إيران والسعودية: إرث من الخلاف، والعلاقة رهن بالمتغيرات الإقليمية

ترى هذه الورقة أن تراجع الدور الإيراني أو تقدمه، سيحدد مستقبل العلاقات الإيرانية- السعودية، فإما أن نشهد استمرارًا للتنافس على النفوذ والتأثير، وقد تأخذ العلاقة منحى تنافسيًا بعيدًا عن العداوة الواضحة، وربما يصب ذلك لصالح تعاون ثنائي يحلحل بعض القضايا.
201412292039407734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
بعد وصول الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى كرسي الرئاسة في إيران وتبنيه لخطاب معتدل يقوم على ترميم علاقات بلاده مع دول المنطقة خصوصًا والعالم عمومًا، توقع كثير من المراقبين إعادة صياغة شكل العلاقات بين إيران والسعودية، بعد أن وصلت إلى حد كبير من التوتر خلال فترة حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

إلا أن هذه التوقعات تبقى مرتبطة بالظروف والتحولات الإقليمية، لاسيما أن إيران والسعودية لاعبان أساسيان طالما كانت لهما الأيدي الطولى في قضايا المنطقة. وتبدو مساحة الخلاف واسعة، وتواجه محاولات التقارب العديد من المحددات التي ترتبط بالخلاف الأيديولوجي أولاً وبصراعات المنطقة ثانيًا.

تبحث هذه الورقة في نقاط الاختلاف بين كل من إيران والسعودية، وتتطرق كذلك لنقاط الالتقاء التي قد تؤسس لأي تقارب مستقبلي بينهما، وتسلط الضوء على توجهات الرئيس روحاني نحو المملكة العربية السعودية وإمكانية تحقيق سيناريو التقارب بين البلدين بحال تجاوز بعض المحددات.

وفي النتيجة نرى أن المرحلة الحالية لا تحتمل أي تقارب بين طهران والرياض في شقه المتفائل وذلك لأن حجم الخلاف على القضايا الإقليمية ليس كبيرًا وحسب وإنما مصيري.

لم تصل العلاقات الإيرانية السعودية في تاريخها إلى هذا المستوى من التوتر الذي بلغته اليوم، وجاء هذا مغايرًا للكثير من التوقعات التي رأت في وصول الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى سدة الرئاسة في إيران، مدخلاً لتحسُّن قريب في هذه العلاقات، خاصة وأن هذه التوقعات تعززت بالانفراج الذي حدث بين طهران والدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بعد توقيع اتفاق جنيف النووي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

جاء التأزم المشار إليه مؤخرًا على لسان رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، الذي كان مرشحًا في ساحة التحليل لإطلاق صافرة تطبيع العلاقات بين طهران والرياض؛ حيث وصف مؤخرًا علاقات بلاده مع السعودية بالسيئة جدًا، وبأنها لم تكن يومًا كذلك، وهذا بسبب "دعم المملكة للمتشددين في سورية والعراق" على حد تعبيره.(1)

هذا الاختلاف الاستراتيجي في المواقف جعل المشهد الإقليمي يرخي بظلاله الثقيلة جدًا على مستقبل العلاقات بين البلدين الأهم والأقوى في منطقة الخليج خصوصًا والشرق الأوسط عمومًا، في معادلة صراع تكاد تكون صفرية، فكل منهما يضغط بكل ما أوتي من إمكانات وتحالفات لحسمها لصالحه، أو على الأقل لكسر التوازن لمصلحته، وعلى نتيجة هذا الصراع ستُرسم سياسات وتوازنات جديدة، ويتوقف شكل المستقبل القريب في المنطقة.

ومع ذلك، فإن الرغبة الإيرانية الحالية في تحسين العلاقات مع دول الخليج عمومًا، والسعودية على وجه الخصوص، ليست خفية، رغم إدراك طهران أن النقاط الخلافية بين الجانبين أكثر بكثير من أن تسمح بهذا التحسن على الأقل في المدى القريب، ولعل إيران وربما السعودية كذلك في انتظار حسم بعض القضايا في المنطقة، ولاسيما الأزمة السورية للتحرك تجاه الطرف الآخر.

تسعى هذه الورقة إلى بحث نقاط الخلاف والالتقاء بين الرياض وطهران في هذه المرحلة، وتحاول الإجابة على تساؤل يتعلق بإمكانية تحقيق التوقعات التي تلت انتخاب روحاني وتحدثت عن علاقات وديَّة مع المملكة العربية السعودية، أو على الأقل نقل العلاقات بين البلدين من حالة العداء إلى مرحلة تطبيع يتم خلالها تنظيم تنافس إقليمي.

إرث ثقيل يعقَّد المشهد

نقلت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 العلاقات الإيرانية-السعودية من نطاق التنسيق والتعاون بين نظامين ملكيين، شكّلا معًا منذ مطلع السبعينيات ركيزتي "مبدأ نيكسون" لملء الفراغ في الخليج، إلى نظامين متنافسين خصمين يتنازعان القيادة والنفوذ في المنطقة، وتمثل إيران القطب الشيعي بينما تتزعم الرياض القطب السني في المنطقة، ومع الوقت تحول الخلاف بينهما إلى معركة أيديولوجية وسياسية؛ فالنظام الجديد في طهران طرح نموذجًا مختلفًا للإسلام السياسي، ينافس السعودية على قيادة العالم الإسلامي.(2)

رسمت الحرب العراقية-الإيرانية أولى محطات الصراع العلنية بين البلدين، اللذين كانا إبان حكم الشاه في إيران حليفين ضد النظام العراقي القريب من الاتحاد السوفيتي. تحالفت السعودية مع العراق ضد إيران، ووفرت لها دعمًا سياسيًا وماليًا دوليًا وعربيًا على مدى سنوات الحرب الثماني.

وبعد الحرب الطويلة التي أنهكت كلا البلدين، دخلت العلاقات الإيرانية-السعودية مرحلة جديدة بالكامل؛ فانتقلت من الصراع الثنائي إلى التنافس على النفوذ الإقليمي، لتصبح علاقات متداخلة ومتشابكة مع مجمل تفاعلات النظام الإقليمي في الشرق الأوسط؛(3) ليترتب بعدها على الغزو العراقي للكويت عام 1990 ثم معركة تحرير الكويت التي حُسمت بهزيمة العراق تغيير مهم في علاقات طهران والرياض، انطلاقًا من العداء الذي بات مشتركًا لنظام صدام حسين في العراق. ومنذ ذلك الوقت، ورغم الاختلافات السياسية والأيديولوجية بين البلدين، تكثفت الجهود الإيرانية لمد جسر علاقات مع السعودية خلال رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، ومن بعده محمد خاتمي (1997-2005).(4) لكن هذه العلاقات ظلت محكومة في هذه المرحلة بمتغيرين، هما:

  • أولاً: التغيير الكبير الذي طرأ على نظام الأمن الإقليمي في الخليج، والمتمثل بمضاعفة الحضور الأميركي العسكري المباشر في المنطقة بمستوى غير مسبوق من القوة العسكرية؛ الأمر الذي طالما اعتبرته طهران تهديدًا أمنيًا مباشرًا لها، وسببًا لاستمرار توتر علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، فقد نبَّه الغزو العراقي للكويت الرياض لمخاطر أمنية حقيقية لن يستطيع مجلس التعاون الخليجي مواجهتها واقعيًا على الأرض، دون الاستعانة بالقوة العسكرية للولايات المتحدة؛ وهو ما شكّل تهديدًا للأمن القومي الإيراني.
  • ثانيًا: بدت سياسة "الاحتواء المزدوج" التي اعتمدتها الولايات المتحدة تجاه إيران والعراق مريحة للسعودية، لكن الأمر لم يكن كذلك بالفعل لطهران، والأهم أن دول الخليج لاسيما المملكة، أدركت فائدة استمرار حالة العداء بين إيران والغرب عمومًا والولايات المتحدة على وجه الخصوص؛ الأمر الذي عزز حالة عدم الثقة والخصومة بين طهران والرياض؛ حيث تعتبر إيران أن السعودية ساهمت في خلق عداء دولي لنشاطها النووي، كما أضعفت حضورها النفطي في العالم.(5)

المحطة الثالثة في العلاقات بين البلدين أطلقت حربًا باردة بينهما بعد إسقاط الولايات المتحدة لحكم طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق؛ فقد قدمت أميركا، من حيث لا تدري، هدايا ثمينة لطهران على حساب السعودية ودول الخليج.

انتقدت الرياض تخلي واشنطن عن سياسة الاحتواء المزدوج، وسماحها بقيام "دولة شيعية عربية كبيرة في العراق يصعب منافسة النفوذ الإيراني فيها". منذ ذلك الحين بدأ تنافس بين البلدين يمكن وصفه بالحرب الباردة، ويرى محللون إيرانيون أن ما حدث في أفغانستان والعراق حرّك المعادلات الإقليمية لتصب في مصلحة إيران؛ ما أجّج التنافس بينها وبين السعودية في العراق، ليصل إلى أوجِهِ لاحقًا في اليمن والبحرين، وفي لبنان بين حزب الله والتيارات السياسية السنية، وصولاً الى الأزمة الدائرة منذ نحو ثلاث سنوات في سوريا الحليف الاستراتيجي لإيران، لتتبدل ساحة الصراع هناك في النهاية إلى حرب بين إيران من جهة، والسعودية وتركيا من جهة أخرى.(6)

ولا يمكن خلال هذا المرحلة التغاضي عن المعطيات التي شكّلتها السياسة الداخلية لإيران خلال سنوات حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي لم تستطع حكومته أن تكمل الطريق الذي بدأه رفسنجاني، بل زادت العلاقات بين طهران والرياض توترًا. كان رفسنجاني قد نجح في إنتاج تعاون عسكري أمني بين البلدين فضلاً عن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية. ما أدى لاستقرار العلاقات بين إيران وكل دول الخليج وحتى اليمن ودول شمال إفريقيا، وقد أكمل الرئيس محمد خاتمي هذا الطريق فاستطاعت إيران أن تحصد نتائج إيجابية في منظمة التعاون الإسلامي وفي منظمة "أوبك" رغم خلافها مع الإمارات على الجزر الثلاث.(7)

وفضلاً عن العراق وسوريا الساحتين الرئيسيتين للحرب الباردة الإيرانية-السعودية، تتلخص نقاط الخلاف والتنافس في التالي:

  • القضية الفلسطينية: ظهر التنافس على هذا الصعيد جليًا بعد أن ظهر الانقسام الفلسطيني واضحًا بين الاتجاه الرسمي الفلسطيني المتمثل بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والذي تدعمه المملكة العربية السعودية، والاتجاه الآخر الذي تمثله حركتا حماس والجهاد الإسلامي المدعومتان إيرانيًا، إلا أن حماس بدأت بالتحرك باتجاه السعودية وقطر من خلال رعايتهما اتفاقي المصالحة في مكة والدوحة، وبعد تغير مواقف الحركة من الأزمة السورية ثانيًا.
  • البحرين: نقطة التوتر الدائم بين الرياض وطهران والتي ازدادت سخونة بعد تحرك المعارضة الشيعية في البحرين ودخول قوات درع الجزيرة وعمادها الرئيسي السعودية إليها في مارس/آذار 2011.
  • اليمن: تتهم السعودية طهران بتمويل وتسليح ودعم التمرد الحوثي في محافظة صعدة شمالي اليمن، ويرتكز هذا الاتهام على كون الحوثيين من الزيديين الشيعة.
  • أفغانستان: كانت ولا تزال ساحة تنافس وصراع بين البلدين؛ فالسعودية دعمت المجاهدين الأفغان في حربهم مع الاحتلال السوفيتي، وطالبان باتت لاحقًا خصمًا لإيران بالمعنيين الطائفي والسياسي، وبعد الحرب على أفغانستان، باتت الجارتان الإيرانية والسعودية لاعبين رئيسيين يصعب تجاوز أيٍّ منهما لبناء الاستقرار في هذا البلد، ومن المؤكد أن الانسحاب الأميركي المرتقب هذا العام من أفغانستان سيزيد التنافس بين إيران والسعودية هناك.
  • مصر: مع بدايات الربيع العربي كان للرياض دور رئيس في منع أي تقارب بين طهران والقاهرة؛ فإيران رأت في ثورة 25 يناير/كانون الثاني ووصول الإخوان المسلمين إلى الحكم هناك صحوة إسلامية وامتدادًا لثورتها الإسلامية،(8) وكانت السعودية قد وقفت سابقًا أمام أي مسعى للتقارب بين مصر مبارك وإيران.
    • النفط وأوبك ومضيق هرمز: طرق نقل النفط كانت ساحة بارزة من ساحات هذه الحرب الباردة، وتهديد إيران المتكرر بإغلاق مضيق هرمز قابله دائمًا تلويح سعودي باستخدام سلاح النفط أو بزيادة إنتاجه للتغطية على ما قد ينقص من نفط إيران في الأسواق العالمية، بسبب تشديد العقوبات الغربية والدولية على إيران وصولاً إلى فرض حظر نفطي شامل عليها بسبب برنامجها النووي.

نقاط الالتقاء

حتى وإن طغت الخلافات على مشهد العلاقات الثنائية، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة وجود عدة نقاط تبرز مصالح مشتركة بين البلدين والتي قد تشكّل أساسًا لتوافق بينهما في حال طي صفحات الخلاف، والتي يجمع المحللون على أن أكثرها تأزمًا مرتبط بالملفات الإقليمية، وتحديدًا بالأزمة السورية والمآل الذي ستنتهي إليه؛ فهي الأزمة التي حُشد لها الكثير من التحالفات المحلية والإقليمية والدولية، لكن ثمة الكثير مما هو متغير في المعادلتين الإقليمية والدولية والتي تستطيع فتح نوافذ الفرص بين طهران والرياض: 

  • وصول حسن روحاني وجناحه المعتدل إلى كرسي الرئاسة أولاً وتركيز حكومته -بدعم من المرشد الأعلى-على النهوض بالاقتصاد كأولوية؛ وهو أمر ربطه الكثير من المحللين الإيرانيين بتوجه بلادهم نحو تطوير علاقاتها الدولية وترميمها بدءًا من دول المنطقة والسعودية.(9)
  • الاتفاق النووي المبدئي بين إيران والدول الكبرى في جنيف وتوقعات بتقارب إيراني-غربي، والحديث الأميركي عن ترتيبات تمهد لنقل جزء من القوة العسكرية الأميركية إلى الباسيفيك، ودعم واشنطن لإقامة نظام استقرار وتعاون إقليمي في المنطقة.
  • استمرار الاحتجاجات وعدم الاستقرار في المنطقة، يجعل الرياض تتخوف من امتداد الحركات الاحتجاجية إليها ولاسيما في المناطق التي توجد فيها أقليات شيعية ما يجعل التقارب بين البلدين مفيدًا في هذه الحالة.
  • في المستقبل ليس من مصلحة البلدين صعود القوى المتشددة الإسلامية في سوريا ولا استمرار الصراع وتغذية الجبهات المتشددة هناك فهذا سيناريو مكرر عن الذي وقع سابقًا في أفغانستان.(10)
  • لدى طهران والرياض مفاتيح المنطقة الجغرافية، فكلتاهما تستخدمان منطقة حوض الخليج لمد النفوذ وتؤثران على بلاد الشام ومصر والخليج وشبه الجزيرة العربية، وما يربطهما معًا في هذه الحالة هو تأمين المنافع الجيوستراتيجية في المنطقة وتأمين استقرارها بعدم حضور قوى أجنبية فيها أو أية مجموعات متشددة، والتقارب في هذه الحالة يحافظ على الدور الإقليمي للبلدين وقد يفرز تعاونًا بينهما لحلحلة ملفات المنطقة، وهذا يتم بتوقيع اتفاقيات أمنية واتفاقيات تعاون.(11)

توجهات حكومة الاعتدال نحو السعودية

شارك حسن روحاني عمليًا مرحلة تحسين العلاقات الإيرانية مع المملكة العربية السعودية في منتصف تسعينيات القرن الماضي؛ فالشيخ الدبلوماسي الذي كان رئيسًا لمجلس الأمن القومي عام 2005 زار المملكة وحضر توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين والتقى الملك عبد الله بن عبد العزيز،(12) وأثار خطاب الاعتدال للرجل المقرب من هاشمي رفسنجاني قلبًا وقالبًا موجة توقعات بتركيزه على تصفير مشكلات إيران مع الخارج، وقد تكرر هذا في خطابات الرئيس وخطابات وزير خارجيته.(13)

ومن أوائل التغييرات في عهده كانت تعيين على شمخاني رئيسًا لمجلس الأمن القومي الإيراني، الذي كان وزيرًا للدفاع في حكومة محمد خاتمي، وتم بحضوره توقيع الاتفاقية الأمنية بين إيران والسعودية، وهو من حاز وسام الشرف الأعلى من المملكة، وقد عُدّ هذا التعيين رسالة إيجابية من قبل الطرف الإيراني للرياض.(14)

لكن الواقع كان مخالفًا لكل هذه المعطيات؛ فشدة الأزمات الموروثة والموقف السعودي غير المرحب في البداية باتفاق جنيف النووي والخلاف السعودي-الأميركي حول جنيف2 المتعلق بسوريا فرض على الجميع إعادة خلط الأوراق؛ فسوريا بالنسبة لإيران أمر حاسم لن تتراجع عنه خلال هذه المرحلة،(15) وستكون لمجريات الأزمة السورية الكلمة الفصل في توجهات حكومة الرئيس روحاني.

من جهة ثانية تنقل بعض التصريحات أن بعض الأوساط المؤثرة في دائرة صنع القرار في الرياض لا تنظر بثقة إلى الرئيس روحاني وخطابه التصالحي؛ حيث لا يرى هؤلاء اختلافًا بين روحاني وسلفه أحمدي نجاد، حتى وإن لم يتبنّ الرجل الخطاب النجادي المتشدد نحو الخارج، وهو ما صدر علنًا على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي.(16) يُضاف إلى كل هذا أن الرياض لم ترسل مبعوثًا رفيعًا للمشاركة في مراسم أداء القسم لروحاني، ولم يذهب روحاني لأداء فريضة الحج بناء على دعوة رسمية سعودية شاع خبرها ثم تم نفيه، ولم تشمل جولة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الخليجية الرياض.

وبينما بقي الاحتمال الأخير لكسر الجليد في العلاقات رهن شائعة زيارة سيقوم بها رفسنجاني شخصيًا إلى الرياض، فاجأ هذا الأخير الجميع بتصريحه المشار إليه سابقًا، عن المستوى العالي لتدهور العلاقات بين الرياض وطهران.

سيناريوهات المستقبل: تصادم أقل

يبدو أن خلط الأوراق في المنطقة وفق معطيات جديدة، وتراجع الدور الإيراني أو تقدمه، سيحددان شكل مستقبل العلاقات السعودية-الإيرانية، فإما أن نشهد استمرارًا للتنافس على النفوذ والتأثير في قضايا الإقليم، وهو التنافس الذي يقوم على الاختلاف في معظم المواقف ليستمر الصراع بين القطبين السني والشيعي، أو أن يأخذ شكل العلاقة منحى تنافسيًا بعيدًا عن العداوة الصريحة الواضحة، وربما يصب ذلك لصالح تعاون ثنائي يحلحل بعض القضايا.

أما الخيار الثاني، فمشروط باعتراف البلدين بضرورة تعاونهما لحل ملفات عالقة تلعب فيها إيران دورًا محوريًّا سواء في سوريا أو في لبنان أو العراق وحتى أفغانستان، ولكن يبقى سيناريو مد جسر علاقات حميمة مستبعدًا حتى وإن تبنى روحاني سياسات خارجية جديدة، فمع الرياض تكون المحددات مختلفة تمامًا.

وعلى سبيل المثال، كان من المفترض أن يهدئ اتفاق جنيف النووي مخاوف الرياض، إلا أن الأخيرة فضّلت النظر إليه كتوافق "نووي" منفصل عن بقية ملفات المنطقة، فحصر الاتفاق بالنووي الإيراني -حسب الرياض- يجعل دول الخليج قادرة على احتواء التأثيرات السلبية لأي تقارب أميركي إيراني محتمل، قد يؤدي الى اختلال في ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران.

وكما يقلق تطوير البرنامج النووي الإيراني والمنظومة العسكرية للبلاد المملكة العربية السعودية، يقضّ التواجد العسكري الأجنبي في منطقة الخليج مضجع إيران، ويبقى القلق الرئيس لكليهما هو الدور الذي يلعبه كل بلد في ملفات المنطقة.

يوحي المشهد السياسي الحالي بأن العداء بين الرياض وطهران قابل للإدارة، وبالتأكيد فإن الملف السوري هو الذي سيلعب الدور الأساس في تحديد مستقبل العلاقات الإيرانية-السعودية خلال المرحلة القادمة، كما أن مستقبل هذه العلاقات سيكون مرهونًا ثانيًا لتوافق إيران النهائي مع الغرب. وثالثًا تحتاج طهران إلى تحويل خطاب الاعتدال تجاه دول الجوار الذي يتبناه روحاني إلى برنامج عمل فعلي يطمئن هذه الدول.

ومن الواضح اليوم أن حكومة روحاني ستسعى في نهاية المطاف إلى تخفيف التوتر مع السعودية، وباقي دول الجوار، فهو أمر يساعد هذه الحكومة على تنفيذ برنامجها الاقتصادي الداخلي الذي يعد أولوية خلال هذه المرحلة.

وبالمقابل، يتوقف الكثير على امتلاك إيران والسعودية مقاربة أكثر واقعية لمستقبل العلاقات بين البلدين، مقاربة يجب أن تأخذ بالاعتبار كل المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية.
___________________________________
فرح الزمان أبو شعير - باحثة متخصصة بالشأن الإيراني

المصادر والهوامش
(1) حوار مع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني عنوانه: آيت الله هاشمي در گفت وگو با «انتخاب»: براي سفر زيارتي به عربستان آماده ام، اما براي اقدام ديپلماتيک بايد طرحي آماده شود، (آية الله هاشمي في حوار مع موقع انتخاب: أنا جاهز للقيام بزيارة دينية إلى السعودية أما للقيام بخطوة دبلوماسية فيجب التخطيط لذلك)، موقع انتخاب الإلكتروني، 18 دي 1392، 8  يناير/كانون الثاني 2014.
http://www.entekhab.ir/fa/news/144238
 (2) داوود أحمد زاده، دولت جديد اولين گام را به سمت عربستان بردارد، (على الحكومة الجديدة أن تتخذ أولى خطواتها باتجاه السعودية)، موقع ديبلماسي إيراني 2 شهريور 1392،  24 أغسطس/آب 2013
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1920026/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%AA+%D8%AC%D8%AF%DB%8C%D8%AF+%D8%A7%D9%88%D9%84%DB%8C%D9%86+%DA%AF%D8%A7%D9%85+%D8%B1%D8%A7+%D8%A8%D9%87+%D8%B3%D9%85%D8%AA+%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%AF.html
 (3) محمد السعيد إدريس، الدور الإيراني الإقليمي في الشرق الأوسط: مشروع تعاون أو هيمنة؟ موقع مجلة الرأي الآخر، العدد الرابع، ملف إيران والعرب
http://www.rai-akhar.com/ar/index.php?option=com_content&task=category&sectionid=5&id=29&Itemid=68
(4) انظر المصدر (2).
(5) كيهان برزگر، روابط إيران وعربستان در دوران روحاني، (علاقات إيران والسعودية في زمن روحاني)، موقع صحيفة دنياي اقتصاد، عدد 3101، الصفحة الثانية، 1 مرداد 1392، 23 يوليو/تموز 2013
http://www.donya-e-eqtesad.com/news/742066 /
(6) هوشنگ عزيزي، چالش هاى روابط إيران و عربستان در دوران روحاني، (التحديات التي تواجه علاقات إيران والسعودية خلال حكم روحاني)، موقع مركز پژوهش هاى علمى ومطالعات استراتژيك خاورميانه، (مركز التحقيقات العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط)، 13  ابان  1392، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2013  http://fa.merc.ir/View/tabid/127/articleid/2200/Default.aspx?dnnprintmode=true&mid=598&SkinSrc=%5BG%5DSkins%2F_default%2FNo+Skin&ContainerSrc=%5BG%5DContainers%2F_default%2FNo+Container
(7) عباس نوذري، تحليلى بر روابط إيران وعربستان، (تحليل للعلاقات الإيرانية والسعودية)، صحيفة مردم سالاري، عدد 3237، 18 تير 1392، 9 يوليو/تموز 2013
http://mardomsalari.com/Template1/News.aspx?NID=168333
(8) من كلمة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي انعقد في طهران 26 شهريور 1390، 17 سبتمبر/أيلول 2011
http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=17269
(9)  انظر المصدر (5)
(10) مقال نشر في المونيتور ونقله موقع صدرا نيوز تحت عنوان روابط إيران وعربستان در دولت روحاني، (العلاقات بين إيران والسعودية في زمن روحاني)، 8 تير 1392، 29 حزيران/يونيو 2013
 http://www.sadranews.ir/index.php/%D8%B3%DB%8C%D8%A7%D8%B3%D8%AA-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%DB%8C/3127-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A8%D8%B1%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%DA%A9%D8%B1%D8%AF-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A.html
(11) انظر المصدر (5)
(12) رقابت استراتژيک به جاى دشمنى استراتژيک، (المنافسة الاستراتيجية بدلاً عن العداوة الاستراتيجية)، موقع صحيفة همشهري،  22 مهر 1392، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2013
http://www.hamshahrionline.ir/details/234962
(13) آخر هذه التصريحات كان يوم 2 يناير/كانون الثاني 2014؛ حيث أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن بلاده تُولي أهمية خاصة لتعزيز علاقاتها مع الدول الخليجية؛ ولذا فإنها تعتبر الأمر «نقطة محورية في سياستها الخارجية". وأضاف ظريف، بحسب ما أوردت قناة «برس تي في» الإخبارية الإيرانية، إن «تحسين العلاقات مع دول الخليج العربي المطلة على الساحل يأتي على قمة أولويات إيران»، مضيفًا: إن العلاقات مع تلك الدول ستتحسن يومًا بعد يوم، وسوف تحاول إيران من جانبها ترقية تلك العلاقات إلى أعلى المستويات.
(14) مقال عن صحيفة العرب ترجمه علي موسوي خلخالي، پيام اشتى إيران به عربستان با انتخاب شمخاني، (رسالة الصلح من إيران إلى السعودية باختيارها لشمخاني)، موقع إيران ديبلماسي، 21 شهريور 1392، 12 سبتمبر/أيلول 2013
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1921258/%D9%BE%DB%8C%D8%A7%D9%85+%D8%A2%D8%B4%D8%AA%DB%8C+%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D9%87+%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D8%A7+%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8+%D8%B4%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%86%DB%8C.html
(15) انظر المصدر (2).
(16) انظر المصدر (12).

نبذة عن الكاتب