اتجاهات الاقتصاد الإسرائيلي 2010–2017: مزيد من كثافة الرسْمَلة والأتْمَتَة والعوْلمة (2/2)

تبحث الدراسة في الجزء الثاني فرضية استفادة إسرائيل كعادتها من الزمن الضائع عربيًّا لتعظيم مواردها، وتوسيع الفجوة مع أعدائها، كما تضييق الفجوة بينها وبين أوَّل العالَم الأول، وتناقش أسباب قُدرة إسرائيل على الاستفادة من هذا الزمن الضائع.
ab366dfc420f4944a3adb3aa42d6f357_18.jpg
المنتجات الناعمة ذات الكثافة العلمية العالية أساس فائض الميزان التجاري الإسرائيلي (غيتي)

ملخص تنفيذي 

بدأنا البحث بخطوة منهجية هي تأمين ثابِت وجدناه بتطور عدد سكان إسرائيل في فترة البحث، لقياس تطوُّر ناتجها المحلي، واستخدمنا ثلاثة مؤشرات مُختلفة؛ جميعها موثوقة منهجيًّا ومُوثَّقة إحصائيًّا، سَمَحت لنا مُجتمعة باستنتاج أن الناتج الإسرائيلي عام 2017، بلغ (353.7) مليار دولار بالأسعار الجارية، أما بالأسعار الثابتة فبلغ (313) مليار دولار، أي بزيادة (67) مليار دولار، عن (246) مليارًا، كان عليها بعام الأساس 2010. 

يعود نمو الناتج المحلي البالغ 27% مقابل 13% للسكان، بنسبة 48.5% لنمو السكان، و51.5% لارتفاع إنتاجية العمل. كما ارتفع متوسط الناتج للفرد من 32315 دولارًا إلى 35869 دولارًا خلال 2010- 2017 أي بزيادة 11%، ما يعني مُواكَبة الكَعْكة الاقتصادية اتساعًا، زيادة حجم المـُشارِكين بإنتاجها ويفيض. 

نُشير هنا إلى الطابع التراكمي التصاعدي للتكوين الرأسمالي بإسرائيل؛ إذ زاد من 13.9% إلى 15.4% من الموارد المستخدَمة 2011-2017. كما بلغت قيمته التراكمية خلال نفس الفترة (394) مليار دولار.  

تَحسُّن أداء الاقتصاد داخليًّا، تُرجم خارجيًّا بتحسن سعر صرف الشيكل مقابل الدولار بنسبة 26%، ويعود ذلك لتحقيق الميزان التجاري فائضًا إيجابيًّا؛ إذ تطوَّرت نسبة الصادرات للواردات من 106% سنة 2010 إلى 111% سنة 2017، تقديرًا. يعود التحسن إلى الارتفاع الكبير جدًّا في قيمة الصادرات الإسرائيلية كثيفة المهارة. 

كان فائض الميزان التجاري لإسرائيل تراكميًّا؛ إذ بلغت أُصولها بالدولار 353 مليارًا عام 2015، توزَّعت بواقع: (أ) 208 مليارات في إسرائيل، (ب) 145 مليارًا بالخارج. هنا، ثمة انقلاب نجده بزيادة الموجودات بالدولار داخل إسرائيل بنسبة 333%، مقابل 1797%، أي 18 ضِعفًا، لزيادة استثمارات إسرائيل بالخارج. 

يُظهِر ما سبق: (أ) تزايد اندماج إسرائيل بالسوق الدولية، وتصديرها رأس المال النقدي، وتَسارع هذا تبعًا لتقدُّم الفترات. (ب) دخول إسرائيل طور التشبُّع الترسملي داخليًّا. إنها تزداد عَولَمة بدليل ما تقدَّم من استثمار خارجي كبير، كما أن (52) دولارًا من كل مئة دولار تُنتَج بإسرائيل، على صِلة ما بالخارج؛ تصديرًا واستيرادًا. 

السياسي الاستراتيجي هنا، أن عولمة الاقتصاد الإسرائيلي التي بلغت نُقطة مُتقدِّمة جدًّا في العقد الأخير، تتم من موقع الفاعِل؛ الشريك المـُستفيد. أهَّلها لذلك عِدة أسباب، أهمها: كثافة استخدام العلم كمدخل إنتاج؛ تفوُّق نمو الناتج المحلي على نمو سكان إسرائيل، وتوفيره موارد محلية لبلوغ المعيشة حدَّ الرفاه، وتراكم رأسمالي فاض عن الداخل للخارج. وعليه، فإن من يُريد تفسيرًا لما يجري في السياسة يجده بما تقدَّم. يجد فيه أيضًا تفسيرًا لأن تزداد إسرائيل إفصاحًا عن رؤيتها الاستئصالية. فيما يلي الجزء الثاني (2/2) من البحث "أداء الاقتصاد الإسرائيلي خارجيًّا".

8. تسارع تناغم الأداء الخارجي والأداء الداخلي للاقتصاد الإسرائيلي صعودًا 

على افتراض أن مُـخصَّص التكوين الرأسمالي من الموارِد الإسرائيلية المـُتاحَة- المـُستخدَمة، في الفترة الثانية والأخيرة 2016- 2017، بقي على مُتوسط نِسبته وكميته التي كانت خلال الفترة الأولى 2011- 2015، فإنَّ قيمته التراكمية في سبعة أعوام (2011- 2017)، وبالأسعار الثابتة 2010، تبلغ (394) مليار دولار. 

نستدرِك هنا لناحية أن حصة التكوين الرأسمالي من الموارد الإسرائيلية المتاحة، والتي اعتمدناها للعامين 2016- 2017، مُنخَفِضة نسبيًّا؛ لأن كافة مؤشِّرات السنوات السابقة تؤكِّد على اتساع حجم الاقتصاد واستمرار مُعدَّلات النمو المـُرتفعة، بل تحسُّنها، كما تؤكد على زيادة حصة التكوين الرأسمالي من الموارد المـُتاحة عامًا بعد آخر، على ما استخرجنا آنفًا؛ إذ ارتفعت حصته من (13,92%) عام 2010 إلى (15,2%) عام 2015. 

للتيقُّن من صِدقيَّة مَنْحى تصاعُديٍّ لحصة التكوين الرأسمالي، نُشير إلى أن إجمالي الموارِد الإسرائيلية المستخدَمة عام 2015، نما بِنِسْبة (1,8%)، في حين زاد التكوين الرأسمالي بنسبة (3%)، أي (1,7) مرات ضعف نمو إجمالي الموارد. وهذا يعني وصول الإسرائيلي درجة التشبُّع الاستهلاكي، ما انعكس زيادة فيما يُخصصه للاستثمار. نُشير في السياق ذاته إلى أن أكثر من رُبع الزيادة بالموارِد المـُستخدَمة في إسرائيل عام 2015 ذَهَب لتكوين رأسمالي، استنادًا للمعطيات الواردة في كتاب الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية للعام 2015؛ جدول رقم (14/2)، ص (1). 

وفَّر ما سَبق صورة رَقَمَيَّة عن أداء الاقتصاد الإسرائيلي داخليًّا، وهو ما نوجزه بتفوُّق مُعدَّل نمو الاقتصاد عن مُعدَّل نمو السكان؛ نتيجة ارتفاع الإنتاجية. نجده أيضًا في ارتفاع حِصة التكوين الرأسمالي من الموارد المتاحة- المستخدمة، وهو ما يُفضي إلى رَفع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، وتوسيعه كمًّا ونوعًا، ما سَمَح بتخصيص مزيد من الموارِد للاستثمار، وهكذا دَوَالَيْكَ في عملية مُتصاعِدة ومُستدامة من التدافُع الدائري الإيجابي، بمعنى أن المزيد من الاستثمار سيُفضي إلى مزيدٍ من إنتاجية العمل والنمو، والمزيد منهما، سيسمح بتخصيص المزيد من الموارِد للاستثمار. 

نجد ترجمة لذلك في توسُّع الناتج الإسرائيلي خلال 2011- 2016، بـ(67) مليار دولار، بحيث تجاوز حجمه عَتَبة الــ(300) مليار دولار منذ 2015، وعَتَبة الـــ(353) مليار دولار كما هو متوقع نهاية عام 2017. وقد أفضى ذلك إلى قَدْرٍ مُتمادٍ من التشبُّع الاستهلاكي، سمح بتخصيص مزيد من الموارِد للاستثمار، والذي نجده في نِسبة وحِصة التكوين الرأسمالي الذي بلغ بالأسعار الثابتة 2010؛ (400) مليار دولار خلال سبع سنوات. وهذا رقم كبير بكل المعايير، قياسًا بعدد سكان مُتوقَّع عام 2017، هو دون عَتَبة تسعة ملايين نسمة. 

يوفِّر ما سبق مُؤشِّرًا قويًّا على تحسين الأداء الداخلي- الخارجي للاقتصاد الإسرائيلي، والذي تمثَّل بتحسُّن سعر صرف الشيكل؛ إذ هَبَطت قيمة الدولار من (4,737) شيكلات سنة 2002، وهو أعلى سعر صرف بَلَغَهُ الدولار منذ عام 1984، إلى (3,902) شيكلات سنة 2015؛ إلى (3,512) شيكلات سنة 2017. 

9. التجارة الخارجية الإسرائيلية من عجز إلى فائض متمادٍ 

وعليه، فقد تحسَّن سعر صرف الشيكل بنسبة (26%)، ما يعني أنه وبافتراض أن قيمة الدولار مقابل الشيكل عام 2002 تُساوي (100) درجة، فقد هَبَطت هذه إلى (82) و(74) درجة في 2015. وعلى الرغم من ذهاب كافة المؤشِّرات الاقتصادية إلى أن تحسُّن سعر صرف الشيكل مقابل الدولار الأميركي يعود إلى أن تحسُّن الأداء الداخلي للاقتصاد الإسرائيلي اقترَن بتحسُّن أدائه خارجيًّا، إلا أن ذلك لا يكفي للتيقُّن بشأن سبب التحسن. وهو إذ يعني أن عَرْض الدولار في السوق الإسرائيلية أكبر من الطلب عليه، لكن ثمَّة ضرورة لتفسير ذلك، وما إذا كان يعود لتدفُّقات نقدية خارجية لاعتبارات سياسية كمـُساعدات الولايات المتحدة واليهودية العالمية، أم هو يعود لتحقيق الميزان التجاري الإسرائيلي فائضًا لصالح الصادرات أو للاثنين معًا؟ 

استنادًا للإحصاءات الإسرائيلية 2015، جدول رقم (16/1)، ص (1)، بلغ إجمالي الصادرات الإسرائيلية، أي السلع والخدمات معًا، (91) مليارًا و(976) مليون دولار سنة 2015، بفائض (9) مليارات و(6) ملايين دولار، عن إجمالي الواردات الإسرائيلية سنة 2015، والبالغة (82) مليارًا، و(970) مليون دولار. 

وعليه، فقد بلغ إجمالي الصادرات الإسرائيلية (110,85%) من إجمالي الواردات الإسرائيلية عام 2015. للمـُقارَنة، تطوَّرت النِّسبة كالتالي: (77,4%) في سنة 1980؛ (85%) في سنة 1990؛ (100,1%) في سنة 2000؛ (106,6%) في 2010؛ (110,85%) في 2015؛ (111,4%) سنة 2017، تقديرًا. 

نُضيف هنا إلى أن التناسُب الداخلي بين مكوني الصادرات الإسرائيلية من سلع وخدمات، تبدَّل كالتالي: 68,5% سلع مقابل 31,5% خدمات سنة 1980؛ 65,5% مقابل 34,5% سنة 2000؛ 61,2% مقابل 38,8% سنة 2015. حَدَث نفس التبدُّل للواردات، حيث هبطت حِصة السلع من 82,4% سنة 1980، إلى 73,7% سنة 2000، إلى 71,9% سنة 2015. بالمقابل زادت حصة الخدمات من الواردات على النحو التالي: 17,6%؛ 26,3%؛ 28,1% للأعوام 2000؛ 2010؛ 2015، على التوالي. 

والحال هذه، يمكن الحديث عن مَنْحًى ميليٍّ هابِط لحصة السلع من الواردات والصادرات على السواء، وإنْ بوتيرة هبوط أعلى في الصادرات، لصالِح زيادة حصة الخدمات في الواردات والصادرات. في السياق ذاته، وخلال فترة 1980- 2015، كان الميزان التجاري من السلع مُختَلًّا دائمًا لصالِح الواردات السِّلعية، في حين كان الميزان التجاري بالخدمات خلال نفس الفترة 1980- 2015، وباستثناء سبع سنوات، يُحقِّق فائضًا لصالح الصادرات. 

10. إسرائيل الإمبريالية: من مُستورد للرساميل إلى مُصدِّر لها 

على الرغم من الأهمية البالغة لحجم فائض الميزان التجاري الإسرائيلي سنويًّا، والمشار له آنفًا، إلا أن الأهمية الكبرى التي يُعتَدُّ بها، هي لنوعية هذا الفائض، والتي نتعرف عليها من خلال معرفة أن صادرات إسرائيل من الخدمات هي سبب الفائض البالغ (12) مليارًا و(386) مليون دولار، مُقابِل عجز (3) مليارات و(392) مليونًا في الميزان السلعي، لتكون الحصيلة الإجمالية فائضًا صافيًا يبلغ (9) مليارات و(6) ملايين دولار. لا يفوتنا هنا لفت النظر إلى أن المقصود بـــ"الخدمات" هو أساسًا الاستشارات والمنتجات الناعمة ذات الكثافة العِلْميَّة العالية، كالبرمجة وتكنولوجيا الاتصالات والمعدات الدقيقة. 

تتجاوز قيمة النقطة السابقة التجارة الخارجية إلى الاستراتيجية الاقتصادية العليا. ونجدها في مُفارقة عجز الميزان السلعي، أي منتجات متوسطة أو أقل قيمة، ربطًا بتدني الكثافة التكنولوجية المستخدمة بها والقيمة المضافة لها، مقابل فائض الميزان بالخدمات كثيفة المهارة والقيمة؛ حيث صارت إسرائيل تُصدِّر أكثر مما تستورد منها. محل المفارَقة أن ثمَّة عجزًا حيث تتدنَّى التكنولوجيا، وفائضًا حين تتكثَّف هذه وتفيض، فكيف لمن يُنتج الأكثر تطورًا، لا يُوفِّر حاجته من الأقل تطورًا، كما قد يسأل البعض؟ لا مُفارقة، بل فعلت إسرائيل ما فعله سواها، وهو يتخلى عن قطاعات تقليدية ذات مردود متدنٍّ، ويُعوِّضه باستيراد حاجته من مُنتجاتها، وتوجيه قوة عمله نحو قطاعات وفروع اقتصادية كثيفة المهارة والقابلية للتصدير والمردود العالي، فيُحقِّق بذلك فائدة مُضاعَفة. 

نُضيف هنا أيضًا أن فائض الميزان التجاري الإسرائيلي تراكمي. فعلى سبيل المثال، بلغ الفائض منه خلال 2010- 2015 ما مجموعه (28) مليارًا، و(425) مليون دولار، على ما استخرجنا من المُعطيات التي وفَّرها جدول رقم (16/1)، ص (1)، من كتاب الإحصاءات الإسرائيلية عام 2015. وعليه، يُصبح مفهومًا تحسُّن سعر صرف الشيكل مقابل الدولار كما بيَّنا، وزيادة موجودات إسرائيل بالدولار التي ارتفعت من (70,4) مليار دولار سنة 2000، إلى (260,7) مليار دولار سنة 2010، إلى (353,4) مليار دولار سنة 2015. 

توزع ارتفاع الأصول الإسرائيلية بالدولار خلال 2000- 2015، بــ(283) مليار دولار كالتالي: (أ) موجودات داخِل إسرائيل نفسها، سواء كاحتياط في البنك المركزي، أو مصادِر أخرى. وقد زادت هذه من (62,3) مليار دولار، إلى (207,7) مليارات دولار، أي بفارِق (145,4) مليار دولار. (ب) استثمارات إسرائيلية بالخارج، وقد ارتفعت من (8,1) مليارات، إلى (145,7) مليار دولار، أي بفارق (137,6) مليار دولار. 

إضافة إلى دلالات ضخامة الزيادة المـُحقَّقة بموجودات إسرائيل بالدولار داخل إسرائيل وخارجها خلال عقد ونصف؛ 2000- 2015، تقول الأرقام السابقة: إن ثمَّة تبدُّلًا داخليًّا هائلًا نجده في: (1) ارتفاع إجمالي موجودات إسرائيل بالدولار خلال الفترة المذكورة بنِسبة (502%). (2) زادت الموجودات بالدولار داخل إسرائيل بنِسبة (333%). (3) ارتفعت استثمارات إسرائيل في الخارج بنِسبة (1797%)، أي (18) ضِعفًا؛ إذ زادت من (8,1) مليارات دولار سنة 2000، إلى (145,7) مليار دولار في سنة 2015، بالأسعار الجارية. 

11. إسرائيل في قلب العولمة شريكًا رابحًا فاعلًا وليس مفعولًا به 

بلغت نِسبة استثمارات إسرائيل بالخارج (11,5%) من إجمالي موجوداتها بالدولار سنة 2000، ثم ارتفعت إلى (41,2%) سنة 2015. وعلى ذلك حقَّقت زيادتين: (أ) كَميَّة؛ تتمثَّل بالارتفاع الهائل في حجم موجودات إسرائيل بالدولار، إذ تضاعَف بحوالي خمس مرات خلال فترة وجيزة نسبيًّا؛ 2000- 2015، كما أسلفنا. (ب) نوعيَّة؛ نجدها في مُضاعَفة حجم الاستثمارات الإسرائيلية بالخارج (18) مرة، ما رَفَع حصتها إلى (41,2%) من إجمالي موجودات إسرائيل بالدولار، أي أربعة أضعاف حصتها سنة 2000 تقريبًا. 

ماذا يعني ما سَبَق؟ وكيف نستنتج الـمُفيد والاستراتيجي في غابة الأرقام والنِّسب هذه؟ الجواب بالتفاوت بين تطوُّر موجودات إسرائيل بالدولار في 2000- 2015، وقد تضاعَفت خمس مرات، وبين زيادة استثماراتها بالخارج، الذي تضاعَف (18) مرة؛ ما يعني بوضوح قاطِع أن حِصة مُتزايدة من دولارات إسرائيل تُوظف بالخارج. 

من الطبيعي أن ينعكس هذا على نصيب الداخل من موجودات إسرائيل بالدولار، التي تضاعَفت (3,3) مرات فقط، إذ زادت خلال نفس الفترة من (62,3) إلى (207,7) مليارات، منها (90,5) مليارًا احتياطي بالبنك المركزي، أي (3,9) مرات ضِعف ما كان عليه عام 2000 حين كان يبلغ 23,2 مليار دولار فقط. 

الاستراتيجي هنا، أن إجمالي موجودات إسرائيل بالدولار تضاعَف (5) مرات، في حين تضاعَفت (18) مرة استثماراتها بالخارج، أي (3,6) مرات ضِعف وتيرة نمو إجمالي موجوداتها بالدولار. يعني هذا أن إسرائيل تستثمر بالخارج نِسبًا مُتزايدة بتمادٍ من موجوداتها بالدولار، وقد أشرنا له آنفًا، وسنترجمه إلى أرقامٍ فيما يلي. 

بلغت موجودات إسرائيل بالدولار عام 2015 (353,4) مليار دولار مُقابِل (70,4) مليارًا عام 2000، أي بزيادة (283) مليارًا، توزَّعت كالتالي: (أ) (145,4) مليار دولار بقيت داخل إسرائيل، وهي الفارِق بين حجمها عام 2015 البالغ (207,7) مليارات دولار، مُقابِل (62,3) مليار دولار سنة 2010. (ب) (137,6) مليار دولار استثمارات بالخارج، وهي الفارِق بين حجمها عام 2015 البالغ (145,7) مليارًا، مُقابِل (8,1) ملايين دولار عام 2000، حسب المصدر المذكور، جدول رقم (15/2)، ص (2). 

إذًا، وظَّفَت إسرائيل بالخارج (48,6%) من زيادة موجوداتها بالدولار خلال 2000- 2015. للمـُقارَنة بلغت النِّسبة (44,2%) خلال 2000- 2010، و(57,5%) في 2010- 2015. وعليه فإن نِسبة إجمالية تبلغ (48,6%) لكامل فترة 2000- 2015 هي حصيلة مُتوسِّط أدنى (44,2%) ويخُصُّ الفترة المـُبكرة: 2000- 2010، ومُتوسِّط أعلى يبلغ (57,7%) ويخُص الأعوام المـُتأخِّرة: 2010- 2015. 

يُظهِر ما سبق: (أ) تزايد اندماج إسرائيل في السوق الدولية وتصديرها لرأس المال النقدي. (ب) تَسارع وتيرة الاندماج تبعًا لتقدُّم الفترات. (ج) دخول إسرائيل طور التشبُّع الترسملي داخليًّا، بمعنى أن التوجُّه لخارجٍ ليس على حساب داخل، لا يشكو من نقص الاستثمار، بدليل فائض نمو الناتج المحلي ورصيد التجارة الخارجية، كما بيَّنَّا. 

12. الأثر الاستراتيجي للمُنجز الاقتصادي 

تزداد إسرائيل عَوْلَمة، بدليل ما تقدَّم من مُنجزات في الاستثمار الخارجي وفائض الميزان التجاري، كما أن حجم تجارتها الخارجية البالغة عام 2015، استيرادًا وتصديرًا، ما مجموعه (175) مليار دولار، يعادل (52,2%) من حجم الناتج الإسرائيلي، والبالغ في العام المذكور (335,3) مليار دولار، بالأسعار الجارية. 

ما سبق من مُعطيات يعني أن ثمة (52) دولارًا ويزيد، من أصل كل مئة دولار، تُنتَج في إسرائيل، هي على علاقة ما بالخارج؛ تصديرًا أو استيرادًا. بقي علينا تنبيه القارئ إلى أننا استخدمنا مُضطرين الأسعار الجارية فيما يخصُّ الناتج المحلي 2015، وليس الأسعار الثابتة، كما فعلنا سابقًا؛ لأن البيانات المـُتوفِّرة حول التجارة الخارجية الإسرائيلية، هي فقط بالأسعار الجارية، على ما يظهر في كتاب الإحصاءات الإسرائيلية 2015، جدول رقم (14/2)، ص (3) بالنِّسبة إلى الناتج المحلي، وجدول رقم (16/1)، ص (1) بالنِّسبة إلى حجم التجارة الخارجية. 

حصيلة الحصائل السابقة، والسياسي الاستراتيجي فيها، أن عولمة الاقتصاد الإسرائيلي التي بلغت ذروة جديدة خلال العقد الأخير، تتم من موقع الشريك المـُستفيد، بدليل ما توفر لها من فائض على كل مستوى، ونجده بنمو غير مسبوق في حجم موجودات إسرائيل بالدولار، وَصَلت معه درجة التشبُّع الاستهلاكي والترسملي. نُوجز ما سبق بمؤشِّر تفوُّق نمو الناتج المحلي عن نمو السكان، ما أفضى إلى توفير موارد محلية لتحسين مستوى المعيشة وصولًا إلى الرفاهية، كما لحجم التكوين الرأسمالي، أي التراكم الاستثماري الذي فاض عن الداخل للخارج. 

لعلَّ هذا البحث المـُكثَّف والمـُجهِد وفَّر جوابًا على سؤال: ماذا حقَّقت إسرائيل اقتصاديًّا خلال فترة انشغال العرب بانفجاراتهم، التي بدأت ربيعًا واعِدًا أُرِيد له أن يتحوَّل خريفًا قاسيًا ودمويًّا لمن يُحاوِل ربيعًا؟ يُمكن لمن شاء القياس واستنتاج أن ثمَّة مُنجزات أُخرى، من الطبيعي أن تُرافق ما سبق ذكره، إنْ كمُقدِّمات له، مثل كثافة ما يُخصَّص للعلم والبحث العِلمي من الموارد كشرط تأسيسي للصناعات كثيفة المهارة إنتاجًا وتصديرًا، أو أثر زيادة الإنتاجية والناتج المحلي على مستوى المعيشة، وصولًا لمجتمع الرفاهية، وتجديد وتوسيع البنى الاقتصادية والاجتماعية. 

يمكن الاستنتاج أيضًا أن المتلازمات المشار لها لا تتوقَّف. وحُسن أداء الاقتصاد الإسرائيلي داخليًّا، يُمكن بناء عليه قياس حضوره خارجيًّا، ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، بل السياسة أيضًا. وعبثًا نحاول فهم التمدُّد السياسي لإسرائيل في آسيا وإفريقيا، أي خارج مناطق نفوذها التقليدي بأميركا وأوروبا بمعزلٍ عن قوتها الاقتصادية. 

خاتمة 

وجب في الختام، تأكيد أن إسرائيل لم تُحقِّق ما حقَّقت بسبب ربيع عربي وَقَع نهاية 2010، كما يحلو للبعض تذريع الأمور، بل حصيلة بُنًى تم تركيزها لَبِنة لبِنة منذ قرن ويزيد. لا يؤذي إلا الفلسطينيين والعرب من يُروِّج وَهْم انتظار إسرائيل انشغال العرب بوضعهم الذاتي كي تُنجز ما أنجزت. 

بالمـُقابِل، إن البركان العربي لم ينفجر لأنَّ عاملًا خارجيًّا ضَغط على زناد التفجير، بل لأن شروط الانفجار الداخلية استُوفيت. أما أن يستفيد مِن ذلك مَن هَبَّ ودَبَّ من غير العرب، فتلك مسؤولية الاستبداد والجهل اللذيْن جَعَلا الداخل العربي هشيمًا جاهِزًا ليُصبح حريقًا مع أول شرارة، وعلى الهشاشة التي مكَّنت العامِل الخارجي من العَبَث، ما شاء له العَبَث. وعلى ما يحدث عادة ثمَّة حصيلة جانبية، غير مُستهدفة بالأصل، هي ضرورة التمعُّن بما صنعته إسرائيل لنفسها؛ علَّه يؤخذ مِقياسًا لقراءة حالنا بما هي حصيلة بؤسِ أداءٍ جعل وسيجعل الانفجار العربي حتميَّةً تاريخيَّةً.

___________________________

 د. حسين أبو النمل- كاتب واقتصادي فلسطيني

مراجع
  • الكتاب السنوي للإحصاءات الإسرائيلية (2015).
  • جريدة "الأيام" الفلسطينية، بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2017.