جيش الرب الأوغندي.. جدلية الحرب والسلام

لعل الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع مع جيش الرب، رغم فشل المحاولات السابقة ولعل الحل الأمثل هو حرمان جيش الرب من تجنيد مقاتلين جدد وتجريده من الدعم السياسي مع إشعار سكان شمال أوغندا أن إقليمهم جزء أصيل من الدولة الأوغندية.
201110201027681734_2.jpg

تعاني معظم الأقاليم الأوغندية من وقوعها أسيرة تركة ثقيلة من النزاع والعنف، سواء وقع ذلك في الفترات التي سبقت الاستقلال أو تلك التي تلته. فمنذ عهد الانقلاب العسكري الذي قام به عيدي أمين في 1971 وحتى استيلاء يوري موسيفيني على السلطة عام 1986، نشب على الأقل أربعة عشر تمردا مسلحا. وقد احتل العنف مركز السياسة الأوغندية منذ عام 1966 حين وقع في ذلك العام الهجوم على مقر حاكم البلاد (والملقب بـالـ "كاباكا") مما أفضى إلى إلغاء دستور الاستقلال الذي كان قد وضعه رئيس الوزراء ميلتون أبوتي قبل ذلك في عام 1962. وقد مثل الهجوم الذي يشار إليه الآن باسم أزمة الكاباكا نهاية لنظام إداري كان يشبه التنظيم الفدرالي الذي تم إقراره تحت مظلة دستور عام 1962، وقد أجبر هذا الهجوم حاكم أوغندا (الكاباكا) على الهروب إلى المملكة المتحدة.

 أزمة أوغندا وتفاعل التاريخ بالجغرافيا

تحول الفشل في تعيين القضايا القومية الأوغندية إلى شبح يطارد الحكومات المتتالية السابقة والحالية. وتتمثل أكثر مناطق النزاعات استدامة وحدة في الإقليم الشمالي من البلاد، وذلك في أزمة مسلحة اندلعت قبل 23 سنة مضت. وقد تضمن هذا النزاع خمسة تمردات مختلفة وتسبب في مقتل مئات الآلاف من الناس. كما أدت الحرب في هذه المناطق إلى نزوح 1.8 مليون إنسان وتدمير الأراضي الزراعية في شمال أوغندا، وهي القاعدة الاقتصادية الرئيسة التي يعيش عليها سكان تلك المناطق. وبداية من عام 1986، حين استولى موسيفيني على السلطة من الجنرال تيتو أوكيلو لوتوا، فإن النزاع في شمال أوغندا قد اندلع عبر انتفاضة شعبية شنتها قوات جيش أوكيلو المنحل،ة ومن انضم إليها من المؤيدين المدنيين، مكونين ما صار يعرف لاحقا بـ"الجيش الديمقراطي الشعبي الأوغندي UPDA".

وقد تلقت هذه التمردات وما تلاها -خاصة بفعل نشاط الحركة المسلحة التي عرفت باسم "حركة الروح المقدسة" بزعامة أليس لاكوينا- تأييدا شعبيا واسعا في شمال البلاد، ومن ثم بدت وكأنها تعمل لصالح سكان شمال أوغندا الذين كانوا يشعرون بقلق وغضب مما اعتبروه ظلما وتهميشا من قبل نظام موسوفيني.

وكانت مخاوف سكان شمال أوغندا تنبع مما اعتبروه تهميشا قوميا على يد حكومة يسيطر عليها سكان المناطق الغربية، فضلا عن مشاعر استياء ضد الانتهاكات الإنسانية -التي يعتقد أن حركة المقاومة القومية NRM مولتها ورعتها- وشملت أعمال عنف وحشي وهجمات سرقة الأبقار، الثروة الحيوانية الرئيسة للسكان. وقد شكلت هذه المواقف الشرارة الأولى التي شحنت حركة التمرد في شمال أوغندا. وقد انتهت هذه الحركات التمردية في عام 1987 من خلال توقيع اتفاقية سلام غولو بيسي (Gulu Pece) في عام 1988. لكن قبل أن ينعم السكان بهذه الاتفاقية، سرعان ما ظهر على مسرح الأحداث رجل مسلح يعرف باسم جوزيف كوني في 1987، مكونا ما صار يعرف فيما بعد بـ "جيش الرب للمقاومة Lord’s Resistance Army (LRA)، وبهذه الخطوة يدخل النزاع في شمال أوغندا مرحلة جديدة كلية. وكان اللافت في هذه التطورات أنه على الرغم من أن المظالم الأصلية للحرب بقيت دون معالجة، لم يفعل جيش الرب بزعامة كوني شيئا لتقديم الدعم والتأييد في هذه القضية بل حول سلاحه ضد السكان المحليين بدلا من مد العون لهم.

يعود الفضل في تكوين جيش الرب إلى شخصية غير معروفة هي جوزيف كوني، المولود في 1961 في قرية أوديك بمنطقة لالوغي الواقعة في إقليم غولو. وينتمي جوزيف كوني من حيث الأصل العرقي إلى جماعات الأشولي بشمال أوغندا. وقد اشتهر كوني بهوسه الكبير بالمعتقدات الروحية الغارقة في رؤى نهاية العالم.

وقد نجح كوني في تطبيق أساليب التخويف والعنف لبسط نفوذه داخل جيش الرب والإبقاء على الصراع للاستفادة منه إلى اليوم. ويجب أن نلاحظ أن الصراع في شمال أوغندا يتضمن نوعين من الصراع في آن:

  • الأول هو التذمر طويل الأمد لسكان الشمال تجاه الحكومة المركزية،
  • والثاني هو الأنشطة التدميرية المتواصلة التي يقترفها جيش الرب.

واليوم يترابط كلا الصراعين معا، وإذا أراد صانعو القرار السياسي حل هذين الصراعين فلا بد من دراسة كل منهما على حدة بشكل جاد ومكثف.

ومن المهم ملاحظة أن الصراع في شمال أوغندا له أربع سمات رئيسة:

  1. أنه صراع بين الحكومة وجيش الرب.
  2. أنه صراع يتضمن في جزء منه معاناة السكان ذوي الأصل العرقي الأشولي من تأثير العنف الذي يتبعه جيش الرب ويتضمن القتل العشوائي وخطف الأطفال ليصبحوا مقاتلين في صفوف الجيش ومساعدين وأرقاء جنس. وفي نفس الوقت فإن العنف الذي تضمنه الصراع يهدف إلى إظهار قوة سكان الأشولي وتوجيه إهانة للحكومة.
  3. كان الصراع يشتد كلما توترت العلاقة بين أوغندا والسودان، فكل منهما كان يمول المتمردين في الجانب الآخر.
  4. يعد النزاع شكلا من أشكال الصراع بين الشمال والجنوب الأوغندي وهو الصراع الذي ميز المجتمع الأوغندي وسياسات حكوماته من تاريخ الاستقلال عام 1962وحتى اليوم.

وقد تمخض الوضع في شمال أوغندا عن تكوين جيش الرب، وترتب على ذلك المراحل التالية:

  • توقيع اتفاقية سلام بين الحكومة الأوغندية وجيش الدفاع الشعبي الأوغندي.
  • تمكن قوات حكومة موسيفيني من هزيمة حركة الروح المقدسة بقيادة أليس لاكوينا، وذلك في منطقة جينجا في شرق أوغندا.
  • فشل زعامة سيفيرنو لوكويا Severino Lukoya (والد أليس لاكوينا) وهو ما ترك فراغا في السلطة في شمال أوغندا، وهو فراغ سرعان ما ملأه جوزيف كوني في فبراير /شباط 1987، وقد تمكن من إقناع عددا من الجنود للالتحاق به وأكمل قواته عبر خطف الأطفال.

وقد ضم كوني فيما بعد عددا صغيرا من مقاتلي الجيش الديمقراطي الشعبي الأوغندي ممن رفضوا التخلي عن أسلحتهم في أعقاب توقيع اتفاقية سلام غولو في عام 1988(1). وقد استهدف كوني في البداية معظم ضحاياه من مقاتلي القوات الحكومية، لكنه تحول لاحقا ضد السكان المدنيين المحليين، خاصة الجماعات المعروفة باسم "صبية السهم Arrow boys" وهي ميليشيا مدنية ظهرت في منطقتي غولو وكيتغوم في عامي 1991-1992.

وإلى جانب ذلك، شنت حكومة أوغندا حربا شرسة فيما يعرف باسم "عملية الشمال" والتي أدت ظاهريا إلى إضعاف قدرة جيش الرب لكنها خلقت في نفس الوقت استياء واسعا في أعقاب اعتقال القوات الحكومية العديد من السياسيين(2) ممن وجهت لهم المحكمة العليا الأوغندية لاحقا تهمة الخيانة.

وقد بُذِلت جهود كثيرة لإنهاء النزاع في مراحله الأولى، لكن رغم تحقيق وقف إطلاق النيران وإجراء محادثات مباشرة مع جوزيف كوني، إلا أن هذه المبادرات فشلت جميعها نتيجة اهتمام ضباط الجيش بمصالحهم الضيقة فضلا عن اهتمام الزعماء السياسيين من سكان الأشولي بمصالحهم الخاصة في الأقاليم الفرعية التي يعيشون فيها. وإلى ما سبق تضافُ عواملُ أخرى في مقدمتها التاريخ الصارم الذي حدده الرئيس موسيفيني بضرورة انتهاء المحادثات في غضون سبعة أيام، وقيام جيش الرب باللجوء إلى السودان وطلب المدد العسكري منه(3).

وقد استمر الصراع مع جيش الرب لنحو خمس وعشرين سنة رغم الفرصة التي أتاحتها عملية سلام جوبا سنة 2006، وما سبق ذلك من محاولات للتفاوض عرفت باسم مفاوضات بيغومبي Bigombe وانتهت دون بارقة أمل في وضع حد للأزمة. وفي روما 1997 عقدت محادثات لفترة وجيزة بين الحكومة ورجال أعمال لاجئين في إيطاليا يعتقد أنهم يمثلون الجناح السياسي لجيش الرب، لكنها فشلت في أعقاب مقتل المفاوض الرئيسي، ويعتقد أن كوني قد قتله في أول لقاء جمعهما معا في الأدغال.

وبعد قدر من الضغوط مارسته مبادرة سلام رجال الدين الأشوليين ARLPI ، قدمت الحكومة في عام 2000 قانون عفو عام، وهو ما وفر عفوا مفتوحا لكل أعضاء جيش الرب ممن عادوا إلى الحياة المدنية منسحبين من الأدغال. ومع ذلك شهد مطلع عام 2002 شن الحكومة عملية "القبضة الحديدية" والتي حاولت فيها قوات الدفاع الشعبية الأوغندية (UPDF) إخراج جيش الرب من جنوب السودان. وقد أدى هذا في النهاية إلى تدهور الوضع الإنساني بشكل أكثر سوءًا، ومضاعفة أعداد النازحين داخليا من جراء الحرب في شمال أوغندا(4).

وانتشر الصراع مع جيش الرب في النهاية فوصل إلى الجزء الشرقي من البلاد فشمل منطقة لانغو وتيسو Lango and Teso التي شكلت فيما بعد منطقة داعمة للحكومة عبر جماعة مسلحة عرفت باسم "القوس ووحيد القرن". ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها وزيرة شؤون المياه آنذاك "بيتي بيغومبي"(5) من أجل إقرار السلام في شمال أوغندا فإنه لم يتحقق شيء نتيجة عدم تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف المعنية بالقضية.

ومع ما أشرنا إليه آنفا من أن تكوين جيش الرب يعود إلى جوزيف كوني فإن جذور حركة تمرد هذا التنظيم تعود إلى امرأة تدعى أليس لاكوينا. ففي ثمانينيات القرن العشرين اعتقدت لاكوينا أن الروح المقدسة خاطبتها وأمرتها بالإطاحة بالحكومة الأوغندية لما تمارسه من ظلم وجور ضد شعب الأشولي. وحققت لاكوينا وأتباعها، ممن عرفوا بأتباع حركة الروح المقدسة، زخما شعبيا فاقم منه تزايد الاستياء العام ضد حكومة موسيفيني. ثم نفيت لاكوينا خارج البلاد تاركة الحركة دون قيادة واضحة، مما ترك الباب مفتوحا أمام جوزيف كوني، الذي يزعم أنه ابن عم لاكوينا، لأن يبسط سيطرته على الحركة ويحولها من حركة تمرد إلى حركة مسلحة أكثر بأسا تحمل اسم "جيش الرب للمقاومة".

وفي البداية لم يتلق جيش الرب بزعامة جوزيف كوني الدعم الشعبي من قبائل الأشولي على نحو ما تمتعت حركة الروح المقدسة. ثم بدأ جيش الرب يعاني من تناقص المنضمين إلى صفوفه بعد حملات ناجحة انقضت من خلالها القوات الحكومية على أتباعه، وهو ما أدي بالمتمردين في جيش الرب إلى خطف الأطفال وتلقينهم قسرا تعاليم حركة التمرد وإدراجهم عنوة في صفوف القتال.

ومن المحتمل أن أكثر من 90 % من المقاتلين في الوقت الراهن في صفوف جيش الرب هم من الأطفال. وقد أدى ذلك إلى تعقيد الوضع خاصة في تحديد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم، وذلك خلال السعي لتحقيق العدالة للضحايا الذين شملتهم عمليات جيش الرب. فضلا عن ذلك، فمن المعتقد أن قائد جيش الرب جوزيف كوني، وخلال مشاوراته الأولى في عملية سلام جوبا كان يدافع عن موقفه بالقول إنه في حالة احتمال تعرضه لمساءلة من المحكمة الجنائية الدولية سيخرج من التهم بريئا -بحسب زعمه- بناء على أنه هو أيضا كان طفلا مختطفا على يد جنود حركة الروح المقدسة.

وفي تسعينيات القرن العشرين عانى أكثر من 1.8 إنسان من النزوح الداخلي نتيجة تمردات جيش الرب، والتي وصفها الكاتب جان إيغلاند بأنها "أكبر أزمة إنسانية في العالم عانت الإهمال والنسيان"(6). ومنذ عام 1996 جاء رد فعل حكومة أوغندا على هجمات جيش الرب على القرى بإجبار سكان هذه القرى على النزوح منها وإعادة توطينهم فيما عرف لاحقا باسم "القرى المحصنة"، وإن كانت الحكومة في حقيقة الأمر قد استخدمت هذه الإستراتيجية رغبة في اتباع سياسة الأرض المحروقة ضد قوات جيش الرب. وعلى الجانب الآخر، فإن هذه المخيمات التي تم تجميع السكان النازحين فيها كانت تعني تقديم قدر من الحماية للسكان المحليين. وعلى مدار 15 سنة منذ بدء هذه السياسة بلغ عدد النازحين أكثر من 1.8 مليون نسمة ممن استمروا في العيش في هذه المخيمات في أوضاع معيشية سلبية من فقر إنساني وتفشي الأمراض ونقص في الغذاء يقترب من حالة المجاعة.

لم يتحقق اهتمام عالمي واسع بأزمة جيش الرب سوى في عام 2001 حين تم الإعلان عن المرسوم الأمريكي المعروف باسم "المرسوم الوطني للولايات المتحدة" والذي أدرج جيش الرب ضمن قوائم المنظمات الإرهابية. وقد لفتت هذه الخطوة من قبل حكومة الولايات المتحدة الانتباه إلى النزاع في شمال أوغندا وأعمال العنف التي نسب ارتكابها إلى جيش الرب. كما وجهت إلى الحكومة الأوغندية بالمثل اتهامات من قبل السكان المحليين بارتكاب أعمال وحشية على نحو ما وقع في مذبحتي بوكورو وموكورا Bucoro and Mukura وغيرها من الأعمال الوحشية. وفي عام 2004 صادق الكونغرس الأمريكي على مرسوم الموقف الأمريكي من أزمة شمال أوغندا، والذي أصبح واحدا من أوائل القوانين الأمريكية التي تعتني بالنزاع في شمال أوغندا.

وفي عام 2005 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق جوزيف كوني وأربعة من كبار قادة جيش الرب. وقد تأكد أن أحد هؤلاء القادة الأربعة قد لقي حتفه، ويعتقد أن فينسينت أوتي القائد الميداني في هذا الجيش قد قتل أيضا. وفي بعض الحالات تكاتف الضغط من قبل المجتمع الدولي مع الرغبة الصارمة لتحقيق السلام وهو ما دفع بقوة كلا من حكومة أوغندا وجيش الرب للجلوس إلى مائدة التفاوض، وإن لم يتم التوصل إلى اليوم لمسار واضح لإيجاد حل سلمي للنزاع. ورغم أن محادثات السلام الثلاث التي أجريت في جوبا في يوليه 2006 قد خرجت بخمس عناصر لأجندة سلام بين الجانبين إلا أن اتفاق سلام نهائي ما زال متعثرا حتى الآن. وليس هناك من تفسير لسبب تعثر تلك المفاوضات إلى اليوم.

الوضع الراهن لجيش الرب

انتشر النزاع مع جيش الرب من شمال أوغندا ليشمل مناطق أكثر اتساعا بما فيها أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان. ويقع كثير من هذه المناطق بعيدا عن السيطرة الفعلية لحكومات تلك الدول. وهذا البعد الجغرافي الذي تنتشر فيه أنشطة جيش الرب يُلقي بتحديات كبيرة أمام دول إقليم منطقة البحيرات العظمى. وما يزال جيش الرب يمثل عاملا من عوامل عدم الاستقرار في إقليم البحيرات العظمي وشرق أفريقيا، بما لديه من قدرة على تهديد حياة كثير من سكان الإقليم.

ومن الواجب ملاحظة أن جيش الرب يبقى قوة مميتة تعيق السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار. ورغم أن جيش الرب لا يمثل اليوم تهديدا عسكريا رئيسيا، إلا أن الخلايا التابعة له والمنتشرة في كثير من المناطق ما تزال تجيش من قوتها عبر خطف الأطفال في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولعل وجود جيش الرب في غابات جمهورية الكونغو وأجزاء من جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، يبقي سكان هذه الدول في حالة خوف دائم، ومن ثم يعيقهم عن ممارسة حرفة الزراعة التي يعيشون عليها ويعرقل بقية الأنشطة الحياتية. فخلال الشهور الإحدى والعشرين الماضية تعرض إنتاج الغذاء في هذه المناطق لإعاقات كبرى بعدما كانت هذه المناطق تعد بمثابة سلة الخبز الرئيسة لمنطقة مثل جنوب السودان. وتلقى القوات شبه المسلحة المحلية (مثل صبية السهم وحراس البيت) الترحيب من السكان المحليين ويلقون الدعم أيضا من قبل حكومة جنوب السودان. وتشعر المنظمات الإنسانية بقلق كبير جراء الاستعانة بمصادر خارجية لتحقيق الأمن والدفاع التي يتعرض له السكان المحليون. وكانت أولى الحالات مع حركة صبية السهم في شمال أوغندا والتي تقدم شهادة واضحة عن انتقام جيش الرب بقطع شفاه عدد من السكان المحليين عقابا على تعاونهم مع السلطات الحكومية.

ولعل اقتران ضعف دور القانون، وانتشار الأسلحة، ووجود فرق القصاص المدني في المناطق التي ينتشر فيها تأثير جيش الرب، قد بدأ يلقي بأثر مخيف على حياة السكان في تلك المناطق. فقبل شن عملية القبضة الحديدية أصبح جيش الرب مصدرا أكثر خطورة كقوة تمرد إقليمية عن ذي قبل. ويمكن تفسير ذلك بشكل واضح في مختلف الدول التي عانت من الهجمات الانتقامية على السكان المدنيين.

واستمرت أنشطة جيش الرب تضرب بشكل متكرر أجزاء من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. وتبعا للتقرير الذي أعده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية والمكتب الإقليمي لإفريقيا الشرقية ومقره نيروبي، فقد وقع نحو 148 هجوما خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2011، وقد نتج عن هذه الهجمات مقتل 93 شخصا وخطف 261 طفلا. واستمرتسجيل معظم الهجمات في جمهورية الكونغو والتي سجل فيها أيضا أعلى عدد من حالات القتل والخطف. وفي الوقت الحاضر اضطر 11.032نسمة إلى النزوح الداخلي منذ أبريل 2011 وهو ما يرفع عد السكان الذين اضطروا للنزوح الداخلي في الدول المتضررة من هجمات جيش الرب إلى 359.514 نسمة(7).

دور الدولة في العمليات العسكرية الحالية

ما زال جيش الرب كمجموعة تمرد مسلح يعزز من إستراتيجية بقائه داخليا من خلال الاعتماد الكبير على أساليب نهب ممتلكات السكان المحليين، وسرقة مستودعات سلاح قوات الأمم المتحدة العاملة في جمهورية الكونغو الديموقراطية. وعلى أية حال هناك من التقارير غير المؤكدة ما يشير بإصبع الاتهام إلى حكومة السودان، التي كان لها، ولفترة طويلة، صراع بالوكالة مع حكومة أوغندا. وتحاول حكومة أوغندا وحكومات عدد من الدول المجاورة مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية وجهورية أفريقيا الوسطى العمل معا على تنسيق العمليات الهجومية ضد جيش الرب.

وفي مايو /أيار 2011 صادق الكونغرس الأمريكي على مرسوم يحمل عنوان "نزع سلاح جيش الرب واستعادة الاستقرار في شمال أوغندا"(8) وكان هدفه "دعم الاستقرار والسلام الدائم في شمال أوغندا، تلك المنطقة التي تشهد منذ 1986 نزاعا بين الحكومة الأوغندية وجماعة مسلحة تعرف باسم جيش الرب للمقاومة ". وقد دعى المرسوم الأمريكي أيضا إلى تقييم الفرص التي من خلالها يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في العمل والتنسيق مع حكومات دول الإقليم من أجل تفعيل الجهود المتعددة الأطراف والحد من التهديدات التي ما زال جيش الرب يشنها في الإقليم إلى اليوم. وتستمر أوغندا في شن عمليات عسكرية مباشرة إلى جانب عدد من الدول الأخرى في الإقليم. ويتمثل الهدف الأساسي من العمل المشرك في وضع نهاية لحركة تمرد جيش الرب.

مصادر تمويل العمليات العسكرية

تعهدت الولايات المتحددة -من خلال استراتيجتها لتمويل نزع سلاح جيش الرب وفي استجابة لمرسوم الكونغرس الأمريكي المشار إليه آنفا والصادر عام 2009- بأن توفر المصادر التمويلية لتنفيذ استراتيجيتها في الصراع مع جيش الرب. وفي الوقت الحاضر، تقدم حكومة الولايات المتحدة أشكال استجابة مختلفة هدفها تسهيل دور اللاعبين الفاعلين على المستوى الإقليمي والدولي وتحديد كيفية قيامهم بأدوار حاسمة في وضع نهاية لواحد من أطول النزاعات وأكثرها عنفا في القارة الإفريقية.

وتتضمن هذه الاستراتيجية الجديدة من قبل الولايات المتحدة توسعة قاعدة الانخراط في العمل المتعدد الأطراف، وحماية المدنيين من العنف، ومساعدة الاطفال على الهرب من قبضة جيش الرب، وتوقيف كبار قادة جيش الرب واعتقالهم، وتخفيف الأضرار الواقعة على المجتمعات السكانية المتأثرة بالصراع والمساهمة في إعادة بنائها وتأهيلها. ومن بين كل ذلك تستمر الأمم المتحدة في تأمين قوات حفظ السلام العاملة في جمهورية الكونغو MONUSCO ومهمة الأمم المتحدة في السودان UNMIS من خلال نشر المزيد من قوات حفظ السلام وتوفير قواعد النقل الجوي في المناطق المتأثرة بهجمات جيش الرب وأخذ الوسائل الفاعلة للتأكد من حماية التجمعات السكانية المعرضة لهجمات جيش الرب. ومن خلال إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه جيش الرب في إقليم البحيرات العظمى ثمة التزامات لمواصلة توجيه الدعم للجيش الأوغندي لإتمام مهامه ضد جيش الرب. وتبقى درجة فاعلية تلك الإستراتيجية رهينة بالإطار الحاكم لتوفير تسوية مستديمة وسلام دائم.

الفوائد المترتبة على العمليات العسكرية
في الوقت الذي تهدف فيه العمليات العسكرية إلى تدمير قوة جيش الرب في الإقليم، فإنه من المهم الإشارة إلى أن أوغندا كانت لفترة طويلة من الزمن المستفيد الأول من دعم المانحين الأجانب والتعاطف الدولي معها. وفي كثير من الأحيان كان مجرد ذكر المناطق المتأثرة بهجمات جيش الرب يعطي مزيدا من الثقة والدعم للحكومة الأوغندية على المستوى العالمي وما يستتبعه من تقديم دعم من الأسلحة للحكومة الأوغندية أو تمويلها بقدر من المساعدات لصالح مناطق شمال أوغندا تحت مظلة إحلال السلام ومخططات إعادة التأهيل والتنمية. كما ستحصل جمهورية الكونغو الديمقراطية بالمثل على عوائد إذا نجحت العمليات التي تشنها ضد جيش الرب. وإلى هذه اللحظة، ومن خلال قوات الأمم المتحدة العاملة في مهام حفظ السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، زاد الطلب على البنية الأساسية في مجال النقل والمواصلات في وقت تقدم فيه حكومة الصين مبادرات لتوفير هذه البنية الأساسية في مقابل منحها امتيازات التنقيب عن المعادن في تلك الأقاليم.

الآثار الأمنية للعمليات العسكرية في إقليم شرق أفريقيا
تزايدت درجة تعرض السكان لنقص الغذاء وما يرتبط به من مشكلات سوء التغذية نتيجة أنشطة جيش الرب في المنطقة. وتتسم هذه المناطق بمعدل منخفض في ملكية الثروة الحيوانية، وهو ما ينتج عنه اعتماد كبير للسكان على الزراعة. وعلى مدار سنوات متخمة بالهجوم المتكرر والخوف المتواصل من وقوع نوبات جديدة من هجمات جيش الرب، تفاقمت أزمة انخفاض معدلات الإنتاج الزراعي. وبالتالي فإن نقص الغذاء في الإقليم يعزى في حقيقته إلى الخوف الدائم من هجمات عشوائية يشنها جيش الرب وبوسعها تدمير الزراعة وإنتاج الغذاء في المناطق المتاثرة.

وقد أدت مشكلات النزوح الداخلي بسبب النزاع مع جيش الرب إلى توترات عرقية قد ينظر إليها كمصدر محتمل لاندلاع نزاعات مستقبلية في الإقليم. وكان ظهور عمليات النزوح الداخلي في منطقة البحيرات العظمى سببا في حالة معقدة من التوتر في العلاقة التي تجمع المجموعات البشرية المتنوعة في الإقليم، فضلا عما سببه هذا النزوح من أضرار التهميش الاقتصادي والسياسي.

وما تزال التداعيات المترتبة على الحرب بين الحكومة الأوغندية وجيش الرب تتسبب في نزعات سياسية إضافية بين الحكومة وسكان شمال أوغندا أخذا في الاعتبار نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 1996 والتي لم يحظ فيها الرئيس موسيفيني بثقة سكان شمال أوغندا. وتنظر حكومة موسيفيني إلى شمال أوغندا على أنه منطقة معادية لها.

وانشغل الرأي العام بكثرة بحوادث انتهاكات حقوق الإنسان أو ارتكاب أعمال وحشية بحق المدنيين. وأصبح الرأي العام في أوغندا المتابع لقضية الحرب بين الحكومة وجيش الرب يتناول أطيافا مختلفة من ديناميات النزاع وأسباب استمراره حتى الآن. وهناك تفسيرات مختلفة سواء ما يتعلق منها بالنزاع المسلح خاصة من قبل أولئك المتضررين في المقام الأول من بقائه أو المستفيدين من استمراره.

وينظر كثير من المحللين إلى النزاع المسلح مع جيش الرب على أنه نزاع بالوكالة يعزز من الاحتكاكات الإقليمية بين القوى السياسية في منطقة البحيرات العظمى. فداخل هذا الإقليم تورطت أوغندا بشكل مباشر في توفير الدعم القتالي وتوفير الملجأ والملاذ للحركة الشعبية لتحرير السودان. وكرد فعل انتقامي على ذلك قامت الحكومة السودانية بتقديم الملاذ والدعم العسكري لجيش الرب. وعلى المستوى الدولي فإن كلا من حكومة أوغندا والحركة الشعبية لتحرير السودان قد تلقت الدعم العسكري والسياسي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي تحت مظلة الحرب على الإرهاب فضلا عن مسعى هذه القوى الدولية إلى تقليص تأثير ضغط نظام الخرطوم على أوغندا.

ويبدو أن النزاع مع جيش الرب أصبح يدر أرباحا سرية مغرية مما خلق مشروعا استثماريا لكبار ضباط الجيش والمسؤليين الحكوميين إلى جانب أطراف أخرى من المبتزين. وفضلا عما سبق، فإن نفور كل من الحكومة وجيش الرب من الجلوس إلى مائدة التفاض للوصول لحل سلمي للنزاع هو المسؤول عن استمرار النزاع الى اليوم. ويجب أن نلاحظ أيضا أن الأعمال الوحشية التي ارتكبها جيش الرب ضد المدنيين العزل فضلا عن الاتهامات الموجهة إلى القوات الحكومية الأوغندية بارتكاب أعمال وحشية تساهم جميعها في الإبقاء على النزاع دون حل الى اليوم.

ويتسم الاقتصاد السياسي للنزاع مع جيش الرب بتعقده من زاوية أن الممولين للنزاع يجنون أرباحا خيالية جراء تجارة السلاح المخالفة للقانون وما تدره من مكاسب هائلة. وهناك اتهامات توجه لقوات الدفاع الشعبي الأوغندية باستخدام نزاع جيش الرب ذريعة للانخراط في الاستغلال غير المشروع لموارد الثروة في جمهورية الكونغو الديموقراطية المجاورة. ويعبر ذلك عن نفسه في التقرير الأمني للأمم المتحدة حول النهب الذي تتعرض له موارد جمهورية الكونغو الديموقراطية(9).

وقد تسبب النزاع في إصابة أجزاء أخرى من الأراضي الأوغندية بالاضطراب وعدم الاستقرار. ويمضي الصراع أيضا ليؤثر على نزاعات أخرى في منطقة البحيرات العظمى. ولا يجب أن ينظر إلى نزاع جيش الرب على أنه مجرد أزمة إنسانية بل يجب أن ندركه بأبعاده الأوسع التي تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. ولم يعد النزاع قضية تخص شمال أوغندا، بل صار يشكل تحديا إقليميا يتطلب حلولا فاعلة وأكثر استدامة، وسيكون أفضلها تلك الحلول التي تتضمن علاجا للتحديات الراهنة في المقام الأول.

ويواصل نزاع جيش الرب مشكلاته المتفاقمة بتداعيات سلبية يتمثل أهمها في نزوح المواطنين داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودولة جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو نفس المصير الذي يواجهه المواطنون في شمال أوغندا. وما تزال شمال أوغندا تمثل اليوم حاضنة لمشاعر نفسية تنتاب سكان الإقليم بحتمية الفشل الاقتصادي والسياسي. وهذا الموقف النفسي الذي يتخذه السكان المحليون هو جانب من الجذور العميقة للنزاع.

على هذا النحو يعيش السكان المحليون في شمال أوغندا في خوف دائم من مغبة عودة جيش الرب من جديد. وعلى الرغم من وجود سلام نسبي، فالحقيقة أن نزاع جيش الرب لم يصل إلى حل نهائي فعّال يترك ظلاله على جميع المحاولات الساعية إلى تأهيل شمال أوغندا في حقبة ما بعد النزاع. وليس هناك ضمان بتحقيق سلام دائم في اللحظة الراهنة.

وثمة شكوك كبيرة بين السكان المحليين بأن قضية الاستبعاد السياسي والاقتصادي في شمال أوغندا هي أكثر العناصر المعبرة عن الروابط المعقدة المسؤولة عن ظهور طبقة المستفيدين من بقاء النزاع والمتربحين من استمراره. وتبقى تطلعات سكان شمال أوغندا مشتتة بين معضلات الأمن والحماية والهوية القومية، وهي المعضلات التي تختلف درجتها بحسب الزاوية التي ينظر منها صناع القرار في الدولة. ويتسبب الفشل في تعيين جذور وأصول النزاع الحالي مع جيش الرب في تفاقم التداعيات مستقبلا بما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين السلطة والسكان في شمال أوغندا ويزداد عجز الهيئة السياسية عن إدارة الأزمة في تلك المناطق.

يرى سكان شمال أوغندا -والذين يتم من بين صفوفهم تجنيد معظم مقاتلي جيش الرب- أن الحوار والتفاوض هما السبيلان الوحيدان لإنهاء النزاع مع جيش الرب، وأن أسس السلام التي يمكن أن تجمع الطرفين يجب أن تقوم على سياق أوسع يشمل مصالح الطرفين. ولقد منيت بالفشل المحاولات السابقة التي حاولت تحقيق السلام، وجاء ذلك بسبب التشكيك في أهلية أحد الأطراف المتفاوضة، أو استمرار شن هجمات خلال فترة التفاوض، أو أن التواريخ المتاحة للتفاوض لم تكن واقعية وسرعان ما اتبعتها عمليات عسكرية. وكانت عملية سلام جوبا -رغم القيود التي كانت عليها والعوائق التي وقفت في طريقها- فرصة للتفاوض حول اتفاق سلام بوسعه معالجة القضايا المطروحة بشكل شامل.

لقد ألقت عملية السلام بجوبا في حقيقة الأمر الضوء على المشكلات داخل السودان بينما كان من الواجب أن تعتني بمشكلات إقليم البحيرات العظمى بشكل عام. ويمكن القول إن الحل الأمثل في الإستراتيجيات السلمية يكمن في حرمان جيش الرب من تجنيد المزيد من المقاتلين وتجريده من الدعم السياسي في مقابل تزويده بحل واقعي. وبناء على ما سبق، فإن الإستراتيجية الناجحة لحل نزاع جيش الرب يجب أن تعتمد بشكل أساسي على جهد دؤوب لتعيين المظالم التي تعانيها منطقة شمال أوغندا على نحو ما أشير إلي ذلك في اتفاقية سلام جوبا في المادة الثانية من أجندة الحلول الكلية(10). ويجب أن يشعر سكان شمال أوغندا بأن الإقليم الذي يعيشون فيه هو جزء أصيل من الدولة الأوغندية، له مزايا واستحقاقات مثل بقية أقاليم البلاد.

وتواجه حكومة حركة المقاومة القومية NRM أكبر التحديات المتعلقة بمعالجة ثغرة الحوكمة منذ أن تأسست الدولة على قواعد ضعيفة بعيد سياسات الفترة الاستعمارية التي عملت على التقسيم العرقي، وبعد عقود من النزاع المسلح في البلاد. ويتطلب علاج هذا الوضع ابتكارات في الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث تهدف إلى إعادة بناء حصة شمال البلاد في الحكومة المركزية وتدعم من عملية صنع القرار المحلي بشكل فعال. وسيكون في صالح السكان المحليين في شمال أوغندا أخذ زمام المبادرة وتطوير آليات صياغة هذه الرؤى دون الخوف من الوقوع في مأزق التسويات والحلول الوسطى. ومن جانب آخر سيكون في مصلحة الرئيس موسيفيني وحكومة حركة المقاومة القومية تعزيز إعادة بناء فعالة لفترة ما بعد النزاع مع جيش الرب فضلا عن السعي لتطوير شمال أوغندا.

ويعتبر دور المجتمع الدولي على جانب كبير من الأهمية لتسوية النزاع مع جيش الرب، فهذا الدور محوري ولا غنى عنه لبلوغ تسوية لهذه الأمة. ففي الوقت الحاضر تحتاج حكومة أوغندا لأن تأخذ بعين اليقظة نصائح المانحين الدوليين الذين تستمد منهم ما يقرب من نصف ميزانية الدولة. وقد أظهر المجتمع الدولي ردود أفعال إيجابية للغاية تجاه مساعدة الحكومة الأوغندية لمواجهة بعض القضايا المهمة، مثل برامج مكافحة الإيدز. وهناك آمال عريضة معلقة على المبادرة الحالية للولايات المتحدة شريطة أن تعمل واشنطن بشكل وثيق مع حكومات دول البحيرات العظمى، ومع مجموعات المجتمع المدني فضلا عن التعاون بالمثل مع التجمعات المحلية في الإقليم.

وعلى هذا النحو يستمر نزاع شمال أوغندا لنحو 18 سنة ممتدا ليشمل رقعا جغرافية أخرى. وبينما ينظر إلى احتمال تعرض جيش الرب إلى الإضعاف نتيجة عملية "الرعد الكاشف" وتجمد عملية سلام جوبا، فإنه ليس هناك ضمان بأن انعزالية جيش الرب في أدغال جمهورية الكونغو الديمقراطية ستؤدي في حد ذاتها إلى نهاية لهذه الحركة التمردية المسلحة.

وجدير بالملاحظة أن جيش الرب قد أظهر قدرته على البقاء في ظل ظروف معاكسة بالغة الصعوبة. ويجب أن يكون هناك قدر كاف من الحذر حتى لا يتفشى الإرهاب بلا نهاية عبر كافة أرجاء دول البحيرات العظمى. ويتوقف نجاح مبادرة الولايات المتحدة على عاملين رئيسين:

  1. الإرادة السياسية والعسكرية للشركاء من الأمم الأفريقية،
  2. مدى ما ستوفره الولايات المتحدة وشركاؤها من موارد وجهود تنسيقية دولية.

ولا يجب أن يتم وضع الكثير من التأكيدات على مواجهة وهزيمة جيش الرب، بل الأفضل البحث عن تسوية سياسية فعالة تسمح بإعادة اندماج مقاتلي جيش الرب في الحياة المدنية، بقدر ما تسمح بالنظر في الشكاوي المقدمة من قبل سكان شمال أوغندا ضد الحكومة المركزية.
_______________
لياندرو كوماكش - كاتب وجامعي أوغندي

الهوامش
(1) انظر في ذلك Behrend, 1999: 179-80
(2) تم اعتقال 18 سياسيا من شمال أوغندا بتهمة التعاون مع المتمردين بعدما اعترضوا على شن "عملية الشمال". وقد تم إطلاق سراحهم جميعا بعد سجن دام عامين بعد ما لم تجد الحكومة أدلة دامغة ضدهم. انظر في ذلك Gersony Report, 1997: 31-2
(3) انظر في ذلك:
Barney Afako, Lessons from Past Peace Initiatives, Monograph commissioned by the Civil Society Organizations for Peace in Northern Uganda (CSOPNU), November 2002.
(4) راجع في ذلك: Gersony Report, 1997: 9-16.
(5) بيتي بيغومبي، سياسية أوغندية وعضو في البرلمان الأوغندي ممثلة عن المرأة في مقاطعة أمورو. وقد تقلدت منصب وزيرة الدولة للمياه في جمهورية أوغندا.
(6) نقلا عن Relief Web, 2003، وهنا تجدر الإشارة إلى أن جان إيغلاند كان يعمل في تلك الأثناء منسق حملات الإغاثة التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثة الطارئة.
(7) طبقا لحسابات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، المكتب الفرعي لشرق أفريقيا، يونيه 2011.
(8) انظر:
Lord's Resistance Army Disarmament and Northern Uganda Recovery Act of 2009
(9) طبقا للجنة تحقيق الأمم المتحدة حول موارد جمهورية الكونغو الديمقراطية، 28 أكتوبر 2003
(10) راجع في ذلك:
Agenda Item No.2, Agreement on Comprehensive Solutions between the Government of Republic of Uganda and the Lord’s Resistance Army/Movement, Juba, Sudan, June 29, 2007.

نبذة عن الكاتب