الانتخابات البرلمانية المبكرة في الكويت

مع احتفالها باليوبيل الذهبي لصدور الدستور قبل نصف قرن؛ تشهد دولة الكويت لحظة دقيقة وفارقة في تاريخها السياسي المعاصر، وذلك على وقْع إجراء انتخابات مبكرة لمجلس الأمة الرابع عشر مطلع ديسمبر/كانون الأول 2012.
2012111310232116734_20.jpg

بلغت أزمة الديمقراطية الكويتية مبلغها خلال العام 2011، ودخلت منعطفًا خطيرًا مع أواخر العام، حين
احتدم الصراع بين نواب المعارضة في المجلس والحكومة(الجزيرة)

مع احتفالها باليوبيل الذهبي لصدور الدستور قبل نصف قرن؛ تشهد دولة الكويت لحظة دقيقة وفارقة في تاريخها السياسي المعاصر، وذلك على وقْع إجراء انتخابات مبكرة لمجلس الأمة الرابع عشر مطلع ديسمبر/كانون الأول 2012. إذ تُجرى هذه الانتخابات التشريعية وفقًا لنظام انتخابي محل جدل واختلاف، وسط معارضة واضحة لآلية الصوت الواحد بدلاً من أربعة أصوات على أساس الدوائر الانتخابية الخمس.

وقد عكست أسماء المرشحين لمجلس الأمة المقبل والتردد البين في التقدم أصلاً للترشيح، عمق الخلاف السياسي وحساسية المرحلة الراهنة التي تعيشها الكويت، دولةً ومجتمعًا.

وتختلف الأزمة السياسية الراهنة التي تشهدها الكويت عن سابقتها من الأزمات بين الحكومة ومجلس الأمة خلال السنوات الأخيرة، والتي غالبًا ما كانت تنتهي بحل المجلس أو استقالة الحكومة؛ فالبلاد تواجه خيارات صعبة؛ إذ يبدو الأمر اليوم وكأنه صراع "إرادة" بين السلطة والمعارضة.

وعلى ضوء هذه التطورات الساخنة والمتلاحقة التي تشهدها البلاد منذ صدور قرار المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم حل مجلس الأمة الثالث عشر الذي انتُخب في العام 2009، تثور تساؤلات عديدة حول ماهية المسبِّبات التي أوصلت الكويت إلى هذه الحالة غير المسبوقة من التصعيد والإثارة إلى حدٍّ بلغ ذروته في خروج أعداد متحفزة من المتظاهرين في مسيرات حاشدة -لأول مرة في التاريخ السياسي الكويتي- والصدام مع قوات الأمن مما أوقع عشرات الجرحى من الجانبين في مشهد دراماتيكي يمثل سابقة لم تعهدها أبدًا الممارسة السياسية والديمقراطية الكويتية التي طالما ظلّت مفخرة للدول العربية قاطبة على مدار نصف القرن الأخير.

إرهاصات الأزمة السياسية

تعود جذور الأزمة السياسية المستحكمة في الكويت الآن إلى العام الماضي، وتحديدًا مع تفجر القضية التي اشتُهِرت إعلاميًا بقضية "نواب الإيداعات المليونية" التي اتهم فيها 13نائبًا في مجلس 2009 بتلقي رشاوى للموافقة على خطط حكومية، وما تلاها من قضية "التحويلات المليونية" التي قادت إلى تقديم وزير الخارجية السابق الشيخ محمد الصباح استقالته، لينتهي الأمر بحل المجلس ورحيل الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2011 والتي كان يترأسها وقتئذ الشيخ ناصر المحمد وذلك إثر مظاهرات حاشدة قادتها المعارضة رفعت لأول مرة لافتات: "الشعب يريد إسقاط الرئيس (أي رئيس الوزراء)"، و"ارحل يا ناصر".

وعلى مدى سنوات، لم تنته الأزمات السياسية قط؛ إذ شُكِّلت سبع حكومات وحُلَّ البرلمان أربع مرات، فيما لم يُحَلّ البرلمان سوى مرتين فقط على مدى أكثر من عشرين عامًا منذ إقامة أول انتخابات لمجلس الأمة عام 1963 وحتى عام 1986، حيث كان الحل عامي 1976 و1986.

وقد بلغت أزمة الديمقراطية الكويتية مبلغها خلال العام 2011، ودخلت منعطفًا خطيرًا مع أواخر العام، حين احتدم الصراع بين نواب المعارضة في المجلس والحكومة.

كما سادت منذ ذلك الحين حالة من التجاذب والصراع السياسي، شهدت خلاله البلاد احتقانًا غير مسبوق، وخروج بعض القوى السياسية للشارع، والمطالبة، لأول مرة، بإقالة رئيس الوزراء، وسط احتقان ومواجهات مع حكومات رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، وبعد مواجهات وتجاذبات كبيرة مع القوى السياسية في مجلس الأمة، وذلك على خلفية ما بات يُعرف إعلاميًّا بفضيحة "الإيداعات والتحويلات المليونية".

وجاء كل ذلك مصحوبًا بتدنٍّ غير مسبوق في لغة الخطاب السياسي، وتطور الخلاف من الكلام إلى الفعل واللجوء لتحريك الجماهير.

لقد وصف بعض المراقبين المشهد الديمقراطي والسياسي الكويتي بأنه "في الكويت ديمقراطية دون ديمقراطيين"(1)، وبلغ هذا الاحتقان السياسي قمته باقتحام البرلمان في سابقة لم تحدث في تاريخ الكويت، وانتهي بإقالة الحكومة وحل مجلس الأمة.

وعلى وقع ذلك، شهدت الحياة السياسية في الكويت حراكًا غير مسبوق خلال العام الماضي تمخض عن حل مجلس الأمة الثالث عشر في ديسمبر/كانون الأول 2011؛ حيث أجريت انتخابات جديدة مطلع فبراير/شباط 2012 أفرزت مجلس أمة ذا أغلبية كبيرة غير مسبوقة للمعارضة في تحالف بين الإسلاميين والقبائل حيث سيطروا على 35 مقعدًا من مقاعد مجلس الأمة الـ 50، وسط تراجع في ثقل وحضور التيار الليبرالي وتمثيل الطائفة الشيعية؛ حيث استثمرت المعارضة قضية "الإيداعات والتحويلات المليونية" ونجحت في تحقيق هذه الأغلبية الساحقة.

مسار ومسببات الأزمة السياسية الراهنة

رغم تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل الحكومة هو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح خلفًا للشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح الذي كان محلاً لانتقادات المعارضة واستجواباتهاـ إلا أن العلاقة المتوترة بين مجلس الأمة والحكومة ظلت متوترة على حالها على نحو ما جسدته الاستجوابات المتوالية التي طالت أول ما طالت رئيس الوزراء الجديد الذي آثر الصعود إلى منصة الاستجوابات داخل قاعة البرلمان مفندًا بنود الاستجواب مما عزز حضوره السياسي والشعبي.

غير أن المشهد السياسي ما لبث أن اشتعل مجددًا(2)، إثر قضاء المحكمة الدستورية في حكم مفاجئ، يونيو/حزيران 2012، ببطلان حل مجلس 2009 ومن ثم بطلان مرسوم الدعوة لانتخابات مجلس 2012، وبالتالي بطلانه وحله كأول مجلس نيابي في تاريخ الكويت يُحَل بحكم قضائي، ليعود المجلس السابق دون أن يتمكن من عقد جلسة واحدة لعدم اكتمال النصاب.

تلا ذلك، رفع مجلس الوزراء صيغة مرسوم ضرورة إلى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لتعديل قانون الانتخابات بخفض خيارات الناخب من أربعة مرشحين إلى مرشح واحد؛ مما أدى إلى رفع سقف مطالب المعارضة، وتم اعتقال نواب سابقين من المنتمين للأغلبية النيابية لتجاوزهم مقام ومكانة أمير البلاد التي يحصّنها الدستور الذي أقر بأن "الأمير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس(3).

وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2012، وبعد طول ترقب وانتظار، صدر مرسوم أميري بحل مجلس 2009 للمرة الثانية، ليُحدَّد الأول من ديسمبر/كانون الأول 2012 موعدًا للانتخابات المبكرة، تبعه صدور مرسوم ضرورة وفق المادة "71" من الدستور(4)، والذي أبقى على نظام الدوائر الانتخابية الخمس كما أقرته المحكمة الدستورية(5)، وأدخل تعديلاً جزئيًا في آلية التصويت لتصبح صوتًا واحدًا بدلاً من أربعة أصوات.

وقد رفضت الأغلبية البرلمانية في مجلس 2012 هذا المرسوم وعارضته، معتبرة أنه قفْز على الدستور، ودافعة بانتفاء حالة الضرورة فيما يتعلق بتعديل قانون الانتخاب من طرف الحكومة وحدها بمعزل عن الإرادة الشعبية ممثلة في مجلس الأمة، وبذلك دخلت الكويت أزمة سياسية محتدمة عادت معها المسيرات من جديد، فخرجت مسيرتان، هما: مسيرة كرامة وطن الأولى يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2012 والتي شهدت مصادمات بين المتظاهرين وقوات الشرطة أسفرت عن جرح العشرات من الجانبين، ثم كانت مسيرة كرامة وطن الثانية يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

وما بين المسيرتين ارتفع سقف المطالب السياسية للمعارضة، وتطورت في أقل من عام واحد من مجرد المطالبة بتغيير شخص رئيس مجلس الوزراء معبرًا عنها بشعار "ارحل يا ناصر"؛ إلى الحديث عن ضرورة أن يكون رئيس الوزراء شعبيًا أي من خارج أبناء الأسرة الحاكمة حتى يسهل إخضاعه للمساءلة والمحاسبة، وصولاً إلى إطلاق دعوات صريحة بـ"الإمارة الدستورية(6).

كان قد سبق مسيرة كرامة وطن الأولى حدثٌ مفصلي مهم تمثل في اعتصام ساحة الإرادة مقابل مبنى مجلس الأمة الذي عُقِد تحت عنوان "كفى عبثًا" والذي شهد خطابًا غير مسبوق لرمز المعارضة النائب السابق مسلم البراك رفع خلاله سقف الخطاب السياسي على نحو مفاجئ في انتقاد أركان السلطة.

ومع ازدياد وتيرة التصعيد وانسداد الأفق السياسي، سادت حالة من الاحتقان والتحفز ضمن الخطاب السياسي لبعض أطياف المعارضة لأسباب مختلفة ومتعددة؛ حيث تعددت الآليات لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "تويتر"؛ مما ساهم في ارتفاع نبرة التصعيد اللفظي والميداني أحيانًا إلى الحد الذي باتت معه بعض تلك التصرفات تمثل خطورة على الوحدة الوطنية، والسلم المدني، وأمن واستقرار البلاد.

كما تم اللجوء إلى تحريك الشارع السياسي لاسيما شريحة الشباب، حيث تخطت المعارضة وسائلها التقليدية، إلى الصدام مع الأجهزة الأمنية، والتشكيك في نزاهة القضاء، عبر التركيز على مسائل سياسية هي محل اجتهاد واختلاف.

وقد صاحب هذا الحراك السياسي غير المسبوق، إلقاء القبض على عدد من نواب كتلة الأغلبية، وهم: خالد الطاحوس، وفلاح الصواغ، وبدر الداهوم، ومسلم البراك، مما أتى بنتائج عكس ما هدفت إليه الحكومة؛ إذ زادت شعبية هؤلاء النواب، وتكرست كاريزميتهم السياسية.

وفي المقابل، وجّه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رسائل حاسمة، مُنهيًا مرحلة الاستيعاب والنصح إلى مرحلة الحزم، حيث ألقى ثلاث كلمات في غضون أسبوع واحد في الفترة من 5 إلى 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كانت أولاها خلال استقباله وفودًا من المواطنين غداة مسيرة "كرامة وطن الثانية" يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وثانيها خلال لقائه كبار قادة الجيش والشرطة والحرس الوطني يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم كانت الكلمة الثالثة يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني في ذكرى الاختفال بمرور خمسين عامًا على صدور الدستور.

وفي خطبه السياسية الثلاث، أكّد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد على المبادئ الديمقراطية والدستورية للحكم، وشدد على التمسك بحكم الدستور والقانون، وأن الأمن والاستقرار لن يكونا بديلاً عن الحرية والديمقراطية، وأنه لا تهاون مع كل من يتجاوز القانون أو يهدد استقرار البلاد، ونوّه إلى التضامن الخليجي مع الكويت، داعيًا إلى الاتزان في تعاطي الأمور بالحكمة وحسن التقدير والبعد عن التهور.(7)

مرئيات متعارضة

برز فريقان في شأن النظر لمرسوم الضرورة المعدِّل لآلية التصويت الانتخابي؛ إذ كان لكل من المؤيدين والمعارضين مرئياته الخاصة.

فالمعارضة الممثلة في الأغلبية المبطلة اعتبرت أن مرسوم "الصوت الواحد" إنما جاء لإضعاف فرص نجاح نواب المعارضة، كما أنه يفتح الباب للتكرار كلما رغبت السلطة التنفيذية في ذلك.

بينما رأت الحكومة ومؤيدوها المساندون للمرسوم -والذي وصفه البعض بأنه "مرسوم الكرامة"(8)- أنه من حق أمير البلاد أن يتخذ ما يراه مناسبًا ضمن صلاحياته الدستورية، ويعتبرون أن ما تقوم به المعارضة هو من قبيل العناد السياسي ورفض الامتثال لولي الأمر حيث لا يوجد مبرر لمواصلة "الإثارة والتحريض في الشارع.(9)

كما يؤكد أنصار هذا الفريق أن نظام الصوت الانتخابي الواحد هو السائد في الديمقراطيات العريقة والمعمول به على المستوى العالمي عمومًا، مشيرين إلى أن "من يرفضون هذا النظام إنما يسعون إلى احتكار العمل السياسي واختطاف الكراسي.(10)

ورغم هذا التباين في المرئيات ورفع سقف المطالب، فإن المعارضة وأنصارها يتفقان على أن النظام السياسي الراهن بقيادة أسرة آل الصباح هو محل تقدير واحترام ويحظى بالشرعية التاريخية والدستورية والسياسية، لكن الخلاف في علو سقف المطالب، وآليات التعبير عنها؛ ما يعني -كما تذهب الغالبية العظمي من المراقبين للشأن الكويتي- أن ما تشهده الكويت لا يعدو كونه يندرج في إطار أزمة سياسية داخلية ربما تكون نوعية وغير مسبوقة قياسًا بمثيلاتها السابقة، لكن في الأحوال كافة فإن الكويت ليست في خضم "الربيع العربي" بل إن ما يجري فيها هو على حدِّ وصف البعض مجرد "انعكاس لمخاض الصراع الداخلي في الكويت وسط الربيع العربي(11).

فقد انتقلت المعارضة من المطالبة في العام 2011 بالرقابة والمحاسبة الصارمة للحكومة خاصة فيما يتعلق بالمال العام وضرورة مكافحة الفساد بكافة صوره، إلى الدعوة خلال العام 2012 لأن يكون رئيس الوزراء شعبيًا، خلافًا للعُرف السياسي السائد بكون رئيس الحكومة أحد أبناء الأسرة الحاكمة.

إشكالية مركبة

تبدو المفارقة في هذا السياق، في أن هذا التصعيد السياسي غير المسبوق يأتي في دولة خليجية صاحبة مسيرة برلمانية مميزة منذ ستينيات القرن الماضي، وتتمتع بسقف حريات في التعبير يُعد الأعلى بين الدول العربية كافة، فثمة مؤشر خطير في نهج المعارضة التي تخطت القنوات الدستورية للحوار والنقد، وسعت إلى تجييش الشارع لفرض تفسيرها للدستور، وكانت المعارضة ذاتها قد اقتحمت من قبل قاعة مجلس الأمة.

وتتمثل الإشكالية الرئيسية في الأزمة السياسية الراهنة في كون الكويت تواجه عقدة بلا حل مما ينذر بانسداد متكرر في الأفق السياسي مستقبلاً.

فمن جهة لا يوجد خيار آخر للتراجع عن مرسوم الضرورة؛ إذ أكد أمير البلاد أنه أصدر هذا المرسوم باعتباره ضرورة ملحة واستحقاقًا دستوريًّا لا يحتمل التأجيل، ومن جهة أخرى، تُظهِر المؤشرات الراهنة أن المعارضة لن تُبدل قناعاتها في رفض هذا المرسوم؛ فالحكومة تدرك أن العودة عن تعديل النظام الانتخابي سوف يفسَّر على أنه ضعف منها، كما أنها تعي أن المضي قدمًا في قرارها يهدد باستمرار الاحتجاجات ضد مجلس الأمة المقبل إلى سقف لا تعرف حدوده.

وفي المقابل، تراهن المعارضة في مقاطعتها للانتخابات على تقليل نسبة المشاركة إلى ما دون الـ 50% مستفيدة من مقاطعة القوى والتيارات السياسية الرئيسية والتي سيؤثر قرارها بالمقاطعة على نسبة مشاركة قواعدها الانتخابية وتصويتها، فضلاً عن عدم مشاركة بعض القبائل التي تمثل وزنًا انتخابيًا يقارب نصف عدد الناخبين المقيدين.

الانتخابات المقبلة بين المقاطعة والمشاركة

على وقْع الأزمة المحتدمة، تحولت المعركة الانتخابية الحالية من كونها تنافسًا حرًّا بين البرامج الإصلاحية التنموية للمرشحين، لتكون صراع مشاركة أو مقاطعة(12)؛ فالحكومة منشغلة بتأمين أعلى نسبة مشاركة لإدراكها أن تدَّني هذه النسبة سيهز صورتها وسيطعن في مصداقية البرلمان الجديد أمام الرأي العام الكويتي والعالمي، وهو ما سيمنح المعارضين دفعة ومبررًا أكبر للاستمرار في نهجهم التصعيدي، الأمر الذي سيشكّل ضغطًا مضاعفًا على الحكومة من أجل إعادة تصحيح الأوضاع، مع عدم قدرتها على توقع أي سقف سيلامس التصعيد في الفترة المقبلة لاسيما وأنه تم رفع السقف عاليًا على نحو مفاجئ وصادم. ومع إغلاق باب الترشيح يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بلغ عدد المرشحين (286) مرشحًا، بينهم (15) امرأة.

وقد غاب عن قائمة الترشيح ممثلو غالبية التيارات السياسية الإسلامية؛ حيث قاطعت الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" الانتخابات وهددت بالفصل الفوري لأي عضو من أعضائها يشارك في الانتخابات(13)، واقتصرت مشاركة التيار السلفي على مرشح واحد فقط في الدائرة الانتخابية الثالثة هو د. علي العمير فيما غاب نواب سلفيون بارزون من أمثال خالد السلطان وعبد اللطيف العميري، فضلاَ عن غياب نواب الأغلبية في مجلس 2012 البالغ عددهم ( 35 ) نائبًا.

كما خلت قائمة المرشحين من أسماء المعارضة الكبيرة من أمثال نواب كتلة العمل الشعبي أحمد السعدون، ومسلم البراك، والنواب المنتمين للتيار الليبرالي وأبرزهم محمد جاسم الصقر، ومرزوق الغانم، وعبد الله الرومي، وعبد الله النيباري، حيث أعلن المنبر والتحالف الديمقراطي وكتلة العمل الوطني عن مقاطعتهم رسميًا للانتخابات.

وفي الوقت ذاته ترشح عدد من نواب المجالس السابقة المحسوب بعضهم على الموالاة للحكومة، بمن فيهم النواب الشيعة، ومن أمثال هؤلاء: د. معصومة المبارك، وفيصل الدويسان، ود. يوسف الزلزلة، وسعدون حماد، وخلف دميثير، وغيرهم.

وربما يُفسَّر تراجع أعداد المرشحين -جزئيًا- برفع رسم الترشح مقدار عشرة أضعاف من 50 دينارًا إلى 500 دينار.

وقد تركز الهدف الأساسي للحكومة الكويتية خلال هذه المرحلة في تعزيز المشاركة الشعبية في الانتخابات، ترشحًا وانتخابًا، وذلك لإبطال مساعي حملة المعارضة لمقاطعة الانتخابات؛ فقد أكدت الحكومة أنه انطلاقًا من حرية التعبير عن الرأي وفق القانون فإن رغبة المقاطعين تُعتبر حقًا، كما أنه من الواجب احترام رأي الراغبين في المشاركة، مشددة على أنها ستحفظ حقوق الجميع وهذا واجبها.(14)

وقد تباينت المواقف والآراء في أوساط النخبة السياسية وفيما بين قطاعات الشارع السياسي الكويتي حول جدوى مقاطعة الانتخابات؛ ففي حين اعتبرها البعض وسيلة معقولة للتعبير عن الإصلاح السياسي الجزئي خاصة مع إعلان كثير من القوى السياسية والحركات الشبابية عن مقاطعتها للانتخابات ترشحًا وانتخابًا، وبالتالي فهى تُعد وسيلة سياسية من وسائل الاحتجاج الديمقراطي وربما اعتُبرت نوعًا من الاستفتاء الشعبي مما يعني فقدان المجلس الذي يقاطعه الشعب للشرعية مما سيؤثر على ما يصدره من تشريعات.

وبينما يرى فريق ذلك، يرى فريق آخر أن المقاطعة هي فعل سلبي؛ حيث ستكون المعارضة هي الخاسر الأكبر جرّاء مقاطعة الانتخابات، لأنها ستترك الساحة السياسية خالية تمامًا لمن تعتبرهم موالين للحكومة، وبالتالي فإنها لن تتمكن من تحقيق الإصلاح المنشود الذي يستوجب، وفق منظور هذا الفريق، العمل من خلال مجلس منتخب، ويرى هؤلاء أن لجوء المعارضة إلى التغيير من خلال تحريك الشارع وتعبئة الرأي العام هو مغامرة مطلقة قد تكون نتائجها بالغة السوء على الجميع.

آفاق المستقبل

من المتوقع أن تقل نسبة المشاركة في التصويت بهذه الانتخابات مقارنة بنسبة كانت تدور حول الـــ 65 % في معظم الانتخابات النيابية السابقة، ذلك مع تباين نسبي في هذا الصدد بين الدوائر الانتخابية الخمس التي ستُجرى وفقًا لها هذه الانتخابات؛ إذ يُتوقع تدني نسبة المشاركة في الدائرتين الرابعة والخامسة مقارنة بالدوائر الثلاث الأخرى.

وتعوِّل المعارضة على أن نسبة الاقتراع ستكون متدنية إلى الحد الأقصى بالنظر إلى الفصول التشريعية الأربعة الماضية، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2006 حوالي 66%، وفي انتخابات 2008 بلغت 60 %، فيما بلغت نسبة المشاركة الشعبية 58% في انتخابات 2009، ونحو 59,5% في انتخابات فبراير/شباط 2012.

أما على صعيد مخرجات هذه الانتخابات، فيُتوقع وصول عدد لا بأس به من المرشحين الشباب من ذوي التوجه المستقل الغير المنتمين لأية تيارات أو كتل سياسية؛ حيث إن آلية الصوت الواحد الحالية لن تسمح بأية تحالفات قبيلية أو فئوية أو سياسية بعكس ما كان عليه الحال في ظل نظام الأصوات الأربعة السابقة. ومن منظور أكثر شمولاً، يرى جانب من النخبة المثقفة أن المطلوب "مراجعة جادة لمسيرة الديمقراطية العرجاء.(15)

كما يُتوقع في ظل غياب برلمانيين وسياسيين من ذوي الخبرة أن تزداد حدة التوتر بين التيارات السياسية المقاطِعة وبين الحكومة؛ مما يهدد بانشغال مستمر في المشاحنات السياسية بعيدًا عن الإنجاز والتنمية.

وإجمالاً، تبدو خطورة الوضع الراهن في أنه ما لم يتم استيعابه وإيجاد مخارج وحلول جذرية وناجحة له، فإنه قد يُورِث وضعًا سياسيًا قلقًا ومستمرًا ربما ينعكس سلبًا على مستقبل الحياة السياسية والمسيرة الديمقراطية الكويتية برمتها.

ذلك أن تدني نسبة المشاركة السياسية سوف يجعل مجلس الأمة المقبل في وضعية هزيلة من الناحية السياسية، وسيجعل نوابه محط تراشق مع نواب أغلبية المجلس المبطل والقوى السياسية والمجتمعية التي اتخذت قرارًا بمقاطعة الانتخابات، ما يعني أن حالة الاحتقان السياسي ستكون مرشحة للاستمرار وربما التفاقم إلى حدٍّ يصعب التنبؤ به.
_______________
باحث متخصص في الشؤون الخليجية

الهوامش:
1 سامي عبد اللطيف النصف: "تأملات في الانتخابات"، صحيفة الأنباء الكويتية، 5/2/2012م.
2 يُذكر أنه منذ عام 2006 تسببت حالة الاحتقان في العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة في تشكيل واستقالة 9 حكومات، وانتخاب  وحل خمس مجالس أمة والسادس يجري الاستعداد لانتخابه في الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
3 المادة (54) من دستور دولة الكويت.

4 تنص هذه المادة على أن: "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يُصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون".
5 كانت المحكمة قد رفضت الطعن الذي تقدمت به الحكومة بعدم دستورية نظام الدوائر الانتخابية الذي أُقِرّ عام 2006م، والقائم على تقسيم البلاد إلى خمس دوائر انتخابية، ومنح كل ناخب حق اختيار أربعة مرشحين في كل دائرة انتخابية.
6 يُذكَر أن المعارضة كانت قد قررت إقامة تجمع حاشد باسم "إرادة أمة" في الذكرى الخمسين لدستور البلاد، حيث وصفها بعض نواب الأغلبية  المعارضة في مجلس 2012 المُبطَل بأنها ستكون "أكبر تجمع في تاريخ الكويت" مقدرين أن يشارك فيها نحو ربع مليون شخص!
7 نص خطب أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وكالة الأنباء الكويتية " كونا" بتواريخ : 4، 7، و11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012م، وجميع الصف المحلية اليومية بتواريخ الأيام التالية لما سبق ذكره.
8 عبد الأمير التركي: "لن يُسحب مرسوم الكرامة"، صحيفة الشاهد الكويتية، 6/11/2012م.
9 حسن المهيمزي: "المؤامرة .. الكبرى!!"، صحيفة الصباح الكويتية، 22/10/2012م
10 عبد الرحمن العواد: "باعة الأوهام!"، صحيفة الصباح الكويتية، 31/10/2012م.
11 عبد الله خليفة الشايخي: "الحالة الكويتية.. ليست ربيعًا عربيًا!"، صحيفة الاتحاد الإماراتية، 29/9/2012م.
12 وتعبيرًا عن هذا المعني حيث انقسم الشارع السياسي الكويتي بين مؤيد للمقاطعة أو مؤيد للمشاركة في الانتخابات؛ عنونت صحيفة "الجريدة" الكويتية مانشيتها الرئيسي يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "الانتخابات تقسم الكويت".
13 وبالفعل قرر المكتب السياسي للحركة فصل النائب السابق وعضو الحركة خضير العنزي بسبب ترشحه للانتخابات المقبلة وعدم التزامه بقرار المقاطعة.
14 تصريحات وزير الإعلام الكويتي الشيخ محمد العبدالله المبارك الصباح، وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، 1/11/2012م.
15 د. شملان يوسف العيسى: "ماذا يحدث في الكويت؟"، صحيفة الاتحاد الإماراتية، 28/10/2012م