انتخابات مجلس الأمة الخامس عشر في الكويت.. نهاية احتقان أم بداية أزمة؟

انتخب الكويتيون في الأول من ديسمبر 2012 مجلس أمة جديدًا للمرة الثانية في غضون عشرة أشهر. وقد اتسم المشهد الانتخابي بفتور واضح، كما جاءت نتائج الانتخابات بمفاجآت غير مسبوقة، وسط مقاطعة القوى والكتل السياسية المهمة وقبائل كبرى لها للمرة الأولى في مسيرة الديمقراطية الكويتية.
201212101275249734_20.jpg
اتسم المشهد الانتخابي لمجلس الأمة الكويتي بفتور واضح، كما جاءت نتائج الانتخابات بمفاجآت غير مسبوقة، وسط مقاطعة القوى والكتل السياسية المهمة وقبائل كبرى لها (الجزيرة)

انتخب الكويتيون في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2012 مجلس أمة جديدًا للمرة الثانية في غضون عشرة أشهر، هو الثاني خلال العام الجاري، والخامس منذ منتصف عام 2006.

وجاءت انتخابات مجلس الأمة الخامس عشر في أعقاب أزمات سياسية متلاحقة شهدتها دولة الكويت منذ منتصف العام الماضي.

وقد اتسم المشهد الانتخابي بفتور واضح، كما جاءت نتائج الانتخابات بمفاجآت غير مسبوقة، وسط مقاطعة القوى والكتل السياسية المهمة وقبائل كبرى لها للمرة الأولى في مسيرة الديمقراطية الكويتية.

مشهد انتخابي مختلف

مع إغلاق باب الترشيح للانتخابات في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وانقضاء فترة الانسحابات، بلغ إجمالي عدد المرشحين (279) مرشحاً بينهم 14 امرأة مقابل (282) مرشحاً في انتخابات فبراير/شباط 2012.

وللمرة الأولى قاطعت قوى وكتل سياسية الانتخابات ترشحاً وانتخابات، وفي مقدمتها: الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، والسلفيون، وكتلة العمل الشعبي، والتيار الليبرالي ممثلاً بكلٍّ من المنبر الديمقراطي، والتحالف الديمقراطي، فضلاً عن قبائل كبرى، مثل: العوازم، ومطير.

كما غاب عن المشهد الانتخابي نحو 35 نائباً سابقاً في مجلس 2012 المبطَل بموجب حكم المحكمة الدستورية في يونيو/حزيران 2012، والذين يمثلون ما يُعرف إعلامياً بـ"كتلة الأغلبية"، ومن بين هؤلاء رموز سياسية أمثال: رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، ومسلم البراك، والنائب السلفي المخضرم خالد السلطان، والنواب السابقين الممثلين للتيار الليبرالي، مثل: محمد الصقر، ومرزوق الغانم وعبد الله الرومي وصالح الملا، بالإضافة إلى رموز سياسية محسوبة على الحكومة، أمثال: رئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي.

وقد انعكست هذه المقاطعة على المناخ الانتخابي العام، حيث اتسمت مرحلة ما قبل الانتخابات بحالة غير مسبوقة من الفتور؛ إذ لم يرْقَ الزخم الإعلامي أو الحضور للمقار الانتخابية للمرشحين للمستوى المعهود للحملات الانتخابية.

كما انعكست أجواء ثنائية "المقاطعة/المشاركة" على مضمون تصريحات وشعارات المرشحين التي جاء بعضها صريحاً في هذا الصدد، من قبيل: "لن نتركها تضيع وسنشارك"، "إلا الكويت"، "للكويت جيل يبنيها ويحميها"، "نتركها لمن؟!"، وغيرها.

وفي غضون ذلك، واصلت قوى الأغلبية في مجلس 2012 المبطَل تصعيدها الشعبي والسياسي؛ حيث نظمت مسيرتين كبيرتين للتعبير عن رفضها لمرسوم "الصوت الواحد"، فتزامنت المسيرة الأولى والتي حملت شعار "كرامة وطن 2" مع ذكرى الاحتفال بمرور 50 عاماً على الدستور في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وجاءت الأخرى بترخيص وموافقة صريحة من وزارة الداخلية، تحت شعار "كرامة وطن 3"، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 -يوم الصمت الانتخابي- وقبل يوم واحد فقط من الانتخابات.

وتوازى مع ذلك، ظهور دعوات حكومية عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والرسائل النصية تحث المواطنين على المشاركة بالانتخابات، والمساهمة في إنجاح العملية الانتخابية، وممارسة حقهم الدستوري في الانتخاب لأن الصوت "أمانة"، و"صوتك.. يراقب"، و"صوتك.. يبني وطن".

حجج المقاطعة والمشاركة

استند كلا الفريقين: "المقاطعون والمشاركون"، إلى حزمة من الحجج لتبرير مواقفهم.

فالمقاطعون يرون هذا السلوك تعبيراً عن رفض مرسوم "الصوت الواحد"، وأنه الوسيلة المثلى لعدم منح الشرعية السياسية للمجلس الجديد، واصفين المشاركين بأنهم "حكوميون".

وفي المقابل، تركزت حجج المشاركين في أن المشاركة بالانتخابات هي ممارسة لحق دستوري، وهي بذلك تعد بمثابة واجب وطني، منوهين إلى أن مرسوم الضرورة جاء متوافقًا مع الدستور، لافتين إلى أن نظام الصوت الواحد الانتخابي يقضي على الطائفية والتشاوريات القبلية التي يجرمها القانون، معتبرين المقاطعة سلوكاً سياسياً راقياً لكنه في ذات الوقت يتسم بالسلبية وهو يعني استمرار الاحتقان في الحياة السياسية دون حل جذري لها بكل ما يعنيه ذلك من تجاذبات واستقطابات سياسية، وتعطيل للاقتصاد الوطني.

نسبة مشاركة متدنية

بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 39,7% بحسب ما أعلنته اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، وهي النسبة الأقل التي عرفتها انتخابات مجلس الأمة في الكويت حتى الآن في ظل مقاطعة العديد من القوى السياسية والمجتمعية والشعبية للانتخابات، وذلك مقابل نسبة مشاركة في انتخابات فبراير/شباط 2012 بلغت 59,5%، و60% في انتخابات مجلس 2009، فيما كانت نسبة التصويت في انتخابات 2008 قد بلغت 66%.

وقد جاءت هذه النسبة -على تدنيها- وسطاً بين ما كانت تروج له المعارضة بأن نسبة التصويت لن تتعدى الـ 25% وبين ما كانت تأمله الحكومة من أن تتجاوز نسبة الحضور الـ 50%.

فقد أدلى نحو 163 ألف ناخب وناخبة بأصواتهم، وتفاوتت نسبة التصويت من دائرة انتخابية لأخرى، وكانت أضعفها، كما كان متوقعاً، في الدائرتين الرابعة والخامسة حيث يتركز مؤيدو المعارضة، وحيث تتواجد القبائل الكبرى التي قاطعت الانتخابات؛ إذ بلغت نسبة المشاركة فيهما 29,1% و20,6% على التوالي، بينما حظيت الدائرة الأولى -التي تتركز فيها الطائفة الشيعية- بأعلى نسبة مشاركة حيث بلغت 57,2%، تلتها الدائرة الثانية 54,7%، ثم الثالثة بـ 52,2%.

ويُشار في هذا السياق إلى أن قانون الانتخاب الكويتي لا يحدد نسبة للمشاركة الانتخابية؛ فمهما تدنت نسبة المشاركة فإن الانتخابات تبقى صحيحة قانونًا، ما يعني أن نسبة المشاركة تمثل رسالة سياسية في المقام الأول(1).

دلالات نتائج الانتخابات

أسفرت الانتخابات عن فوز 30 نائباً جديداً بنسبة تغيير بلغت نحو 60% من مقاعد البرلمان البالغة 50 مقعداً بينما استعاد 20 نائباً سابقاً من المجالس السابقة مقاعدهم النيابية.

وكانت الدائرة الانتخابية الخامسة الأكثر تغييراً في وجوه النواب الفائزين؛ حيث دخل المجلس الجديد منها 8 نواب جدد، بينما كانت الدائرة الأولى الأقل تغييراً إذ بلغ عدد النواب الجدد بها 3 فقط.

وتؤشر نسبة التغيير الكلية هذه إلى أن ثمة قضايا ملحّة وذات أولوية مباشرة تمس المواطنين لا تزال تبحث عن حلول ناجعة وحاسمة؛ ومن ثم فقد آثر الناخبون التغيير أملاً في معالجات أفضل وأكثر حسماً لهذه القضايا والملفات.

وهذا الأمر بدوره، يلقي مزيداً من المسؤولية على كاهل نواب المجلس الجديد لطرح مرئيات متكاملة وواقعية وفعالة للتعاطي الإيجابي مع احتياجات ومتطلبات المواطنين، وترجمة شعاراتهم وبرامجهم الانتخابية إلى تشريعات ومشاريع نافذة، وألا تظل مجرد حبر على ورق.

وبوجه عام، يمكن رصد أهم نتائج انتخابات مجلس الأمة الخامس عشر ودلالاتها السياسية على النحو التالي:

  • كانت النتيجة اللافتة والأبرز هي فوز 17 نائباً من المرشحين الشيعة للمرة الأولى -مقابل 9 نواب في مجلس 2009 و7 فقط في مجلس 2012 السابق- وليمثلوا أكبر كتلة سياسية نيابية في تاريخ مجلس الأمة الكويتي، وبما يعادل نسبة أكثر قليلاً من ثلث أعضاء المجلس (34 %).

    وقد فاز المرشحون الشيعة بثمانية مقاعد نيابية من إجمالي عشرة في الدائرة الأولى، وثلاثة مقاعد في الدائرة الثانية، ومقعدين في الثالثة.

    وكان لافتاً نجاح عدد من المرشحين الشيعة لأول مرة في الدائرتين الرابعة (نائب واحد) والخامسة (3 نواب) اللتين كانتا تقليدياً معقلاً لمرشحي تيار الإسلام السياسي السني برافديه (الإخوان المسلمين والسلف)، ومرشحي القبائل الكبرى.

    كما أنه من الجدير بالملاحظة فوز التحالف الإسلامي الوطني بخمسة مقاعد شملت جميع الدوائر الانتخابية.
    ويمكن القول: إن هذه النتيجة كانت إفرازاً طبيعياً ومنطقياً للفراغ الذي خلّفته مقاطعة القوى السياسية السنية والقبائل للانتخابات.

    ومن المتوقع أن ينعكس هذا الثقل النسبي على الأداء البرلماني والسياسي للنواب الشيعة، وهو الأمر الذي تبدت بعض ملامحه في إعلان بعضهم رفض توزير "المؤزِّمين/المقاطعين" في الحكومة المقبلة، ومطالبة البعض الآخر بزيادة عدد الحقائب الوزارية الممنوحة للشيعة.

    كما يُتوقع أن تظهر تجليات هذا الثقل الشيعي عند تناول مجلس الأمة الجديد لقضايا السياسة الخارجية وتحديداً ما يتعلق بملفي إيران، والبحرين.

  • على صعيد التمثيل الاجتماعي، نجد أنه للمرة الأولى في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية تغيب قبيلتا العوازم ومطير عن التمثيل داخل مجلس الأمة، بينما حافظت قبيلة الرشايدة على مقاعدها الأربعة ومن بينهم ذكرى الرشيدي كأول نائبة من القبائل، وعادت قبيلة الظفير بمقعدين، ومثلهما للعتبان، وحصدت قبيلة عنزة 3 مقاعد، ومقعداً واحداً لكل من شمر والعجمان والكنادرة.
  • أما على صعيد قوى تيار الإسلام السياسي السني؛ فقد حصل التيار السلفي على مقعدين فقط لكل من النائبين: د. علي العمير، وعبد الرحمن الجيران، فيما لم تحصد الحركة الدستورية الإسلامية على أية مقاعد بسبب المقاطعة.
  • وعلى صعيد تمثيل المرأة في البرلمان الجديد، فقد أسفرت الانتخابات عن عودة المرأة مجدداً إلى قاعة عبدالله السالم بحضور نسائي قوامه ثلاث سيدات بما نسبته (6%) من إجمالي عدد النواب؛ حيث عادت امرأة واحدة هي د.معصومة المبارك (الدائرة الأولى)، وفازت اثنتان للمرة الأولى، وهما: صفاء الهاشم (الدائرة الثالثة)، وذكرى الرشيدي (الدائرة الرابعة)، وذلك بعد غياب تام في المجلس السابق، ومقارنةً بأربع نائبات في مجلس 2009.

    وقد جاء هذا الحضور النسائي مجدداً بعد غياب تام عن مجلس 2012 السابق، ومقابل أربعة مقاعد نسائية في مجلس 2009 بنسبة (8%).

    ورغم ما تحمله هذه العودة من مؤشر جيد فإن إمعان النظر في التوجهات التصويتية العامة للناخبات خلال هذه الانتخابات تحديداً يشير إلى استمرارية تفضيل قطاع كبير من الناخبات للرجال على النساء.

    والجدير بالملاحظة في هذا الصدد، أن عدد السيدات اللاتي فزن في الانتخابات لا يعكس الوزن النسبي للمرأة ضمن الهيئة الناخبة؛ إذ يبلغ عدد الناخبات في جميع الدوائر الانتخابية الخمس 225 ألفاً و815 ناخبة (بنسبة 53,4%) مقابل 195 ألفاً و754 ناخباً (بنسبة 46,6%) من أصل عدد الناخبين من الجنسين والبالغ نحو 422 ألفاً و569 ناخباً وناخبة.

  • تشير التركيبة العمرية لمجلس الأمة الجديد إلى حالة من التوازن التصويتي -إن جاز التعبير- لدى الناخبين والناخبات؛ فقد تراوح متوسط أعمار النواب بين 35 إلى 50 عاماً؛ ومن ثم كانت الغلبة لجيل الشباب مدعوماً بأصحاب الخبرة من النواب الأكبر سناً والأكثر درايةً وحنكةً في الممارسة السياسية، وهو ما يعكس التوجه السائد لدى الشارع السياسي في الكويت من التعويل على الشباب باعتباره "دينامو" الإصلاح والتطوير في كويت المستقبل من جهة، ومن جهة أخرى يتفق مع الاتجاه العام في تركيبة المجالس التشريعية في الديمقراطيات العريقة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
  • وعلى صعيد مخرجات الانتخابات كذلك، فقد نجد أنه قد وصل عدد لا بأس به من المرشحين الشباب من ذوي التوجه المستقل غير المنتمين لأية تيارات أو كتل سياسية؛ حيث إنَّ آلية الصوت الواحد لم تسمح بأية تحالفات قَبَلية أو فئوية أو سياسية بعكس ما كانت عليه الحال في ظل نظام الأصوات الأربعة السابقة.

 مستقبل النظام الانتخابي

سوف يكون في مقدمة أولويات مجلس الأمة الجديد النظر في مرسوم الضرورة الذي قلَّص عدد الأصوات إلى صوت واحد بدلاً عن أربعة أصوات كما كان من قبل.

وتتراوح السيناريوهات في هذا الصدد، بين أن يرفض النواب الجدد هذا المرسوم، أو أن يقرُّوه كما هو -وهذا هو الأرجح-، نظرًا لكون هذه الآلية الانتخابية هي التي أوصلت هؤلاء النواب إلى قاعة عبدالله السالم؛ ومن ثم يصبح من غير المنطقي أن يشككوا فيها أو أن يرفضوها، كما أن تصريحات غالبية النواب الجدد، لاسيما من أبناء الطائفة الشيعية الذين أصبحوا يمتلكون الغالبية البرلمانية، تشير إلى أنهم سيقرُّون مرسوم "الصوت الواحد".

ويتصل بهذه المسألة قضية أخرى مرشحة لأن تكون مثار جدل في الساحة السياسية الكويتية خلال الفترة المقبلة لاسيما إذا ما برزت اتجاهات للتوافق مع القوى المقاطعة، ألا وهي تعديل الدوائر الانتخابية؛ إذ من المرجح في هذا السياق أن يعاد الحديث عن ضرروة العودة لنظام الدوائر الـ 25 الذي كان معمولاً به طوال الفترة من (1981–006م) وانتُخب بموجبه 7 مجالس تشريعية، وذلك باعتباره الأقرب إلى التمثيل الصحيح لإرادة الناخبين(2).

ما بعد الانتخابات

يبقى التحدّي في مرحلة ما بعد الانتخابات فيما إذا كان المجلس الجديد سوف يصمد بتركيبته الجديدة ويكون قادراً على إكمال مدته الدستورية لأربع سنوات مقبلة. وهذا سيتوقف على عدة اعتبارات، أهمها:

  • مدى القدرة على تدشين مرحلة إنجاز تنموي حقيقي يعوّض السنوات العجاف التي عاناها الكويتيون بسبب الاحتقان والصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
  • ماهية مواقف القوى المعارضة من المجلس الجديد، وما إذا كانت ستنحو باتجاه التصعيد أو المهادنة السياسية، ومدى الزخم السياسي والشعبي الذي ستأخذه هذه المواقف، ومن ثم طبيعة ونوعية النهج الذي ستلجأ إليه في التعامل معه، سواء بتشكيل "مجلس ظل" لمراقبة أدائه كما تحدثت عن ذلك تقارير صحفية، أو عبر حشد الشارع والاستمرار في تنظيم المسيرات والتظاهرات بصفة منتظمة، وما بين هذا وذاك من عقد ندوات ولقاءات تشاورية أسبوعية بشكل متواتر على غرار "ديوانيات الاثنين" التي أعقبت تشكيل المجلس الوطني في النصف الثاني من القرن الماضي عقب حل مجلس الأمة عام 1985 وتعليق الدستور.

وفي هذا السياق فإنَّ المعارضة تكون أمام خيار صعب في حال تمَّ إقرار مرسوم الضرورة من قبل مجلس الأمة الجديد؛ ما يعني أن تجري الانتخابات المقبلة وفق نظام الصوت الواحد أيضاً، وبالتالي تثور التساؤلات حول مدى استمرار المعارضة في المقاطعة الانتخابية وبالتالي قبولها بالعزلة السياسية، أو مشاركتها وهو ما يعني فقدان مصداقيتها في التمسك بالمبدأ. وحول مبررات المشاركة في الانتخابات مستقبلاً.

القضية الأخرى التي لا تقل أهميةً تتمثل في تشكيلة الحكومة المقبلة؛ فقد أعاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كما كان متوقعاً، تكليف الشيخ جابر المبارك برئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة التي تُعد الرابعة له بعد أن ترأَّس الحكومة للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 عقب استقالة سلفه الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، بينما كُلِّف برئاسة الحكومة الثانية في فبراير/شباط 2012، أما الثالثة فكانت في يوليو/تموز 2012.

وكانت القوى صاحبة الأغلبية الحالية في البرلمان -وهم النواب الشيعة- قد استبقت مشاورات رئيس الوزراء المكلَّف الشيخ جابر المبارك الصباح، معلنةً رفضها توزير أيٍّ من المقاطعين للانتخابات سواء كانوا مستقلين أو منتمين لقوى وكتل سياسية معينة.

ورغم هذا الرفض الإعلامي النيابي، لا يزال خيار توزير بعض المقاطعين قائماً، خاصة ربما من باب تعويض من قاطع بمناصب وزارية؛ خصوصاً من القوى السياسية وبعض القبائل الكبرى التي غابت عن البرلمان وهي ذات الثقل في الشارع السياسي وصاحبة التاريخ البرلماني.

وربما ستكون الحكومة الجديدة مدفوعة في ذلك الخيار بالحرص على تحقيق قدر من التوازن في مجلس الأمة بحكم أن الوزراء أعضاء فيه أيضاً، فضلاً عن إعادة التناسق والهدوء إلى المشهد السياسي العام، لاسيما وأن هناك سابقة ناجحة في هذا السياق حين قاطعت بعض القوى السياسية انتخابات عام 1971.

ويعزز هذا الاحتمال أن بعض القبائل المقاطعة تركت الباب موارباً فيما يتعلق بمسألة توزير بعض أبنائها، منوهةً إلى أن من سيقبل بالحقيبة الوزارية سيمثل نفسه لا القبيلة(3)، كما قد تقبل بعض القوى السياسية المقاطعة بتوزير بعض المحسوبين عليها أو المقربين منها -وليس شرطاً أحد أعضائها- وذلك كسبيل للعودة مجدداً إلى الساحة السياسية بفاعلية أكبر، والحفاظ على زخم رصيدها السياسي والشعبي.

وفي ضوء الاعتبارات السابقة؛ يبدو من المرجح ألاَّ تشهد تركيبة الحكومة الجديدة -التي يتوجب أن تؤدي اليمين الدستورية أمام أمير البلاد قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية للفصل التشريعي الأول لمجلس الأمة الجديد والمقررة في 16 ديسمبر/كانون الأول 2012- تغيراً كبيراً نظراً لما هو مرجَّح من تحفُّظ القبائل والقوى السياسية التي قاطعت الانتخابات على المشاركة في الحكومة؛ ما سيجعل رئيس الوزراء أمام خيارات صعبة ودقيقة بحيث يُرجَح معها أن يكون غالبية أعضاء الحكومة المقبلة من التكنوقراط.

صفوة القول: إن الفترة المقبلة سوف تتسم بالترقب الشديد سواءً لما ستستفر عنه اتجاهات القوى المقاطعة، أو لما سيحمله المجلس والحكومة الجديدان من خطط وبرامج، وما إذا كانا سيتعاونان لتحقيق إنجازات تنموية أم سيعود الاحتقان مجدداً ليوسم العلاقة بينهما. وبين هذا وذاك يبقى لسان حال الكويتيين متسائلاً ومردداً: "هل انتهى عصر الترضيات السياسية لتعود الكويت دُرَّة الخليج من جديد؟".
________________________________
محمد بدري عيد - باحث متخصص في الشؤون الخليجية

الهوامش
1- دعا بعض الخبراء إلى ضرورة أن يلتفت المُشرّع مستقبلاً لمسألة تحديد نسبةٍ ما للمشاركة لكي يصبح البرلمان ممثلاً حقيقياً للشعب، انظر تفاصيل ذلك في؛ د.غانم النجار: "متى تصبح الانتخابات ساقطة سياسياً"، "جريدة الجريدة الكويتية"، 14/11/2012.

2- المستشار شفيق إمام: "عودة إلى الدوائر الخمس والعشرين"، "جريدة الجريدة الكويتية"، 4/11/2012. 

3- انظر في ذلك تصريح أمير قبيلة العوازم الشيخ فلاح بن جامع، جريدة "عالم اليوم الكويتية"، 4/12/012.