العقوبات وتأثيراتها على أعتاب رئاسيات إيران 2013

يرصد هذا التقرير تأثير العقوبات الاقتصادية على الداخل الإيراني، وتداعياتها على آراء النخب الإيرانية وتياراتها وبقية شرائح المجتمع، وإلى أي مدى ستؤثر العقوبات والسياسة الإيرانية الحالية فيما يتعلق بملفها النووي على مسار الانتخابات الرئاسية القادمة.
20121161033548580_20.jpg


تضافر الحظر الغربي مع السياسات الاقتصادية الحكومية ليتسببا في ارتفاع كبير لنسبة التضخم الاقتصادي
وازدياد مطّرد للأسعار بشكل كبير( متظاهرون في شوارع طهران: الأوربية)

اهتزازات عديدة أصابت الاقتصاد الإيراني مؤخرًا، ليعزو كثيرون في إيران الأمر إلى التأثير المتراكم للعقوبات الغربية المفروضة على الجمهورية الإسلامية بسبب برنامجها النووي، فيما يرى آخرون أن السياسات الاقتصادية لحكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد ساهمت كذلك في الوصول إلى هذه النتيجة التي بدأت تظهر جليًا في الشارع وتؤثر سلبًا على حياة المواطنين بتقسيماتهم الاجتماعية المختلفة. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2013، زاد تبادل الاتهامات بين التيارات السياسية الإيرانية المختلفة حول كيفية إدارة اقتصاد البلاد والمسؤولية عن الأزمات التي تعتريه، ما يعني أن الشعار الاقتصادي سيتصدر الشعارات الانتخابية للمرشحين المحتملين للاستحقاق الرئاسي المقبل.

هذا التقرير يرصد تأثير العقوبات الاقتصادية على الداخل الإيراني، وتداعياتها على آراء النخب الإيرانية وتياراتها وبقية شرائح المجتمع، وإلى أي مدى ستؤثر العقوبات والسياسة الإيرانية الحالية فيما يتعلق بملفها النووي على مسار الانتخابات الرئاسية القادمة.

العقوبات ومظاهر الأزمة الاقتصادية

تقسم العقوبات التجارية، المالية والاقتصادية المفروضة على إيران، إلى أممية تبناها مجلس الأمن الدولي وأخرى أميركية، فضلاً عن تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي.
طال الحظر قطاعات كثيرة، فشمل تجميد أصول أفراد وشركات إيرانية، وحظْر بيع الأسلحة وقطع الطائرات المدنية لطهران، ووضع بنوك إيرانية على القائمة السوداء، ومنع التعاملات المالية مع طهران انتهاء بالحظر على البنك المركزي والذي أدى بشكل من الأشكال لتدهور بالغ للريال أمام الدولار خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتصل العقوبات إلى أشدها بعد فرض حظر على النفط ومن ثم الغاز الإيراني ومنع استيرادهما من قبل الشركات الأوروبية.

تضافر الحظر الغربي مع السياسات الاقتصادية الحكومية ليتسببا في ارتفاع كبير لنسبة التضخم الاقتصادي وازدياد مطّرد للأسعار بشكل كبير، إضافة إلى نسبة بطالة عالية. ومع تشديد العقوبات خلال الأشهر الأخيرة تدهور سعر الريال الإيراني أمام الدولار بشكل غير مسبوق وطالت الأزمة حياة ورفاه كافة شرائح  المجتمع الإيراني.  

التضخم

حطمت النسبة الأخيرة للتضخم الاقتصادي في إيران الرقم القياسي لها منذ أكثر من 15 عامًا لتبلغ 29% وفق ما أُعلن رسميًا مؤخرًا(1)، وهذا الارتفاع يعود أساسًا لازدياد أسعار السلع الأساسية المستوردة أو المصنّعة من مواد خام تأتي من الخارج.

وفق تقرير لمؤسسة الجمارك الإيرانية بلغ ميزان الواردات إلى إيران العام الماضي 62 مليار دولار، 72% منها مواد خام أولية تستخدم في الصناعات، و21% بضائع أجنبية جاهزة، وما تبقى أي 21% بضائع استثمارية كالآلات والتجهيزات الصناعية، وعند منع إدخال العديد من المواد فهذا يعني البحث عن وسيط ثالث يتعامل مع إيران ويؤمّن تبادل البضائع بينها وبين الدول التي تُعد طرفًا في الحظر، أو البحث عن بدائل عن السوق الغربية، وفي كل الأحوال فإن ذلك يعني ارتفاع تكلفة الحمل والنقل وقيم المواد المستوردة التي تُعد في غالبها مواد أولية تُستخدم في صناعة معظم السلع الأساسية التي يحتاجها الإيرانيون(2).

ارتفعت أسعار المحروقات في السوق الإيرانية بشكل لافت، تبعها ازدياد في أسعار الملابس واللحوم والخضروات وحتى الخبز، ووفق إحصائيات صادرة عن البنك المركزي الإيراني نُشرت في وقت سابق من هذا العام فإن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بنسبة 43% من شهر مارس/آذار 2010 إلى إبريل/نيسان 2012، ومنذ ذاك التاريخ حتى الآن وصل الارتفاع إلى نسبة 80%(3).

البطالة

إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة، تأثرت واردات البلاد المرتبطة بتجهيزات المعامل والمصانع بالعقوبات الغربية بشكل كبير، وفاقت قيمتها الجديدة قدرة عدد كبير من التجار والصناعيين الإيرانيين، الذين لم يعد باستطاعتهم تكبد ثمن استيراد هذه الآلات، ما اضطرهم لإغلاق مشاريعهم في حال كانت صغيرة، فيما قلّص أصحاب المشاريع الكبيرة استثماراتهم، ناهيك عن أعداد عمالهم وموظفيهم(4)، وهكذا ارتفع عدد العاطلين عن العمل في البلاد إلى ثلاثة ملايين شخص وفق إحصائية أخيرة، جاء فيها أيضًا أن 27% من عدد أفراد الطبقة الشابة المنتجة في إيران والذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24 عامًا عاطلون عن العمل(5).

تدهور الريال

العقوبات المفروضة على النفط وعلى المركزي الإيراني بشكل خاص منعت تحويل العملة الصعبة لطهران كمقابل لصادراتها النفطية وحتى غير النفطية، فجرّب المركزي الإيراني تخزين الأوراق النقدية للعملة الصعبة في محاولة لمواجهة آثار العقوبات عليه، فسمح هذا لبعض المضاربين برفع قيمة الدولار بأنفسهم وتشجيع المواطنين الذين تخوفوا من تدهور العملة المحلية كذلك على المتاجرة بأموالهم، فقاموا بتحويلها إلى دولارات ثم بيعها عند ارتفاع السعر.

هذه المضاربات أفقدت الريال أكثر من ثلث قيمته خلال الأسبوع الأول فقط من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحتى اليوم يستمر تذبذب سعر الريال أمام الدولار، فتتراوح قيمته بين 33 ألف و 35 ألف ريال مقابل الدولار الواحد بعد أن كان يساوي 25 ألفًا خلال الشهر الذي سبق تلك الفترة(6).

وقد ساهمت عوامل الضغط النفسية بدورها في تدهور قيمة الريال، فبعد أن تكرر الحديث في وسائل الإعلام مؤخرًا عن معاناة السوق الإيرانية من الأزمات الاقتصادية، فضلاً عن احتمال توجيه ضربة عسكرية أميركية-إسرائيلية لمنشآت إيران النووية، تخوف المواطنون من انخفاض جديد لأسعار العملة المحلية، هنا قرروا اختيار تبديل أموالهم بالدولار أو بالذهب، ما زاد من الطلب على العملة الصعبة وتذبذب أسعار العملة المحلية(7).

تأثير العقوبات على المجتمع الإيراني

رغم أن البنية التحتية الاقتصادية للبلاد جيدة فعليًا والتوازن لا يزال قائمًا بين الصادرات والواردات، ورغم امتلاك إيران لذخيرة نفطية بقيمة 100 مليار دولار، و900 طن من الذهب (8)، إلا أن العقوبات تسببت بأزمة بدأت تترك بصماتها بشدة على قطاعي التجارة والاستثمار اللذين يعدّان عصب حياة الاقتصاد الإيراني، فأعيق تقدم عدد كبير من الخطط الاقتصادية للبلاد ما انعكس سلبًا على مصدر رزق ومستوى حياة شرائح المجتمع الإيراني التي يمكن تقسيمها كالتالي:

المدن 

أدى فرض العقوبات الاقتصادية إلى زيادة نسبة الفقر لاسيما في المدن، وإلى تدهور نمط حياة الطبقة الوسطى، وزاد التفاوت بين طبقات المجتمع وحتى بين فئات الطبقة الغنية من أصحاب رؤوس الأموال.
وقد تأثرت حياة أبناء هذه الطبقات في المدن بارتفاع أسعار السلع والمحروقات فضلاً عن أسعار العقارات  التي تأثرت بدورها بارتفاع قيمة مواد البناء واستخدام السماسرة والمضاربين لحجة ازدياد نسبة التضخم لرفع الأسعار، وتجاوزهم لخطط حكومية تقضي بضبط الأسعار وعدم زيادتها بنسبة تتجاوز 10%(9).

الأرياف

اللافت هو عدم تأثر القرويين بالحظر الاقتصادي بالشكل الذي تأثر به أبناء المدن، فأبناء الأرياف يعيشون  اكتفاء ذاتيًا لناحية تصنيع منتجاتهم اللازمة، فلا يضطر القروي لاستيراد بضائع أجنبية أو دفع ثمن أو إيجار للمسكن، أو حتى دفع أجرة عامل في أرضه أو معمله. ومع أن الريف تأثر كما المدن برفع الدعم الحكومي على المحروقات والسلع الإستراتيجية قبل عامين تقريبًا، إلا أن الحكومة خصصت مبلغًا شهريًا لكل مواطن يعادل 40 دولارًا تقريبًا بعد تطبيق حكومة أحمدي نجاد للمرحلة الأولى من خطة الترشيد، ما ساعد العائلة الريفية التي تفوق عددًا العائلة المدنية، على سدّ قدر لابأس به من احتياجاتها الاستهلاكية المحدودة أصلاً إذا ما قيس الأمر بسكان المدن.

البازار

ظل البازار في طهران والمدن الكبرى كمشهد وأصفهان، الحليف التقليدي للمؤسسة الدينية الإيرانية ولنظام الجمهورية الإسلامية، ولطالما عُدّ المحرك الأساسي للسوق الإيرانية، ويُقسَّم هو الآخر لطبقات منها كبار التجار المحسوبين على الحكومة بشكل أو بآخر، وهؤلاء لم يتأثروا بالحظر بشكل كبير، وطبقة أخرى متوسطة انخفضت نسبة إنتاجها وقلّت حركتها في البيع والشراء(10) ليصل الأمر مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى تظاهر تجار البازار الصغار مع الكسبة والعاملين في السوق الكبير احتجاجًا على تدهور قيمة العملة المحلية.

الصناعيون والطبقة العاملة 

التكلفة المنخفضة للطاقة والنقل كانت العامل الأساسي الذي أدى لازدهار الصناعة الإيرانية خلال السنوات السابقة، وقد حظي المصنعون بمميزات جعلتهم يتفوقون على المنافس الأجنبي في السوق المحلية من خلال توفير الغاز الطبيعي والكهرباء لهم دون تكلفة تُذكر. اليوم يواجه المنتج الإيراني مشكلة حقيقية، فميزة الطاقة منخفضة التكاليف اختفت بين ليلة وضحاها بعد تطبيق الترشيد الحكومي. وترجح التوقعات ارتفاع قيمة المواد المصنّعة داخليًا ثلاثة أو أربعة أضعاف عمّا هي حاليًا بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الآلات والتقنيات والمواد الأولية المستوردة، وهذا كله سيقلل كثيرًا من قدرة الصناعة على المنافسة مع المنتج الأجنبي، والصيني منه على وجه الخصوص، ما سيعني استغناء أكبر عن العمال، وتأثر الطبقة العاملة وفئات الشباب  أكثر من غيرهم بانخفاض القدرة الإنتاجية والشرائية(11).

العقوبات والنخب السياسية 

المستويان الشعبي والرسمي الإيراني لا يلقيان باللوم على الغرب فقط بعد تفاقم آثار الحظر، بل إن الكثيرين باتوا ينتقدون سياسات التعامل الداخلية مع هذا الملف.
على المستوى الشعبي لدى الإيرانيين مآخذ على حكومتهم على رأسها عدم وضعها برامج ناجحة لتجاوز آثار العقوبات، أو خططًا محددة لحماية السوق من المضاربين والمحتكرين الذين يرفعون الأسعار ويتحكمون بقيمة الدولار.

تحولت الانتقادات إلى علنية ومتبادلة بين النخب والتيارات السياسية المسيطرة على القرار السياسي في إيران، وحضرت بقوة في مشهد الصراع السياسي ولاسيما بين المحافظين المسيطرين على البرلمان والمواقع الرئيسية في السلطة من جهة وحكومة الرئيس نجاد والموالين له من جهة أخرى.

ويلوم كثير من أبناء التيار المحافظ المحسوبين على المتشددين منه، السياسات الاقتصادية الحكومية، وعشرون بالمائة من نواب البرلمان فقط هم من يؤيدون فكرة أن العقوبات مسؤولة بالكامل عن تردي الأوضاع(12).
وبالمقابل لا تعتبر الحكومة نفسها مقصرة، والرئيس نجاد وجّه في مؤتمر صحفي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لومًا للغرب تضمن اعترافًا جريئًا بتأثر اقتصاد البلاد بالحظر، وهو السبب الآخر الذي جعل الرئيس ينال انتقادًا من المتشددين، فضلاً عن توجيهه ردًا لانتقادات مجلس الشورى الإسلامي مطالبًا البرلمان بتحمل جزء من المسؤولية والإشراف الدقيق على تنفيذ القوانين التي تقترحها الحكومة ويقرّها البرلمان(13).

يبرر لائمو الحكومة انتقاداتهم بأن الرئيس لم يتمكن على مدى ولايتين (منذ عام 2005 حتى الآن) من وضع خطة فعالة للتصدي لتبعات العقوبات والتخفيف من آثارها، بل إن خططه الاقتصادية، على العكس من ذلك، هي التي جعلت العقوبات شديدة الأثر. هنا يتسلط النقد على خطة الترشيد ورفع الدعم  الحكومي عن السلع الإستراتيجية والمحروقات، فيقولون: إن التنفيذ في هذا الوقت فاقم الأزمة الاقتصادية والمالية وساهم بارتفاع نسبة التضخم والتسبب بخلل في الإنتاج المحلي، بدلاً من أن توفر الخطة من ميزانية البلاد وتزيد الإنتاج المحلي(14).

اللوم الآخر هو ذلك الموجه لخطاب نجاد المتشدد، وهذا الانتقاد يعود للإصلاحيين وبعض المعتدلين، هؤلاء يعتبرون أن السياسة الخارجية المتشددة مسؤولة عن إغلاق أبواب الحوار مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني وعدم الوصول لنتيجة حاسمة، وهو ما أدى لتشديد العقوبات الغربية. وفي المقابل يطرح أصحاب هذا الرأي سيناريو "الحوار البنّاء" مع الغرب لكن دون التنازل المشروط لا عن النووي ولا عن مبادئ تحددها الجمهورية الإسلامية في الانفتاح على الغرب، وهي شعارات تم تطبيقها خلال الدورة الرئاسية لكل من هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.

خطاب النخبة واستحقاق الرئاسة 

ما يمكن ملاحظته خلال هذا العام أن غالبية النخب السياسية في إيران قد غيرت من خطابها التقليدي الذي يهوّن من آثار العقوبات، ويعتبر أنها ساعدت بشكل أو بآخر على تقوية الاقتصاد أقله بتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد. ورغم عدم قبول أي من الأطراف السياسية بمبدأ التنازل أمام الغرب تتنوع المواقف والآراء إزاء العقوبات ومعها السياستان الخارجية والداخلية لحكومة نجاد. بعض هذه المواقف مبدئي وبعضه الآخر لا يخرج عن كونه خطابًا انتخابيًا مرتبطًا باستحقاق الرئاسة العام المقبل. ويمكن تقسيم الخطابات المسيطرة على المعادلة الإيرانية الحالية إلى خطابي الاقتصاد المقاوم وخطاب المؤامرة، اللذين يتبناهما التيار المحافظ في ظل غياب الإصلاحيين عن السلطة بعد احتجاجات الانتخابات الرئاسية عام 2009.

خطاب الاقتصاد المقاوم 

صاحب هذا الخطاب هو المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يعد العقوبات "حربًا ناعمة تشن على الجمهورية الإسلامية"، ويدعو المسؤولين بالمقابل إلى الدخول من نفس باب الحرب الاقتصادية، وتبني ما يصفه بالاقتصاد المقاوم، والذي يعني اقتصادًا واقعيًا يقوم عل تحكم إيران بنفطها وبعملية بيعه، وزيادة الإنتاج المحلي، والابتعاد عن الإسراف والتوفير في ميزانية الحكومة بالتخطيط واتخاذ الإجراءات المناسبة(15).

خطاب المؤامرة

كثير من المحافظين، ورغم إقرارهم أخيرًا بالأثر الشديد للعقوبات، لا يزالون يعتمدون "خطاب المؤامرة"؛ ولهذا الخطاب مكونان:

  • الأول: يتهم نجادًا بالفشل في وضع خطة اقتصادية لمواجهة العقوبات ويحمّل سياسات حكومته، لا الحظر الغربي، المسؤولية الأساسية عن الأزمة الاقتصادية.
  • الثاني: يرى العقوبات غلافًا لمؤامرة بريطانية-أميركية، تعتمد التضخيم الإعلامي أسلوبًا، وتسعى لخلق الخلاف بين كبار المسؤولين الإيرانيين، ونشر الإحساس بعدم الرضا في صفوف الشعب، ودفع هؤلاء للمطالبة بتغيير إستراتيجية البلاد الخارجية، وبالأخص في ما يتعلق بالبرنامج النووي. وفي سياق "خطاب المؤامرة" ذاته حديث عن مسعى غربي لاستغلال رئاسيات 2013، لدفع المواطنين نحو إحداث فوضى والخروج في مظاهرات من أجل زعزعة أمن واستقرار البلاد(16).

بين هذين الخطابين يمكن الاستنتاج أن الأولوية ستكون لاستخدام الاقتصاد كحصان رابح في السباق الانتخابي الرئاسي المقبل، والمؤكد أن الناخب الإيراني سيميل أكثر للمرشح الذي سيرى فيه خلاصه من عبء معيشي أثقل كاهله، دون تجاهل أن هذا المواطن يتمتع عادة بشعور قومي عال ولن يتأثر كثيرًا بالخطاب الغربي الذي يوحي من خلال تشديد العقوبات بأن هذا الخلاص الاقتصادي مرتبط بتخلص طهران من أعباء برنامجها النووي.

رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني مثلاً من أقوى المرشحين المحتملين للرئاسة، وهو من يتزعم الدعوة لعزل نجاد على اعتبار أن سياساته هي المتسببة بالأزمة الاقتصادية، وسوء الإدارة مسؤول عن 80% من المتاعب والمشكلات المالية التي تعاني منها إيران(17).

محسن رضائي المحافظ المعتدل والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية سيدخل السباق الانتخابي القادم مطالبًا الحكومة بوضع برنامج واضح لتحصين الاقتصاد، وبتعيين خبراء الاقتصاد في مراكز القرار ليساهموا بمواجهة العقوبات. واللافت أن رضائي يتوقع استمرار سياسة الحظر الغربي على إيران خلال السنوات الثماني  المقبلة، في إشارة منه إلى أن المحافظين الرافضين للحوار مع الغرب، والذين باتوا يعدون الاقتصاد أولوية، سيواصلون السيطرة على مراكز القرار في البلاد(18).

محمد باقر قاليباف المرشح المعتدل السابق ورئيس بلدية طهران الحالي، يحضّر لخوض السباق الانتخابي بانتقادات لاذعة للحكومة ويتساءل علنًا عن عائدات البلاد النفطية، ويعتبر أن إيران تعيش أزمة إدارة لا أزمة حصار، ويدعو لخطة لتوفير وتخزين عائدات وممتلكات البلاد(19).

أما التيار الإصلاحي اللين مع الغرب فلم يظهر على الساحة بوضوح بعد، وهذا التيار إن قرر المشاركة في الاستحقاق الرئاسي بمرشح إصلاحي -وهذا مستبعد حتى اللحظة- فلاشك أن العقوبات والعلاقات مع الغرب ستوضع على رأس عناوين حملاته الانتخابية ومعروف أن رموز الإصلاح والحركة الخضراء تفرقوا بعد أزمة عام 2009، ولم يجتمعوا بعدها تحت قبة واحدة، وربما يختار هؤلاء دعم مرشح محافظ، بعد أن بات أحمدي نجاد خصمًا لدودًا لكلا التيارين الخصمين.

تصب توقعات أخرى لصالح رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، الإصلاحي المعتدل، فعودته أو ربما دعمه القوي لشخص معين قد يكون العنوان لفتح باب قد يؤدي لحل مشكلة العقوبات، فالرجل يعد من الشخصيات السياسية الإيرانية النادرة، لقدرته على التفاهم مع مخالفي إيران ومنتقديها. رفسنجاني الذي أعاد ترتيب العلاقات مع الدول الغربية خلال رئاسته يتحدث حاليًا عن ضرورة تخفيف حدة التوتر في علاقات إيران مع الآخرين(20).

أما التيار النجادي الذي وصل إلى سدة الرئاسة بأصوات الفقراء وأبناء الريف، فيدافع عن نفسه بفتح النار على البرلمان متهمًا إياه بالتقصير في الإشراف على تطبيق القوانين الاقتصادية الحكومية، وعن العقوبات يعترف مؤيدو نجاد بتأثيرها ملقين باللوم على الغرب المتخوف من الجمهورية الإسلامية وليس المعارض لنوويها وحسب(21).

خاتمة

حتى الساعة لا توجد لدى الكثير من المحللين الإيرانيين الثقة الكاملة بأن شخصًا من الأسماء المتداولة في بورصة مرشحي الرئاسة قادر على اجتراح حل لمسألتي العقوبات والأزمة الاقتصادية، بسبب الخلافات بين النخب حول المشكلات وحلولها أولاً، وفقدان الثقة لدى الناخب بقدرة أي من هذه الأسماء على معالجة الأزمة وجذورها ثانيًا.

بالمقابل هناك إجماع تقريبًا على مواصفات الرئيس العتيد الذي عليه طرح الحلول الأكثر عملية لمعالجة  مشكلات الاقتصاد داخليًا، وبعيدًا عن التوجهات السياسية والتنافس الفكري للتيارات سيختار الناخب  شخصًا حكيمًا يطرح صورة اقتصاد إيراني أقوى(22).

نجاد وسياسات حكومته الاقتصادية تحولا بشكل أو بآخر إلى كبش فداء للنظام السياسي في إيران، فتم تحميلهما المسؤولية عن تلقي الاقتصاد الإيراني ضربة كبيرة بسبب العقوبات المشددة الأخيرة، وهو أمر يُفهَم حاليًا باتجاهين:

  • الأول:
    إما أن النظام السياسي الإيراني يستعد لانعطافة أو لمرونة ما في التعاطي مع ملفات الخلاف مع الغرب، وخاصة ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني؛ حيث يتوقع أصحاب هذا الرأي أن يدفع النظام إلى انتخاب شخصية معتدلة تتمكن من فتح أبواب الحوار مع الغرب بالشكل الذي يسمح بوقف العقوبات المشددة أو تخفيفها على الأقل.
  • الثاني:
    ما يحدث من جدل وتجاذب حاليًا بين النخب الإيرانية، حول العقوبات وآثارها مقرونًا بتسليط الضوء على فشل السياسات الاقتصادية لنجاد، هدفه انتخابي لا أكثر، فالناخب الإيراني معني أكثر من أي وقت مضى بتأثير الاقتصاد على حياته، أكثر من أي قضية سياسية أخرى(23).

في رئاسيات 2013 سيكون الاقتصاد والعقوبات سيدي اللعبة الانتخابية وبرامجها وشعارات مرشحيها، والحكم الفصل على نتائجها، كيف لا والأزمة الاقتصادية دقت أبواب كافة شرائح الشعب الإيراني بشكل غير مسبوق، فيما بات المستوى السياسي بجميع مكوناته مقرًا بأن الاقتصاد الإيراني تلقى ضربة موجعة بسبب العقوبات.
________________
* باحثة متخصصة في الشأن الإيراني
الهوامش:
1- أعلن رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني في تصريح له مؤخرا، أن النسبة الواقعية للتضخم وصلت إلى 29%. للمزيد انظر إلى موقع تابناك "لاريجاني: نرخ واقعى تورم 29 درصد است" (لاريجاني: النسبة الواقعية للتضخم 29%)، 4 مهر 1391، 25 سبتمبر/أيلول 2012.
http://www.tabnak.ir/fa/mobile/274727
2- أحمد فخوري، افزايش قيمت دلار چه تاثيري بر زندگي مردم دارد؟ (كيف يؤثر ارتفاع الدولار على حياة المواطنين؟)، موقع بنفش، 13 مهر 1391، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
http://origin.blogfa.com/tag/%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%85
3- عباس عبدي، اثرات تورم فراتر از رقابت هاى سياسي (تبعات التضخم أعمق من المنافسات السياسية)، موقع ايران برتو، 21 مهر 1391، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
http://www.iranparto.com/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%DB%8C/567712/%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%DB%8C-HYPERLINK "http://www.iranparto.com/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%DB%8C/567712/%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%DB%8C-%D8%A7%D8%AB%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%85-%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D8%B1-%D8%A7%D8%B2-%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%AA-%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%B3%DB%8C%D8%A7%D8%B3%DB%8C/"%D8%A7%D8%AB%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%85-%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D8%B1-%D8%A7%D8%B2-%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%AA-%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%B3%DB%8C%D8%A7%D8%B3%DB%8C/
4- المعلومات أُخذت من مقابلة أجرتها الباحثة مع أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة طهران الدولية أحمد موثقي، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
5- نُشرت الإحصائية الأخيرة المتعلقة بارتفاع مستوى البطالة في إيران في صحيفة مردم سالاري بتاريخ9 ابان1391، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012. للمزيد انظر
http://www.mardomsalari.com/Template1/News.aspx?NID=150048
6- فرح الزمان أبو شعير، الريال الإيراني بين العقوبات وإجراءات الحكومة، الجزيرة نت، 4أكتوبر/تشرين الأول 2012
http://www.aljazeera.net/news/pages/dafd56bd-e7e2-4036-a229-817c93e4a2f9
7- نقش بارز دولت در تعميق تورم وسقوط ارزش ريال (دور الحكومة في زيادة التضخم والتدهور الحاد للريال)، موقع تابناك، 6 ابان 1391، 27 أكتوبر/تشرين الأول2012.
http://www.tabnak.ir/fa/news/281324/نقش-بارز-دولت-در-تعميق-تورم-و-سقوط-ارزش-ريال
8- مقايسه وضعيت غرب و إيران بس از اعمال تحريمها) مقارنة وضع إيران بالغرب بعد تطبيق العقوبات)، موقع طريق مبين،30  مهر 1391، أكتوبر/تشرين الأول 2012
 http://ah1352.blogfa.com/post-88.aspx
9- فرح الزمان أبو شعير، مساع لكبح أسعار العقارات في إيران، الجزيرة نت، 30 سبتمبر/أيلول 2012.
http://www.aljazeera.net/ereports/pages/ccda8d03-ab42-435a-9068-59bfedb3599c
10- راجع المصدر (4)
11- راجع المصدر (2)
12- محمد خوش جهره، بازي خطرناك دولت با ارز (لعبة الحكومة الخطيرة مع العملة الصعبة)، موقع اقتصاد انلاين، 8 ابان 1391، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
http://eghtesadonline.com/fa/content/9453/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%ae%d9%88%d8%b4-%da%86%d9%87%d8%b1%d9%87-%d8%a8%d8%a7%d8%b2%db%8c-%d8%ae%d8%b7%d8%b1%d9%86%d8%a7%da%a9-%d8%af%d9%88%d9%84%d8%aa-%d8%a8%d8%a7-%d8%a7%d8%b1%d8%b2 
13- عباس عبدي، ايا سهم تحريمها را ميتوان از سهم مديريت جدا كرد (هل يمكن فصل العقوبات عن سوء الإدارة؟)، موقع مجلة مهرنامه، 29 مهر 1391، 20 أكتوبر/تشرين الأول2012.
http://journalistsclub.ir/invitee/abbas-abdi/%d8%b3%d9%87%d9%85-%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%85%e2%80%8c%d9%87%d8%a7/
14- فرح الزمان أبو شعير، جدل بإيران حول مرحلة الترشيد الثانية، الجزيرة نت،21 مايو/أيار 2012
http://www.aljazeera.net/ebusiness/pages/6c468205-6673-4fc3-9599-b76c56fe13f9
15- "اقتصاد مقاومتى تنها راه مقابله با تحريم" (الاقتصاد المقاوم هو الطريق الوحيد لمواجهة العقوبات)، 8 ابان 1391، موقع طريق مبين، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
http://ah1352.blogfa.com/post-89.aspx
16- نقلاً عن أحمد خاتمي خطيب صلاة جمعة طهران، موقع همشهري انلاين، 28 مهر 1391، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
http://hamshahrionline.ir/details/188281
17- "اقتصاد إيران با ركود در توليد" (اقتصاد إيران يواجه ركودًا في الإنتاج)، موقع تمكين، 2 ارديبهشت 1391، 21 إبريل/نيسان 2012.
http://tammkeen.info/index.php?option=com_content&task=view&id=2461&Itemid=66
18- لقاء مع محسن رضائي نقل فيه توقعاته للانتخابات الرئاسية القادمة واقتصاد البلاد. نُشر على موقع اقتصاد انلاين في 29 مهر 1391، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2012. للمزيد انظر إلى
http://eghtesadonline.com/fa/content/8931/%D8%B1%D8%B6%D8%A7%DB%8C%DB%8C-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%DB%8C%D9%85-8%D8%B3%D8%A7%D9%84-%D8%A2%DB%8C%D9%86%D8%AF%D9%87-%D9%87%D9%85-%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D9%85%D9%87-%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%AF
19- "32 نامزد احتمالي رياست جمهوري چه گفتند" (ماذا قال ال32 مرشحًا محتملاً للانتخابات الرئاسية الإيرانية؟) ، موقع تبيان، 28 شهريور 1391، 3 سبتمبر/أيلول 2012.
 http://www.tebyan.net/newindex.aspx?pid=221819
20- سجاد صفرى، غرب از به قدرت رسيدن رفسنجانى در إيران استقبال ميكند (الغرب سيرحب بوصول رفسنجاني للسلطة في إيران)، موقع يك معلم، 11 مهر 1391، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2012.
http://yekmoalem1.blogfa.com/post/855
21- لقاء مع داريوش قنبري النائب السابق في البرلمان والمقرب من حكومة نجاد يدافع فيه عن سياسات الحكومة في تعاملها مع ملف العقوبات، نُشر على موقع وكالة أنباء ايسنا، بتاريخ 9 ابان 1391، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012. للمزيد انظر إلى:
http://isna.ir/fa/news/91080906106/%D8%AF%D8%A7%D8%B1%DB%8C%D9%88%D8%B4-%D9%82%D9%86%D8%A8%D8%B1%DB%8C-%D9%87%D9%85%DB%8C%D9%86-%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%B2-%D9%87%D9%85-%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%DB%8C%D8%AA%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D9%87%D8%B3%D8%AA%D9%87-%DB%8C%DB%8C
 22- راجع المصدر (18)
23- راجع المصدر (20)

نبذة عن الكاتب