدد سكان القرى يزداد بمعدل 3 % سنويا، وذلك خلال الفترة من 2005 وحتى 2009.

وكما يتضح من جدول (2) فإن تقديراتنا خلصت إلى أن عدد القرى المدمرة بلغ 3380 وهو أقل من التقدير الذي وصلت إليه دراسات سابقة قدرت العدد بـ 3408 خلال الفترة من 2003 إلى 2004. وتقدم تقديراتنا الحد الأدنى للقرى المدمرة. أما الرقم المعروض الذي يبلغ 2,767 قرية لعام 2005 فهو رقم تراكمي للسنوات من 2003 إلى 2005.

وكما أوضحنا بشأن أرقام 2009 فإن هناك نموا سلبيا في القتل والتدمير بمعنى أنه تم تحول في الاتجاه الإيجابي؛ حيث تم بناء 141 قرية، وزاد عدد السكان بنحو 671، غير أن الرقم الأخير يأتي في الواقع من نزوح سكاني في عام 2009 في مناطق "مهجرية" في دارفور كرد فعلى على الحركة الإجبارية المرتبطة بالقتال الداخلي.

وبصورة إجمالية فإن استدلالنا على أعداد القرى المدمرة من خلال أعداد النازحين يبدو أنه تقدير منطقي ويعكس واقع أن القليل من القرى قد أُضرم فيه النيران في عام 2009، على نحو ما أشارت تقارير لمنظمات مختلفة تابعة للأمم المتحدة والرقابة المشتركة للاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة.

وقد قدرنا أيضا خسائر الكسب المعيشي التي كان من المفترض أن يتكسبها المتوفى طيلة حياته لو لم يندلع نزاع دارفور. وقد استخدمنا تقديرات متحفظة تتراوح بين 5 إلى 20 سنة للفترة التي كان يفترض أن يعيشها المتوفى لو لم يندلع النزاع، آخذين في الحسبان أن متوسط أمد حياة الفرد في السودان 58.5  سنة، على نحو ما جاء في تقارير مؤشرات التنمية الدولية، وأخذا في الاعتبار أيضا نقص البيانات المتعلقة بالخصائص الديموغرافية لضحايا الحرب.

وقد اعتمدنا على بيانات عام 2003 لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والذي يبلغ 399.02 دولارا، وذلك بحسابات تلك السنة التي اندلع فيها النزاع، وكان تقديرنا يأخذ في اعتباره تثبيت سعر صرف الدولار حسب قيم عام 2000. على نحو ما جاء في تقرير البنك الدولي.
وهناك جدال معتبر بين مختلف الباحثين بشأن عدد الضحايا في نزاع دارفور. ويوضح جدول (4) التقديرات القصوى والدنيا من مصادر مختلفة أهما دراسة 2006 Coebergh و(2005) Reeves و(2005) Guha-Sapir et al، ومركز بحوث علم أوبئة الكوارث CRED، ووزارة الخارجية الأميركية، ودراسة (2005) Hagan.

وإضافة إلى ما سبق، فإن المكتب الأميركي للحوسبة الحكومية GAO أصدر في عام 2007 تقديرا يقيّم فيه عدد من الخبراء مكامن قوة وضعف كل تقرير بناء على أهداف التقرير ومدى شموليته. وعلى الرغم من أن الخبراء أعطوا أعلى درجة ثقة لتقديرات مركز بحوث علم أوبئة الكوارثCRED ، فإننا لسنا متأكدين من المدى الذي يمكن فيه اعتبار التحيز المهني عاملا في هذا الاختيار، خاصة أن معظم الخبراء الذين تم الاحتكام إليهم كانوا ينحدرون من مؤسسات طبية. وفي الدراسة التي بين أيدينا فإننا لا نفاضل بين أي من المصادر وإنما نستخدم متوسطات إجمالي أعداد القتلى.

ولو وضعنا كافة البيانات المتعلقة بالفترة من 2003 إلى 2005 من مختلف المصادر (والتي بلغ إجمالي القتلى فيها 227,786) وأدرجنا ما قمنا بتحديثه من بيانات الفترة من 2005 إلى 2009 (والتي بلغ إجمالي عدد القتلى فيها 100,606) فإن إجمالي عدد القتلى يبلغ 328,392 على نحو ما يوضح جدول 4.

والبيانات المتعلقة بالمكاسب الحياتية التي كان يتوقع أن يجنيها الضحايا كمكاسب معيشية لو لم يندلع النزاع، تم حسابها من خلال أساليب تقدير مختلفة تتباين بين تقديرات لخمس سنوات وتصل إلى 25 سنة. وأخذا في الاعتبار أمد الحياة المتوقع في السودان، فإننا فضلنا التقديرات المتحفظة التي تتوقع ما بين 15 إلى 20 سنة كفترة للمكاسب المالية الحياتية. وبتطبيق تلك المعايير على إجمالي عدد القتلى، بلغ الفاقد في الإنتاجية 1.966 بليون دولار (لتقديرات 15 سنة) و2.621 بليون دولار (لتقديرات 25 سنة).

جدول (4) التقديرات المختلفة لأعداد القتلى في دارفور

أضرار البنية الأساسية 

أطلق المتبرعون الخارجيون وحكومة السودان برامج لمساعدة اللاجئين لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، والمياه، والغذاء والحماية والأمن، وسيادة حكم القانون، وإعادة تأهيل البنية الأساسية، وذلك لتخفيف معاناة السكان واستعادة المناطق المتضررة لحياتها الطبيعية.

ومن المعروف أن الحكومة السودانية ترفض أحيانا السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول للمناطق المتضررة لأسباب سياسية، وفي بعض المناطق يحول الجيش والتنظيمات الحكومية شبه العسكرية دون الوصول إلى تلك المناطق؛ ومن ثم فإن القيمة التقديرية للأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية هي بكل تأكيد تقديرات حسابية أقل بكثير من حجمها الفعلي.

ولم تبدأ الأمم المتحدة وحلفاؤها جمع بيانات عن السكان المتضررين سوى في عام 2004، ومن ثم لم يكن هناك بيانات يُعتمد عليها لسنوات 2003 و 2004. وتمثل بيانات السنوات المفقودة تلك الفترة التي كانت فيها الحكومة منخرطة في التكتيكات العسكرية بهدف إلحاق الهزيمة بحركات التمرد، وارتكبت في تلك الفترة انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان.

جدول (5) الأمم المتحدة وشركاؤها، مخطط عمل الدعم المالي

السنة

عدد السكان المتضررين

حجم مساعدات الإعانات المبكرة (بالدولار)

حجم المساعدات التأهيلية والتنموية (بالدولار)

إجمالي نفقات إعادة التأهيل (بالدولار)

مقدار النفقات منسوبة لكل فرد (بالدولار)

2003

-

-

-

-

-

2004

2.604.470

678.240.563

0

678.240.563

260

2005

2.604.470

678.240.563

0

678.240.563

260

2006

4.196.211

798.858.438

2.160.902

801.019.366

191

2007

4.365.723

555.054.447

0

555.054.447

127

2008

4.923.592

713.239.488

189.325

713.428.813

145

2009

4.914.706

713.239.488

189.325

713.428.813

145

الإجمالي

-

4.136.872.987

2.539.552

4.139.412.535

175

المصدر: الأمم المتحدة وشركاؤها، مخطط عمل الدعم المالي للسودان، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وفي عام 2003 كانت عمليات الإبادة الجماعية والأعمال الوحشية التي اقترفتها الحكومة السودانية قد بلغت ذروتها؛ ومن ثم فقد اعتمدنا على بيانات عام 2004 للاستدلال على حوادث عام 2003، وذلك لأن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بدأ يسجل إعانات المانحين لدارفور بدءًا من عام 2004 فقط. وليست هناك بيانات متاحة للسنوات السابقة على ذلك التاريخ.

الكلفة الإجمالية للحرب 

على نحو ما يوضح جدول (6) أنفقت حكومة السودان 24.07 بليون دولار على الحرب في دارفور، ويشمل ذلك 10.08  بليون دولار في صورة نفقات عسكرية مباشرة، و7.2  بليون خسائر في الإنتاجية نجمت عن النزوح الداخلي للسكان، كما أنفقت 2.6 بليون على خسائر الكسب المعيشي الذي كان من المفترض أن يحققه الضحايا (القتلى) في حال لم تنشب الحرب، و4.1  بليون دولار أضرارا في البنية الأساسية.

وقد بدأت كلفة الحرب عند مستوى 3 % من الناتج المحلي الإجمالي ووصلت 24 % عام 2009، وذلك حين كان الاقتصاد السوداني يفقد على الأقل نحو ربع قيمته في سلع مدمرة بسبب الحرب. ويعرض شكل (1) الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي الفعلي والمغاير، دون أن تكون هناك أية علامة على تلاقي الخطين إذا ما فُرض وطال أمد الحرب.

جدول (6) النسبة المئوية لكلفة الحرب من الناتج المحلي الإجمالي
(بملايين الدولارات مع تثبيت سعر الدولار عند معدلات عام 2000)

السنة

الناتج المحلي الإجمالي

كلفة حرب دارفور (% من الناتج المحلي الإجمالي

قيمة التحليل المغاير للناتج المحلي الإجمالي

النفقات الكلية لإعادة التاهيل (بالدولار)

النفقات العسكرية في دارفور

الكسب المعيشي على مدار الحياة

فاقد الإنتاجية

أجمالي كلفة الحرب

2003

14.820.63

3.21

15.297.04

0.00

0.00

374.43

101.98

476.41

2004

15.578.51

18.07

18.393.87

678.24

1.352.71

374.43

409.98

2.815.36

2005

16.564.42

16.30

19.263.75

678.24

951.71

374.43

694.95

2.699.33

2006

18.434.41

19.87

22.096.98

801.02

1.267.71

374.43

1.219.40

3.662.56

2007

20.307.83

20.32

24.434.95

555.05

1.830.71

374.43

1.366.92

4.127.12

2008

22.002.15

23.20

27.105.95

713.43

2.382.71

374.43

1.633.23

5.103.80

2009

22.002.15

23.57

27.189.05

713.43

2.302.71

374.43

1.796.33

5.186.90

الإجمالي

-

-

-

4.139.41

10.088.29

2.621.00

7.222.79

24.071.49

 

 

حصاد الأزمة 

قدمت الورقة الحالية تقديرا لكلفة الحرب في دارفور، في ظل ظروف بيانات محدودة، عبرت عن أعداد القتلى والضحايا وحجم التدمير مقدرًا بالدولار. والتقديرات التي حصلنا عليها كانت أقل من القيم الفعلية، ونأمل في أن تكون هذه الدراسة نقطة بداية لبحوث مستقبلية، خاصة أنه ليست هناك حتى الآن محاولة جادة لتقييم الكلفة الاقتصادية للحرب؛ فالتقدير المتحفظ (والبالغ 24 بليون دولار) للفترة من 2003 وحتى 2009 يمثل مع تواضعه حجما ضخما من الميزانية التي كان من الممكن للسودان أن ينتفع بها والتي تعادل 162 % من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدولة عن هذه الفترة.

وعلى مدار أكثر من عقدين لم تكن الدولة تنفق سوى  1.3 % من الميزانية على التعليم، و1.2 % على الصحة، بينما كنت تنفق نحو 23 % من هذه الميزانية على المجهود الحربي خلال سنوات الحرب في دارفور. وليس هناك أي مبرر اقتصادي للاستمرار في حرب تلتهم ما بين 16 إلى 23 % من الناتج المحلي الإجمالي في مجتمع يعاني من عجز في الاستحقاقات الأولية من التعليم والغذاء والصحة والسكن.

ولعل الخطوة الأول للتعافي من آثار الحرب هو إيقاف الحرب نفسها بصورة نهائية حتى يتفرغ السودان لاستثمار موارده وطاقاته لإرساء آليات للحوكمة الرشيدة والديمقراطية، أملا في أن يحول ذلك دون اشتعال حروب مماثلة في المستقبل.
_____________________
عضو هيئة التدريس بقسم الشؤون الدولية والسياسات العامة، الجامعة الأميركية بالقاهرة

نبذة عن الكاتب