الثورات العربية تطرق باب دول إفريقيا الجنوبية

التشابه في الظروف التي يعانيها الشباب العربي والإفريقي جعل بالإمكان التنبؤ بقيام ثورة في أنغولا، وزامبيا، ومالاوي، وسوازيلاند والكونغو الديمقراطية. أما في جنوب إفريقيا فالمؤسسات: القضائية المستقلة والتشريعية والسياسية والدستور والنقابات كلها عوامل تجعل إمكانية قيام ثورة بجنوب إفريقيا أمرا مؤجلا.
2012379034588734_2.jpg

"لم يحدث أبدا أن جمعت الإنسانية الكثير من السلطة مع الكثير من الفوضى، الكثير من القلق مع الكثير من الألاعيب، الكثير من المعرفة مع الكثير من اللايقين"

(بول فاليري: "حقيقة تاريخية"، 1932)

لم يكن الربيع العربي رد فعلي عفوي ولم ينبثق من فراغ كما يحاول بعض السياسيين وأتباعهم إيهام الناس بذلك، محاولين تشويه الثورات من خلال الادعاء أنها أحداث فوضوية يحركها شباب يتسمون بالتفاهة والتململ وفي نهاية المطاف بالفوضى. فمثلا يكافح شباب جنوب إفريقيا من أجل الحصول على فرصة للتسجيل في الجامعة لدرجة يتم فيها دهس بعضهم تحت أقدام خمسة آلاف شخص حين يتدافعون للظفر بمقعد دراسي في الجامعة(1). أما في سوازيلاند فيلجأ المرضى المصابون بداء الإيدز لتناول روث البقر حتى يكون بإمكانهم تناول العقاقير الدوائية المضادة للفيروسات القهقرية(2). وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية يعاني الشباب من خلال التعرض أو الإجبار على القيام بأعمال إرهاب جنسي. في كل هذه الحالات الثلاث سيكون اعتماد نسخة إفريقية من الثورات العربية، كما قام بذلك الشباب العربي الشجاع، خيارا منطقيا؛ بل قد يكون هذا الخيار في الواقع الآلية الوحيدة المتبقية لشباب دول إفريقيا الجنوبية سبيلا لإحداث تغيير سياسي في بلدانهم.

ما قام به الشباب العربي أعطى لنظرائهم في دول إفريقيا الجنوبية خيارا جديدا من أجل التعامل مع واقعهم. تمت مناقشة إمكانية اللجوء إلى مثل هذا الخيار في هذه الدول على ضوء الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في دول الشرق الأوسط سنة 2011 والتي مازالت مستمرة حتى الآن. ماذا سيحدث لو تم قيام نموذج للربيع العربي من طرف شباب دول إفريقيا الجنوبية؟ ما نوع المقاومة التي سيواجه بها هذا الشباب في حالة قيامهم بإعادة النموذج العربي في الثورة؟ وهل تشبه الأوضاع في دول إفريقيا الجنوبية الأوضاع في الدول العربية التي أدت إلى الدعوة لإجراء إصلاحات انتخابية، وبرلمانية ودستورية كما حدث في مصر وتونس؟ وهل وصلت درجة الإحباط من استشراء الفساد في السلطة ومؤسساتها في هذه الدول درجة لم يعد ينفع معها سوى اللجوء إلى خيار جذري مثل الثورة؟

ولكي نقدم إجابة صادقة على هذه الأسئلة لا بد لنا من الاعتراف أن خبراء السياسة والسياسيين والمواطنين والهيئات الدولية يمتلكون تصورا محدودا لإمكانية التغيير في هذه المنطقة تماما كما كان لديهم تصور محدود للتغيير عند سقوط الشيوعية، وعند تفكيك البنى الاستعمارية ونظام الآبارتايد في الستينات والثمانينات، وعندما تراجعت أمريكا لتكون أضعف دول العالم أمام أعدائها بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001؛ وحتى عندما ضربت الأزمة الاقتصادية العالم سنة 2008. شاهد العالم بمرارة كيف نعى التونسيون موتا مؤلما وغير مستحق لشاب شجاع يسمى محمد البوعزيزي؛ لكن هذا العالم لم يكن بإمكانه رؤية التبعات التي ستسببها وفاة ذلك الشاب والتغيير المصاحب لها.

لم يختصر التغيير على تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا والبحرين بل امتد ليشمل كل الدول التي يعاني شبابها من الخيانة والتهميش من طرف حكوماتهم. وكانت هذه الحركات الشبابية من القوة والسرعة بحيث دفعت قادة الأنظمة السلطانية إلى الفرار كما حدث مع زين العابدين بن علي؛ كما دفعت كذلك بحلفائهم الغربيين إلى اتباع سياسة ركوب الموجة للحاق بركب الثورات التي قامت بها الشعوب العربية، وهو فعله أوباما في الحالة المصرية وكما يحاول مجلس الأمن الآن بالنسبة للحالة السورية.

الشباب العربي وشباب دول مجموعة التنمية في الجنوب الإفريقي: النضال والرؤية المشتركان

لم تكن الدول المتقدمة بمنأى عن الاحتجاجات التي تطالب بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية كما هو الحال مع حركة "احتلوا وول استريت" في الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما لم تكن الدول النامية بمعزل عن هذا التغير السريع في المشهد السياسي الدولي. ففي نيجيريا -على سبيل المثال- ثار النيجيريون بطريقتهم الخاصة عندما رفعت الحكومة الدعم عن أسعار الوقود. ووقعت هذه الانفجارات السياسية الكبيرة في شمال إفريقيا لكن وقعها هز جميع أرجاء العالم. ولم يكن بإمكان أي من عرابي النظام السياسي والاقتصادي الدوليين التنبؤ بهكذا أحداث أو حتى التعامل مع هزاتها الارتدادية التي ما زالت حتى اللحظة تحاصر أوهامهم حول امتلاكهم الحصري لمقاليد السلطة والقرار الدوليين.

عبر المواطنون في كل من أنغولا، وسوازيلاند، ومالاوي، وزيمبابوي، والكونغو الديمقراطية وحتى جنوب إفريقيا -كجزء من مجموعة التنمية في الجنوب الإفريقي- عن عدم رضاهم عن حكوماتهم بطريقة تشبه الاحتجاجات التي قام بها نظراؤهم في الدول العربية. وليس من قبيل الصدفة أن تنعكس الأحداث التي وقعت في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بشكل تقريبي على منطقة دول الجنوب الإفريقي وهي المنطقة الأكثر فقرا في العالم. إذ قد تكون هناك اختلافات كبيرة في الجغرافيا السياسية، وفي الدين والثقافة؛ لكن دول هذه المنطقة تتقاسم أنماط العيش التي أنتجتها أنظمة حكم جشعة، وذات طبيعة وراثية جديدة حكمت هذه البلدان لعقود طويلة. كما تتقاسم الظروف السياسية والاقتصادية التي تمهد الطريق للثورة.

يشبه النظام الملكي المطلق في سوازيلاند النظام الملكي في البحرين من حيث دمجه وسيطرته على كل المجالات العامة والخاصة دون أية محاسبة أو تحد من المواطنين أو الأحزاب السياسية. ويتم سحق أي صوت معارض؛ سواء أكان فردا أم جماعة بشكل وحشي وسريع حتى قبل أن يعلم أي أحد بوجوده. ورغم أنه لم يتم تصنيف نظام حكم الرئيس موغابي لزمبابوي على أنه نظام ملكي؛ إلا أنه لا يختلف في خصائصه عن نظام الحكم الملكي في سوازيلاند والبحرين. كما تتشابه بشكل مدهش الأنظمة الرئاسية الوراثية لكل من الرئيسين دوسانتوس في أنغولا وجوزيف كابيلا في الكونغو الديمقراطية مع نظيراتهما في الدول العربية. وقد مهدت هذه الدول وعلى مر الزمن الطريق أمام قيام ثورات وانتفاضات تمكن رؤية بدايتها الآن وإن كانوا يحاولون كتم صوتها من خلال تهميش وحرمان مواطنيهم من أي مشاركة سياسية؛ كما تستمر هذه الأنظمة في تجاهل الحاجة الملحة لقيام دساتير ديمقراطية ومؤسسات قضائية مستقلة.

على الرغم من وحشيته استطاع نظام القذافي في ليبيا الإبقاء على قبضته القوية على السلطة من خلال شراء صمت وولاء شعبه مقابل توفير الخدمات الأساسية من غذاء، وكهرباء، ومنتوجات، ووقود رخيص، وإعانات سكن، وتعليم حر من نوع لا يسمح بانتقاد نظام حكمه وبالتالي إزاحته عن السلطة. وإذا كانت سياسة "شراء السلطة" التي اتبعها القذافي قد أمنت له البقاء في السلطة لمدة 42 عاما فإن الوقت قد نفذ لدى كل من موغابي (رئيس زمبابوي)، ودوسانتوس (رئيس أنغولا)، وكابيلا (رئيس الكونغو الديمقراطية)، وبينكو وا موثاريكا (رئيس مالاوي)، والملك موسواتي (ملك سوازيلاند)؛ بل وحتى حكومة حزب المؤتمر الوطني. وتشكل الحاجة الماسة للعمل اللائق وتوفير الخدمات الأساسية المحرك الأساسي للاحتجاجات في منطقة مجموعة التنمية في الجنوب الإفريقي إذ عندما يفوق السعي إلى الحصول على الحاجات الأساسية للناس على المعروض منها، كما هو الحال في دول المجموعة، فإن ذلك سيطلق العنان من جديد لانتشار القلاقل وعدم الاستقرار.

أما في جنوب إفريقيا، فمن بين جميع دول المنطقة تم وضع قدرة الحكومة على حفظ كرامة مواطنيها موضع الاختبار وذلك من خلال ما سمي بـ"احتجاجات المراحيض" في سنة 2011 التي قامت بها المجموعات الفقيرة المحتجة على بناء مراحيض مكشوفة في وسط الشوارع مما يضطر مستخدميها لستر أنفسهم بالأغطية عند استخدامها. وهذا النوع من المشاهد لا يعد غير مريح للكتابة عنه فقط؛ بل إن مجرد تخيله يعتبر أمرا مثيرا للحنق والاشمئزاز. وهذه الأمثلة هي مجرد غيض من فيض من المشاكل الكبرى التي تعانيها المجتمعات الفقيرة في كل أنحاء منطقة مجموعة التنمية في دول الجنوب الإفريقي. وتزداد الفجوة بين الأقلية الغنية والجماهير الكبيرة الفقيرة بشكل يومي تاركة الناس بين خيارين: إما السعي لاختراق هذه الدائرة الغنية الصغيرة بأية وسيلة ممكنة؛ أو السخط واللجوء إلى الجريمة من أجل البقاء على قيد الحياة مما يعطل عمل أنظمة الدولة. ويشكل الفساد المستشري في الدوائر الحكومية سببا رئيسيا في مستويات البطالة العالية وكذا لانهيار المشهود في تقديم الخدمات واحترام القانون والنظام.

"ألاعيب" التكنولوجيا: السلاح المشترك بين الشباب العربي وشباب دول مجموعة التنمية في الجنوب الإفريقي

تشكل الإضرابات الشرسة المطالبة بتقديم الخدمات في جنوب إفريقيا، والتجارة الدموية حول المعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والاتجار غير المشروع بالأسلحة في أنغولا، فضلا عن آفة انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وانعدام الأمن في زمبابوي، والاحتجاجات المضطربة من طرف المالاويين ضد نقص الوقود على سبيل المثال لا الحصر نتائج مباشرة لانتشار الفقر. لذا تمت مواجهة المصاعب الاقتصادية في دول إفريقيا الجنوبية بنفس القدر من الإحباط الذي حدث في الدول العربية. ولا يوجد شيء أخطر من تجريد أي دولة مهما كانت من شبابها؛ لأن هذا الشباب هو من يفترض فيهم العمل على إنعاش اقتصاد بلادهم، وهم أيضا من بإمكانهم -بكبسة زر- الحسم في شرعية أي نظام أو سلطة. وتخفيف نقمة الشباب لا يكون من خلال جعل أبسط الاحتياجات الإنسانية محصورة في يد نخبة قليلة من الناس؛ بل -على العكس- قد يؤدي إلى إعطائهم الشجاعة اللازمة ليظهروا للعالم الحقيقة الصارخة لحكوماتهم المتعطشة للسلطة كما فعلوا باستخدام شبكات الفايسبوك، تويتر واليوتيوب.

من الواضح أن الشباب على معرفة واسعة بوقائع الأمور على عكس ما يعتقد السياسيون، ويعتبر استغفال المجتمع أحد أدوات البقاء لدى الأنظمة الفاسدة؛ بل إن الكثير من الحكومات عديمة الكفاءة تعتمد في استمراريتها على جهل المواطنين بواقعهم السياسي والاقتصادي؛ لذا فإنه عندما يستيقظ الشعب من سباته العميق فإنه يبدأ على الفور بتفكيك الأنظمة الفاسدة. وتفتح تكنولوجيا الشبكات الاجتماعية مصادر كبيرة للمعرفة أمام الشباب العربي والإفريقي؛ رغم أن عددا قليلا جدا من شباب مجموعة التنمية لدول إفريقيا الجنوبية بإمكانهم الادعاء أنه لم يسبق لهم لمس هاتف نقال أو معرفة تشغيله. ويشكل التبادل السريع للمعلومات أمرا في غاية الدلالة في تنظيم الشباب لأنفسهم سياسيا من جل تحقيق التحول الإصلاحي الذي يسعون لأجله. وقد أدرك الشباب في الوطن العربي، ومن بعده الشباب في دول إفريقيا الجنوبية، هذه الحقيقة؛ ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد أن تنبه المجتمع الدولي للأهداف التي يسعى وراءها الشباب.

ساهمت شبكات الفايسبوك، تويتر واليوتيوب بشكل فعلي في شل حركة الحكومات، وذلك من خلال تحطيم الدعائم التي تقف عليها هذه الحكومات والتي تساعدها على الحفاظ على أنظمتها القائمة على استغلال لامبالاة الشعوب، وعلى التشويش وفرض الرقابة على الناس عن طريق الأجهزة الأمنية والسرية للدولة. وإذا لم يكن الناس على معرفة بالطريقة التي يتم بها الاستيلاء على أموال الدولة وعلى مواردها، فكيف سيتسنى لهم إذن إسماع شكاويهم بهذا الخصوص؟ ورغم الشرخ الكامن في العولمة فإن وعي الشباب بقضايا دول ربما لم يسبق لهم قط أن وطئتها أقدامهم ومساعدة هؤلاء الشباب في تنظيم أنفسهم سياسيا هو في الواقع أمر يستحق الإعجاب. 

الهاتف المحمول يهزم البندقية: الشباب العربي والإفريقي يهزم الجيش

حاولت الحكومات وسع جهدها حظر شبكات الإنترنيت ولكن دون جدوى؛ حيث أستطاع الشباب الماهر في استخدام تقنيات التكنولوجيا إيجاد الوسائل التي تمكنهم من التحايل على جميع هذه الإجراءات الحكومية التي تتبع تكتيكات مخادعة وخرقاء من أجل إسكات أصوات الشباب المعارضة. وبقي الاعتماد الكلي على العنف الوسيلة الوحيدة المتبقية للدول العربية ونظيراتها في منطقة الجنوب الإفريقي لتحقيق الاستقرار بين الشعوب التي لم تتضعضع في مواجهة هذا العنف.

اتجه الجيش –في بعض الدول العربية- إلى مهاجمة المواطنين، ونتج عن ذلك قصف مدفعي عنيف، وكذا اعتقال غير مبرر لمتظاهرين أبرياء ومسالمين. وتقليدا للقبضة الحديدية التي تعامل بها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قام روبرت موغابي بسجن 46 شخصا بتهمة تتعلق بالتخطيط لاحتجاجات -على الطريقة المصرية- من خلال استخدام شبكة الانترنت والشبكات الاجتماعية(3). وفي جنوب إفريقيا تم الاعتداء بالضرب بالهراوات وإطلاق النار الذي أدى للموت على أندريس تاتان، وهو مدرس وفاعل مجتمعي يحظى باحترام كبير، من طرف عصابة من رجال الشرطة. أما في مالاوي فقد حرك النقص في الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية تظاهرات مشابهة للتي قامت في سنة 2011 في زيمبابوي وجنوب إفريقيا والتي تم قمعها من قبل قوات الأمن مما أدى إلى قتل وجرح واعتقال الكثير من المتظاهرين.

تمتلك الجيوش في الدول غير الديمقراطية وغير المستقرة التي يسعى الشباب فيها إلى تغيير الأنظمة إلى بدائل ديمقراطية مستقرة خيارين: إما أن تحمي مواطنينها من بطش الأنظمة أو أن تكون هذه الجيوش نفسها أداة لتنفيذ أوامر النظام بالقتل والتنكيل بالمواطنين في الوقت بدل الضائع لهذه الأنظمة. ففي مصر وليبيا على سبيل المثال أعطت الانشقاقات داخل الجيش شجاعة كبيرة للمحتجين لمواصلة نضالهم من أجل الديمقراطية؛ ولكن وفي وقت لاحق أثبت الجيش كما في الحالة المصرية ولائه للنظام السابق حين بدأ يسيء معاملة المحتجين. وفي ليبيا بقي جزء كبير من الجيش الليبي على ولائه لقائده القذافي وشكل مصرع القذافي مصدرا للاستياء والانتقام تجاه هؤلاء الجنود.

أما في جنوب إفريقيا فلم يكن تحول الولاء مطروحا عند أي من أجهزة أمن الدولة تجاه الشباب الذين يناضلون من أجل الحرية الاقتصادية والأمنية التي، إن تحققت، سيتمتع بها حتى رجال الأمن والجيش أنفسهم؛ وقد يرجع السبب في ذلك، لا إلى رضا هؤلاء عن حكوماتهم العاجزة وغير الكفؤة، بل بسبب سعيهم اليائس من أجل التمسك بالقليل من الأمان الوظيفي الذي توفره لهم خدمتهم في الدولة. وبما أن معظم أفراد الجيش في بلدان إفريقيا الجنوبية لم يحصلوا على فرص للحصول على مستويات تعليم عال، وليست لديهم مهارات أخرى تؤهلهم لدخول السوق؛ لذا ستشكل الحماية التي يقدمونها لحكوماتهم حماية لمصدر خبزهم اليومي. أما في الدول العربية فقد ساد الكثير من الضبابية مصير الثورات العربية حيث لم يكن بإمكان أحد الحسم حول أي طرف يمكنه أن يؤمن للجيش مصدر خبزه في اليوم التالي.

ثورة على الطراز العربي في دول إفريقيا الجنوبية: أمر ممكن أو بعيد المنال؟

نظرا للتشابه الكبير في الظروف التي يعانيها الشباب العربي والإفريقي فإنه بالإمكان التنبؤ بقيام ثورة على الأقل في كل من أنغولا، وزامبيا، ومالاوي، وسوازيلاند وجمهورية الكونغو الديمقراطية. أما في جنوب إفريقيا فتشكل مؤسسات "تخفيف الصدمة" كمكتب المدعى العام الذي يحقق في سوء التسيير الحكومي، والمحكمة الدستورية التي تحارب من أجل استقلاليتها، والبرلمان الذي تمثل فيه المرأة وحتى الإداريون السابقون في نظام الفصل العنصري –كسبيل للمصالحة-، والإعلام النابض والمتطور، والأحزاب المعارضة الصغيرة الآخذة في النمو، ودستور يشاد به على أنه أفضل دستور في العالم، إضافة لنقابات عمالية لم تتخل يوما عن انتقاد الحكومة ومحاسبتها كلما كان ذلك ضروريا، كلها عوامل مجتمعة تجعل إمكانية قيام ثورة بجنوب إفريقيا أمرا مؤجلا دون أن تلغيه تماما.

يقف قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أمام لحظة فارقة حيث بإمكانهم الاختيار ما بين فعل ما هو صواب بالنسبة لمواطنيهم والتخلي عن كل السياسات والممارسات المقوضة للديمقراطية التي انغمسوا فيها خصوصا قانون حماية المعلومات، وقانون تنظيم اعتراض الاتصالات (RICA)، هذا عدا عن المحاباة في منح الوظائف من خلال عمليات مناقصة غير أخلاقية. كما أن بإمكان جنوب إفريقيا تأجيل بل وحتى منع قيام ثورة إذا امتلكت إرادة سياسية صارمة لفعل ذلك. من ناحية أخرى لا يمكننا الحديث عن نفس الخيار بالنسبة للجيران في أنغولا، وزيمبابوي وسوازيلاند حيث يستمر مواطنو هذه البلدان في الفرار من بلدانهم كي يكونوا لاجئين في جنوب إفريقيا. ومع هكذا مشاكل يتساءل المرء: كيف لقادة مجموعة التنمية في دول إفريقيا الجنوبية توقع إمكانية قيام ثورات قد تودي إلى فتنة أو ربما قد تحرر الشعوب في دول إفريقيا الجنوبية كما حدث في الدول العربية؟

والجواب على هكذا سؤال بسيط جدا حيث لا يزال القادة في هذه المنطقة ينظرون إلى "بيت القصيد" بالنسبة لهم الذي ما زالوا يعتقدون أنه يكمن في الذهب والعملة الصعبة. وقد سببت صحوة الشباب العربي صحوةً للشباب الإفريقي مما سبب تغيرا في "بيت القصيد" الذي لم يعد ما يجعل المستثمرين الصينيين والغربيين سعداء من خلال المساومة على أعلى سعر للموارد الطبيعية في دول إفريقيا الجنوبية. أصبح "بيت القصيد" الآن كامنا في الشباب الذي أصبح أكثر قيمة من النفط والألماس.

بدأ الشباب العربي والإفريقي حوارا جديدا يتمحور حول مستقبلهم ومستقبل بلدانهم، حوارا لم يكلف الرجال والنساء في أروقة السلطة أنفسهم حتى الدخول فيه؛ ولهذا فإن السؤال الذي يجب علينا تذكير القادة في دول إفريقيا الجنوبية به هو أن ما يحث الآن بين الشباب ليس نتيجة لتحرك شباب ساذجين يميلون للخمول ويتسمون بالتفاهة والتململ وفي نهاية المطاف بالفوضى. إن ما يحدث الآن هو حوار أشعله الشباب ويسمى هذا الحوار بالثورة.
__________________________________
نولويزي لمبيدي-كاتبة وجامعية من جنوب إفريقيا.
ترجم النص إلى العربية الحاج ولد إبراهيم الصحفي والباحث الموريتاني في شؤون الإعلام والاتصال.

الهوامش
1- إشارة إلى المأساة التي وقعت في جامعة جوهانسبورغ في يناير/ كانون الثاني عام 2012، حين تدافع ما يقدر بخمسة آلاف طالب أمام أكشاك التسجيل وتحت أعين الأمن الجامع. فسقط، من بين من سقطوا نتيجة للتدافع، أم كانت ترافق ابنها للحصول على مقعد في الجامعة، وقد أودت في وقت لاحق. وقامت على إثر هذا الحدث ضجة عارمة عمت البلاد مطالبة ببناء المزيد من الجامعات وتوسيع قدرتها الاستيعابية نتيجة الطلب المتزايد على التعليم العالي. ورغم ذلك لم يتم بناء أية جامعة منذ أن تولت الحكومة التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي السلطة؛ مع النسبة التي تأخذها وزارة التعليم الأساسي والتدريب وإدارة التعليم العالي من الميزانية القومية لجنوب إفريقيا نسبة عالية جدا.
2- أظهرت تقارير مروعة ومحبطة أن المصابين بفيروس نقص المناعة بمملكة سوازيلاند يلجؤون لتناول روث الأبقار حتى يكونوا قادرين على أخذ العقاقير المضادة للفيروس وذلك لانعدام الأمن الغذائي، وبالتالي، فشل ملك سوازيلاند: موسواتي في إدارة الدولة وفي توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيه. انظر: أخبار وتحاليل إنسانية، الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: http://www.irinnews.org/report. “SWAZILAND: Desperate HIV-positive people eat cow dung to sustain treatment”
وانظر أيضا ما كتبه ستارسكي مكونتا:  http://www.observer.org.sz/, “AIDS PATIENTS LIVE ON COW DUNG”
3 – انظر: http://bulawayo24.com/index-id-news-sc-national-byo-1492-article-46+Arrested+for+plotting+Egypt+style+protest+in+Zimbabwe.html, “46 Arrested for plotting Egypt style protest in Zimbabwe” by Byo24NEWS

نبذة عن الكاتب