القوميات في إيران والحقوق السياسية (2)

يتناول القسم الثاني من هذه الورقة إستراتيجية تركز على المشاركة السياسية للقوميات في محاولة لتوثيق العلاقة بين مطالبها والبرامج السياسية في إيران. ويجري الباحث تحقيقا في مطالبات تلك القوميات، وهو ماقد يجر إلى زوايا أمنية وسياسية تقتضي أخذها بجدية.
201369161844752734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

قدمنا في القسم الأول من هذه الورقة تعريفًا بالقوميات في إيران، ونقدم في هذا القسم إستراتيجية تركز على المشاركة السياسية لتلك القوميات في محاولة لتوثيق العلاقة بين مطالبها والبرامج والخطط السياسية في إيران. وبعبارة أخرى، تسعى الورقة إلى التحقيق في الشعارات والحملات التي تحمل مطالبات القوميات في إيران، وهل يمكن تكثيف المشاركات السياسية من خلال تلبية مطالبهم كحد أدنى. وهنا يجب أن نضع بعين الاعتبار أن الحديث عن تلك القوميات والأقليات، قد يجرنا إلى زوايا أمنية وسياسية تقتضي أخذها على محمل الجد.

مطالب القوميات في إيران

الإحساس بالمحرومية
إن من أكثر العوامل التي تترك ردة فعل قوية وتخلق ما يسمي بالدفاع عن القومية الإحساس بالمحرومية. فكل القوميات الإيرانية تقريبًا لا تتمتع بحقوقها مقارنة بالقومية الفارسية. ويتخذ الحرمان أشكالاً كثيرة؛ فهم يُمنعون من حق تعلم لغتهم أو تدريس تاريخ تلك القوميات في المدارس أو حرمانهم من حقوقهم ومشاركاتهم السياسية في تأسيس الأحزاب والجماعات، وحرمانهم أيضًا من حقوقهم الاقتصادية، ومن أكثرها إيلامًا حرمانهم من المزايا التي تتمتع به القومية الفارسية في سائر البلاد(1).

سياسة المركزية
اعتمدت إيران على السياسة المركزية سواء  قبل الثورة الإسلامية أو بعد الحرب مع العراق. وأدت هذه السياسة المركزية مع مرور الوقت إلى أن يقتصر الازدهار الاقتصادي على بعض المناطق، بينما غاب الرفاه والتمدن عن المناطق البعيدة عن مركز الحكم والقريبة من حدود الدول الأخرى. وكان هذا هو السبب الرئيسي في هجرة سكان المناطق البعيدة وعبر أعداد هائلة باتجاه العاصمة.

السياسة الأمنية
وصاحب التوسع في السياسة المركزية رسم السياسة الأمنية للبلاد من قبل أفراد يتم اختيارهم من قبل الحكومة وكان اختيارهم يعتمد بالدرجة الأولى على قومية معينة ومحددة في حين يتم استبعاد القوميات الأخرى. وقادت هذه السياسة بدورها إلى غياب التناغم والتمازج بين تلك القوميات الإيرانية بل قامت بمحوها من الهوية الإيرانية وأصبحت الهوية الإيرانية ذات طابع سياسي.

حتمية المساءلة
بالنظر إلي هيكل وخصائص التنمية الاجتماعية والمشاركات السياسية لتلك القوميات في المناطق التي تقطنها القوميات الإيرانية بات واضحًا أن الكثير من القوميات كالقومية الأذرية، والكردية، والعربية، والبلوشية كانت تدار مناطقها من قبل إدارات محلية سيئة أدت إلى استياء تلك القوميات بصورة تبلورت في أفكارها بأن كل الحرمان والعوز الذي يعيشونه بما في ذلك زيادة معدل البطالة وانعدام التنمية الاجتماعية كان لأن الحكومة الإيرانية تهتم بشكل كبير بالمحافظات المركزية، مثل: أصفهان ويزد وطهران من الناحية العمرانية والتنمية بينما تتجاهل المناطق التي تسكنها الأقليات كأذربيجان وكردستان وخوزستان.

ولقد لاحظ بعض النشطاء السياسيين بأنه في خلال الثلاثين سنة الماضية أصبحت تلك المناطق خارج عجلة التنمية للحكومة الإيرانية، والتي ركزت على التنمية في المناطق المركزية متجاهلة بذلك مناطق الأقليات. وتدور المطالب حول الدعوات التي تهدف لتعليم لغات تلك القوميات والحصول على مطالبها في ما يخص الحرية الدينية والسياسية. وفي الحقيقة فإن مطالب تلك القوميات، وفي كثير من الأحيان، ما هي إلا توفير أبسط الحقوق بما فيها توفير الحياة الكريمة للجميع والتي في اعتقادهم يجب أن يحصل عليها كل مواطن في أنحاء البلاد إذا ما تم توزيع الثروة بصورة عادلة ومتوازنة وذلك بحسب ما ذكره رسول أفضلي ضرغامي في تحليله للتغييرات التي تهدد إيران من جانب القوميات(2).

وفي المجمل يجمع الباحثون في إيران على مجموعة من التوصيات بشأن تعزيز حقوق القوميات، ويمكن إجمالها في التالي(3):

  • الاعتراف رسميًا بتلك القومية ودمج ثقافاتها الفرعية في الهوية الوطنية.
  • الاعتراف بصورة قانونية بهذه الأقليات.
  • رسم سياسات عادلة تغطي الدولة بأكملها وأن لا تكون مركزية لبعض المناطق فقط.
  • التأكيد على المشاركة السياسية للقوميات.
  • ضرورة الاعتراف القانوني بالمنظمات والأحزاب العرقية.

وبالتركيز على ماسبق، يجب على الخطاب السياسي أن يتميز بالنقاط التالية لكي ينجح في دمج الأقليات القومية في الهوية الوطنية:

  • الاعتراف رسميًا بالحقوق القانونية لتلك الأقليات.
  • رفع جميع الحواجز التي تعوق المشاركة الاجتماعية لتلك القوميات.
  • أن تتولى تلك القوميات شؤونها بنفسها مع تدخل قليل من قبل الحكومة الإيرانية.
  • اتباع سياسة تشجيع المشاركة في النشاطات الاجتماعية والثقافية.

وفي خلاصة يمكن إجمال مطالبات الأقليات القومية الإيرانية بالتالي:

  • القضاء على التمييز: إن الأقليات القومية تعتقد بأنها مهمشة ومظلومة مقارنة ببقية الشعب الإيراني وذلك لأسباب مختلفة منها أمور عنصرية وعرقية ومذهبية؛ لذا فإن من مطالبها إزالة تلك الحواجز التي تسبب هذا التهميش في مجتمعهم والتي تحول دون تنفيذ القوانين بصورة أكثر فاعلية.
  • إعطاء الأهمية لثقافات الشعوب الأصلية: وذلك فيما يتعلق باللغة الأصلية لتلك القوميات والتي تعد من مطالبها الرئيسية، ومن ذلك الاعتراف الرسمي بلغة هذه القوميات واستخدامها في المعاملات في تلك المناطق جنبًا إلي جنب مع اللغة الرسمية للدولة.
  • القضاء على السياسة المركزية لأنها السبب الرئيسي وراء توقف التنمية والعمران في تلك المناطق؛ حيث إن سكان تلك المناطق يريدون أن يجلبوا الحد الأعلى من ميزانية الدولة لتطوير وعمران مناطقهم.
  • تأسيس وتوزيع ومن ثم تشغيل شبكات تليفزيون وإذاعات محلية ناطقة بلغات تلك القوميات بالإضافة إلي نشر وطباعة الصحف والمنشورات والكتب باللغة الأصلية والمحلية لتلك القوميات.
  • من ضمن الأولويات لدى هذه الأقليات القومية أيضًا رفع الظلم والحرمان عنها وعن المناطق التي تسكنها.
  • خلق التنمية المستدامة في المناطق ذات الأقليات القومية من خلال القضاء على البطالة والأمية، وإزالة الحواجز التي تحول دون زيادة معدل التنمية التجارية، وإيجاد منطقة تجارة حرة، وجذب الاستثمارات الخارجية وعدم التمييز في توزيع ميزانية الدولة بين سكان المدن والمحافظات.
  • بذل الجهود للقضاء على الظلم وتردي الخدمات في تلك المناطق عن طريق إيجاد الموارد لاستثمار الأموال في المناطق التي تسكنها تلك القوميات لأنها تعتبر الأسوأ من حيث التنمية الاجتماعية والعمرانية في البلاد.
  • تقريب وجهات النظر وتسهيل المعاملات بين مسؤولي النظام في الدولة وبين القوميات لشرح وتوضيح المشاكل والحلول المقترحة لوضع الآليات المناسبة لها عن طريق تقديمها للسلطات.
  • إيجاد قواعد قوية من مباديء الاحترام بين فئات المجتمع وطبقاته وبين تلك الأقليات القومية ومنع أي محاولة للتقليل من شأن تلك الأقليات أو تحقيرها وبخاصة الإهانات التي تنشر في المطبوعات الدورية أو تبث عبر وسائل الإعلام.
  • أن تثق الحكومة في هذه الأقليات العرقية وتتشاور معها بصورة مستمرة، ومناقشة المشاكل الرئيسية التي تتعلق أحيانًا ببعض الدول الأجنبية. بالإضافة إلى إشراكهم في المحافظة على أمن واستقرار البلاد دون تهميشهم فيما يتعلق بتلك القضايا الحساسة.
  • القضاء على البطالة وكذلك القضاء على ظاهرة انتشار المخدرات بين شباب هذه الأقليات عن طريق إيجاد فرص العمل المناسبة لهم وتسهيل أمور الزواج، وإنشاء المرافق الرياضية والثقافية والترفيهية للشباب في تلك المناطق في محاولة من الدولة للحد من الهجرة إلى المدن الكبيرة.
  • الاهتمام بالصناعات الحرفية المحلية والحفاظ على الفنون في تلك المناطق وكذلك المحافظة على هوية الموسيقى الخاصة من خلال إنشاء المتاحف والمدارس.
  • المحافظة على البيئة البشرية والطبيعية في مناطق الأقليات القومية وحمايتها من الاستغلال المفرط للموارد.
  • دمج العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية للقوميات الإيرانية المختلفة وبخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية بما في ذلك العلاقات الدولية والمصالح الوطنية ضمن دستور الجمهورية الإيرانية.
  • إزالة العقبات البيروقراطية التي تحول دون تكوين الأنشطة والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية التي يواجهها النشطاء من أفراد تلك القوميات والذين يسعون للدفاع عن حقوقهم القانونية.
  • تسهيل الأمور لأداء مناسكهم وشعائرهم وطقوسهم الدينية ورفع الصعوبات التي تمنع الأفراد من القيام بتلك الأمور بسبب بعض التصرفات غير القانونية الناتجة من بعض المعتقدات.
  • تنظيم القضايا السياسية والأمنية في بعض المناطق الحدودية، والتي تعد من أكثر المناطق أهمية والتي يقطنها أفراد تلك الأقليات القومية، ومن بين تلك القضايا تجارة تهريب المخدرات والإدمان والقضايا الأمنية.
  • حذف كل العقبات غير القانونية التي تمنع من توظيف أفراد هذه القوميات من أجل الإصلاح الإداري.
  • الاستفادة من خبرات المسؤولين المحليين في تلك المناطق والذين هم على دراية أكثر بمناطقهم وقضاياهم(4).

ومن أجل تلبية هذه المطالب يمكن اقتراح الاستراتيجية التالية:

توسعة التنمية المتوازنة حسب الإمكانيات والموارد في جميع مناطق البلاد، وتطبيق هذه السياسات بشكل جيد ومتناسق، وأن يتم التواصل مع سكان وأفراد تلك القوميات وتبادل وجهات النظر. ويمكن تعويض السنوات الماضية من الحرمان والتدهور في تلك المناطق عن طريق توفير الرفاهية للسكان وإيجاد العمل المناسب لهم.

السلطات المحلية

إن المدراء الذين يتولون إدارة السلطات المحلية في هذه المناطق غالبًا ما يتحملون جزءًا كبيرًا من الإخفاقات في تلبية احتياجات ومطالب هذه القوميات لأن المدراء المعينين ليسوا على دراية بمشاكلهم في الوقت الذي يمكن أن يكون المدراء عاملاً مهمًا في التغلب على الكثير من العقبات.

الجدارة والفاعلية
إن المدراء المعينين إن كانوا على دراية وفاعلية وجدارة وتم تعيينهم بحسب تخصصاتهم في المناصب المناسبة يمكنهم استيعاب المشاكل اليومية التي يواجهها الأفراد في تلك المناطق وسيكونون عاملاً فعالاً في الحد من تلك المشاكل وتلبية احتياجات الناس.

إن مركزية الإدارة في النظام الإيراني منذ العهد البهلوي ما زالت إيران تتحمل عواقبها حتى اليوم، ويمكننا القول بأن المركزية الإدارية في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية في العاصمة الإيرانية طهران تزداد تعقيدًا كل يوم، وهو ما وصل إلى منحى خطير جدًا تمثل بتهميش هذه القوميات داخل البلاد في المناطق التي تسكنها القوميات التركية والعربية والتركمانية والبلوشية مما أدى إلى إخفاق برامج التنمية وتحقيق القليل منها.

السياسات الهيكلية والثقافية
إن من أكثر الأمور أهمية إيجاد هيكل ثقافي أكثر تمازجًا من أجل تحديد الهوية الوطنية للشعب الإيراني وبخاصة في مجتمع متعدد الأعراق، فيصبح من المهم جدًا الاستقرار علي هوية وطنية واحدة، ويقتضي هذا تحقيق الإصلاح الإداري من خلال التوظيف دون تمييز.

ومن المهم تحقيق المقاربة الأمنية تجاه كل القوميات، فقد كان من سلبيات النظام الإيراني التمييز في التوظيف ما بين أفراد تلك الأقليات القومية في مختلف الأشغال بما فيها التوظيف في الجانب الأمني. ويعد هذا انتهاكًا صارخًا للدستور الإيراني وتقويضًا للبنية الأساسية للدولة.

ويؤدي الظلم الواضح والتمييز المجحف في حق النخب والخبراء من أفراد تلك القوميات إلى زيادة في معدل البطالة وفقدان المواهب التي تتميز بها تلك النخب، وهو ما يتعارض مع المصلحة الوطنية حيث إنها تهاجر خارج البلاد.

العدالة الاقتصادية
إن أغلبية الأقليات القومية تقطن في مناطق معدومة الخدمات وتعتبر متردية جدًا بالنسبة لمناطق أخرى في البلاد. وكانت هذه المناطق عبر فترات التاريخ الطويلة عرضة للتمييز وعدم المساواة مما أدى إلى انخفاض مستويات التنمية الاقتصادية والبشرية. لإيجاد العدالة المنشودة يجب وضع حد للتمييز وتحقيق المساواة بين كافة المناطق الإيرانية.

تطوير مؤسسات المجتمع المدني
إن المساعدة على تكوين مؤسسات غير حكومية بين أفراد تلك القوميات ومناطقها بالإضافة إلى زيادة كفاءتها سيسهم في زيادة الاتساق والانسجام الوطني. وعلى هذه المؤسسات، التي لا تتخذ الطابع السياسي في تشكيلها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، أن ترفع من تمثيلها لكي لا يكون على مستوى منطقتهم بل على مستوى البلاد. وعلى هذه المؤسسات إيجاد آلية للتعاون بين أفراد تلك القوميات والحكومة حتى تتمكن من تحقيق المطالب الحقيقية للناس وتسريع وتيرة تحقيق هذه المطالب أيضًا.

تنظيم الأمور الأمنية
إن الجماعات القومية وأفرادها يواجهون على الأقل قضيتين أمنيتين؛ تتعلق الأولى بالنظرة الأمنية التقليدية من جانب الحكومة لهؤلاء الأفراد وهي سياسة تقوم على الظلم والتمييز والأحكام الخاطئة المسبقة. وتعد هذه القضية من العوائق الرئيسية للتنمية المُثلى، وخلق وجهة نظر أمنية عادلة قد تكون سببًا في رفع كل الحواجز التي تعوق التنمية في تلك المناطق. أما القضية الأمنية الأخرى فتتعلق بالتضاريس الجغرافية والفضاءات المحيطة بمناطق تلك القوميات. وغالبًا ما تكون مناطقها بالقرب من الحدود الإيرانية مع الدول الأخرى، ومع مرور الزمن أصبحت منطقة ترانزيت لتجار المخدرات والتهريب.

ولحل هذه المشكلات الأمنية يجب الحد من الصراعات والانقسامات العرقية والقومية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. وباعتراف الجميع، فإن بعض هذه التدابير يحتاج إلى تغييرات جذرية كبيرة قد تستغرق وقتًا طويلاً.
_________________________________________
کامران شهسواري: باحث إيراني متخصص في العلوم الاجتماعية

ملاحظة: الإحصاءات الواردة في هذه الدراسة في أغلبها إحصاءات رسمية إيرانية.

الهوامش المراجع
1- وزارة الإرشاد، الهوية العرقية والمعتقدات الاجتماعية.
2- رسول أفضلي وبرزين ضرغامي، التكامل المستدام للمتغيرات والاعتبارات التي تهدد القومية الإيرانية في الجغرافيا البشرية (طهران، 1388).
3- رسول أفضلي وبرزين ضرغامي، التكامل المستدام للمتغيرات والاعتبارات التي تهدد القومية الإيرانية في الجغرافيا البشرية.
4- سيد رضا صالحي أميري، إدارة الصراعات القومية في إيران (طهران، تشخيص النظام.1376)

نبذة عن الكاتب