الدولة والإخوان: لعبة الخطوط الحمراء في الأردن

سعى الإخوان المسلمون في الأردن، خلال ثورات الربيع العربي، إلى تغيير قواعد اللعبة المستقرة في التنافس السياسي بالأردن، لكن النظام استرد المبادرة خاصة بعد الانتكاسة التي عرفتها الثورة المصرية، وانسداد الأوضاع في سوريا.
201421094832626734_20.jpg
معضلة التحرك تحت سقف الخطوط الحمراء (أسوشييتد برس)
ملخص
مستقبل العلاقة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان لا يزال مرهونًا، في جوهره، إلى ما يؤدي إلى التفاوض بينهما للتوافق على إعادة ترسيم قواعد اللعبة السياسية، أو ما يسمّيه الدارسون والباحثون في أدبيات التحول الديمقراطية بـ"سيناريو الصفقة"، بما يؤطّر دور الجماعة وسقف طموحها السياسي، أو الاستمرار في الاشتباك السياسي وإصرار الجماعة على خيار المقاطعة، وهذا وذاك، مرتبط بما تحمله المتغيرات الداخلية والإقليمية من تطورات على صعيد موازين القوى والرهانات السياسية لكلا الطرفين.

مقدمة

بالرغم من أنّ الأردن لم يشهد ثورة شبيهة بما حدث في عدد من الدول العربية، فإنّ تداعيات الثورات العربية وصلت إليه، وألقت بظلال ثقيلة على العلاقة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين؛ إذ حاولت الجماعة الاستفادة مما يجري في الدفع نحو سقف جديد من المطالب الإصلاحية، غير التقليدية، بينما عمل النظام على القيام بخطوات محدودة وإصلاحات جزئية، لاحتواء الضغوط الخارجية والداخلية، مع الحفاظ على قواعد "اللعبة السياسية"، وعدم السماح بفقدان السيطرة على مفاتيح القرار السياسي في الدولة.

تحريك الخطوط الحمراء

إرهاصات التوتر والاهتزاز في العلاقة بين النظام والجماعة بدأت قبل ثورات الربيع العربي، منذ العام 2007، عندما عمل النظام على إعادة ترسيم حدود دور الإخوان في مساحة صغيرة جدًا (6 مقاعد في مجلس النواب)، من خلال التلاعب في نتائج الانتخابات النيابية، ولوّح بالعصا للجماعة، عبر مصادرة جمعية المركز الإسلامي، واعتقال أربعة نواب إسلاميين، والوقوف إلى جانب السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، في مواجهة حركة "حماس"، فكل ذلك كان يدفع بالجماعة إلى مفترق طرق؛ إما القبول بالتفاوض تحت هذه الشروط الجديدة للعلاقة، أو المقاطعة والانزواء عن "اللعبة السياسية"، والتفرغ لمهمات الدعوة والتربية، والاكتفاء بمعارضة سياسية من خارج "قواعد اللعبة".

إلاّ أنّ خيارًا آخر بدأ يتشكل في أروقة الجماعة، ويتمثل بضرورة تغيير استراتيجية الجماعة في الاشتباك مع الدولة، والخروج من مربعات المعارضة التقليدية إلى مساحات جديدة غير مألوفة في أساليب الجماعة في الاشتباك والمواجهة السياسية مع النظام. (1)

هذه القناعة وصلت إليها، أولاً، مجموعة من القيادات الإخوانية التي عملت على إطلاق مبادرة "الملكية الدستورية"، وهي مبادرة غير تقليدية، تتجاوز ما كان حينها يعرف بـ"خطوط حمراء" في المشهد السياسي الأردني؛ أي الحديث عن تعديلات دستورية وتحديد صلاحيات الملك، مقابل تعزيز صلاحيات البرلمان، على قاعدة ردّ الاعتبار لمبدأ "الأمة مصدر السلطات".

وبالرغم من تأكيد أصحاب المبادرة من القيادات الإخوانية على أنّهم حصلوا على "ضوء أخضر" من قيادة الجماعة للمضي في هذا المسار مع شركاء سياسيين آخرين، إلاّ أنّ الجماعة تنصّلت من إعلان تبنيها للمبادرة، بعد الإعلان عنها، بل على النقيض من ذلك أكّدت أنّها لا تمثّلها، وكان ذلك فيما يبدو خشية من أن تدفع الجماعة كلفة كبيرة لمثل هذا الخطاب، الذي يتجاوز المربع التقليدي لسقف معارضة الجماعة. (2)

تمثّلت المفارقة في أنّ الجماعة عادت وتبنّت مضمون تلك المبادرة (من دون عنوانها)، بعد مقاطعتها للانتخابات النيابية في العام 2010، وصعود حركة الاحتجاجات الشعبية العربية، ونجاح الثورات في تونس ومصر، وبروز احتجاجات شعبية أردنية جديدة، تدعو إلى إصلاحات جوهرية على نظام الحكم.

تفاعلت الجماعة مع تلك الاحتجاجات الشعبية الداخلية، ومع لحظة الربيع العربي، عبر تقديم مطالب إصلاحية غير تقليدية، تهدف، عمليًا، إلى إعادة تشكيل قواعد "اللعبة السياسية"، بتحجيم سلطات الملك الدستورية، وتقييدها في حل مجلس النواب، وفي إصدار الحكومات لقوانين مؤقتة، ومنح مجلس النواب قوة دستورية أكبر، وزيادة من مستوى تحصينه من الحل، والمطالبة بانتخاب مجلس الأعيان، ووضع نص في الدستور يفرض على الملك اختيار رئيس الوزراء من حزب الأغلبية، وسحب سلطة اختيار قضاة المحكمة الدستورية-الجديدة من الملك،... إلخ. (3)

نظر النظام إلى هذه المطالب على أنّها تستبطن نوايا "انقلابية ناعمة" لدى الجماعة، وعلى أنّها تهدف، في جوهرها، إلى سيطرتهم على مقاليد السلطة والحكم في الأردن؛ ففي ظل "الثنائية السياسية" بين الدولة والجماعة، مع عدم وجود قوى سياسية فاعلة أخرى، فإنّ المستفيد الأول والأكبر من أية تنازلات يقدّمها النظام ستكون جماعة الإخوان المسلمين، ما يعني تسليم البلاد لهم. (4)

تعامل النظام مع الاحتجاجات الشعبية، ومطالب الإخوان، عبر عروض سياسية أكبر مما كان يقدّم سابقًا، لكنّها لا تصل إلى السقف الذي يمثّل تغييرًا نوعيًا في قواعد المعادلة السياسية، فشُكّلت لجنة الحوار الوطني، التي طرحت للمرة الأولى اقتراحات التعديلات الدستورية، ومسودات قانون انتخاب وأحزاب، وأوصت بالمحكمة الدستورية، وبهيئة مستقلة للانتخاب، وحصّنت، بدرجة كبيرة، مجلس النواب من الحلّ، وهي التعديلات التي أقرتها لاحقًا لجنة ملكية تشكلت للنظر في هذا الموضوع، تحديدًا، فأوصت بتعديلات دستورية ضمن هذا السياق، أقرّها لاحقًا مجلس الأمة، ووقّعها الملك.

لم يشارك الإخوان في تلك اللجان، ولم يقبلوا بمخرجاتها، ولا بالتعديلات الدستورية، واعتبروها أقلّ مما هو مطلوب، وأصروا على مطالبهم، وطالبوا بتعديل بعض المواد المتعلقة بوضع نصوص واضحة تفرض على الملك تكليف رئيس حزب الأغلبية في البرلمان بتشكيل الحكومة، ثم لم يتفقوا مع الحكومة على النظام الانتخابي المطلوب، وقاطعوا الانتخابات النيابية في العام 2012، التي أعلن النظام أنّها تمثل "خارطة الطريق" لما يراه من مسار إصلاحي متدرج. (5)

الفجوة بين النظام والإخوان اتسعت مع لحظة الثورات العربية والحراك الداخلي، فتضاربت الرهانات، فبينما كانت الجماعة تراهن بقوة على قوة التغيير في المنطقة بفعل الثورات، وبنجاح الثورتين المصرية والتونسية، وبإمكانية نجاح الثورة السورية، فإنّها كانت تطمح إلى أن تحدث تغييرات جوهرية حقيقية في المعادلة الأردنية، من خلال الضغوط الخارجية والداخلية على النظام، بما يتجاوز ما يُعرض عليها من إصلاحات جزئية.

أما النظام الأردني، الذي تفاجأ بالثورات العربية والاحتجاجات الداخلية، فكان يراهن على فشل التجارب الإسلامية الديمقراطية الجديدة، وعلى محدودية الحراك الشعبي الداخلي، وكان يصرّ على ألا يسمح للإخوان بفرض إصلاحات جوهرية، تحد قدرة النظام على الاستمرار في التحكم بقواعد اللعبة السياسية وتصميم مخرجاتها.

بالنتيجة؛ خلال الأعوام الثلاثة (2011-2013)، جرت مفاوضات مباشرة وغير مباشرة بين الدولة والجماعة في محاولة للتفاهم والتوافق على قواعد "اللعبة السياسية" الجديدة، وسقوف الإصلاح السياسي، والضمانات المطروحة للالتزام بها، تخللت ذلك محاولات متبادلة من الشد والجذب، إلاّ أنّ الطرفين فشلا في الوصول إلى ترسيم جديد لـ"قواعد اللعبة" وحدود دور الجماعة السياسي.

وبالرغم من أنّ الجماعة تجنبت رفع شعار "إسقاط النظام"، أو الدعوة إلى الثورة الشعبية، وعبّرت أكثر من مرّة عن التزامها بالنظام الملكي؛ (6) إلاّ أنّها لجأت إلى تغيير استراتيجيات الاحتجاج، فانتقلت إلى الشارع، وإلى المشاركة في الحركات الاحتجاجية المختلفة، وتعزيز المطالب الإصلاحية العالية، ورفع سقف الهتافات والتحدّي في الشارع، بما يتجاوز "الخطوط الحمراء" التقليدية.

في النصف الثاني من العام 2013، انقلبت الرهانات، فأُسقط حكم الرئيس محمد مرسي في مصر، وتم إلغاء الدستور ومجلس الشورى، وزُجّ بقادة جماعة الإخوان في السجون، وتم حظرها، وفي تونس قدّم حزب النهضة تنازلات في مجال الحكومة ولجنة إعداد الدستور، تجنبًا لسيناريو مشابه، فيما كانت الحكومة الائتلافية في المغرب، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، تعاني من تحديات وصعوبات شديدة في التعامل مع شركائها في السلطة، بينما تسير الأوضاع في ليبيا نحو الأسوأ، أما في سورية، فمشهد الدمار والكوارث والقتل والفوضى؛ كل ذلك ألقى بظلال قاتمة من القلق على المواطنين العرب، وغلّب مشاعر الخوف على طموح التغيير، الذي بثّته الثورات العربية في روع الشارع العربي، وبدأت الثورات تفقد بريقها مع التطورات المتتالية في تلك الدول.

بالتزامن والتوازي مع ذلك؛ تراجع الحراك الشعبي الداخلي، المحدود أصلاً، بصورة ملحوظة وكبيرة، وتفكك تحالف الجماعة مع الأحزاب القومية واليسارية المختلفة، بسبب الاختلاف حول الموقف من الثورات العربية في مصر وسورية، فعادت الاختلافات الأيديولوجية إلى السطح مرّة أخرى، وفرضت نفسها على القوى السياسية الأردنية. (7)

إذًا، خرج النظام الأردني من الأعوام الثلاثة الماضية، وهو يشعر بالانتصار والظفر، وبنجاح رهاناته السياسية، مع استمرار التباين في وجهات النظر في أروقة الحكم، بين تياري الانفتاح والإقصاء، وما يطرحه كل منهما من أجندة تجاه الجماعة، مع محاولته إعادة ترميم قواعد "اللعبة السياسية"، والتأكيد على الخطوط الحمراء في التعامل مع القوى المختلفة والشارع.

أما الجماعة؛ فتعمّقت الأزمة الداخلية بين تياراتها وأجنحتها من جهة، مع الإعلان عن مبادرة "زمزم" (التي تبنتها قيادات إخوانية، ولم تحظ بموافقة قيادة الجماعة)، وتعرّضت الجماعة، كذلك، لضربة رمزية ومعنوية كبيرة بما حدث مع الجماعة الأم في القاهرة.

الهزيمة المقصودة

يقدّم لنا الباحث الأميركي المعروف، ناثان براون إطارًا منهجيًا مميزًا لمقاربة العلاقة بين الحركات الإسلامية عمومًا والأنظمة العربية، وهو الإطار الذي ينطبق بصورة كبيرة على الحالة الأردنية تحديدًا، وما تشهده من تذبذب بين ما تفرضه "السياسات شبه السلطوية"، من قواعد للعبة السياسية محدّدة، وهي التي يحاول النظام السياسي إبقاء علاقته بالإخوان ضمن محدداتها، وما يدفع إليه الربيع العربي من إعادة بناء صيغة العلاقة وبناء قواعد جديدة للعبة السياسية تتأسس على تداول السلطة وتوسيع قاعدة صناعة القرار السياسي. (8)

تقوم مقاربة براون على فرضية رئيسة تتمثّل في أنّ الانتخابات تجري في الأنظمة الديمقراطية لتدوير السلطة وتداولها، والأحزاب تخوضها لتكسبها، بينما في "السياسات شبه السلطوية"، تجري الانتخابات وتتشكّل الأحزاب، ويُسمح بقدر من الحريات العامة والانفتاح السياسي، لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير "قواعد اللعبة السياسية" القائمة، فيكون تداول السلطة مقيدًا، بما تسمح به النخبة الحاكمة، وتبقي عملية صنع القرار محكومة باعتبارات أكثر تعقيدًا وعمقًا من الطبيعة المؤسسية الواضحة التي تحكم ممارسة الديمقراطيات الغربية.

وفقًا لهذه المحدّدات، فنحن أمام لعبة سياسية، تخوض فيها الأحزاب الإسلامية الانتخابات لا لتكسبها، كما هي الحال في الأنظمة الديمقراطية، بل تكون مُدركة مسبقًا أنّها تشارك لتخسر، أو لن تحقق الأغلبية، بل تُصمَّم العملية الانتخابية -في الأصل- لتفادي أي احتمال يمنح الحركات الإسلامية الفرصة لتصبح في موقع الحكم والسلطة والإدارة المؤسسية القانونية الحقيقية.

تكمن المفارقة هنا، كما يذكر براون، في أنّ خسارة هذه الحركات للانتخابات تصبح -بحدّ ذاتها- فضيلة، تقدمها بوصفها ضمانة ومؤشرًا على مدى التزامها باللعبة السياسية، وربما يختزل ذلك، بوضوح، الشعار الذي رفعته العديد من الحركات الإسلامية خلال الحقبة الماضية "مشاركة لا مغالبة". (9)

وإذا ما حدث أنّ تطورًا أو خللاً مفاجئًا أصاب عملية تصميم مخرجات الانتخابات، وخرجت النتائج عن المعادلة التقليدية، واكتسحت هذه الحركات الانتخابات، وأصبحت وفق منطق الشرعية الانتخابية هي صاحبة الحق في الحكم، فإنّ النتيجة ستكون حربًا أهلية أو انتكاسًا كاملاً في المسار الديمقراطي، كما حدث عندما فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الانتخابات التشريعية في الجزائر (العام 1992)، أو حتى حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام (2006). (10)

وتبدو المفارقة الأخرى، ضمن هذه المقاربة المنهجية، في أنّ الحركات الإسلامية كلما اندمجت في اللعبة السياسية وتأطرت بها والتزمت بقواعدها، أصبحت النخبة الحاكمة تنظر إليها بدرجة من القلق أكبر، خشية أن تقلب الطاولة عليها، وتعيد تشكيل تحالفاتها الداخلية والخارجية بما يسمح لها، بكسر المعادلة التقليدية. (11)

اعتمادًا على مقاربة براون؛ فإنّ السياسات "شبه السلطوية"، التي اعتمدها النظام الأردني، خلال الحقبة الماضية، منذ العام 1989، فرضت قواعد مقيّدة لمخرجات الانتخابات النيابية، ولقدرة المعارضة على التغيير، ولم تسمح العملية السياسية بأي نوع من أنواع تداول السلطة، عبر بوابة البرلمان والحكومات النيابية، وصُمّمت القوانين الانتخابية والإجراءات العملية لضمان عدم تحقيق الإخوان المسلمين، بوصفهم الجماعة الرئيسة في المعارضة، أغلبية برلمانية.

بالرغم من محدودية الفرص والمكافآت السياسية المتاحة عبر "اللعبة السياسية"؛ فإنّ الجماعة طوّرت خطابها السياسي، بصورة ملحوظة، خلال السنوات الماضية، نحو القبول بصورة كاملة بالديمقراطية والتعددية السياسية وتداول السلطة، وبمنح أهمية لمشروع الإصلاح السياسي والدستوري، الذي بدأ يطغى على مطالبها وأولوياتها، وهو ما يؤكّد الفرضية التي طرحتها هذه الدراسة ومفادها أنّه كلما ولجت الحركة الإسلامية واندمجت في العملية السياسية، عزّز ذلك من التزامها بمخرجاتها ومقتضياتها ونقلها من طرف المشهد السياسي إلى مركزه.

حتى مقاطعة الجماعة للانتخابات النيابية؛ لم تأتِ من زوايا دينية أو عقائدية، أو تفضيلاً لخيارات أخرى، إنّما في سياق تكثيف وزيادة الضغوط على نظام الحكم لتقديم إصلاحات سياسية أكبر حجمًا وتوسيع مساحة صناعة القرار السياسي في البلاد؛ أي إنّها خيار في سياق تحسين شروط "اللعبة السياسية"، لا خارجها.

الخيارات الصعبة

اليوم يقف إخوان الأردن على مفترق طرق بين القبول بالعودة إلى قواعد "اللعبة السياسية"، التي تتأسس بدورها على شروط السياسات شبه السلطوية، وفقًا لمقاربة براون، في إطار خارطة الطريق الرسمية، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الجارية، وإما الإصرار على خيار المقاطعة وممارسة الضغوط لتحسين شروط المشاركة، والرهان على أزمة النظام السياسية والاقتصادية.

إضافة إلى أنه على الرغم من التقدم الحاصل في خطاب الإخوان في الأردن بخصوص الديمقراطية والالتزام بالعمل السياسي السلمي بوصفه خيارًا استراتيجيًا؛ إلاّ أنّ الحركة لا تزال حتى اليوم تواجه إشكالية العلاقة بين الجماعة والحزب، ومدى التمازج والتمايز بين الحقلين الدعوي والسياسي؛ إذ يخضع الحزب للجماعة، على خلاف الحالة الإسلامية المغاربية التي أطلقت العنان لحزب العدالة والتنمية، وحرّرته من ضغوط العمل الدعوي والوعظي، ودفعته باتجاه العمل المدني السياسي الحزبي، بينما تفرّغت حركة التوحيد والإصلاح إلى المهمات الأخرى. (12)

خيارات متقلبة

من الصعوبة، في هذه اللحظة الدقيقة، غير الواضحة، التنبؤ بمستقبل الجماعة، (أولاً) على صعيد التطورات في المشهدين المصري والسوري، فيما سيفرضه ذلك من خيارات استراتيجية على الجماعة، سواء بالصدام أو الصفقة، ومآلات ذلك، أو (ثانيًا) فيما يتعلق بنتائج الربيع العربي ومخرجاته، فيما إذا كانت الأنظمة التقليدية نجحت في وقف حركته وعدواه، أم أنّنا أمام صيرورة تاريخية متحركة، وما يبدو اليوم استقرارًا وهدوءًا لن يطول، وفيما إذا كان السيناريو القادم هو العودة إلى حقبة "ما قبل الثورات العربية"، في دول الثورات، أو حماية "قواعد اللعبة" القائمة في الأنظمة الملكية، أم أنّنا أمام تطورات ومسارات مختلفة، فكل ذلك سينعكس على خيارات الحركات الإسلامية عمومًا وعلى مستقبلها.
______________________________
محمد أبو رمان - باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية

المصادر
1- انظر حول هذه النقاشات: محمد أبو رمان وحسن أبو هنية، الحل الإسلامي في الأردن، مركز الدراسات الاستراتيجية الجامعة الأردنية + مؤسسة فريدريش أيبرت، عمان، ط1، 2013، ص140-144.
2- المرجع السابق، ص 130-133.
3- انظر حول ذلك: "الإخوان المسلمين: التعديلات الدستورية لا تعبّر تمامًا عن مطلب الشعب"، موقع كل الأردن، الرابط التالي: http://www.allofjo.net/index.php?page=article&id=15605 
4- انظر تقرير صحيفة تاج الأردن الإلكترونية بعنوان "حملة إعلامية أردنية غير مسبوقة على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن"، 29 مايو/أيار 2012، على الرابط التالي: http://tajjo.com/index.php/archives/12852 
5- انظر: رضوان محمود المجالي، الحركات الاحتجاجية في الأردن: دراسة في المطالب والاستجابة، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع 38، 2013، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص32-34.
6- انظر موقع الإخوان الإلكتروني:
 http://www.ikhwan-jor.com/Portals/Content/?info=YVdROU16TTNNaVp6YjNWeVkyVTlVM1ZpVUdGblpTWjBlWEJsUFRFbSt1.ikhwan 
7- انظر: غادة الشيخ، تراجع الحراك الشعبي: أسباب إقليمية وذاتية، صحيفة الغد اليومية الأردنية، 2 سبتمبر/أيلول 2013.
8- انظر: ناثان براون، المشاركة لا المغالبة، الحركات الإسلامية والسياسة في العالم العربي، ترجمة سعد محيو، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2012، ص25-37.
9- انظر: ناثان براون، المرجع السابق، ص20-21.
10- المرجع نفسه، ص 39.
11- وربما يقودنا هذا، أيضًا، إلى الزاوية التي لا يتطرق إليها براون في مقاربته المنهجية؛ وهي الصفقة التاريخية بين الأنظمة الأوتوقراطية العربية والولايات المتحدة الأميركية، وتقوم على تبادل المصالح والتزام السياسات الأميركية بمبدأ الاحتواء والاستقرار في المنطقة، خشية من البديل الراديكالي، سواء كانت حركات شيوعية سابقًا أو إسلامية لاحقًا، وهي المعادلة التي وفرت للنخب الحاكمة العربية غطاءً دوليًا في ممانعة تعزيز الممارسة الديمقراطية بذريعة الفزّاعة الإسلامية.
12- لمزيد من التفصيل حول هذه المقارنة: محمد أبو رمان، الإسلام السياسي بين المشرق والمغرب: هل يعبر الإخوان للمستقبل أم يعيدون إنتاج المحنة؟، صحيفة الغد اليومية الأردنية، 23 سبتمبر/أيلول 2013.

نبذة عن الكاتب