ليبيا في مرحلتها الانتقالية الثالثة: صراع الإرادات وتنازع الشرعيات

ترصد هذه الورقة التخوف من نزاع مباشر وحاد وربما تصادمي بين البرلمان الليبي كجسم تشريعي منتخب، والثوار والكتائب العسكرية. وتضع سيناريوهات لما يمكن أن يؤول إليه الوضع سياسيًا وأمنيًا. وترسم ملامح مبادرة يمكن أن تنهي الصراع أو تخفف من حدته وخطورته.
201481112327653734_20.jpg
جانب من اجتماع البرلمان الليبي المنتخب في طبرق (رويترز)

ملخص
تكشف الورقة أسباب تفجر الأزمة السياسية الراهنة في ظل صراع الإرادات وتنازع الشرعية السياسية بين مكونات المشهد الليبي بعد انعقاد جلسات البرلمان في مدينة طبرق شرق البلاد؛ حيث زادت الحرب المستعرة في كل من طرابلس وبنغازي الأزمة تعقيدًا شديدًا. وفي هذا السياق، ترصد الورقة التوقعات حول اتجاهات البرلمان، والتداعيات المحتملة للاستقطاب السياسي، وسيناريو الصدام وتداعياته المحتملة ومخاطره على عملية الانتقال السياسي، لاسيما إذا اتجه البرلمان للضغط على قوات الدروع والكتائب العسكرية التي تفرض وجودها على الأرض في طرابلس وبنغازي.

كما تتناول الورقة دور الأطراف الإقليمية والدولية في الأزمة السياسية الراهنة، والتي كانت دائمًا حاضرة ومشاركة بطريقتها في محاولات تحسين الأوضاع في ليبيا؛ حيث تدفع مخاوف البعض إلى تأييد الاستعانة بالقوى الدولية لوقف خطر "الثوار"، بينما يقلّل آخرون من أي دور قد يقوم به الغرب لمجابهة قوات الدروع أو مجلس شورى ثوار بنغازي. وربما يكون خيار الأطراف الغربية هو دعم ومساندة السياسات والآليات التي ستعتمدها اللجنة السياسية واللجنة الأمنية اللتان تم تفويضهما في اجتماع دول الجوار في مدينة الحمامات التونسية في شهر يوليو/تموز الماضي.

وتخلص الورقة إلى أن النزول عند الخيار الديمقراطي والانتخابات يجب ألا يكون متأرجحًا، وألا يكون القبول به منوطًا بتفسير نتائجه، أو موافقًا لاتجاهات القوى السياسية والكتائب العسكرية، وترى أن هناك حاجة ملحّة للتعجيل بطرح مباردة لاحتواء الصدام المحتمل وضرورة أن يسبق إليها العقلاء والحكماء من كافة المدن للنظر في أهم ملفات المرحلة الانتقالية، وأن التوافق المطلوب ينبغي أن يكون واضحًا لا لبس فيه، وترعاه قوى ومكونات سياسية واجتماعية تضمن عدم النكوص عنه؛ إذ من المهم اعتماد معايير واضحة لما يمكن اعتباره مناهضًا لأهداف الثورة ومكتسباتها، وحدود ومسؤولية الثوار ومن يناصرهم.

 مقدمة

سبقت انتخابات البرلمان أحداث سياسية عاصفة كان عنوانها الخلاف بين حزب العدالة والبناء وكتلة الوفاء المحسوبيْن على التيار الإسلامي، وكتلة تحالف القوة الوطنية المصنف ليبراليًا أو "تيارًا مدنيًا" لاحقًا. وقد أسفر التنازع عن حجب الثقة عن حكومة علي زيدان في إبريل/نيسان الماضي، وتكليف وزير الدفاع، عبدالله الثني، بتسيير أمور البلاد ثم تكليفه كرئيس للوزراء ولكنه اعتذر عن القبول ثم عاد وناكف البديل المنتخب، وهو رجل الأعمال المنتسب لمدينة مصراته، أحمد امعيتيق، رافضًا التسليم له، وتم الطعن في شرعية انتخاب امعيتيق على خلفية نزاع حول طريقة انتخابه ونجحت كتلة التحالف في تحويل الخلاف إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، والتي قضت ببطلان انتخاب امعيتيق، ليصبح عبدالله الثني رئيس حكومة تسيير الأعمال.

إذًا انعكست حالة الاستقطاب السياسي الشديد على انتخابات البرلمان، وظهر الأثر السلبي لهذا الاستقطاب في تدني نسبة المشاركة مقارنة بانتخابات المؤتمر الوطني العام، حيث بلغ عدد المقترعين نحو 1.7 ملايين في انتخابات 2012، بينما لم يتعد الرقم 650 ألفًا في انتخابات 2014.

وساد أجواء انعقاد البرلمان تنافر هو في جوهره امتداد لخلافات مرحلة المؤتمر الوطني العام؛ ففي حين انعقدت عدة جلسات للبرلمان وتمت مباشرة أعماله التأسيسية، وفي المقدمة انتخاب الهيئة البرلمانية من رئيس ونائبين ومقرر، قاطعه نحو 25 عضوًا. وهنا تبرز أسئلة إشكالية: ما أسباب هذا التنازع (تنازع الشرعية السياسية بين مكونات المشهد الليبي)؟ وما تأثيره على مسار عملية الانتقال الديمقراطي؟ وما احتمالات انزلاق البلاد إلى احتراب داخلي (حرب أهلية) في ظل وجود مجموعات وفصائل مسلحة تدعم أطراف النزاع السياسي؟ وما دور الأطراف الإقليمية (مصر وتونس والجزائر) والدولية في الأزمة؟

البرلمان وتداعيات الخلاف السياسي والنزاع العسكري

برغم شعور قطاع من الرأي العام بأن هناك غبنًا وقع على المؤتمر الوطني، وأن الضغوط التي مورست عليه لم تكن مبررة، فإن الجميع يشعر بالحاجة لملء الفراغ ومعالجة قصور الحكومة التسييرية وأدائها الضعيف من خلال انعقاد البرلمان وانتخاب رئيس حكومة قادر على تلافي ضعف الجهاز التنفيذي، لكن هذا الشعور لم يمنع تفجر أزمة حول مكان وزمان انعقاد البرلمان، وقد ألقت الحرب المستعرة في كل من طرابلس وبنغازي بظلالها على مواقف الأعضاء حول مكان انعقاده بين طبرق وطرابلس. وأطلت الأزمة برأسها مع دعوة الدكتور أبو بكر بعيرة الأعضاء للحضور لمدينة طبرق، حيث حضر ما يزيد عن 150 عضوًا وانعقد البرلمان وباشر تشكيل هيئته البرلمانية، واتخذت قرارات مهمة، لترد رئاسة المؤتمر الوطني العام بأن الانعقاد باطل دستوريًا، لمخالفة الأعضاء المجتمعين في طبرق للإعلان الدستوري فيما يتعلق بكيفية انعقاد البرلمان وزمان ومكان انعقاده. ولم يقف الخلاف بين الطرفين عند القول بمخالفة للإعلان الدستوري، بل فسّر بعض من امتنع عن المجيء لطبرق(1) ما وقع بأنه محاولة لتجاوز التطورات الميدانية المتسارعة في طرابلس وبنغازي جرّاء المواجهات العسكرية، والتي أدت إلى دفع كتائب القعقاع والصواعق خارج طرابلس ليتركز القتال حول المطار الذي يبعد نحو 20 كيلومترًا جنوب العاصمة، وكذلك هزيمة قوات الصاعقة في بنغازي في قتالها ضد أنصار الشريعة ومعهم بعض الثوار –تسموا مجلس شورى ثوار بنغازي- على خلفية انضمام الصاعقة لعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والصاعقة هي القوة العسكرية النظامية الوحيدة والتي كانت إلى أسبوعين ماضيين تسيطر على 4 معسكرات حيوية في المدينة، سقط جميعها وتم تدمير أبنيتها وأسوارها من قبل مجلس شورى ثوار بنغازي. بل إن الكثيرين ممن عارضوا انعقاد البرلمان ربطوا بين الذهاب إلى طبرق والنزاع المسلح بين اللواء حفتر وأنصار الشريعة ومن ساندهم، واعتبروا الإصرار على عقده في طبرق انحيازًا لحفتر، وأعلن النائب علي أبو زعكوك رفضه الذهاب لطبرق استنكارًا لخروج الطائرات التي تقصف بنغازي من قاعدتها الجوية.

التوقعات حول اتجاهات البرلمان

يمكن القول: إن الداعين لعقد جلسات البرلمان في طبرق مدركون لصعوبة الوضع الأمني في كل من طرابلس وبنغازي. واتجهت تكهنات البعض إلى أن هناك خوفًا من أن يقع الأعضاء تحت ضغوط القوى العسكرية النافذة في طرابلس وبنغازي والمحسوبة على التيار الإسلامي أو الوطني، كما يطلق البعض عليه. ولا يُستبعد أن تكون دوافع انعقاده في طبرق تصب في اتجاه منع هيمنة الدروع والقوى السياسية التي تناصرهم على الموقف العسكري(2)، وهو ما يشير إلى إمكان أن تتجه الأوضاع في الفترة القادمة إلى نزاع مباشر وحاد وربما تصادمي بين البرلمان كجسم تشريعي منتخب، والثوار والكتائب العسكرية. وما يعزز احتمال الصدام ما جاء في بيان المجلس الأعلى للثوار من التأكيد بأنهم لن يمتثلوا لقرارات البرلمان في حال انحيازه لما أسموه: الثورة المضادة، وأن قراراته لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق(3).

جُل المراقبين والمحللين يحكمون بحصول التيار المدني، الرافض للإسلاميين والمتحفظ على قوات الدروع، على أغلبية مقاعد البرلمان، وبالتالي نحن نتحدث عن أغلبية برلمانية ليست راضية عن العملية العسكرية التي تقودها قوات درع ليبيا للمنطقتين الوسطى والغربية، وكتائب من مدينة مصراته ويشارك فيها مسلحون من العديد من مناطق شرق وغرب العاصمة ممن لا ينضوون تحت الدروع، وأطلقوا على عمليتهم "فجر ليبيا"، وكذلك عملية "ادخلوا عليهم الباب"، التي قادها مجلس شورى ثوار بنغازي. وفي حال تأكد التنافر بين البرلمان وقيادة العمليتين في بنغازي وطرابلس، ورجحت كفة توجهات الأعضاء المعروفين بانتقاداتهم لقوات الدروع، فربما سيصدر عن البرلمان ما يصب في دائرة إلغاء نتائج هاتين العمليتين وربما تجريمهما.

أما في حال أفلح الأعضاء المتعاطفون مع قوات الدروع والمؤيدون لعملية فجر ليبيا، ويبدو أنهم الأقلية، في التخويف من التصعيد ضد الدروع ومنع إصدار قرارات مباشرة وفق ما سبقت الإشارة إليه، ربما ستتجه الأغلبية إلى خيار إضعاف الدروع بطريق غير مباشر. ومثال ذلك إقالة رئيس الأركان المحسوب على الثوار والمساند لقوات الدروع، أو وقف تحويل أموال للدروع أو تقليص مخصصاتهم في موازنة الدفاع.

التداعيات المحتملة للاستقطاب السياسي

جاء رد فعل بعض المكونات المسلحة سريعًا حول جدل انعقاد البرلمان، وهو ما ورد في بيان المجلس الأعلى للثوار السابق الإشارة إليه، وسيعتمد طبيعة وقوة رد الكتائب العسكرية التي تفرض وجودها على الأرض في طرابلس وبنغازي وتقود العمليات العسكرية هناك على ما يمكن أن يصدر عن البرلمان من مواقف وقرارات قد تصنفها بأنها معادية لها أو مناهضة لثورة 17 فبراير/شباط.

الاختبار الأول الذي حكم به العديد من المحسوبين على التيار الإسلامي والوطني على اتجاهات البرلمان كان متعلقًا بانتخاب الهيئة البرلمانية، وقد ثار جدل حول نجاح المستشار عقيلة صالح عيسى العبيدي برئاسة البرلمان بعد أن انتشر مقطع فيديو يظهر السيد العبيدي يقرأ ما اشتهر تسميتها "وثيقة عهد ومبايعة" للعقيد القذافي، مؤرخة في 7 فبراير/شباط 2011. وربما سيكون لانتخاب العبيدي رئيسًا للبرلمان صدى أكثر سلبية في حال تم انتخاب رئيس للحكومة أقرب إلى التيار المدني، أو تم تعيين رئيس للأركان متعاطف مع عملية الكرامة.

وفي حال اختير رئيس حكومة ورئيس أركان ليسا على وفاق مع قوات الدروع، أو مصنفان من قبلهم على قوى معادية، فسيكون هذا بمثابة مبرر لفتح مواجهة مباشرة من قبل الدروع مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وستعتبرهما طرفًا في الثورة المضادة وشريكًا في الانقلاب على ثورة 17 فبراير/شباط، وهو وضع خطير سينقل الصراع السياسي إلى مرحلة أكثر تعقيد وأشد خطورة.

أما في حال تعاظم زخم المظاهرات التي خرجت في كل من طرابلس وبنغازي ومصراته وبعض المدن الأخرى والتي نددت بانعقاد البرلمان في طبرق ودعمت عملية فجر ليبيا، وتغير اتجاه البرلمان بناء على ذلك، ربما سيتجه البرلمان إلى تبني مساعي سلمية لفض المعارك من خلال التفاوض والحوار، وبالتالي فإننا لن نشهد أزمة حادة وسيكون الوضع أقرب إلى التهدئة وترقب النتائج على الأرض.

سيناريو الصدام وتداعياته المحتملة

النتيجة المتوقعة في حال اتجه البرلمان للضغط على الدروع أن تعتبر الأخيرة البرلمان وكأنه غير موجود، وقراراته "حبرًا على ورق" كما جاء نصًا في بيان المجلس الأعلى للثوار، وربما تعتبر مواقف البرلمان انقلابًا أبيض على الثورة، وأن مهمتها الأصلية هي المحافظة على الثورة واستكمال أهدافها وتطهير البلاد من "المتآمرين"، بمعنى العودة إلى مرحلة الثورة وحمل السلاح ضد أعدائها.

وفي حال رجح هذا السيناريو فمن المحتمل أن تلجأ قوات الدروع إلى إجراء استثنائي كأن تعلن حالة طوارئ في البلاد، وربما تفرض سيطرتها على المرافق الحيوية، وتعلن تجميد البرلمان والحكومة المنبثقة عنه أو عدم الاعتراف بهما. وقد تلجأ قوات الدروع إلى تنسيق جهودها في طرابلس وبنغازي ليمتد تحركها إلى بعض مدن الشرق.

وبرغم خطورة هذا السيناريو فإنه غير مستبعد بناء على قراءة عقلية الثوار، مع التأكيد على أن نتائجه ستكون خطيرة، ويعتمد السير فيه على نتائج عملية فجر ليبيا، والقدرة على الحسم السريع. ومن تداعياته الخطيرة أنه يدفع إلى الانقسام في البلاد ليصبح واقعًا وذلك من خلال برلمان وحكومة يتحصنان في طبرق يناصرهما أغلب مدن وسكان المنطقة الشرقية، باستثناء بنغازي وذلك مع افتراض استمرار السيطرة العسكرية لمجلس شورى ثوار بنغازي، وليكون هدفهما الرئيسي مقاومة قوات الدروع وتعبئة الرأي العام للثورة ضدها، مع التنبيه على أن الرأي العام في المنطقة الغربية سيكون منقسمًا على نفسه مع ترجيح أن تكون الأغلبية داعمة للبرلمان ورافضة لما يمكن أن تقدم عليه قوات الدروع، وقد يتغير موقف الرأي العام في حال استطاعت قوات الدروع تحقيق أهدافها من عمليتها العسكرية في زمن أقصر وبأقل خسائر.

الأطراف الإقليمية والدولية وتداعيات الصراع الليبي

الأطراف الدولية كانت دائما حاضرة ومشاركة بطريقتها في محاولات تحسين الأوضاع في ليبيا، ويبدو أن مخاوف البعض من هيمنة قوات الدروع في الغرب ومجلس شورى ثوار بنغازي تدفع إلى تأييد الاستعانة بالقوى الدولية حيث لا إمكان لوقفها من قبل الحكومة. ويجادل المستاؤون من عملية فجر ليبيا وعملية "ادخلوا عليهم الباب"، وهم كُثر، بأن ليبيا لا تزال تحت البند السابع، وبعضهم يصرّح بأن خطر "الثوار" صار في حجم خطر القذافي وبالتالي لا فرق في الاستعانة بالغرب اليوم عن الاستعانة بهم في 2011 للقضاء على القذافي.

الاستعانة بالأطراف الدولية للجْم العنف والضغط على الثوار هو ما يُفهم من تصريح وزير الخارجية الليبي مؤخرًا، ومن طلب رئيس حكومة تسيير الأعمال من الحكومة الأميركية في زيارته لواشنطن للمشاركة في القمة الأميركية-الإفريقية.

ويقلل العديد من المراقبين من أي دور قد يقوم به الغرب لمجابهة قوات الدروع أو مجلس شورى ثوار بنغازي والذي يشكّل أغلبيته أنصار الشريعة المصنفون كمجموعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأميركية. ويعتمد من يستبعدون تدخلاً عسكريًا غربيًا مباشرًا على تعقيدات المشهد الدولي والإقليمي، فهناك الأزمة الأوكرانية التي لا تزال تشغل واشنطن وحلفاءها، وهناك خطر "الإرهاب" في سوريا وهو أكبر منه في ليبيا، وخطر الإرهاب بالقطع أعظم بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق على مدن استراتيجية، فيما لا تزال واشنطن والعواصم الأوروبية مترددة في التعامل العسكري المباشر معهما، مما يعني أن شن حرب على الدروع ومن يناصرها ليس أولوية بالنسبة للأطراف الدولية الفاعلة، وهو ربما ما يُفهم من كلام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في لقائه مع الثني، من أن "التحديات في ليبيا لن تُحل بغير الليبيين"(4).

بالمقابل، فإن احتمال إحجام الأطراف الغربية عن الدخول على خط الصراع في ليبيا بشكل مباشر وحاسم لا يعني أنها ستكون بعيدة تمامًا عن المشهد، وربما سيكون خيارها الأفضل هو دعم ومساندة السياسات والآليات التي ستعتمدها اللجنة السياسية واللجنة الأمنية اللتان تم تفويضهما في اجتماع دول الجوار في مدينة الحمامات التونسية في شهر يوليو/تموز الماضي. وكان وزير خارجية فرنسا قد طالب في مايو/أيار الماضي الدول المجاورة لليبيا بالتحرك حيال تردي الوضعي الأمني خصوصًا في الجنوب، وقد عبّر بعض الساسة في الدول المجاورة عن الحاجة لتضامن دول الجوار لمجابهة ما اعتبروه مخاطر تهدد أمن الدول المجاورة، وهو ما يحفز السيسي وبعض أنصاره العسكريين والمدنيين للدخول لليبيا "لمحاربة الإرهاب". وقد رحب رئيس حكومة تسيير الأعمال، عبدالله الثني، بقوات عربية أو إفريقية أو حتى أممية على التراب الليبي للمساعدة في ضبط الأمن(5). وسيبقى احتمال دخول قوات عربية أو إفريقية مرجوحًا وليس راجحًا، وسيعتمد قدومها على اتجاه الصراع وإذا ما اتسعت رقعته وعجز كلا الطرفين عن الحسم، ولن تكون مهمتها قتالية، بل ستقتصر على تأمين العاصمة والفصل بين المتقاتلين. أما التدخل المصري، فليس وشيكًا، وفي حال وقع فسيكون تصديرًا للأزمة السياسية والاقتصادية المصرية في حال تصاعدها، لا يمكن بحال أن يحقق أيًا من الأهداف المعلنة أو غير المعلنة، وسيبرر التحرك العسكري الواسع للدروع وكافة الثوار بحجة العدوان الخارجي من قبل دولة لا شك لديهم بأنها تدعم اللواء حفتر.

 استنتاجات وتوصيات

  1. ينبغي التنبيه إلى أن النزول عند الخيار الديمقراطي والانتخابات يجب ألا يكون متأرجحًا وألا يكون القبول به منوطًا بتفسير نتائجه وإذا ما كانت النتائج توافق اتجاهات القوى السياسية والكتائب العسكرية، فهذه مسألة من المهم الوقوف عندها وتحمل تبعاتها ما دام البرلمان قد تشكّل عبر انتخابات نزيهة لم تشبها شائبة تزوير.
  2. قوبل المؤتمر الوطني العام بمعارضة شديدة استُخدمت فيها وسائل عدة لعرقلته من ضمنها العنف، وكان معلومًا تورط كتائب القعقاع والصواعق في هجوم على مقر المؤتمر الوطني والعبث به واعتقال بعض موظفيه والتهديد باعتقال أعضائه، وهي سوابق تم تبريرها زمن المؤتمر الوطني العام وبالتالي يمكن تبرير استخدام نفس الأسلوب من قبل قوات الدروع ومن يناصرها ضد البرلمان، وهذه حالة لم تتورط فيها المجموعات المسلحة فحسب، بل ساهمت في صناعتها النخبة السياسية والمثقفة، ويتطلب علاجها رشدًا فكريًا وسياسيًا. 
  3. تلبُّس مبدأ الشرعية المتعلقة بتمثيل الشعب عبر انتخابات حرة بشائبة بسبب التقليل من شرعية المؤتمر الوطني والتشكيك فيها بذريعة أخطائه، إلى الدرجة التي صرّح فيها البعض بعدم وجود شرعية لأية مؤسسة سيادية زمن الثورات. من ناحية أخرى فإن الشرعية الرئيسية للثوار هي شرعية الثورة، وقد تأسس تأييدهم للمؤتمر الوطني كونه تماهى مع الثورة وأهدافها، وسيدعون إلى شرعية الثورة، أم الشرعيات في نظر الكثير منهم، في حال تأكد لهم مناهضة البرلمان لما يرون أنها مكتسبات الثورة، وهذه أيضًا قضية تحتاج إلى معالجة.
  4. هناك حاجة ملحّة للتعجيل بطرح مبادرة لاحتواء الصدام المحتمل وضرورة أن يسبق إليها العقلاء والحكماء من كافة المدن.
  5. ينبغي أن تتضمن المبادرة نظرة شاملة لاحتواء الوضع المتأزم ومنع سيناريو الصدام، مما يعني الحاجة للنظر في أهم ملفات المرحلة الانتقالية والخلاف الذي دار حولها ومن بينها المصالحة الوطنية، والإرهاب وإسقاطاته، والانفلات الأمني، والعزل السياسي بما يحقق العزل دون أن يكون على حساب شخصيات دعمت الثورة وكان لها مواقف جيدة منها، والسلاح والمسلحون ودورهم وكيفية دمجهم.
  6. هناك ضرورة ملحّة لتفهّم موقف الثوار وطمأنتهم من أنه لا انحراف عن مسار الثورة، مع إقناعهم بحدود مسؤولياتهم وأنهم لن يُقدِموا على عمل قد يعقّد المشهد؛ وذلك عبر حوار مباشر يعالج مخاوف كلا الطرفين، ويدعم أهداف الثورة ومقومات نجاحها ويؤسس لمرحلة الدولة دون خلط أو تساهل مع المتورطين في جرائم ضد الشعب. 
  7. التوافق المطلوب ينبغي أن يكون واضحًا لا لبس فيه وترعاه قوى ومكونات سياسية واجتماعية ومجتمعية تضمن عدم النكوص عنه، ومن المهم اعتماد معايير واضحة لما يمكن اعتباره مناهضًا لأهداف الثورة ومكتسباتها، وحدود ومسؤولية الثوار ومن يناصرهم.

__________________________________
السنوسي بسيكري – كاتب وباحث ليبي

الهوامش
1- علي بو زعكوك، النائب عن مدينة بنغازي، مداخلة على قناة الأحرار، 2 أغسطس/آب 2014.
2- خالد المشري، عضو المؤتمر الوطني العام، مداخلة على قناة الأحرار، 2 أغسطس/آب 2014.
3- بيان المجلس الأعلى للثوار، 5 أغسطس/آب 2014.
4- جريدة الرأي اليوم: 6 أغسطس/آب 2014. www.raialyoum.com/?p=131753
5- سكاي نيوز-عربية: 7 أغسطس/آب 2014.

نبذة عن الكاتب