بوكو حرام و"انتحاريات" نيجيريا.. انعكاسات توظيف النساء

أصبحت حركة بوكو حرام تعتمد تكتيكا جديدا في نيجيريا وهو توظيف الفتيات النيجيريات في عمليات تفجيرية موجهة ضد أهداف عامة. لماذا لجأت الجماعة إلى هذا الأسلوب العنفي؟ وكيف يتم اكتتاب هؤلاء الفتيات وكيف يمكن مواجهة هذا التكتيك؟ هذا ما يجيب عنه الباحث النيجيري فريدوم أونوا في هذا التقرير.
2015318140370734_20.jpg
بوكو حرام توظف فتيات نيجيريات في عمليات تفجيرية موجهة ضد أهداف عامة (الفرنسية)

ملخص
اتخذت التفجيرات الانتحارية التي تنفذها جماعة بوكو حرام النيجيرية صبغة "أنثوية" مؤخرا، حيث صار أغلب من ينفذ التفجيرات ويروح ضحيتها مع غيره من الضحايا فتيات قامت الجماعة بتوظيفيهن لهذا الغرض. منذ ربيع 2014 اختطفت الجماعة 176 فتاة من مدارسهن وأصبح لديها "مخزون" كبير من الأدوات التفجيرية التي صارت تعتمد على العنصر النسوي كأسلوب جديد للعنف والاغتيال. ومنذ يونيو /حزيران 2014 دشنت الحركة أول تفجير قامت به فتاة وقبل ذلك التاريخ كانت التفجيرات التي تنفذها الجماعة تتم بواسطة رجال، وقد تواترت التفجيرات "الأنثوية" في شمال البلاد بشكل خاص وقد استهدفت الأسواق العامة بالأساس فالمدارس فالثكنات العسكرية... إلخ.

وهذا التحول في طبيعة أداة التفجير يعود إلى أن الفتيات لا يثرن تلك الريبة التي يثيرها الرجال فضلا عن مفاجأته وقوة صدمته. ومن غير المعروف ما إذا كانت الفتيات عناصرَ في الجماعة أم أنه قد غرر بهن، فطريقة اكتتابهن ما زالت مجهولة إعلاميا على الأقل.

أصبح التفجير "الأنثوي" أحد ملامح تكتيكات جماعة بوكو حرام في استعمال العنف ضد الدولة والمجتمع في نيجيريا، وهو تكتيك لم تستطع السلطات النيجيرية لحد الساعة وضح أسلوب ناجع لمواجهته مما يعني أن الجماعة ستظل معتمدة عليه في الأشهر القادمة.

شهدت نيجيريا خلال العام الماضي تزايدًا لما بات يعرف بلإرهاب الأنثوي من طرف حركة بوكو حرام؛ وذلك بطريقتين متناقضتين: توريط الفتيات الصغيرات أولًا كضحايا وثانيًا كواجهة أمامية للإرهاب. أما كونهن ضحايا للإرهاب وعلى هيئة مخطوفاتٍ, فقد لقي مصيرُهن ذلك شجبًا دوليًّا واسعًا؛ حيث قامت الجماعة باختطاف خمسمائة على الأقل ما بين نساء وفتيات في الشمال الشرقي لنيجيريا منذ 2009. إلا أن اختطاف الجماعة لمائة وست وسبعين مراهقة في شيبوك في إبريل /نيسان 2014 قد اعتُبر أكبر عملية فردية تقوم بها الجماعة حتى الآن، وتسبَّب في حملة عالمية عنوانها "من أجل إعادة بناتنا". أما كونهن طلائعَ أو واجهاتٍ أماميةً للإرهاب, فقد انتقلت حركة بوكو حرام من استخدام الفتيات الصغيرات كناقلات للسلاح والمؤن والنقود بالإضافة إلى كونهن مكتتبات إلى زيادة انتشارهن كمفجِّرات انتحاريات. وحول هذا الموضوع بالضبط, يعكس هذا المقال المنحى التطوري للتفجير الانتحاري الأنثوي في نيجيريا ملخِّصًا لماذا وكيف يتم اكتتاب أولئك الانتحاريات.

لمحة عن جماعة بوكو حرام

بوكو حرام هي جماعة أُنشئت عام 2002 في مايدوغوري بولاية بورنو من طرف الرجل الإسلامي المتدين محمد يوسف. وبالرغم من أنها معروفة بشكل واسع ببوكو حرام (أي: التعليم الغربي ممنوع), إلا أن الحركة تفضل اسم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد". وتتصف المرجعية الفكرية لهذه الحركة بالتشدد في فهم التعاليم الإسلامية والذي يرفض أغلب الأفكار والمؤسسات الغربية بوصفها غير إسلامية. وتسعى الجماعة أيضًا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا(1). ومنذ بدء نشاطاتها في العام 2009, قتلت الجماعة ما يقارب ثلاثة عشر ألف شخص (انظر: المخطط 1) كما أن أكثر من 1.5 مليون شخص قد نزحوا بسبب التمرد.

المخطط 1: ضحايا هجمات بوكو حرام في نيجيريا ما بين عامي 2009-2014

المصدر: http://www.irinnews.org/report/101000/boko-haram-and-nigeria-s-elections

قامت جماعة بوكو حرام باستعمال مختلف أساليب العنف كالاغتيال, وإطلاق النار من السيارات, والتفجيرات الانتحارية إلى جانب أساليب أخرى ضد عملاء الأمن, وضد القادة التقليديين والدينيين, واستهدفت مراكز العبادة, والمدارس والتجار ومؤخرًا ضد كل من لا ينتمي للجماعة(2).
 
تركز معظم هجمات الجماعة خلال الأشهر الماضية في المعاقل النائية شمال الشرقية للجماعة، وهي ولايات: آداماوا, بورنو ويوبي. زيادة على ذلك, ادَّعت الجماعة مسؤوليتها عن هجمات مختلفة في ولايات: بوتشي, غومبي, جيكاوا, كادونا, كانو, كوجي, النيجر وبلاتو، إضافة إلى لاغوس وأيضًا منطقة العاصمة الفيدرالية أبوجا، إلا أن التفجيرات الانتحارية بقيت عنصرًا أساسيًّا في حملاتها العنيفة.

استخدام بوكو حرام للتفجيرات الانتحارية الأنثوية

غيَّرت حركة بوكو حرام, بشكل دراماتيكي, شكل الأمن الداخلي لنيجيريا وذلك حين نفَّذت تفجيرها الانتحاري الأول على الإطلاق في نيجيريا في مقرات الشرطة في العاصمة الفيدرالية أبوجا؛ وكان ذلك يوم 16 يونيو/حزيران 2011(3). وقد قام المنفذ محمد مانغا صاحب الخمسة والثلاثين ربيعًا بتفجير شحنة المتفجرات في سيارته مخلِّفًا خمسة قتلى ومدمِّرًا الكثير من السيارات. وقد نفذت بوكو حرام العديد من مثل تلك الهجمات وذلك إما بتركيب عبوات ناسفة على بعض وسائل النقل الشعبية في نيجيريا كالسيارات, والدراجات البخارية وأيضًا الدراجات ثلاثية الدفع، أو بربط المتفجرات على أجسام منفذي التفجيرات الانتحارية. وقد تركزت طائفة التفجيرات أساسًا على سيارات محملة بعبوات ناسفة، ودراجات بخارية محملة بعبوات ناسفة, ودراجات ثلاثية الدفع محملة بها كذلك، وأجسام أشخاص محمَّلة هي الأخرى بعبوات ناسفة.

غير أنه في 8 من يونيو/حزيران 2014, أرسلت بوكو حرام أول مفجِّرة انتحارية أنثوية إلى ثكنة الكتيبة 301 التابعة للجيش النيجيري في كومبي بولاية كومبي، وقامت الفتاة بتفجير شحنة المتفجرات المخبأة تحت حجابها حيث قتلت نفسها وقتلت جنديًّا أيضًا. تلا ذلك تفجير 25 من نفس الشهر في مستودع للطاقة في لاغوس والمنفِّذة أيضًا كانت امرأة. وإلى حدود 20 يناير/كانون الثاني 2015, بلغت حصيلة التفجيرات الانتحارية الأنثوية 16 تفجيرًا انتحاريًّا في نيجيريا(4). وفي إطار الحديث عن الطريقة, فإن أربعة عشر تفجيرًا كانت عبر أجسام محمَّلة بعبوات ناسفة، وكان واحدٌ منها فقط عبرَ سيارة مفخخة بعبوات ناسفة. ومن أصل سبع عشرة محاولة تفجير فعلية, تمكَّن خمس عشرة فتاة من تفجير شحناتهن بينما تم اعتقال اثنتين. وباعتقال فتاة محمَّلة بمتفجرات مربوطة على جسمها, أصبحت كانو الولاية ذات الحالات الأكثر (سبع حالات) متبوعة بولايات بورنو ويوبي (انظر المخطط 2). ومن أصل السبع حالات في كانو, تمكَّن ست فتيات من تفجير أنفسهن بينما تأثرت واحدة بعد أن شاهدت زميلاتها وقد فجَّرن أنفسهن في ولاية كانو 2014. وقد تكون طائفة التفجيرات استهدفت كانو نظرًا لطبيعتها الاستراتيجية بحكم أن كانو هي المحور الاقتصادي للشمال، وعليه فتصعيد عمليات كهذه سيساعد في تعطيل القلب النابض لاقتصاد الشمال, كما أن كونها الولاية الأكثر كثافة سكانية في نيجيريا يجعلها من الأمكنة التي قد تملك أهدافًا ناعمة يسهل على الجماعة ضربها مع ضمان نسبة نجاح مرتفعة فيما يتعلق بالقتلى والدمار.

المخطط 2: المحاولات والتفجيرات الانتحارية الفعلية ما بين يونيو/حزيران 2014 و11 يناير/كانون الثاني 2015

المصدر: المؤلف

لقد حدث معظم هجمات الجماعة في شمال نيجيريا، وباستثناء الانفجار في لاغوس لم يحدث أي تفجير انتحاري أنثوي في الجنوب. وقد ادَّعى قائد بوكو حرام أبو بكر شيخو مسؤولية الحركة عن الهجوم في لاغوس، ويمكن اعتبار ذلك تمريرًا لرسالة مفادها أن الجماعة تملك القدرة على توسيع عملياتها لتصل إلى الجنوب. غير أن عدم قدرة الجماعة على تصعيد مثل تلك العمليات يبيِّن نوعًا ما محدودية قدراتها خاصة فيما يتعلق بالحصول على مكتتبين ذوي إرادة، وأيضًا صعوبة الحصول على ملاذ آمن يمكن من خلاله ربط أجهزتهم دون أن يُكشَف أمرهم.

لقد كان بعض الهجمات ناجحًا والبعض الآخر يمكن اعتباره ناجحًا جزئيًّا أو غير ناجح نظرًا إلى أن المنفِّذين لم يصلوا إلى الأهداف المرسومة أو أن الهجمات قتلت أقل من ثلاثة أشخاص. ومن الصعوبة بمكان الوصول إلى العدد الفعلي للأشخاص الذين قُتلوا في التفجيرات الانتحارية في نيجيريا وذلك بسبب اختلاف المصادر الأمنية والإعلامية حول الموضوع. وعلى ضوء كل هذا, فقد أعلنت التقديرات الأمنية عن قرابة 73 شخصًا من ضمنهم المنفذات اللاتي قضين في الهجمات الانتحارية النسوية في نيجيريا. وتعتبر بورنو صاحبة أسوأِ محصلة وذلك بحصيلة 26 قتيلًا في ثلاث هجمات ناجحة (انظر المخطط 3). وكانت الهجمات الثلاث في بورنو قد خلَّفت آثارًا مميتة أكثر من التفجيرات الستة التي حدثت في كانو بينما خلَّف الانفجار الوحيد في بوتشي 14 قتيلًا. ويعود هذا التباين في معدل القتل بالمقارنة مع عدد الهجمات بشكل جزئي إلى كمية ونوعية المتفجرات المستخدمة في كل هجوم، وأيضًا قدرة المنفذين على الولوج عميقًا إلى مركز الأماكن ذات القدرة الاستيعابية العالية.

المخطط 3: عدد ضحايا التفجيرات الانتحارية النسائية في نيجيريا ما بين يونيو/حزيران 2014 و11 يناير/كانون الثاني 2015 

المصدر: المؤلف

في إطار الأهداف وأهميتها الاستراتيجية للهجمات, تتصدر الأسواق قائمة الضربات وذلك بعد أن شهدت ثماني هجمات فعلية بينما تخلَّت واحدة عن عمليتها. وبما أن الأسواق معروفة بتجمع أعداد هائلة من البشر فذلك يجعلها مغرية للمتمردين لتسجيل أكبر قدر من القتلى في أي هجوم ناجح يقومون به، كما أن الانتحاريات قد يندمجن في الأسواق بسهولة دون إثارة الكثير من الريبة. وتأتي المدارس في المرتبة الثانية بثلاث هجمات بينما سُجِّل هجوم وحيد في كل من الثكنات العسكرية, ومحطات التزود بالوقود, والبنوك ومواقع الغاز. وباستثناء الهجوم على الثكنات العسكرية, يمكن اعتبار جميع الأهداف الأخرى أهدافًا ناعمة وسهلة.

وقد أثار مؤخرًا تزايد استخدام الفتيات المراهقات في التفجيرات الانتحارية ثلاثة أسئلة متداخلة فيما بينها: لماذا يتم استخدامهن؟ كيف يتم اكتتابهن؟ وأخيرًا، هل ينفذن الهجمات بمحض إرادتهن أم أنه تم إجبارهن على تنفيذ الهجمات؟

لماذا وكيف يتم استخدام النساء؟

لم يأتِ محفِّز بوكو حرام لاستخدام النساء كمفجِّرات انتحاريات بدون سبب؛ فأولًا: أصبح عملاء الأمن النيجيريون معتادين جيدًا على استخدام مفجِّرين انتحاريين رجال. لذلك, فإن رجالًا أو شُبَّانًا غريبين قد يكونون مدعاة للريبة والشك، وعلى العكس من ذلك, فالنساء والفتيات لا يُثِرن مثلَ تلك الريبة بل يمكنهن الدخول بسهولة إلى أماكن متعددة من دون لفت الانتباه. إضافة إلى ذلك, أصبح استخدام الحجاب, والذي هو علامة إسلامية, من الطرق المفضلة لإخفاء المتفجرات التي يتم إرسالها. وفي الحقيقة كان جميع النساء اللواتي قمن بتفجيرات انتحارية, وبشكل متكرر في الشمال, محجباتٍ، ويصبح الأمر أكثر صعوبة باعتبار أن التقاليد الإسلامية تحرِّم تفتيش الرجل للمرأة. إضافة إلى ذلك, فكل محطات التفتيش الأمنية في الشمال الشرقي تتألَّف من عناصر أمنية من الذكور, ومن عناصر من الجيش وأيضًا من مدنيين مدرَّبين. لذلك, فأخبار مفجِّرات انتحاريات هو أمر مثير في الغالب ويستقطب تغطية أفضل من نظرائهن من الذكور وذلك بسبب عنصر المفاجأة والصدمة اللذين يُحدثُهما أي تفجير انتحاري "مؤنث" ناجح؛ وبالتالي سيجعل ذلك الجماعة أكثر شيء يخافه المرء.

وبالأخذ بعين الاعتبار اكتتاب البنات في العمليات الانتحارية, هنالك خمس قنوات أساسية يمكن أن تؤدي إلى تجنيد تلك العناصر الأنثوية: 

  • أولًا: من المحتمل أن تكون النساء المستخدمات إما نساء أو أرامل كُنَّ زوجات لمقاتلي بوكو حرام وقد تم غسل أدمغتهن أو تجهيزهن للقيام بمهمة مماثلة ليس فقط من أجل الشهادة وإنما أيضًا من أجل الثأر من "الخونة"؛ وذلك من خلال إقناعهن بمسؤولية أولئك الخونة عن قتل أحبائهنَّ. 
  • ثانيًا: من الممكن أن المفجِّرات الانتحاريات هن نساء تم اكتتابهن من طرف جواسيس حركة بوكو حرام وخاصة عبر كشَّافاتها المؤنثات؛ فعلى سبيل المثال, اعتقلت دوريات عسكرية ثلاث نساء (حفصة عثمان باكو, وزينب إدريس، وعائشة أبو بكر) ويُشتبَه في أنهن عناصر تابعة لحركة بوكو حرام ويقمن بشكل سري باكتتاب الفتيات لصالح الجماعة الإرهابية. وعلى أغلب الظن, يتم إرسال أولئك الفتيات إلى معسكرات بوكو حرام أو يتم تسليمهن إلى مدربين؛ ففي أغسطس/آب 2014, اعتقلت بعض الدوريات الأمنية رجلًا اسمه إبراهيم إبراهيم في ولاية كانو يُشتبَه في أنه مدرب محترف للفتيات الانتحاريات في حركة بوكو حرام(5)، وقد تم اعتقاله بصحبة ست عشرة فتاة تم تدريبهن بشكل متكرر على القيام بمهمات انتحارية. 
  • ثالثًا: من المحتمل أيضًا أن أيًّا من تلك الهجمات الانتحارية قد قامت بها إحدى فتيات تشيبوك المخطوفات وذلك إما بخداعها أو بإجبارها على القيام بتلك المهمة. وإن كان الأمر كذلك, فسيؤدي اقتراح أوبي أزيكوسيلي، باختبار الحمض النووي، إلى المساعدة في معرفة الهوية الحقيقية للانتحارية(6)
  • رابعًا: قد تكون حركة بوكو حرام تستخدم الصغيرات اليتيمات واللواتي قتلت الجماعة آباءهن في هجماتها المتكررة على المجتمعات في شمال نيجيريا أو ربما صغيرات خطفتهن الجماعة خلال اعتداءاتها على المجتمعات داخل وخارج نيجيريا. 
  • خامسًا: من الممكن أن تكون حركة بوكو حرام قد حصلت على أولئك الانتحاريات عبر جماعات غير شرعية متورطة في تجارة البشر من دون أن تعلم تلك الجماعة لأي غرض تم شراء أولئك الصغيرات. إذن, قد تكون إحدى أو كل تلك القنوات الخمس هي المحرك في اكتتاب منفذات العمليات الانتحارية. غير أن كشف هوية أولئك الانتحاريات صعب بعض الشيء بسبب غياب جهاز للتعريف يمكن الاعتماد عليه في نيجيريا.

سواء يتم اكتتاب الفتيات من بين ثنايا بوكو حرام أو بإغرائهن من طرف الجواسيس أو باختطافهن من المجتمعات داخل وخارج نيجيريا أو بتأمينهن عبر تجارة البشر, يبقى الاهتمام الأكبر منصبًّا حول ما إذا كانت تلك العمليات الانتحارية تقوم بها فتيات تم غسل أدمغتهن لتنفيذ تلك العمليات بإرادتهن أو أنهن أُجبرن على ذلك. وهذا يقودنا أيضًا إلى التساؤل عمَّا إذا كانت هذه الهجمات هي هجمات بالوكالة حيث إنه في هذه الحالة لا تدري الانتحارية بالضبط طبيعة الأجسام التي تحملها(7). وإذا كان الأمر كذلك, فهذا يقتضي التساؤل عن المعني التقليدي للإرهاب الانتحاري والذي يتناول مهمات كهذه على أنه عمل يقوم به الشخص بكامل وعيه وذلك سعيًا منه لنيل الشهادة. ومع تصعيد التفجيرات الانتحارية الأنثوية, يفترض الباحث ج. زنْ أن "بعض مقاطع الفيديو الداخلية والقادمة من معسكرات بوكو حرام أظهرت بعض الفتيات الصغيرات بعمر يناهز سبع السنوات وسط المقاتلين. ومن الممكن أنه تم إجبار أولئك الفتيات نفسيًّا وجسديًّا على القيام بالهجمات الانتحارية بينما يمكن فهم استخدام آليات التفجير عن بُعد بأن الفتيات لم يكنَّ على علم بأنهن استُخدمن كمفجِّرات انتحاريات أو ربما أن الرؤوس المدبرة لم تثق في أن الفتيات يتمتعن بالشجاعة الكافية للقيام بالهجمات"(8).

مع أنه من المحتمل أن حركة بوكو حرام تقوم باختيار الفتيات غير المتعلمات بما يكفي لفهم أنهن يحملن متفجرات, أظهر اعتراف مشتبَه بكونها مفجرة انتحارية (زينب بابانديغا) أن الفتيات يُجبَرن أيضًا على القيام بالعمليات الانتحارية. وقد سردت ذات الثلاثة عشر ربيعًا، والتي اعتُقلت في ديسمبر/ كانون الأول 2014 في ولاية كانو, كيف جنَّدها والدها الحقيقي وأرسلها إلى أحد معسكرات بوكو حرام المتجذرة في غابات بوتشي. وقد أعلنت الفتاة أن الجماعة كانت تحاول غسل أدمغة الفتيات أو ترويعهن للقيام بالمهمات، وأضافت: "لم يتم نقلي من طرف الواعظ الذي يَعدُ الفتيات بالحصول على المكافآت في الجنة, بل كان عند هذه النقطة حين لجأ قائدهم إلى الإخافة والترويع للحصول على موافقتي. ثم أَرَوْنا حفرة عميقة حيث هدد القائد بدفننا أحياء مباشرة إن نحن رفضنا الطاعة. وفي وقت آخر, التقط القائد بندقية وهدد بإطلاق النار على كل من تعصى أوامره"(9).

على الرغم من أنه من الصعب الوصول إلى حقيقة كيف يتم اكتتاب أولئك الفتيات, فقد لاحظ الباحث ستيف بشكل صحيح أن تحليل المعلومات الدقيقة المتوفرة بعد أي تفجير قد يساعد في الإعلان عما إذا كانت هذه الهجمات بالفعل انتحارية أم أنها تفجيرات بالوكالة(10). وهذا الأمر مهم جدًّا لأنه كلما تمت معرفة الكثير عن كيفية تشغيل تلك الأجهزة, كان بالإمكان تطوير أفضل للمعايير المضادة. فعلى سبيل المثال, إن كانت تلك الأدوات انتحارية, عندها سيتم تأسيس الدفاعات على اليقظة والتمييز وتدريب قوات الأمن على التعامل مع الأحداث الطارئة وقواعد التدخل. وإن كانت أدوات تحكُّم عن بُعد ولاسلكية أو طاقة أخرى مرسلة, فعندها هنالك معايير مضادة إلكترونية يمكن إطلاقها عند الأهداف الأساسية والضعيفة(11). لكن إن كانت تلك الأجهزة تتم برمجتها على توقيت معين, فعندها سيتم الرفع من الاستجابة الفعالة أساسًا على الكشف المبكر والحجز وإجراءات التعطيل الآمنة.

خاتمة

من المؤكد أن استخدام الإرهاب الأنثوي هو أسلوب لن تتخلى عنه حركة بوكو حرام في القريب العاجل. وعمَّا إذا كان استخدام بوكو حرام لمفجِّرات انتحاريات من النساء هو علامة لليأس أو أنه لإظهار القوة, فالأمر يحتاج إلى نقاش جاد(12)، إلا أن الأمر المؤكد هو أن الحركة ستواصل اكتشاف أساليب جديدة وأيضًا مزجُ تلك الأساليب مع أخرى قديمة في إطار حملتها العنيفة ضد كل الأهداف السهلة والصعبة في نيجيريا. وبما أن نيجيريا مقبلةٌ على انتخابات رئاسية عامة في فبراير/شباط 2015؛ فقد تقوم جماعة بوكو حرام بإطلاق مفجرات انتحاريات لاستهداف التجمعات السياسية أو مراكز الاقتراع أو حتى المرافق رفيعة المستوى ذات الصلة بالانتخابات. ويستدعي تكتيك استخدام المفجرات الانتحاريات الجديد يقظة متزايدة من طرف الناس، وكذلك جهودًا منسقة من طرف الحكومة. وينبغي التركيز على دمج النساء في التدخلات المتعلقة بمكافحة التطرف، وتوسيع نطاق التوظيف في مراعاة الفوارق بين الجنسين، وأيضًا التدريب والتنسيق بين الأجهزة الأمنية من أجل تحييد بوكو حرام وقنواتها في اكتتاب النسوة والتحديد الفعال وكذلك تدمير الملاجئ المستخدمة لترسيخ جذور الحركة.
___________________________________
* فريدوم أونوا - باحث وجامعي نيجيري.
** ملاحظة: ترجم النص إلى اللغة العربية: المصطفى محمد - باحث ومترجم موريتاني.

الإحالات
1 – See: Onuoha, (Freedom C.), Boko Haram and the Evolving Salafi Jihadist Threat in Nigeria in (Marc-Antoine Pérouse de Montclos (ed.) Boko Haram: Islamism, Politics, Security and the State in Nigeria, Leiden: African Studies Centre, 2014). pp. 158 - 191.
2 – George, (T. A.), America’s Intervention in Boko Haram, in (Albert I.O. and Eselebor W.A (eds) ‘Managing Security in a Globalized World’, Abuja: Society for Peace Studies and Practice, 2013.
3 – Salkida (Ahmad), Revealed! The Suicide Bomber, (Blueprint, 26 June 2011), p.1
4 – Authors keep track of reported suicide attacks by the sect; however, the statistics should be taken as a conservative estimate given that authors may have missed a few incidents.
5 – This Day, 16 Female Suicide Bombers Arrested with Trainer, 12 August 2014, http://www.thisdaylive.com/articles/16-female-suicide-bombers-arrested-with-trainer/186072/
Consulted: January 2015.
6 –Famutimi (Temitayo), Female Suicide Bombers may be Chibok Girls – Ezekwesili, others, Punch, 30 July 2013, http://www.punchng.com/i-punch/female-suicide-bombers-may-be-chibok-girls-ezekwesili-others/
Consulted: January 2015.
7 –Onuoha, (Freedom C.), (Un)Willing to Die: Boko Haram and Suicide Terrorism in Nigeria, Report, Al Jazeera Centre for Studies. 30 December 2012. See: http://studies.aljazeera.net/en/reports/2012/12/2012122491416595337.htm
Consulted: January 2015.
8 – Zenn, (Jacob), Update on Female Suicide Bombings, Briefing Memo No.3, 2014.
9 – Omonobi, (Kingsley) & Muhammad (Abdul Salam), How my father made me a suicide bomber — 13-yr old suspect, Vanguard, 25 December 2014, http://www.vanguardngr.com/2014/12/father-made-suicide-bomber-13-yr-old-suspect/
Consulted: February 2015.
10 – Steve, (P) In Nigeria, New Boko Haram Suicide Tactic: ‘It’s a Little Girl’ nytimes.com, Linkedin, 13 January 2015, https://www.linkedin.com/groupItem?view=&item=5959780652134998019&type=member&gid=4451300&trk=eml-b2_anet_digest-group_discussions-10-grouppost-disc-4&midToken=AQElA2419fZYcQ&fromEmail=fromEmail&ut=14LFDxW4DRCmA1
Consulted: January 2015.
11 – Ibid.
12 - Pearson, (Elizabeth), Nigeria’s Female Suicide Bombers, A Show of Strength”, 16 October 2014, http://warontherocks.com/2014/10/nigerias-female-suicide-bombers-a-show-of-strength/#_
Consulted: February 2015.

نبذة عن الكاتب