خصومات مالية: خيارات الحكومة والنقابية في تونس

رفض الاتحاد العام التونسي للشغل قرار الحكومة تجميد اتفاقية رفع الأجور المتفق عليها، وحذَّرها من التداعيات السلبية على السلم الاجتماعي، فوضعها في موقف حرج لأنها تعاني من هشاشة مالية واقتصادية.
59b785cd58784f2ea244abf8f61aa1a2_18.jpg
النقابية تضغط بورقة السلم الاجتماعي (الفرنسية)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه لمقترح الحكومة القاضي بتجميد اتفاقية الترفيع في الأجور التي كان قد أمضاها مع رئيس الحكومة السابقة الحبيب الصيد.

بيان الاتحاد أتى ليُعلن عن مرحلة جديدة في علاقته مع الحكومة بعد أن عبَّر عن مُساندته لمُبادرة قرطاج التي أتت بها، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تمر بها البلاد، لن تترك لرئيسها، يوسف الشاهد، هامشًا كبيرًا للمناورة.

مقدمة 

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل مساء الأربعاء، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2016، عن رفضه الشديد لمُقترح الحكومة الذي أعلن عنه رئيسها، يوسف الشاهد، في لقاء تليفزيوني يوم 28 سبتمبر/أيلول المنقضي، والقاضي بتجميد الترفيع في الأجور، وهو ما يعني تأجيل تنفيذ اتفاقيات سابقة بين اتحاد العمال والحكومة المُتخلية. 

مُقترح الحكومة يأتي في ظل وضع اقتصادي صعب تمر به البلاد يتميز بعجز المُوازنات المالية وانخفاض مُؤشر النمو وارتفاع حجم المديونية وانهيار قيمة الدينار التونسي في السوق المالية العالمية مُقترنًا بارتفاع كتلة الأجور التي بلغت 13 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، ما سبَّب انتقادات البنك الدولي على لسان كريستين لاغارد، مديرته العامة، في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015، مشيرة إلى أنها الأرفع في العالم. 

ولئن نجح نظام  الرئيس التونسي المخلوع ابن علي، في فترة ما قبل الثورة، في تدجين الاتحاد والسيطرة على قرار مُؤسساته المركزية؛ فقد أسهمت الثورة بتونس في استرجاع المُنظمة النقابية لدورها الاجتماعي في مرحلة أولى مُستفيدة من ارتفاع حجم المطلبية العُمالية، لتلعب لاحقًا دورًا سياسيًّا مُتقدمًا تَتوَّج بقيادتها للرباعي الراعي للحوار الوطني الذي مثَّل المخرج الأخير للأزمة السياسية الخانقة التي عاشتها البلاد عقب الاغتيال السياسي الثاني والذي راح ضحيته النائب محمد البراهمي، وانتهى بالتوافق حول النقاط العالقة في الدستور وحكومة الكفاءات التي سهرت على تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014. 

وشهدت العلاقة بين السلطة التنفيذية مُمثَّلة في حكومات ما بعد الثورة والجهة النقابية ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل توترًا غير مسبوق ظهر في الارتفاع الكبير لعدد الإضرابات العمالية التي شملت مختلف القطاعات والمُحافظات، ووصلت لحدها الأقصى بالدعوة للإضراب العام في مناسبتين، الأولى: عقب اغتيال شكري بلعيد في فبراير/شباط 2013، والثانية: إثر حادثة اغتيال النائب محمد البراهمي في يوليو/تموز 2013، رغم أنه لم يُسجَّل في تاريخه، سابقًا، سوى إضراب عام وحيد سنة 1978. 

"الاتحاد أكبر قوة في البلاد"، هو أحد الشعارات التي تُرفَع في المُلتقيات والتظاهرات النقابية التي يحركها ويؤطرها الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد يكون هذا الشعار أقرب للواقعية منه إلى صيغ المُبالغة، فالمُنظمة النقابية التي تُؤطر أكثر من 500 ألف عامل بين القطاعين العام والخاص، كانت من بين أبرز اللاعبين في المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد خلال السنوات الماضية، بل إن بعض التحاليل تُشير إلى أنها كانت وراء إسقاط حكومتي الترويكا الأولى والثانية. 

ورغم انخراط اتحاد الشغل في مبادرة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، التي أعلن عنها يوم 2 يونيو/حزيران 2016 والتي أفضت لتوقيع 3 مُنظمات وطنية و9 أحزاب على وثيقة قرطاج التي لخصت أولويات عمل الحكومة المُتفق عليها، ثم لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الشاهد، مثَّل بيان الاتحاد لهجةً ومضمونًا نُقطة تحول سريعة في علاقته بالحكومة. 

تتناول هذه الورقة بالتحليل بيان الاتحاد العام التونسي للشغل، مركِّزة على السياقات الذاتية والموضوعية المُحيطة به، وتحاول استقراء مآلاته واستتباعاته على الوضع السياسي والاجتماعي، ومُستقبل العلاقة بين المُنظمة الاجتماعية الأكبر في البلاد من جهة، والحكومة من جهة أخرى. 

بيان الاتحاد: رفض وتحذير 

حمل بيان الاتحاد العام التونسي للشغل، الصادر يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بخصوص مقترح الحكومة حول تأجيل صرف الترفيع في الأجور رسائل مُوجَّهة لثلاثة أطراف، وهي: الحكومة، واتحاد الصناعة والتجارة وهو مُنظمة رجال الأعمال وأصحاب المُؤسسات، بالإضافة لأعضائه من الأجراء والعُمال. 

فيما يتعلق بمضمون الرسائل، تمحور البيان حول مواضيع مُختلفة، وهي تباعًا: 

‌أ. ملف تطبيق الاتفاقيات المُبرمة مع الحكومة السابقة حول الترفيع في الأجور:

وهو العنصر الرئيسي للبيان، فبعد توقيع الحكومة السابقة بقيادة الحبيب الصيد لمحضر اتفاق الزيادة في الأجور بالقطاع العام والوظيفة العمومية بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، يوم 22 سبتمبر/أيلول 2015، والذي تضمَّن تفاصيل الترفيع في الأجور بعنوان سنتي 2015 و2016، والمنح الخصوصية بعنوان سنوات 2016 و2017 و2018 في الوظيفة العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية، بالإضافة لنقاط أخرى تخص العَمَلَة الظرفيين (العمال المؤقتين) في البلديات ومراجعة القوانين الأساسية؛ عبَّرت الحكومة الجديدة بقيادة يوسف الشاهد عن أن الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد التونسي تقتضي تأجيل تطبيقها، لسنة 2019، وهو ما رفضه الاتحاد بإطلاق. 

‌ب. ملف العدالة الجبائية ومشروع ميزانية الدولة لسنة 2017:

بخصوص هذه النقطة، طالب الاتحاد بـ"عدالة جبائية قائمة على الإنصاف"، مُشدِّدًا على ضرورة ردع المتخلفين عن أداء الواجب الضريبي وعلى مراعاة ضعاف الدخل والحفاظ على المقدرة الشرائية لعامة الأجراء. 

وحمل البيان في هذه النقطة موقفًا أوليًّا مُبطنًا للاتحاد من مشروع قانون المالية لسنة 2017 الذي تم تسريب بعض بنوده خاصة في الجانب الضريبي؛ حيث اعتبر أن الملامح الأولى لهذا المشروع "كرَّست مزيد إثقال كاهل الفئات المتوسطة في حين قلَّصت العبء على الطبقة الميسورة فيما يخص الخصم لفائدة الضريبة على الدخل"، رغم إقراره بأنها راعت الفئات الضعيفة. 

يُذكر أن ما تم تسريبه وتداوله في وسائل الإعلام المحلية على لسان بعض المُحلِّلين الاقتصاديين وأيضًا بعض الوزراء، كشف ترفيعًا في نسب الضريبة على الدخل مُوجهة أساسًا للطبقة الوُسطى؛ حيث تضمن المشروع خاصة مراجعة جدول احتساب الضريبة على الدخل بإعفاء أصحاب الدخل الذي لا يتجاوز 5000 دينار من دفع الضريبة، مقابل الترفيع في نسب الضريبة لبقية الشرائح لتصل إلى نسبة 38%، مع مساهمة ظرفية ستُفرض على الجميع من أجراء ومؤسسات بعنوان المُساهمة في ميزانية الدولة بحسب ما كشفته وكالة تونس إفريقيا للأنباء، ليكون الحدُّ الأدنى لهذه المساهمة في حدود 1000 دينار للشركات، فضلًا عن الترفيع في ضريبة "جولان السيارات" بنسبة 25% والترفيع في الأداء على القيمة المضافة عند بيع العقارات التي لا تتجاوز مدة تملكها 10 سنوات من 15 إلى 20% (1). 

ومن المُنتظر أن يتم عرض مشروع القانون خلال الأيام المقبلة على أنظار البرلمان من أجل النقاش والمُصادقة. 

‌ج. ملف مُقاومة الفساد والتهرب الضريبي والتهريب:

دعا الاتحاد الحكومة إلى الإسراع بتطبيق ما أعلنت عنه من أهداف متصلة بمتابعة ملف التهرب الجبائي ومحاربة التهريب واستخلاص ديون الدولة ومؤسساتها وكل ما تضمنته وثيقة قرطاج في هذا الشأن، وسن القوانين الضرورية لذلك وضبط الإجراءات العملية لتطبيق هذه الأهداف، في إشارة ضمنية إلى أن هذا الإجراء يُعد المُعالجة الحقيقية لعجز الموازنات المالية للاقتصاد التونسي، عوض تأجيل تنفيذ اتفاقيات الترفيع في الأجور والضرائب. 

‌د. ملف المُفاوضات حول الترفيع في أجور عمال القطاع الخاص المُتعطلة:

أشار البيان لملف المُفاوضات المتعطلة بين الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة حول الترفيع في أجور القطاع الخاص لسنة 2016-2017، مُطالبًا الحكومة بلعب دورها في المصالحة من خلال دعوتها لاستئناف هذه المُفاوضات وفق الاتفاق الإطاري الموقَّع بين الطرفين الاجتماعيين منذ مارس/آذار الماضي. 

‌ه. ملف التدقيق في المالية العمومية وشفافية الأرقام:

جدَّد الاتحاد مطالبته بتدقيق المالية العمومية ونشر المعطيات، تطبيقًا لقانون حق النفاذ إلى المعلومة، وتحقيقًا للشفافية وتأسيسًا لتشاركية فعلية قائمة على تبادل المعطيات، وسهولة نقل المعلومات وتدعيمًا للثقة بين الأطراف الاجتماعية، وفق ذات المصدر. 

‌و. ملف مراجعة الحد الأدنى المضمون:

من جهة أخرى، طالب الاتحاد الحكومة بالإسراع في مراجعة الأجر الأدنى المضمون وهو الأجر الذي لا يجوز لصاحب العمل أن يقدِّم ما دونه كجراية لعماله، ويبلغ في الوقت الحالي 338 دينارًا بالنسبة للعاملين وفق نظام عمل 48 ساعة في الأسبوع، و290 دينارًا بالنسبة للعاملين وفق نظام عمل 40 ساعة في الأسبوع. 

إن الرسائل الواردة في هذا البيان، واللهجة التي ورد بها خاصة مع اعتماد قطعية الرفض "رفضه المُطلق"، وورود لفظ "الاستقرار الاجتماعي" في مناسبتين تحذيرًا من إمكانية اهتزازه، يجعله -البيان- يتجاوز ظرفية الموضوع مثار الجدل، ليعدِّد الواجهات التي سيعمل عليها الاتحاد العام التونسي للشغل في الفترة المُقبلة، وليُعلن، عبره، افتتاح سنته السياسية والاجتماعية، سنة ستكون صعبة وسيكون فيها الشد والجذب بين أطراف المُعادلة الاجتماعية في تونس على أشده. 

السياقات الذاتية والموضوعية 

إن فهم خلفيات البيان واستشراف تداعياته ومآلاته يحتاج منَّا أن نضعه ضمن سياقه السياسي والاجتماعي، الداخلي والخارجي، فيما يتعلق بالمُنظمة الشغيلة وتفاعلاتها مع مُكونات المشهد الاجتماعي بتونس. 

أ‌. مؤتمر الاتحاد:

من المُنتظر أن ينعقد المؤتمر الثالث والعشرون للاتحاد العام التونسي للشغل، أيام 22 و23 و24 يناير/كانون الثاني 2017، بناء على قرار هيئته الإدارية الصادر يوم 30 يونيو/حزيران 2016، الذي أقر احتضان العاصمة تونس لهذا المُؤتمر الذي سيكون من بين أبرز الأحداث السياسية في السنة المُقبلة. 

مؤتمر يناير/كانون الثاني 2017 لن يسمح لثلاثة قياديين في المركزية النقابية بالترشح، وهم: الأمين العام حسين العباسي، وعضوا المركزية: بلقاسم العياري والمولدي الجندوبي، وذلك لاستكمالهم لدورتين نيابيتين؛ حيث تم انتخابهم في مؤتمر المنستير في سنة 2006، في حين سيطمح الأعضاء العشرة الآخرون إلى تجديد الثقة فيهم، خاصة أن عضوية المكتب التنفيذي لمنظمة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل لا تقل أهمية عن منصب وزاري في الحكومة. 

ومن المُنتظر أن يُشارك في المُؤتمر أكثر من 500 نائب يمثِّلون الهياكل القاعدية والقطاعية، ومن المُنتظر أن يعرف تجاذبات انتخابية حادَّة جدًّا، باعتبار أن عدد الطامحين والمـرشحين سيكون كبيرًا من القطاعات والجهات، خاصة مع مُراهنة أطراف حزبية وسياسية مُختلفة على أن تكون مُمثَّلة في التركيبة القادمة بشخصيات تربطها بها علاقات جيدة. 

هذا البيان لا يُمكن أن يكون في معزل عن حسابات المُؤتمر، خاصة مع ارتفاع حجم الانتقادات للمركزية النقابية من طرف القواعد النقابية، فيما يتعلق بمدى نجاحها في تحقيق مكتسبات لها على الصعيد الاجتماعي في ظل غلاء المعيشة وتراجع المقدرة الشرائية. 

ب‌. وضع اقتصادي صعب:

قدَّم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، يوسف الشاهد، في كلمته أمام البرلمان التونسي، يوم 26 أغسطس/آب 2016، خلال جلسة منح الثقة لحكومته، حقيقة الوضع الاقتصادي للبلاد، من خلال عرض عدد من المُعطيات والأرقام كشفت حجم التدهور الذي بلغته مختلف المؤشرات الاقتصادية في كل القطاعات دون استثناء. 

وأشار الشاهد لتراجع إنتاج الفوسفات بنسبة 60% لتعود مُؤشرات الإنتاج لأرقام سنة 1928، وهو ما كبَّد شركة إنتاج الفوسفات خسائر تُقدر بـ3000 مليون دينار، واستقرار مُؤشر النمو في حدود 1.5%، وتضاعف كتلة الأجور خلال خمس سنوات باعتبار أنها كانت في حدود 6.7 مليارات دينار لتبلغ هذه السنة 13.4 مليار دينار، وهو ما أدى لارتفاع النفقات مما أدى لعجز في ميزانية الدولة يُقدَّر بـ6500 مليون دينار، وهو ضعف الرقم المتوقع حسب قانون المالية لسنة 2016. 

كما شهد ميزان المدفوعات الخارجي تراجعًا تزامَنَ مع تراجع مداخيل العملة الصعبة وتراجع قيمة الدينار بنسبة 20 بالمئة في السوق المالية الدولية؛ حيث بلغت قيمة الدولار 2.2 دينار تونسي بعد أن كانت في حدود 1.4 سنة 2010. وكشف الشاهد عن ارتفاع المديونية التونسية خلال سنتين لتناهز 56 مليار دينار وهو ما يكلف الدولة 62 بالمئة من ناتجها المحلي الخام. 

وبالإضافة لهذا الوضع الاقتصادي الصعب، تجد تونس نفسها اليوم مُطالبة بتطبيق إصلاحات اشترطها صندوق النقد الدولي مُقابل مُواصلة التعامل مع تونس ومنحها أقساط قرض بقيمة 2.8 مليار دولار أعلن عنه الصندوق في بيان بتاريخ 15 إبريل/نيسان 2016. 

ومن بين أهم هذه الإصلاحات رسملة البنوك العمومية وتدعيم استقلالية البنك المركزي والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ومراجعة منظومة الدعم والتحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرف العمومية والمصادقة على مشروع مجلة الاستثمار الجديدة، بالإضافة لإصلاح القطاع البنكي والمؤسسات المالية والمصادقة على مشروع الإصلاح الجبائي. 

‌ج. مناخ اجتماعي متوتر:

لم تنتظر حكومة يوسف الشاهد كثيرًا لتشهد أولى التحركات الاحتجاجية في مناطق مختلفة من البلاد؛ فبعد أسبوع فقط من نيل ثقة البرلمان، شهدت مُحافظة القصرين (الوسط الغربي-290 كم عن العاصمة) كارثة تمثلت في حادث اصطدام شاحنة جزائرية بحافلة تابعة للشركة الجهوية للنقل بالقصرين قرب السوق الأسبوعية أودى بحياة 16 شخصًا وخلَّف إصابة 85 آخرين، وهو ما أدى لحالة من الاحتقان خاصة مع عجز المُستشفى المحلي عن استيعاب العدد الكبير للقتلى والجرحى. 

بعد ثلاثة أيام من حادثة القصرين، شهدت مدينة بن قردان الحدودية التابعة لمحافظة مدنين (الجنوب الشرقي-482 كم عن العاصمة) احتجاجات على خلفية مقتل شابين يعملان في تهريب المحروقات من ليبيا، برصاص الجيش والحرس الوطنيين، أدت لاقتحام مقر شركة أشغال إفريقيا التي تشرف على أشغال الطريق السيارة بالجهة، ولحرق معدات الشركة. 

غير بعيد عن بن قردان، وبالتحديد في جزيرة قرقنة التابعة لمحافظة صفاقس (الجنوب-270 كم عن العاصمة)، كادت شركة بتروفاك البريطانية أن تُعلق أشغالها وأن تُغادر تونس نهائيًّا على خلفية تواصل منع محطة إنتاج الغاز التابعة لها من النشاط منذ إبريل/نيسان 2016، من طرف مُحتجين طالبوا بالتشغيل وباستثمار الشركة في تهيئة الجزيرة وتعويض الصيادين عن الأضرار التي لحقت بهم جرَّاء استغلالها لمساحات واسعة من المجال البحري للجزيرة. 

في سياق مُتصل، كشفت آخر دراسة سبر آراء من طرف مؤسسة "سيغما كونساي" (تم إنجازها في شهر أغسطس/آب) أن 76% من التونسيين يعتقدون أن البلاد لا تسير في الطريق الصحيح. وبالرغم من حداثة عهده بالحكومة، بلغت نسبة عدم الرضى عن يوسف الشاهد، وفق ذات المصدر، 39.8%، ونسبة انعدام الثقة في قدرة الحكومة على قيادة البلاد 49.4%. ويعتبر 90% من التونسيين أن الوضع الاقتصادي في البلاد سيء، ويرى 77.1% أن الوضع الاجتماعي بذات السوء (2). 

كل ما سبق يُدلِّل على أن المزاج العام للتونسيين قلق ومتهيء للاحتجاج، وهو ما يجعل حالة الاستقرار الاجتماعي هشَّة جدًّا وقابلة للتحريك بسهولة. 

السيناريوهات الرئيسية 

ستجد الحكومة التونسية نفسها أمام 3 سيناريوهات، فإما أن ترضخ لمطالب الاتحاد العام التونسي للشغل بتفعيل الترفيع في الأجور، وإما أن ترفض، وإما أن تسعى لتحقيق تسوية ترضي كُل الأطراف. 

أ‌. رفض الحكومة:

رفض الحكومة لمطلب الاتحاد سيدفع الأخير للضغط عبر شنِّ إضرابات قطاعية وجهوية قد تنتهي، في حالة عدم الرضوخ، بإعلان الإضراب العام، أي إن الحكومة ستجد نفسها أمام حركة احتجاجية متواصلة ستجعل من الشتاء القادم شتاء ساخنًا، وما شهدته الحكومات السابقة وخاصة حكومات الترويكا ليس ببعيد. 

ورقة الاستقرار الاجتماعي التي لوَّح بها الاتحاد العام التونسي للشغل في بيانه، وتعدد الملفات التي وضعها من خلال ذات البيان على طاولة المُفاوضات القادمة بينه وبين الحكومة، والاستتباعات الكارثية للإضرابات العُمالية على الاقتصاد المُتهلهل أصلًا، كل هذه الرهانات ستدفع الحكومة للتفكير مليًّا قبل المُضي في معركة لي الذراع مع نقابة العُمال.  

ب‌. قبول الحكومة:

من جهة أخرى، لا يبدو أن خيار الموافقة على الترفيع في الأجور، هو من بين الخيارات المُتاحة، باعتبار أن قبول الحكومة بمطلب الاتحاد سيضيف لكتلة الأجور المُرتفعة أصلًا 1615 مليون دينار إضافية، لتبلغ حدود 15% من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يتعارض مع التزامات الحكومة مع صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالتقليص في كتلة الأجور، وما سيُفاقم من حالة العجز التي يعيشها الاقتصاد التونسي. 

تجنُّب الصدام مع الاتحاد العام التونسي للشغل سيضع مصداقية الدولة التونسية في الإيفاء بالتزاماتها تُجاه المانحين الدوليين على الميزان، بل قد يُؤدي لإلغاء الاتفاق المُبرم مع صندوق النقد؛ ما قد يدفع باقي الدائنين بدورهم للتراجع عن منح القروض لتونس، باعتبار عدم وضوح قدرتها على خلاص ديونها. 

‌ج. التسوية:

مع استحالة السيناريو الأول والثاني، ستجد الحكومة نفسها مُجبرة على مُحاولة إيجاد تسوية مع الاتحاد العام التونسي للشغل من خلال فتح جولة من المُفاوضات تهدف للتقريب من وجهات النظر لإيجاد تسويات حول مختلف الملفات التي تطرق إليها البيان. 

ما يجعل الوصول إلى هذه التسويات صعبًا هو اللهجة القاطعة التي ورد بها بيان الاتحاد، وهو ما قد يدفع الأحزاب الداعمة للحكومة، وأساسًا حركة النهضة ونداء تونس، للتدخل بهدف إخراج الحكومة من هذا المأزق مُستفيدة من حسابات المُؤتمر القادم للمُنظمة النقابية، ومُستثمرة أهمية امتدادها القاعدي في هياكل الاتحاد وطموح أعضاء المكتب التنفيذي الحالي، أو شق مهم منه على الأقل، في التجديد لهم، ليكون عنوان الفترة القادمة بين هذه الأحزاب وقيادة المركزية النقابية: "التسوية مُقابل الدعم في المُؤتمر".

________________________________

هيثم سليماني - باحث ومدير مركز السياسات والبحوث الشبابية

مراجع

1 – (د.ن)، "مراجعة جدول الضريبة على الدخل انطلاقا من سنة 2017 (مشروع قانون المالية 2017)"، وكالة تونس أفريقيا للأنباء، تاريخ النشر: 04 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: 07 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

 https://goo.gl/uYpOSn

2- (د.ن)، "Baromètre politique SIGMA août 2016"، سيغما كونساي، تاريخ النشر: 31 أغسطس/آب 2016، تاريخ الدخول: 06 أكتوبر تشرين الأول 2016.

 https://goo.gl/x4pR8V