نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية وتحولات الممارسة السياسية وإشكالاتها

تتناول هذه الورقة مآلات الوضع السياسي في العراق بعد انقضاء شهر ونصف على إجراء انتخابات برلمانية شهدت عمليات تزوير وخروقات واسعة النطاق، وتسببت بمزيد من الانقسام السياسي، دون أن يتضح الموعد النهائي الذي يمكن أن يشهد إعلان النتائج النهائية.
85347233634f4e859f45b378d97b2d8c_18.jpg
العبادي والصدر في النجف.. آخر صورة للتحالفات غير الثابتة (رويترز)
رغم أن شهرًا ونصفًا مَضَيا على إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق، إلا أن مصير النتائج لم يُحسَم بعد برغم إعلانها بشكل مبكر نسبيًّا؛ حيث تأكد حدوث عمليات تزوير ضخمة، وفشل أجهزة العد والفرز الإلكتروني التي استُخدمت لأول مرة، مما تسبب في أزمة سياسية ما زالت قائمة، زاد منها صراع الأجندات الحزبية، وغياب الأغلبية الحاسمة، وطغيان الائتلافات المتحولة والمتقلبة، بل وحتى الأحداث المريبة التي أكدت وجود قوى تريد الفوز بأي ثمن، مثل حريق مخزن صناديق الاقتراع في بغداد/الرصافة، وتحطم الأجهزة الإلكترونية ومقتل أحد العاملين في بغداد أيضًا، فضلًا عن الاعتداء المسلح على منزل موظف في مفوضية الانتخابات وقتل أفراد عائلته في محافظة ديالى (شمال شرق).

وكانت انتخابات مجلس النواب العراقي قد جرت في 12 مايو/أيار 2018 بمشاركة 87 حزبًا وائتلافًا (23 ائتلافًا، و45 حزبًا، و19 قائمة فردية)، تنافس فيها 6990 مرشحًا (4979 ذكرًا، 2011 أنثى) للتنافس على 329 مقعدًا (320 مقعدًا عامًّا، 9 للأقليات)(1)

وبلغ عدد الناخبين الذين يمتلكون حق التصويت 24.349.357 منهم 10 ملايين و807 آلاف و248 ناخبًا مسجلًا بايومتريًّا بما نسبته 44%. فيما بلغ عدد مراكز الاقتراع 8959 مركزًا ضمت 55232 محطة اقتراع. بينما شارك 133415 مراقبًا محليًّا فضلًا عن (963) مراقبًا دوليًّا(2). وتميزت هذه الانتخابات بضعف الإقبال وقلة نسبة المشاركين التي بلغت حسب الإحصاءات الرسمية أقل من 45%، وهي النسبة الأقل على الإطلاق منذ إجراء أول انتخابات عامة في عام 2005، رغم أن قوى وشخصيات سياسية عراقية أكدت أن نسبة المشاركة الحقيقية لم تتعدَّ 20%.

أولًا: البيئة الانتخابية
أهم ما اتسمت به انتخابات مجلس النواب العراقي (2018) هي غياب الائتلافات الكبيرة التي كانت تُبنى عادة على أساس الهويات المكوناتية العِرقية أو الطائفية أو الدينية؛ إذ لم يعد بالإمكان الحديث عن كتلة شيعية صلدة أو ائتلاف انتخابي سُنِّي كبير أو كيان كردي واسع. فالقوى السياسية الشيعية انقسمت إلى خمس (النصر، وائتلاف دولة القانون، وسائرون، والفتح، والحكمة)، والعرب السنة إلى (القرار العراقي، والوطنية -أغلبية سنية برئاسة إياد علاوي-، وكتلة الحل -فضَّلت النزول في قوائم عدة تحت أسماء مختلفة-، وائتلاف التضامن، وقوائم محلية)، فضلًا عن توزيعات أخرى في قوائم شيعية أو مدنية، والكرد إلى (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني، والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، وحركة التغيير "كوران"، والجماعة الإسلامية، إضافة إلى حركة الجيل الجديد والاتحاد الإسلامي علمًا بأن أحزاب (التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، والتغيير، والجماعة الإسلامية) قد دخلوا في (المناطق المتنازع عليها) في ائتلاف وطن (ليستي- نيشتمان).

 الشكل رقم (1) يوضح عدد التحالفات والأحزاب والقوائم الفردية المشاركة في الانتخابات

وتنافس كل هؤلاء مع قوى سياسية أخرى ذات تنوع ما بين المدني والإسلامي أو ذات طابع محلي، وكانت فرصها صعبة منذ البداية أمام التحالفات الرئيسة، ولم تتمكن إلا من تحقيق اختراقات محدودة حصلت فيها على بعض المقاعد.

ثانيًا: قراءة في نتائج الانتخابات
أسفرت نتائج الانتخابات، كما أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عن فوز ائتلاف "سائرون" بالمركز الأول وبواقع 54 مقعدًا ويليه ائتلاف الفتح بـ47 مقعدًا، ثم ائتلاف النصر ثالثًا بـ42 مقعدًا، فيما حصل ائتلاف رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، على 26 مقعدًا، فالحزب الديمقراطي الكردستاني 25 مقعدًا، وائتلاف الوطنية 21 مقعدًا، ثم ائتلاف الحكمة 19 مقعدًا، فالاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعدًا، وائتلاف القرار العراقي 16 مقعدًا، وكتلة "الحل" التي دخلت بقوائم متعددة في ست محافظات 14 مقعدًا، وحركة التغيير الكردية 5 مقاعد، وتوزعت بقية المقاعد بين أحزاب صغيرة وقوى محلية 32 مقعدًا، فضلًا عن الكوتة التي خُصصت للأقليات 9 مقاعد(3).

الشكل رقم (2) يبين توزيع المقاعد على الائتلافات والأحزاب الفائزة
(طبقًا للنتائج التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)

ليس من قبيل المبالغة القول: إن ثمة تحولات مهمة طرأت في هذه الانتخابات لعل من أهمها توزع المقاعد أفقيًّا ما بين القوى السياسية، وهي حالة لم نكن نألفها سابقًا في المشهد الانتخابي العراقي؛ إذ إن أعلى قائمة وهي "سائرون" حصلت على 54 مقعدًا فقط، وهو ما يعادل 16.4% فقط من مجموع المقاعد، وشمل ذلك الأفراد داخل القوائم؛ إذ لم تحصل القيادات السياسية التقليدية على أرقام كبيرة كما في الانتخابات السابقة، وتصدَّر رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، قائمة الأعلى حصولًا على الأصوات على المستوى الوطني بـ102 ألف صوت في حين حصل عام 2014 722 ألف صوت و650 ألف صوت في انتخابات 2010(4).

التحول الآخر الذي يمكن ملاحظته، هو المقاطعة الكبيرة للانتخابات؛ إذ بلغت نسبة المشاركة كما أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات 44.52% وهي أدنى مشاركة مسجلة منذ عام 2005(5)، ويذهب كثير من الآراء لباحثين ومهتمين بالشأن العراقي ومنظمات المجتمع المدني، بل وشخصيات سياسية رسمية مثل نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي، إلى أن هذه النسبة سياسية وغير حقيقية، وأن نسبة المشاركة أقل بكثير ولا تتعدى 20%. واعتُبرت هذه المقاطعة نوعًا من الاحتجاج السياسي ورغبة من الجمهور العراقي بمختلف تنوعاته في إرسال رسالة واضحة مفادها أن لا ثقة بالصندوق الانتخابي وقدرته على التغيير ورفض لسوء إدارة الطبقة السياسية وفسادها.

ومن التحولات الأخرى في هذه الانتخابات، أننا نلاحظ اختراقًا من قوائم "شيعية" ولأول مرة للساحة السُّنية التقليدية، وإن كان من خلال شخصيات سُنية؛ إذ تصدرت قائمة النصر النتائج في محافظة نينوى وحصلت هناك على 7 مقاعد وترأسها في المحافظة وزير الدفاع السابق، خالد العبيدي، متفوقة بذلك على قائمة القرار العراقي التي نالت 3 مقاعد فقط هناك، رغم أن الموصل تعتبر المعقل التقليدي لرئيس القائمة، أسامة النجيفي.

أيضًا هنالك سابقة حدثت لأول مرة تتمثل بفوز شخصيتين كرديتين على قوائم عربية في بغداد، الأولى هي آلاء الطالباني، على قائمة تحالف بغداد (قائمة عربية سنية)، والثانية هي فوز آزاد حميد، من خلال كتلة سائرون (قائمة عربية شيعية). في المقابل، فاز مرشحان عربيان عن قائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى، وهما: طعمة عبد الله حنضل، وصباح خضر حسين. يضاف إلى ذلك فوز مرشح ومرشحة من المكون العربي الشيعي في قوائم سنية، الأول: يونس شغاتي عن قائمة تحالف بغداد التي يرأسها محمود المشهداني، والثانية: منار عبد المطلب عن قائمة ائتلاف قلعة الجماهير في صلاح الدين التي يرأسها محافظ صلاح الدين، أحمد الجبوري.

أما بالنسبة إلى النتائج على صعيد الائتلافات، فلا يزال يتصدر المشهد الانتخابي من يستند إلى مكونات طائفية، بالرغم من غياب واضح للصراع الطائفي والعرقي في الحملات الانتخابية ولأول مرة منذ بدء العملية الانتخابية بعد احتلال العراق عام 2003؛ فعلى المستوى الشيعي تصدرت أربع قوائم شيعية رئيسة بنتائجها على المستوى الوطني، وهي على التوالي: (سائرون، الفتح، النصر، دولة القانون) فيما احتل تيار الحكمة المرتبة السابعة على المستوى الوطني. وسجل تصدُّر ائتلاف سائرون الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، نتائج الانتخابات، وهو ائتلاف مكون بصفة رئيسة من (التيار الصدري، والحزب الشيوعي، ومدنيين) مفاجأة كبيرة، وعُزي سبب هذا التقدم إلى القدرة العالية للتيار الصدري على حشد مناصريه ودفعهم للخروج إلى الانتخابات مقابل عزوف جماهيري عام، مع عدم امتلاك المنافسين له -لاسيما وسط الكتلة الشيعية- لهذه القدرة مما مكنه من تحقيق هذه المفاجأة، فضلًا عن تحالفه مع المدنيين والحزب الشيوعي، الذي أضاف إليه كتل تصويت جديدة لم تكن تُحسب عليه سابقًا.

وكانت المفاجأة الثانية فوز ائتلاف الفتح بالمرتبة الثانية عراقيًّا وشيعيًّا، وهو ائتلاف مكون من ميليشيات وفصائل الحشد الشعبي برئاسة هادي العامري، الذي دخل الانتخابات كزعيم لقوة سياسية جديدة بدأت تنافس القوى السياسية الشيعية التقليدية، ويعود فوزها لعوامل عدة، منها: تراجع أدوار الشخصيات والقوى الشيعية التقليدية، واستثمار شعار مقاتلة تنظيم الدولة، والدعم الإيراني القوي، وتوظيف قوة السلاح في بعض المناطق من أجل الدفع باتجاه التصويت لها.

أما ائتلاف النصر، وهو ائتلاف يقوده رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ومكون من حزب الدعوة (الجناح المؤيد له، وأحزاب سياسية صغيرة شيعية وسنية ومن قوى مدنية)، فإن احتلاله المرتبة الثالثة شكَّل خسارة لطموحات العبادي شخصيًّا وللقوى المؤيدة له، فكثير من الترجيحات كانت تميل إلى تصدره النتائج بفوارق كبيرة، ويبدو أن غياب استراتيجية انتخابية واضحة، والارتباك الذي ساد عملية تشكيل ائتلاف النصر، كان من بين أبرز أسباب فشله في الحصول على نتائج متقدمة، فضلًا عن فشله في استثمار طرد تنظيم الدولة، وما وفره له من تأييد داخلي وخارجي، ناهيك عن عدم قيامه بتشكيل كتلة حقيقية عابرة للطوائف.

أما ائتلاف دولة القانون، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وهو مكون من حزب الدعوة (الجناح المؤيد له، فضلًا عن أعضاء في دولة القانون من خارج حزب الدعوة، بالإضافة إلى بعض القوى السياسية الشيعية الصغيرة)؛ فقد كانت النتيجة متوقعة وفقًا لاستطلاعات الرأي وعبَّرت عن عدم ثقة الشارع الشيعي أو العراقي بهذا الائتلاف بعد تجربة حكم فاشلة امتدت لثماني سنوات.

في حين جاءت نتائج تيار الحكمة برئاسة رجل الدين، عمار الحكيم، متوافقة مع التوقعات أيضًا، والأصوات التي حصل عليها هي تقريبًا نفس الأصوات التي كانت تصوِّت، تقليديًّا للمجلس الأعلى على مدار سنوات مضت والذي انشق عنه تيار الحكمة. فيما توزعت بقية المقاعد الشيعية على أحزاب صغيرة أو ائتلافات محلية.

أما على صعيد المكون العربي السُّني، فقد احتلت قائمة ائتلاف القرار العراقي برئاسة أسامة النجيفي المرتبة الأولى سنيًّا والتاسعة عراقيًّا بحصولها على 16 مقعدًا (وهو ائتلاف مكون من حزب متحدون وحزب المشروع العربي برئاسة خميس الخنجر)، يليها حزب الحل برئاسة جمال الكربولي والذي دخل بأكثر من قائمة في عدة محافظات "في الأنبار (الأنبار هويتنا)، وفي بغداد (تحالف بغداد)، وفي نينوى (نينوى هويتنا)، وفي صلاح الدين (صلاح الدين هويتنا)، وحصل على 14 مقعدًا.

وتوزعت بقية المقاعد السنية بين ائتلاف الوطنية (17 سنيًّا من أصل 21)، وائتلافات أو أحزاب صغيرة أو محلية مثل (عابرون، بيارق الخير، حزب الجماهير الوطني، ائتلاف قلعة الجماهير الوطنية)، فضلًا عن العرب السنة الذين تمت الإشارة إليهم في قائمة النصر أو في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

ولا شك في أن الظروف غير الطبيعية التي عانى منها المجتمع السُّنِّي طوال أكثر من عقد ونصف من الزمن وسياسات التهميش والإبعاد السياسي وظهور تنظيم الدولة في المحافظات السنية، والعمليات العسكرية لطرده التي تسببت بنزوح الملايين من سكان هذه المحافظات وتدمير كبرى مدنها وبناها التحتية، مثلت عوامل ضاغطة على الطبقة السياسية  السنية وحدَّت من نطاق فاعليتها، وعزوف الجمهور السني (مثل نظيره الشيعي) بشكل عام عن المشاركة الفاعلة في الانتخابات بعد فقدانه الثقة في العملية السياسية، وفي الطبقة السياسية الممثلة له، برغم مشاركة قوى جديدة في الانتخابات كانت تقاطع العملية السياسية سابقًا.

أما على صعيد الكرد، فقد جاء ترتيب الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمرتبة الخامسة وطنيًّا والأولى كرديًّا بحصوله على 25 مقعدًا (19 في الإقليم و6 في نينوى من بينهم 2 من العرب السنة). في حين جاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في المرتبة الثامنة عراقيًّا والثانية كرديًّا بحصوله على 18 مقعدًا (10 في الإقليم فضلًا عن 6 في كركوك و(1) في نينوى وآخر في ديالى)، فيما حصلت حركة التغيير على 5 مقاعد، والجيل الجديد 4 مقاعد، والاتحاد الإسلامي مقعدين (2)، والجماعة الإسلامية أيضًا مقعدين (2)، والتحالف من أجل الديمقراطية كذلك مقعدين (2).

وقد دخل الأكراد الانتخابات وهم منقسمون على نحو غير مسبوق تأثرًا بتداعيات الاستفتاء والخلافات البينية حول قضايا عدة منها أحداث كركوك وتقاسم السلطات والثروة والنفوذ.

أما الأحزاب المدنية فلم تحقق أي اختراقات مهمة، برغم ما أوحت به البيئة الوطنية من انحياز لهذه الأحزاب كبديل للقوى السياسية التقليدية في الفترة التي سبقت الانتخابات، ومعظمها حصل على أرقام تتراوح بين (1 إلى 2) مقعد.

ثالثًا: التوزيع الرقمي الكلي من حيث المكونات
جرى التوزيع الطائفي والإثني للمرشحين الفائزين على النحو الآتي: العرب الشيعة 187 مقعدًا، والعرب السنة 70 مقعدًا، والأكراد 58 مقعدًا، والتركمان 4 مقاعد، والأقليات 9 مقاعد. وهذه النسب تقريبًا هي نفس توزيع مقاعد البرلمان السابقة، مع خسارة الكرد لـ5 مقاعد. في حين حافظ العرب السنة على نفس الرقم، في حين زاد عدد العرب الشيعة (4) مقاعد.

الشكل رقم (3) يوضح التوزيع الطائفي والإثني للمرشحين الفائزين
(طبقًا للنتائج التي أعلنتها المفوضية)

رابعًا: الاعتراض على نتائج الانتخابات وآلية العدِّ والفرز الإلكتروني
سبق موعد الانتخابات اعتراضات من باحثين ومهتمين بالشأن الانتخابي العراقي على اعتماد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات آلية العد والفرز الإلكتروني وتسريع النتائج بسبب تساؤلات عدة من بينها عدم رصانة هذه الأجهزة ومدى اختصاص الشركة المجهزة واحتمالية اختراق منظومة الانتخابات وفشلها في إنجاز ما ينتظر منها، فضلًا عن عدم توفير شركة فاحصة عالمية من أجل فحص هذه المنظومة وتقديم شهادة بذلك(6).

ومع بدء العملية الانتخابية برزت عدة اعتراضات على أداء هذه الأجهزة سواء في التصويت العام أو الخاص، كما وُجِّهت اتهامات عدة بالتلاعب في تصويت الخارج والنازحين والحركة السكانية في المحافظات السنية إضافة إلى كركوك، في حين اعترضت أحزاب كردية (التغيير، الجماعة الإسلامية، التحالف من أجل الديمقراطية) على أحزاب كردية أخرى منافسة لها (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني) بدعوى التلاعب بالأجهزة سواء في الإقليم أو في كركوك (الاتحاد الوطني تحديدًا)(7).

وزاد الأمر اضطرابًا مع تأخر المفوضية في إعلان النتائج لمدة قاربت 8 أيام بعد أن تعهدت قبل الانتخابات بأنها ستعلنها خلال ساعات، ومع إعلان النتائج، ازدادت الاعتراضات حدة من شخصيات وأحزاب خاسرة ادَّعت تعرض أصواتها للتلاعب وانضم إليها أصوات أخرى من فائزين وازدادت زخمًا مع تشكيل لجنة مشتركة من قبل مجلس رئاسة الوزراء، وجهاز المخابرات، والأمن الوطني، والمدعي العام للتحقق من الاختراقات والشكاوى، ونُشرت وثيقة من الأمم المتحدة تحذِّر قبل إجراء الانتخابات من مخاطر جمة نتيجة ظهور عيوب في المنظومة الانتخابية(8).

وعقد البرلمان جلسة استثنائية، وأصدر تعديلًا لقانون الانتخابات، تضمن إلزام المفوضية بإلغاء العمل بأجهزة تسريع النتائج الإلكترونية واعتماد النتائج على أساس العد والفرز اليدوي لجميع المحافظات. كما ألغى التعديل، تصويت الخارج، فيما عدا ما يتعلق بالكوتة، فضلًا عن نتائج ما يسمى بالحركة السكانية في المحافظات ذات الأغلبية السنية (الأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، وديالى) وانتخابات النازحين في المخيمات وانتخابات التصويت المشروط، وانتخابات التصويت الخاص في إقليم كردستان. كما جمَّد التعديل عمل مجلس المفوضين وطلب من مجلس القضاء الأعلى إدارة مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أن يتم العمل بهذا القانون من تاريخ التصويت عليه(9).

وقد تعاملت القوى السياسية والرسمية مع قرار البرلمان حسب النتائج التي حصلت عليها، فالمستفيدون من النتائج، اعترضوا على القرار وطعنوا به، والخاسرون، رحبوا به واعتبروه منجزًا وطنيًّا، وفي النهاية قررت المحكمة الاتحادية وهي صاحبة القول الفصل في الخلاف الموافقة على قرار البرلمان مع تعديلات في مضمونه، ووازنت هذه التعديلات بين المعترضين والمؤيدين، فظهر أن كلًّا من الطرفين حقق بعضًا من مطالبه، لكن الأهم كان إقرار إعادة فرز النتائج يدويًّا(10).

وبعد تجميد عمل المسؤولين في مفوضية الانتخابات، تولى قضاة هذه المهمة، وقرروا أن يكون الفرز اليدوي جزئيًّا، ويشمل الصناديق المقدمة بحقها الشكاوى فقط أو التي ورد بشأنها تقارير رسمية من دون أن يبينوا ما هي التقارير الرسمية ومن أية جهة صادرة، وإن كان أغلب الظن أنها تشير إلى تقرير اللجنة المشتركة المشكَّلة من مجلس الوزراء، كما يمكن أن نضيف إليها تقرير اللجنة البرلمانية(11).

 خامسًا: السيناريوهات المتوقعة
1. السيناريو الأول: يتلخص في أن تسفر إعادة العد والفرز اليدوي جزئيًّا عن تغير طفيف في النتائج، وتحافظ الائتلافات والأحزاب السياسية على الأوزان الانتخابية التي حصلت عليها.

 2. السيناريو الثاني: يتمثل في أن تسفر إعادة العد والفرز الجزئي عن تغير كبير في الخارطة السنية والكردية باعتبار أن معظم الصناديق المشكوك بدقة نتائجها أو التي وردت في التقارير الرسمية تخص الساحة الانتخابية في مناطق الأغلبية السنية والكردية مع بقاء خارطة الفائزين للعرب الشيعة.

 3. السيناريو الثالث: يتمثل في إعادة العد والفرز الجزئي لكنه سيأخذ مساحة أكبر إذا تم الأخذ بالتفسير الموسع للشكاوى أو التقارير الرسمية مما يسفر عن تغيير في الخارطة الكلية للفائزين.

سادسًا: مستقبل التحالفات
حال إعلان نتائج الانتخابات، بدأ زعيم ائتلاف "سائرون"، مقتدى الصدر، باستقبال قادة الائتلافات المتعددة لبحث إمكانية تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان من أجل تشكيل الحكومة طبقًا لتفسير المحكمة الاتحادية في عام 2010، فضلًا عن استخدامه التغريدات عبر تويتر بقصد إرسال رسائل سياسية إلى الداخل والخارج(12).

وعلى الرغم من أن كل الاتجاهات كانت تتوقع نشوء تحالف يضم سائرون والنصر وقوى أخرى شيعية وسنية وكردية، كما بيَّن مقتدى الصدر في إحدى تغريداته، مستبعدًا الفتح ودولة القانون، فإن الإعلان عن التحالف بين سائرون والفتح شكَّل مفاجأة وصدمة لدى الكثير من السياسيين والمهتمين بالشأن العراقي.

وذهبت تحليلات إلى أن هذا التحالف هو نتيجة ضغوط إيرانية قادها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني(13)، فيما ذهبت تحليلات أخرى إلى أن مقتدى الصدر استبق بمحاولة الاتفاق، بقيام رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، بالتحالف مع الفتح وتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان التي تتولى تشكيل الحكومة، في حين رأت أطراف أخرى أن هذا التحالف ليس إلا إعادة تشكيل التحالف الوطني الشيعي تحت اسم الفضاء الوطني.

ولم يلقَ هذا التحالف ترحيبًا كبيرًا من أطراف شيعية سواء داخل الفتح نفسه، أو من أحزاب شيعية أخرى رأت فيه تهديدًا لزعامتها الشيعية، لاسيما من قبل حزب الدعوة الذي سيطر على السلطة منذ العام 2005، ووجدت هذه القوى أن مركز القيادة وأسباب القوة ستتمركز في كتلتي سائرون والفتح، وهو ما يعرِّضها للتهميش، ولن يوفر التحاقها بهذا التحالف دورًا قياديًّا لها. بينما تحفظت معظم القوى السنية والكردية على هذا التحالف.

ومع الاضطراب الذي حصل نتيجة التشكيك بالانتخابات، شهدت المفاوضات بين الائتلافات والأحزاب المختلفة تراجعًا كبيرًا انتظارًا لما ستؤول إليه الاعتراضات وقرارات المحكمة الاتحادية وإجراءات العد والفرز اليدوي، ولم يقطع حالة الجمود هذه سوى زيارة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، للنجف ولقائه بمقتدى الصدر والإعلان عن تحالف تضمن ثماني نقاط رئيسة تتعلق بقيام تحالف عابر للطائفية، وبناء الدولة، وحكومة تكنوقراط، وحصر السلاح بيد الدولة...إلخ. بيد أن الواقع يقول: إن جميع هذه التحالفات ليست إلا تحالفات ذات صبغة طائفية ولم تصل بعد إلى حالة العبور من الهوية المكوناتية إلى الهوية الوطنية، وهذا أمر صعب المنال أمام نظام سياسي بُني في الأصل على أساس فكرة التوافق والمحاصصة.

سُنيًّا، لا زالت التحالفات متعثرة ولم تُفضِ المفاوضات بعد إلى تشكيل كتلة سنية كبيرة، رغم أن هناك محاولات جادة لتشكيل جسم سياسي سني من أجل الدخول بمفاوضات مع الأطراف الأخرى.

أما الأكراد، فهم عادة لا يأتون مبكرًا إلى التحالفات بل يحاولون الالتحاق كطرف أخير من أجل الحصول على أكبر قدر من المكتسبات، وهذه سياسة لن يُقدموا على تغييرها في الحالة الحالية. وعلى إطار مواز، هناك محاولات من أجل عقد تحالف ثلاثي بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني والاتحاد الاسلامي وهو تحالف يضم 44 مقعدًا، للتفاوض مع بقية الأطراف الشيعية والسنية.

ولا غرو من القول: إن التحالفات الحقيقية لن تبدأ فعلًا إلا بعد تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات. حينها يمكن التحدث عن تحالفات حقيقية، أما الآن فجميع التحالفات تجري على رمال متحركة يمكن أن تتغير في أية لحظة.

من جهة أخرى، ينبغي التأكيد على حقيقة مفادها، أن منصب رئيس الوزراء لا يتحدد وفقًا للحزب الفائز في الانتخابات، بل تحدده عوامل أخرى، وأهمها تجاوز فيتو ثلاثية: النجف-طهران- واشنطن.

وكلنا يتذكر أن فوز القائمة العراقية في انتخابات العام 2010، لم يؤد في النهاية إلى تشكيل الحكومة من قبل القائمة أو أن يرأس زعيمها آنذاك، إياد علاوي، الحكومة، بل إن الفيتو الإيراني والموافقة الأميركية، فرضت تكليف رئيس الوزراء، نوري المالكي، لولاية ثانية، كما لم يشفع للأخير فوز ائتلافه وحصوله هو شخصيًّا على 722 ألف صوت للتجديد له لولاية ثالثة، بسبب اعتراض من مرجعية النجف والفيتو الأميركي، وتم اختيار العبادي الذي لم يحصل في انتخابات 2014 إلا على خمسة آلاف صوت فقط، لكن التفاهم الثلاثي قاد في النتيجة الأخيرة إلى توليه هذا المنصب. وبمعنى آخر، فإن هوية رئيس الوزراء ستحددها توافقات داخلية وخارجية، قد تكون بعيدة عن الاستحقاق الانتخابي.

________________________________

باسل حسين، باحث ومحلل سياسي عراقي.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)    "إحصائية انتخابات مجلس النواب العراقي 2018"، www.ihec.iq، دون تاريخ، (تاريخ الدخول: 20 يونيو/حزيران 2018):

http://www.ihec.iq/ihecftp/2018/moraqeb/data.elic2018.pdf

(2)    المرجع السابق.
 

(3)    للمزيد حول جميع النتائج النهائية، انظر:

http://iheciraq.net/261585.xlsx

(4)    للنظر في نتائج 2010، انظر:

http://www.ihec.iq/content/file/result/names/Baghdad.pdf

وكذلك نتائج 2014:

http://www.ihec.iq/content/file/result/names/Baghdad.pdf

 
(5)     انظر: تصريح المفوضية حول نسبة المشاركة:

https://bit.ly/2tLrGO7    
 

(6)     انظر على سبيل المثال: مقالة نظير الكندوري، "انتخابات العراق: خلافات سياسية وتشكيك بسبب أجهزة العد والفرز الآلي"، نون بوست، 22 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 20 يونيو/حزيران 2018):  

https://www.noonpost.org/content/22997

(7)    على سبيل المثال، زار رئيس التحالف من أجل الديمقراطية، برهم صالح، بغداد، وقام بتقديم ما أسماه: أدلة تثبت أحقيتهم بالأصوات التي زُوِّرت لجهات أخرى إضافة إلى استحقاقات باقي الأطراف السياسية المتضررة داخل الإقليم من جرَّاء التزوير.

(8)    حيث قرر مجلس الوزراء إنشاء لجنة تحقيق مكونة من المخابرات، والأمن الوطني، وديوان الرقابة الوطنية، والادعاء العام، كما شكَّل لجنة تلقي الشكاوى من المواطنين المتعلقة بالعملية الانتخابية، للمزيد، انظر: موقع الأمانة العامة وقرارها، عبر الرابط:

http://www.cabinet.iq/ArticleShow.aspx?ID=8347

(9)     للمزيد، انظر التعديل الثالث كاملًا:

https://bit.ly/2Kqmg1X   

(10) انظر نص قرار المحكمة الاتحادية على موقعها الإلكتروني، عبر الرابط:

https://www.iraqfsc.iq/krarat/1/2018/99_fed_2018.pdf

(11) انظر: تصريح الناطق الرسمي لمجلس المفوضين المنتدب (من القضاة) حول قرار المحكمة الاتحادية:

https://bit.ly/2Mtmx4R

(12) انظر: تغريدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حول التحالفات:

https://twitter.com/Mu_AlSadr/status/996070961945423875

 (13) على سبيل المثال، انظر ما كتبته التايمز بشأن التحالف بين الصدر والعامري:

  https://www.thetimes.co.uk/article/iranian-ally-is-poised-to-join-iraqi-coalition-lfllf0cj8