الاستثمار الأجنبي في إيران وتحدياته بعد الاتفاق النووي

تناقش هذه الورقة التحديات التي تواجه إيران لجذب استثمارات أجنبية إلى قطاعاتها الاقتصادية المختلفة بعد رفع العقوبات. وتبحث مقدار ما تحتاجه طهران من استثمارات في القطاعات الاستراتيجية كالنفط, والغاز, والتعدين, والبتروكيماويات.
201581910821887734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
تعالج هذه الورقة التحديات التي تواجه إيران لجذب استثمارات أجنبية إلى قطاعاتها الاقتصادية المختلفة بعد رفع العقوبات. وتحتاج طهران إلى معالجة مشكلات تخص القطاع المصرفي, والتوظيف, ونشاط عدد من اللاعبين المرتبطين بجهاز الدولة. وتتناول الورقة حجم ما تحتاجه طهران من استثمارات في القطاعات الاستراتيجية كالنفط, والغاز, والتعدين, والبتروكيماويات. وثالثًا وأخيرًا, تتحدث الورقة عن مشكلات قطاع الغاز ومدى قدرة إيران على تصدير غازها الطبيعي إلى أوروبا. وتخلص الورقة إلى أن الإدارة الإيرانية لا تزال تحتاج إلى تحسين مؤشرات اقتصادها الكلي مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مؤثرات سياسية على مستقبل مسار خططها الاقتصادية تتمثل في الانتخابات البرلمانية في بداية عام 2016. أمَّا فيما يخص ملف الغاز, فلا تزال طهران تواجه مشكلات تتعلق بارتفاع استهلاكها الداخلي وهو ما يعوقها عن تصدير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا في المدى القصير.

يضع الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه في شهر يوليو/تموز من العام الجاري الاقتصاد الإيراني أمام تحديات كبيرة قد تؤثر على تكييف نفسه مع متطلبات المرحلة الجديدة وتحولات الاقتصاد الدولي, بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية. منذ التوقيع على اتفاق جنيف في نوفمبر/تشرين الثاني 2013, شرعت إدارة الرئيس حسن روحاني في تحسين أداء الاقتصاد الذي كان يعاني من حالة الركود التضخمي (ولا يزال يعاني منه) من خلال إجراءات تحفيزية أعلنت عنها في يوليو/تموز 2014. كان الهدف أيضًا هو تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي من أجل تهيئة مناخ أكثر جاذبية لدخول المستثمرين الأجانب إلى السوق الإيرانية.

مؤشرات الاقتصاد الكلي

في سياق الحديث عن هذا العنوان نلقي الضوء على ثلاثة من المؤشرات: 

• معدل النمو
في مقابل معدل النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي الذي حققته إيران في عام 1392(ه.ش) (21 مارس/آذار 2013-2014) الذي بلغ 1.9 في المائة (1.1 بدون احتساب النفط), تحسَّن النمو نسبيًّا في عام 1393(ه.ش)  (21 مارس/آذار 2014-2015) ليصل إلى 3 في المائة, وفقًا للبنك المركزي. يوضح الرسم رقم (1) النمو الفصلي للاقتصاد الإيراني في عام 1393 باحتساب عائدات النفط (3 في المائة) ودون احتسابها (2.8 في المائة)(1)

الرسم رقم (1)

معدلات النمو الفصلية في عام 1393 (21 مارس/آذار 2014- 2015)

المصدر: الباحث (استنادًا إلى بيانات البنك المركزي الإيراني)

• معدل التضخم
منذ سنوات عدَّة وإيران تعاني من نسبة تضخم مرتفعة لأسباب مختلفة كالعقوبات, وبرامج إعادة هيكلة الدعم, وتعويم العملة؛ ففي نهاية الفترة الرئاس  ية الثانية لأحمدي نجاد, وصل معدل التضخم في إيران في الشهر الأخير من عام 1391 (2012-2013) الذي انتهى في 20 مارس/آذار 2013 إلى 21.8 في المائة وفقًا للبنك المركزي(2). أمَّا مركز الإحصاء فقد قدَّر مستوى التضخم آنذاك بـ 26.5 في المائة(3). في حين قدَّر مراقبون اقتصاديون في طهران نسبة التضخم الحقيقية في ذلك الوقت بـ 40 في المائة أو أكثر. لاحقًا في 10 سبتمبر/أيلول 2013, أعلن الرئيس حسن روحاني بعد توليه الرئاسة عن وصول التضخم في أغسطس/آب إلى 39 في المائة(4).

استطاعت الإدارة الإيرانية من خلال حزمة من السياسات المالية والنقدية خفض التضخم تدريجيًّا خلال الفترة الماضية إلى أن وصل في يوليو/تموز الماضي إلى 14.1 في المائة وفقًا لمركز الإحصاء(5). أمَّا البنك المركزي فقد قدَّر مستوى التضخم بـ 15.6 في المائة(6). يوضح الرسم رقم (2) التالي تراجع مستوى التضخم منذ يوليو/تموز 2013 إلى يوليو/تموز 2015.

الرسم رقم (2)

المصدر: الباحث (استنادًا إلى بيانات البنك المركزي ومركز الإحصاء)

• معدل الفائدة
بعد تراجع معدل التضخم, بدأ البنك المركزي الإيراني في خفض الفائدة على الودائع والتسهيلات؛ ففي أواخر إبريل/نيسان 2015 قررت اللجنة المالية والائتمانية بالبنك, خفض الفائدة بنسبة 2 في المائة ليتراجع سقف الفائدة على الودائع التي يصل أَجَلُها لعام من 22 في المائة إلى 20.

وفي حين كانت نسب الفوائد على الودائع قصيرة الأجل، التي كانت مدتها تقل عن عام، مُحددة ترك المركزي وفقًا للقرار الجديد للبنوك مساحة حرية تحديدها (برقابة من البنك المركزي)(7). وتستهدف هذه الخطوة بشكل رئيسي إعادة تنشيط الاقتصاد ودعم قطاعات التصنيع. ومن ناحية أخرى، يسعى البنك المركزي إلى كبح حدَّة التنافس المتزايد خلال الفترات الأخيرة بين البنوك والمؤسسات الائتمانية غير المرخصة على رفع فوائد الودائع؛ إذ يؤدي ذلك إلى تراجع أرباح البنوك وهو ما يسهم في زيادة اقتراض البنوك الإيرانية من المركزي, وفقًا لمراقبين(8). وذلك في حين أن الإدارة الإيرانية تسعى إلى معالجة مشكلة ارتفاع مديونية البنوك للبنك المركزي لانعكاساتها التضخمية(9).

دعم الاقتصاد لفتح باب الاستثمار الأجنبي

تحاول الإدارة في طهران تهيئة الاقتصاد الإيراني لتدفق الاستثمارات الأجنبية من خلال ثلاثة محاور:

المحور الأول: إصلاح القطاع المصرفي وضبط اللاعبين الفاعلين في القطاع؛ إذ بينما سيسعى البنك المركزي إلى خفض الفائدة تدريجيًّا على الودائع والتسهيلات لتنشيط الاقتصاد تزامنًا مع تراجع التضخم, قد تستمر المئات من المؤسسات الائتمانية غير المرخصة التابعة لأطراف شبه دولتية في مخالفة أوامر البنك. وبذلك تدفع هذه المؤسسات الائتمانية البنوك إلى التنافس معها برفع الفوائد على الودائع وبالتالي رفع أسعار الفوائد على التسهيلات للمُصنِّعين. ولذلك، بدأت الإدارة الإيرانية في منتصف العام الجاري حملة تستهدف مكافحة هذه المؤسسات غير المرخصة(10). ومن جهة أخرى, وفقًا لمراقبين, فإن إحدى المشاكل التي يواجهها القطاع أيضًا تتمثل في الاستثمار الزائد للبنوك الإيرانية في القطاعات غير المصرفية, وهو ما يسهم في تقليص قدرتها على توفير تسهيلات بفوائد يستطيع المصنِّعون تحملها(11).

المحور الثاني: دعم الصناعات المحلية وخلق وظائف جديدة مع دخول المستثمرين الأجانب. فنظرًا, لعدم وجود منافسة من قبل شركات أجنبية لسنوات عديدة مع ارتفاع الحواجز الجمركية, لم تواجه الشركات والصناعات المحلية تحديات سوقية معتبرة من الخارج. ولذلك, ربما يحتاج العديد من مؤسسات التصنيع المحلية إلى دعم حكومي من أجل التكيف مع المناخ الجديد في القطاعات التي ستستقبل مستثمرين أجانب وإلا قد تتراجع تنافسيتها وتخرج من السوق تمامًا أو تصبح على هامشه. وفي سياق الخفض التدريجي المتوقع للحواجز الجمركية مستقبلًا, قد يترتب على السيناريو السابق تزايد نسبة البطالة (وخاصة في القطاعات كثيفة العمالة) مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمع الإيراني يعاني في الوقت الحالي من معدل بطالة مرتفع نسبيًّا يتراوح بين 10.8 و14.6 في المائة (أو أكثر بشكل محتمل), بحسب تقديرات مختلفة(12).

المحور الثالث: ضبط/كبح توسع اللاعبين الاقتصاديين شبه الدولتيين التابعين لكيانات كالحرس الثوري الإسلامي, المؤسسات الخيرية (أو التي تُعرف بالبنيادات التابعة مباشرة للمرشد الأعلى) وغيرهم من المؤسسات التي تنشط بصورة رئيسية في قطاعات اقتصادية مهمة كالنفط, والتعدين, والنقل, والإنشاء, والاتصالات, والصيرفة، وغيرها من القطاعات؛ فقد يعوق العديد من اللاعبين ولوج المستثمرين الأجانب إلى قطاعات يضعونها في أولوياتهم الاستثمارية، أي إنهم قد يعتبرون دخول المستثمرين الأجانب إلى تلك القطاعات تهديدًا بالنسبة لمصالحهم في مرحلة ما بعد الاتفاق.

حجم الاستثمارات والقطاعات الجاذبة

• الاستثمار الأجنبي المباشر
مع التحسن التدريجي لعدد من المؤشرات الاقتصادية, تسعى الحكومية الإيرانية إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر (Foreign direct investment) في الفترة القادمة مع رفع العقوبات لإعادة تنشيط الاقتصاد وإدخال تقنيات جديدة إلى قطاعاته المختلفة(13).

وقد شهد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعًا معتبرًا في السنوات الأخيرة بحسب إحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)؛ إذ انخفض حجم الاستثمار الخارجي المباشر المتدفق إلى إيران بنسبة 31 في المائة بعام 2014 مقارنة بالعام الذي سبقه؛ ففي مقابل جذب إيران 2 مليار و105 ملايين دولار في 2014, تدفق في 2013 إلى إيران 3 مليارات و50 مليون دولار ليكون مركزها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد تراجع إلى المركز 71(14). ومع ذلك, أعلنت طهران جذب 3 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من 2015, وهو ما يزيد عمَّا حققته إيران في عام 2014 كاملًا(15).

يوضح الرسم رقم (3) التالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي جذبتها إيران منذ عام 2008 وحتى 2014:

الرسم رقم (3)

المصدر: الباحث (استنادًا إلى بيانات الأونكتاد)

• قطاعات الاستثمار
هناك تقديرات مختلفة لحجم ما يحتاجه الاقتصاد الإيراني من استثمارات؛ فوفقًا لمحمد باقر نوبخت, رئيس جهاز التخطيط والإدارة, تحتاج إيران إلى 361 مليار دولار خلال الخطة التنموية السادسة (2016-2021). وقدَّر نوبخت أن 204 مليارات دولار يمكن ضخُّهم من الداخل وأمَّا الباقي (المقدر بـ 157 مليار دولار) فتحتاجهم إيران من الخارج(16). ومع ذلك, غير واضح حتى الآن بشكل كافٍ ما تستهدفه الإدارة الإيرانية من استثمارات أجنبية في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد على حدة.

يُعدُّ قطاعا النفط والتعدين, فضلًا عن البتروكيماويات, المنطقتين الأكثر وضوحًا على الخارطة الاستثمارية نظرًا لأهميتهما الاستراتيجية. فهناك تقديرات تشير إلى احتياج طهران استثمارات بقيمة 100 مليار دولار في قطاع النفط والغاز(17). ولكن في المقابل تشير تقديرات أخرى إلى احتياج القطاع لـ 185 مليار دولار حتى عام 2020-2021(18). وأمَّا بالنسبة للتعدين, فقد أعلنت طهران عن استهدافها 29 مليار دولار في هذا القطاع(19). وتوجد قطاعات أخرى ستكون جاذبة للمستثمرين؛ فناهيك عن صناعة السيارات, توجد الصناعات الغذائية, والصناعات الدوائية, والسياحة وغيرها من القطاعات.

أمَّا بالنسبة لقنوات الاستثمار, ففضلًا عن إمكانية انخراط المستثمرين الأجانب في السوق من خلال التقديم على مناقصات لتنفيذ مشروعات وتأسيس شركات محاصصة (Joint-ventures) مع نظرائهم الإيرانيين, وفقًا لمراقبين, سيكون بإمكانهم الولوج إلى السوق الإيرانية من خلال البورصة وأسواق الضمانات؛ إذ يوجد على قوائم البورصة الإيرانية (التي يبلغ رأس مالها 85 مليار دولار) 316 شركة تنتمي إلى 39 قطاعًا. ويعد قطاع الصناعات البتروكيماوية الأكثر جذبًا باستحواذه على 27 في المائة تقريبًا من سوق الأسهم(20).

هناك تقديرات باحتياج قطاع البتروكيماويات استثمارات خلال السنوات القادمة بقيمة 70 مليار دولار (استثمارات سنوية بقيمة 7 مليارات دولار على الأقل) على مدار السنوات العشر القادمة. فحتى الآن يوجد 60 مشروعًا اكتمل ما بين 10-90 في المائة منه. بالإضافة إلى ذلك يحتاج 36 مشروعًا جديدًا إلى 41 مليار دولار وفقًا لتقارير(21). وقد صرَّح, عباس شعري مقدم, مدير الشركة الوطنية للبتروكيماويات, بأن القطاع يستهدف جذب المستثمرين الأوروبيين لإدخال تقنيات جديدة إليه(22).

• أهمية الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط
تعد صناعة استخراج النفط والغاز القطاع الأكثر استراتيجية من الناحية الاقتصادية بالنسبة لطهران التي تضعها على قمة هرم أولوياتها ضمن خططها لجذب الاستثمارات الأجنبية؛ إذ ظلَّت الموازنة العامة الإيرانية معتمِدة بثقل منذ الثمانينات على عائدات تصدير النفط(23). وعلى الرغم من استمرار اعتماد الموازنة على تلك العائدات, إلا أنه منذ فرض العقوبات الاقتصادية القاسية في منتصف عام 2012 على قطاع النفط, بدأ النظام الإيراني في تقليص اعتماد الموازنة على عائدات النفط بتنمية قطاعات التصدير غير البترولية في إطار ما يُسمَّى بـ"الاقتصاد المقاوِم"، ولكن سيظل النفط يشكِّل إحدى الدعائم الرئيسية للنمو الاقتصادي.

بعد فرض العقوبات على قطاع النفط والغاز في بداية العقد الجاري, بشكل خاص, انسحب معظم شركات النفط العملاقة وخاصة الغربية منها ليستمر عدد من الشركات الصينية بعد ذلك. وفضلًا عن الشركات الصينية, اعتمدت طهران بصورة رئيسية على الشركات التابعة لشركة النفط الوطنية وشركة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري الإسلامي. ولكن نظرًا لافتقاد هذه الشركات التقنيات المتقدمة اللازمة لتطوير العديد من حقول النفط والغاز الإيرانية, ظلَّ التقدم المحرَز بطيئًا ومتواضعًا. يوضح الجدول التالي رقم (1) حقول النفط التي من المتوقع أن تبدأ إنتاجها على المدى القريب والمتوسط:

الجدول رقم (1)

المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأميركية

فإحدى الخصائص التي تتسم بها حقول النفط الإيرانية هي سرعة نضوبها التي تصل إلى 8-11 في المائة (وهي سرعة نضوب مرتفعة نسبيًّا) مقارنة بمعدل تعافيها البطئ نسبيًّا الذي يصل إلى 20-25 في المائة(24). ولذلك، تحتاج طهران إلى استقدام شركات نفط الأجنبية (وخاصة الغربية) لتطوير الحقول من أجل زيادة حجم الإنتاج النفطي على المديين المتوسط والبعيد إذ إن حجم الإنتاج والتصدير سيظل محدودًا دون وجود التقنيات المتقدمة اللازمة.

في هذا السياق, أعلنت طهران عن قدرتها على رفع إنتاجها النفطي بحجم 500-600 ألف برميل بعد شهر من رفع العقوبات، وأن ترفع حجم صادراتها إلى 2.5 مليون برميل من النفط والسوائل الغازية خلال ثلاثة أشهر من بعد إزالة العقوبات. ولكن هناك مراقبون يرون أن هذا التقدير متفائل وأن العودة لمرحلة تصدير ما قبل فرض العقوبات الأرجح عدم تحقُّقها قبل عام 2017. مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مخزونًا يصل إلى 35 مليون برميل من النفط والسوائل الغازية الذي يمكن أن تستعمله إيران لزيادة صادراتها إلى أن تعزِّز من مستويات إنتاجها خلال عامي 2016-2017(25).

• تحديات جذب الاستثمار الأجنبي إلى قطاع النفط
من أجل رفع طهران لإنتاجها النفطي من 3 ملايين برميل إلى 6 ملايين برميل بحلول عام 2020 (حجم إنتاج عام 1974), يحتاج قطاع النفط إلى دعم تقني من قبل شركات النفط الغربية. فهناك 50 مشروعًا تحتاج إلى استثمارات تتراوح بين 100-185 مليار دولار خلال السنوات القادمة حتى عام 2021. ولكن في ظل تراجع أرباح شركات النفط العالمية بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط, تصبح مهمة طهران الهادفة لجذب الشركات أكثر صعوبة في ظل قيود قوانين الاستثمار الإيرانية.

كانت طهران تتعامل مع شركات النفط والغاز الأجنبية من خلال عقود إعادة الشراء (Buy-back contracts) ولكنها طورَّت شروط العقد مؤخرًا وأعادت تسميته: عقد النفط المترابط (Integrated petroleum contract)(26). وهو يكاد يشبه في صيغته الجديدة العقود المعروفة بعقود تقاسم الإنتاج (Production-sharing agreements) وفقًا لمراقبين. مبدئيًّا, تمتاز العقود الجديد بطول مدتها التي ستتراوح بين 20-25 سنة؛ وبذلك تزيد ضمانات تحقق حجم الأرباح التي يستهدفها الطرف الأجنبي (وأيضًا يكون لدى الطرف الإيراني فرصة أكبر لاستخلاص تقنيات متقدمة من الطرف الأجنبي). ثانيًا: سيتوسع دور اللاعب الأجنبي ليشمل مختلف مراحل المشاريع (الاستكشاف, والتطوير, والإنتاج, والاستعادة). ثالثًا: ستقدم إيران عروضًا مالية خاصة للشركات الأجنبية التي تنخرط في مشروعات بمخاطر عالية(27).

وقد صرَّح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة بأن تفاصيل العقد الجديد سيتم الإعلان عنها في ديسمبر/كانون الأول بلندن(28)؛ حيث ستعقد إيران قمة في العاصمة البريطانية بين 14-16 ديسمبر/كانون الأول بعنوان "نفط وغاز إيران بعد العقوبات: التمهيد لعصر جديد" تستهدف جذب المستثمرين الأجانب لقطاعها الاستراتيجي. وقد أبدى عدد من  الشركات مثل: إيني , وتوتال, ورويال داتش شل اهتمامًا بالعمل في إيران.
 
• قطاع الغاز وفرص التصدير
على غرار النفط, لتطوير حقول الغاز الإيرانية والبنى التحتية الخاصة بها أهمية جيو-اقتصادية في ظل حالة الشد والجذب التي تشهدها العلاقات الطاقوية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. ترغب طهران في الولوج إلى سوق الغاز الأوروبية للتنافس مع موسكو. فبينما تستهدف إيران الاستحواذ على 8-10 في المائة من تجارة الغاز العالمية, ما زالت تُسهم فقط بـ 1.5 في المائة(29).

تعمل طهران حاليًا على تطوير مراحل حقل فارس الجنوبي الضخم (24 مرحلة) الذي يشكِّل مصدر الاستهلاك والتصدير الرئيسي؛ ففي العام الماضي وصل مستوى حجم إنتاج إيران من الغاز إلى 189 مليار متر مكعب سنويًّا. وبحسب توقعات حميد رضا عراقي, مدير شركة الغاز الوطنية, في سبتمبر/أيلول الماضي, من المتوقع وصول حجم الإنتاج إلى 330 مليار متر مكعب خلال 4 سنوات. أمَّا عزيز الله رمضاني, مسؤول العلاقات الدولية في شركة الغاز الوطنية, فيتوقع, في تصريح له في يونيو/حزيران 2015, ارتفاع حجم الإنتاج إلى 400 مليار متر مكعب في غضون 5 سنوات(30).

ولكن، في مقابل حجم الإنتاج الذي من المرجح أن يتجاوز الـ190 مليار متر مكعب في العام الجاري, تستهلك إيران داخليًّا, بحسب تقديرات, ما يقارب 172-175 مليار متر مكعب من الغاز في الوقت الحالي. وبذلك, لن تتبقى كميات كبير للوفاء بالتزامات جديدة لزبائن جدد غير زبائنها الحاليين(31) وناهيك عن مشكلة الاستهلاك, يُشار إلى إهدار (حرق) قطاع النفط والغاز ما يقارب 11 مليار متر مكعب سنويًّا(32). ولذلك ما لم يتراجع/يتوقف معدل نمو استهلاك الغاز داخليًّا ولم يتطور حجم الإنتاج سريعًا, ستتبقى كميات قليلة جدًّا للتصدير إلى أوروبا؛ فبحسب مراقبين, تحتاج طهران إلى 5 سنوات لكي تستطيع أن يكون لها حضور في هذا المجال بأوروبا(33).

أعلن الرئيس روحاني في زيارته للنمسا بعام 2014 عن قدرة إيران على تصدير 25 مليار متر مكعب من الغاز لأوروبا سنويّا. ولكن هناك تصريحات أخرى تشير إلى أن أوروبا قد لا تكون على قمة هرم أولويات طهران حاليًا؛ فقد صرَّح علي رضا كاملي, المدير التنفيذي للشركة الوطنية لتصدير الغاز, بأن تصدير الغاز إلى أوروبا ليس أولوية إيران الأولى في مقابل دول الجوار والدول الآسيوية(34).

نتيجة

لا تزال طهران تحتاج إلى المزيد من الوقت لتحسين مؤشرات اقتصادها الكلي وإجراء إصلاحات هيكلية من أجل دعم الأداء الاقتصادي على المديين المتوسط والبعيد. ولكن قد تحدث تطورات في المشهد السياسي تؤثِّر على مسار إصلاحات اقتصادية مخطط لها, تتمثل في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في بداية عام 2016؛ فإذا استحوذ داعمو الاتجاه الإصلاحي والبراغماتي على مقاعد البرلمان القادم, قد تتمكن الإدارة الإيرانية الحالية من الدفع بالمزيد من الإصلاحات المؤثرة (خاصة في مجال إصلاح قوانين الاستثمار) على مصالح العديد من اللاعبين الاقتصاديين شبه الدولتيين.

أمَّا فيما يخص ملف الغاز الطبيعي, تتوقف خطط تصدير الغاز إلى أوروبا على التقدم الذي يمكن أن تحرزه طهران في هذا القطاع بدعم من الشركات الغربية والآسيوية خلال السنوات القليلة القادمة. سيظل ضبط الاستهلاك المحلي (المنزلي والصناعي) وتوفير بدائل طاقوية شرطًا لتوفير كميات تصدير كبيرة سواء لأوروبا أو دول الجوار.
_______________________________
تامر بدوي: باحث متخصص في الشأن الإيراني

الهوامش والمصادر
1- بانک مرکزي ايران, خلاصه گزارش تحولات اقتصادي ايران در بخش واقعي  سال 1393 (به قيمت هاي ثابت 1383), خرداد ماه 139? (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/CNBKZC 
2-  بانک مرکزي هم افزايش تورم فروردين را تاييد کرد/ تورم فروردين 21.8 درصد, خبرآنلاين, 25 ارديبهشت 1391 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/s9NPf9 
3- مرکز آمار ايران, گزارش شاخص قيمت کالاها و خدمات مصرفي خانوارهاي شهري کشور در اسفند ماه سال 1393 بر اساس سال پايه 1390, بهمن 1393, مركز آمار إيران (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/005Rrn 
4- روحاني آمار تورم و نرخ رشد را اعلام کرد/تورم 39 درصد، رشد منفي 5.4 در سال گذشته, خبرآنلاين, 19 شهريور 1392 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/XcuHNY 
5- مرکز آمار ايران اعلام کرد: نرخ تورم سالانه تيرماه ??.? درصد/ تورم نقطه‌اي ??.? درصد شد, خبرگزاري فارس, 3 مرداد 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/MfZRDp 
6- بانک مرکزي: تورم تيرماه در عدد ??.? درصد ثابت ماند/ کاهش ? درصدي تورم نقطه به نقطه, خبرگزاري فارس, 5 مرداد 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/ZPhVnF 
7- نرخ هاي سود رنگارنگ؛ ابزار جديد بانکها براي جذب سپرده بيشتر / جدول نرخ سود سپرده جديد بانک ها, خبرآنلاين, 20 ارديبهشت 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/l7oFIe 
8- Bozorgmehr, Najmeh, Illicit credit institutions pose threat to Iran’s banking system, Financial Times, August 4, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/8uoCWG 
9-  مشاور اقتصادي رئيس‌جمهور در همايش سياست‌هاي پولي و ارزي: بدهي بانک‌ها به بانک مرکزي، مهم‌ترين چالش کنترل تورم, روزنامه شرق, 11 خرداد 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/ItE81J 
10- موسسه هاي مالي غير مجاز؛ مخل اقتصاد, بنکر, 6 تير 1394 (تاريخ الدخول 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/vPfSlB 
11- Bozorgmehr, Najmeh, Iran banks pressed to retreat from asset speculation, Financial Times, September 8, 2014 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/BWubwo 
12- بدوي, تامر, تدفق رأس المال الأجنبي بإيران والوضع العمالي, الجزيرة.نت, 30 يوليو/تموز 2015 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/EwGJoQ 
13-  للتعرف على مفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر:
https://goo.gl/wY5ERz 
14-  ميزان خروج سرمايه از کشور 4 ‏برابر شد, روزنامه شرق, 4 تير 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/SCoIaf 
15- حجم سرمايه‌گذاري‌ها به 3 ميليارد دلار رسيد, خبرگزاري ايسنا, 19 مرداد 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/W0CVHz 
16- Iran gears up for trade and investment boom that could reshape region, Reuters, Jul 14, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/OGA4EU 
17- Bozorgmehr, Najmeh, Iran eyes $100bn of western investment in oil industry, Financial Times,  July 1, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/5RqYDX 
18- ايران براي توسعه ميادين نفتي به ??? ميليارد دلار سرمايه‌گذاري خارجي نياز دارد, راديو فردا, 24 يوليو/تموز 2015 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/uzX0Yo 
19-  برنامه جذب 29 ميليارددلار منابع براي سرمايه گذاري دربخش معدن, خبرگزاري ايرنا, 14 مرداد 1394 (تاريخ الدخول: أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/mFNu68 
20- Ramezanpour, Morteza, Foreign firms prepare to dive into Iran’s lucrative private equity market, Al-Monitor, July 28, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/tT6SXN 
21-  نياز سالانه صنعت پتروشيمي به 7 ميليارد دلار سرمايه گذاري/ اروپا، چين و هند در صف ورود به ايران, خبرآنلاين, 22 خرداد 1394 (تاريخ الدخول: أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/cYj1ma 
22- معاون وزير نفت در امور پتروشيمي اعلام کرد: مذاکره با سرمايه گذاران خارجي براي حضور در صنعت پتروشيمي ايران, شانا, 3 مرداد 1394 (تاريخ الدخول: أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/Wk3T5Q 
23- للمزيد, يمكن العودة إلى الدراسة التالية للباحث:
بدوي, تامر, الدولة الريعية في إيران: عائدات النفط النمو والتضخم, مركز الجزيرة للدراسات, 8 يونيو/حزيران 2014 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/0ZtFRN 
24- O. Kasayev, Eldar, Oil Markets Have Little To Fear From Iran For Now, Oil price, May 8, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/jdQfY8 
25- How the Iran Deal Will Affect Oil Markets in the Short Term, Stratfor, July 16, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: https://goo.gl/45gRhu 
26-  ينقسم عقد إعادة الشراء إلى جزئين منفصلين: أولًا: عقد الاستكشاف وخدمة التطوير، وثانيًا: اتفاق طويل المدى منظِّم لمبيعات صادرات النفط ]معروف اختصارًا بالانجليزية باسم (LTEOSA)[ مسؤول عن سداد التكاليف والعائدات المستحقة في صورة عينية (نفط/غاز) وليس نقدية. فخلال عمل الشركة الأجنبية في الحقل, تعيد شركة النفط الوطنية الإيرانية دفع الإنفاقات الرأسمالية, وتكاليف التشغيل, والرسوم المصرفية. وتتلقي الشركة الأجنبية التي تم التعاقد معها مكافأة متفقًا عليها من خلال نسبة معينة من المادة المستخرجة من المشروع. ويستمر الاتفاق طويل المدى السابق ذكره ساريًا حتى تغطي الشركة بشكل كامل التكاليف وتصل لها المكافأة المستحقة. ولكن وفقًا لمحللين, لم يكن العقد جذابًا بالنسبة لشركات النفط العالمية إذ إنه لم يتم بالمرونة الكافية التي تجعله يستجيب لتقلبات أسعار النفط في المراحل اللاحقة.
27- O. Kasayev, Oil Markets Have Little To Fear From Iran For Now
28- Integrated Petroleum Contract to be unveiled in December: Iran oil minister, Tehran Times, August 8, 2015 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/wGCxUZ 
29- توليد گاز تا يک سال آينده 200 ميليون مترمکعب افزايش مي يابد, شانا, 20 بهمن 1393 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/7Rxx8g 
30- مدير امور بين‌الملل شرکت ملي گاز ايران خبر داد: افزايش ? برابري صادرات و توليد ??? ميليون مترمکعبي گاز ايران طي ? سال آينده, خبرگزاري فارس, 23 خرداد 1394
الرابط: http://goo.gl/KM56NM 
31- ايران در آستانه بازپس گيري رتبه سوم توليد گاز دنيا, خبرگزاري ايسنا, 2 تير 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/8GwNff 
32- Iran's Fragile Energy Security, Natural Gas Europe, November 20, 2014 (Retrieval date: August 10, 2015)
Url: http://goo.gl/FFF4f6  
33- گاز ايران چند سال ديگر به اروپا مي رسد؟, خبرآنلاين, 18 مرداد 1394(تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/3e3uEd 
34- شرکت ملي صادرات گاز: اروپا اولويت اول ما نيست, خبرگزاري آريا, 8 مرداد 1394 (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2015)
الرابط: http://goo.gl/YK6VHR 

نبذة عن الكاتب