التحالف السعودي الإماراتي: تصدع الركائز وضياع الجدوى

شكَّلت السعودية والإمارات حلفًا لفرض نفوذهما على الدول المجاورة لهما لكن ركائزه تصدعت سريعًا وتكاليفه فاقت جدواه.
28 نوفمبر 2018
212aca2577224ec28d4c04dfb2d82a77_18.jpg
تصدعات في التحالف السعودي الإماراتي (الأناضول)

زار محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، برفقة وفد مهم، والتقى الملك سلمان وعددًا كبيرًا من الأمراء السعوديين، ولم تصدر عنه أية تصريحات ما عدا نقله تحيات رئيس الإمارات، الشيخ خليفة بن زايد.

تدل الزيارة بخلاف ظاهرها على الصعوبات التي تواجه التحالف السعودي-الإماراتي، للأسباب التالية:
1- هي أول لقاء علني يجمع محمد بن زايد مع القيادة السعودية بعد مقتل خاشقجي بإسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكان المفترض، حسب مقتضيات التحالف التي دعا إليها وتعهد بها، أن يسارع إلى دعمها في مواجهة الأزمة الكبيرة التي تواجهها.

2- لم يلتق بمحمد بن سلمان علنًا، وإن راجت أنباء عن لقائه به سرًّا، بخلاف التقليد السابق الذي اعتاد عليه وهو ظهورهما معًا كقائدين لحلف جديد يتصدى لقيادة المنطقة، بذلك يرسِّخ الانطباع السائد، الذي بدا واضحًا في المقاطعة الواسعة لمنتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار"، بأن محمد بن سلمان لم يعد مؤهلًا لإدارة شؤون المملكة وبات شخصًا منبوذًا ينبغي تجنب الظهور معه لأنه متورط بشكل من الأشكال في الاغتيال البشع لخاشقجي.

يخرج ابن سلمان من هذه الزيارة أضعف لأن تجنُّب أقرب حليف له الظهور معه قد يقوِّي الاتجاه الدولي الحالي إلى رفض التعامل معه وإحكام العزلة عليه.

بروز هذه التشققات في العلاقة بين الحليفين في أول عقبة حقيقية تواجه صعود ابن سلمان إلى عرش المملكة يثير عدة أسئلة:
هل هي تشققات سطحية وظرفية أم إنها عميقة وستتسع؟
لماذا لم تمنع مقتضيات التعاون والتقارب حدوثها؟
هل هناك عوامل خلاف عميقة متوارية تحت السطح لكنها تطفو كلما واجه التحالف إخفاقًا فيسارع أحد أطرافه إلى التبرؤ منه؟
وختامًا، ما حدود هذا التحالف وآفاقه؟

طموحات القيادة

ترأَّس محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أول اجتماع لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي في بداية يونيو/حزيران 2018، وأعلنا عن استراتيجية مشتركة للتكامل بين البلدين، تتحقق بإنجاز 44 مشروعًا تنمويًّا وعسكريًّا، سمَّوها "استراتيجية العزم"(1).

الإعلان عن هذا التحالف هو بمنزلة محصلة اتفاقهما على مواجهة نفس الأخطار، وعدد من القرارات التي اتخذاها من قبل، وحصولهما على مباركة أميركية منحتهما الضوء الأخضر لإعادة ترتيب شؤون المنطقة حسب مصالحهما، واعتبارهما مجلس التعاون الخليجي بات قيدًا يعيقهما عن بلوغ أهدافهما، وتقتضي مصلحتهما الفكاك منه وتهميشه.

خلصت الدولتان إلى أن الثورات العربية تمثل خطرًا عليهما لأنها شجعت دعاة الإصلاح بالبلدين على المطالبة بأنظمة ملكية دستورية على شاكلة النظام الملكي البريطاني في الفصل بين السلطة الرمزية للملك والسلطة الفعلية لممثلي الشعب المنتخبين في الهيئات التنفيذية والتشريعية (2). شمل هجومهما القوى الثورية جميعًا وإن خصَّا القوى الإسلامية الإصلاحية في البلدان العربية بهجوم أشدَّ لأنها كانت بنظرهما، وحسب النتائج الانتخابية، الفائز الرئيسي في الانتخابات الديمقراطية سواء قبل الثورات العربية كما في حالة الجزائر والمغرب أم بعدها كما في تونس ومصر.

تمثِّل إيران أيضًا خطرًا مشتركًا لكليهما لأسباب قديمة وحديثة؛ الأسباب القديمة هي في التنافس السعودي التقليدي معها على مجالات النفوذ، والرفض الإماراتي لاستيلائها على الجزر الثلاث. أما الأسباب الحديثة، فنشأت مع الثورة الإسلامية الإيرانية التي أحدثت تحولين مهمين: الأول: أعطت مرشد الجمهورية دور القائد لجميع المسلمين والمتصدي للأنظمة الخليجية التي انحرفت –حسبه- عن الإسلام الصحيح وتحالفت مع " الشيطان الأكبر"، الولايات المتحدة. الثاني: بدَّلت نظرة الشيعة الخليجيين إلى أنفسهم من مستكينين لأوضاعهم إلى مقتنعين بقدرتهم على تغييرها إلى الأفضل ليس من خلال الثورة كما فعل نظراؤهم في إيران ولكن بإحياء هويتهم المذهبية واعتبارها رابطة إيجابية يفتخرون بالانتماء إليها ويلتفون حولها للمطالبة بحقوقهم. هذا ما يفسر أن كثيرًا من الشيعة الخليجيين تحولوا من الانتماء إلى الأيديولوجيات القومية والشيوعية التي استعانوا بها للحصول على المساواة في المواطنة لكنها أفلست بعد حرب 1967، إلى الهوية المذهبية، بعد نجاح الثورة الإيرانية، لأنها باتت علامة على النجاح تستحق التنويه والإبراز.

اتخذ البلدان في تصديهما لهذين الخطرين- حسبهما- ثلاثة قرارات رئيسية: انقلاب مصر، والحرب في اليمن، وحصار قطر.

شجعا عبد الفتاح السيسي على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، في 2013، ودعماه بمساعدات مالية واقتصادية، تُقدَّر بنحو 20 مليار دولار (3). نجح مسعاهما في إجهاض أكبر نجاح حققته الثورات العربية والإخوان المسلمون، ودشَّنا بذلك مرحلة الهجوم المضاد على قوى الثورة العربية والقوى الإقليمية الداعمة لها.

في 2015، شنَّت السعودية -بالتحالف مع الإمارات- حربًا في اليمن من أجل منع سيطرة الحوثيين عليه بالكامل في مرحلة أولى ثم انتزاع المناطق التي سيطروا عليها في مرحلة ثانية، وإزالة خطرهم من جوارها، وإعادة السلطة كاملة للرئيس عبده ربه منصور هادي. بررت حملتها بحماية مصالح اليمنيين واستجابة لاستغاثة الشرعية، والتصدي للحوثيين لأنهم تابعون، حسبها، لعدوها إيران وينفذون مخططاته في الإضرار بأمنها القومي ومصالحها.

في يونيو/حزيران 2017، ضربت السعودية والإمارات، مستعينتين بالبحرين ومصر في المقام الأول، حصارًا على قطر، دون سابق إنذار، مبرِّرتيْن قرارهما بحماية أمنهما وأمن المنطقة والعالم من تعاون الدوحة -حسب زعمهما- مع التنظيمات الإرهابية والإخوان المسلمين وإيران وإثارتها القلاقل والفوضى، ويقصدون تعامل الدوحة الإيجابي مع الثورات العربية. وقد شجعهما على هذه الخطوة حصولهما على مباركة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مستهل عهده لاعتقاده بأنهما قادران على ضمان مصالح بلاده في المنطقة دون أن يضطر إلى خوض عمليات عسكرية منهِكة أو تحمل أعباء مالية مكلفة.

بريق الفرصة

سمح عدد من التحولات بتنامي النفوذ الإقليمي للسعودية والإمارات: الإنهاك الذي أصاب القوة الأميركية وإعادة انتشارها، وانهيار مراكز القوى العربية التقليدية، وإخفاق الربيع العربي.

خاضت الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي ثلاث حروب بالمنطقة؛ حربان على العراق في 1990 و2003، انتهت الأولى بنجاح كبير دون خسائر تُذكر، أما الحرب الثانية فكانت مكلفة وإخفاقًا استراتيجيًّا هائلًا لأن الفائز الأكبر هو إيران التي جعلت العراق امتدادًا لأمنها القومي.

الحرب الثالثة كانت على أفغانستان في 2001، وكانت كذلك مكلفة وفشلًا ذريعًا لأنها لم تستطع القضاء الكامل على طالبان ولم تتمكن من إقامة نظام حكم حليف وقابل للبقاء دون إسنادها الدائم.

هناك مؤشران على هذا الإنهاك الذي أصاب القوة الأميركية في المنطقة، الأول: هو فوز المرشحين للرئاسيات الذين يتعهدون بإنهاء حروب بلادهم بمنطقة الشرق الأوسط وإعادة الجنود إلى موطنهم. وهنا، يتشابه أوباما وترامب. الثاني: هو تذمرهما من تحمل أميركا العبء الأكبر في ضمان أمن حلفائها بالمنطقة ومطالبتهما لهم ببذل المزيد، وخصَّا السعودية بالذكر. عبَّر عن ذلك أوباما في الأيام الأخيرة من ولايته (4) وترامب مرارًا وتكرارًا (5).

انهارت المراكز السابقة للنظام العربي، فصار العراق مستلب الإرادة لا يستطيع ضمان أمنه دون إسناد إيراني-أميركي، وسوريا يفصل في مستقبلها تركيا وروسيا وإيران، ومصر التي تقرر السعودية والإمارات موقفها من حصار قطر دون إشراكها، والجزائر التي لا تزال آثار الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي ومرض رئيسها يكبلان تحركاتها الخارجية.

فشل الثورات العربية قضى على تطلعات الإصلاحيين في العربية السعودية والإمارات لأنهم لم يعودوا قادرين على تسويق فكرة التغيير داخليًّا بعد أن باتت مرادفة للفوضى والخراب والاقتتال الأهلي كما في ليبيا وسوريا، ولا يجدون داعمًا إقليميًّا أو دوليًّا يحميهم من بطش حكومتَيْهم. بذلك، باتت الحكومتان، السعودية والإماراتية، غير قلقتين من الخطر الداخلي وجاهزتين للتركيز على صياغة البيئة الخارجية بما يتفق مع اعتباراتهما الأمنية.

الطلب الأميركي على دور متزايد لهما، وانكماش مراكز القوى العربية التقليدية، وخمود الاحتجاجات في داخلهما، سمح لهما بلعب أدوار إقليمية غير مسبوقة.

عقبة التعاون الخليجي

تحرص السعودية والإمارات في خطابهما على تصوير تحالفهما بأنه لا يتناقض مع مجلس التعاون الخليجي الذي ينتميان إليه، لكن الوقائع تثبت خلاف ذلك.

ضربا حصارًا على قطر وهي دولة مؤسِّسة في مجلس التعاون الخليجي، ولم يلتزما بلوائحه في الخلاف معها، ويأخذا رأي عضوين رئيسيين فيه، هما: الكويت وعُمان، وظلا يرفضان أن يبحث المجلس موضوع الحصار في لقاءاته.

لا تتفق دول المجلس جميعها مع السعودية والإمارات والبحرين في رؤية المخاطر والتعامل معها. عُمان تعتبر إيران رصيدًا استراتيجيًّا لموازنة السعودية ولاستقرار نظامها السياسي ولضمان سلامة الملاحة عبر مضيق هرمز الذي تتشارك الدولتان الإشراف عليه. وعقد البلدان لقاءت تنسيق عسكري بشكل منتظم، كان آخرها الاجتماع الرابع عشر للجنة الصداقة العسكرية في مايو/أيار 2018، أعقبته مناورات عسكرية مشتركة. وتمتنع عمان عن الانضمام لأي تحالف يستهدف إيران، أما الكويت فلا تعتبر الحركة الدستورية، ذات التوجه الإخواني، تنظيمًا إرهابيًّا، بل تسمح لأعضائها بالمشاركة السياسية، وبالتمثيل في البرلمان. قطر -من جانبها- ترفض إقصاء القوى السياسية مهما كانت أيديولوجياتها، بما فيها الإخوان المسلمون، إذا كانت تمارس نشاطها سلميًّا، وترفض كذلك سياسة المواجهة مع إيران لأنها ستضر تعاونهما في استغلال حقل الغاز المشترك في عرض الخليج وتعرض سلامتها للخطر.

الخلاف حول المخاطر، جعل السعوديين الإماراتيين يرون مجلس التعاون الخليجي عائقًا أمام استراتيجيتهم الجديدة في إزالة ما يعتبرونه تهديدات، وتقتضي الضرورة إزاحته من طريقهما بل ومهاجمة أعضائه المختلفين معهما علنًا كما في حالة قطر أو سرًّا كما في خلية التجسس الإماراتية التي ضبطتها السلطات العُمانية واتهمتها بمحاولة قلب نظام الحكم (6)، أو التوتر المكتوم بين السعودية والكويت (7).

ومن الدلائل الأخيرة على تهوين القيادتين من أهمية مجس التعاون الخليجي أن مشاركة بلديهما في قمته الـ 38 بداية ديسمبر/كانون الأول 2017، المنعقدة في الكويت، انخفضت إلى المستوى الوزاري، بينما شاركت قطر والكويت، البلد المضيف، بأميريهما.

ركائز متصدعة

تعاني ركائز التحالف السعودي-الإماراتي من شروخ بعد أقل من عام على إنشاء المؤسسات القائمة على إنجازه. لم تعد رؤية المخاطر مشتركة، ولم تحقق القرارات المتخذة النتائج المرجوة بل أتت بنتائج عكسية، ولم يعد التفويض الأميركي صكًّا على بياض.

تنامي الاختلاف بين القيادتين حول التهديد الذي يمثله الإخوان المسلمون. وافقت السعودية على تعيين علي محسن الأحمر، المقرب من حزب الإصلاح اليمني، نائبًا للرئيس عبد ربه منصور هادي، ووفرت له الإقامة بأراضيها. وخطت عدة خطوات لترميم علاقاتها مع حزب الإصلاح اليمني لأنه حليفها تقليديًّا وتحتاجه في الوقت الراهن للتصدي للحوثيين في شمال اليمن. وقد حاولت أن تقرِّب بينه وبين الإمارات التي تعتبره تهديدًا لأمنها ونفوذها (8).

هذا الخلاف بين البلدين قديم؛ من الجانب السعودي، يتأرجح الموقف من النقيض إلى النقيض؛ ففي 2014، صنفت السعودية الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا. في 2015، صرَّح سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي السابق، أن المملكة لا تعتبر الإخوان عمومًا مشكلة وإنما تحصر مشكلتها مع الذين بايعوا المرشد (9).

الجانب الإماراتي ظل يعتبر الإخوان بشكل عام تهديدًا، ولا يقيم وزنًا للتمايزات بين فصائلهم، ويولي أهمية قصوى للتصدي لهم داخليًّا وخارجيًّا. السبب في ذلك، هو تقدير القيادة الإماراتية أن حركة الإصلاح الإماراتية نجحت في كسب قيادات من العائلات الحاكمة في الولايات الشمالية (10)، مثل رأس الخيمة، ويمكن أن يمتد نفوذها إلى أجهزة الدولة الأمنية وقوات الجيش، ونالت قبولًا شعبيًّا، وقد تستعمل الأمرين لتحقيق مطالب الإصلاح السياسي التي عبَّرت عنها أثناء الربيع العربي.

يختلف البلدان كذلك في تقدير الخطر الإيراني؛ فالسعودية تعتبره الخطر الرئيسي على أمنها ونفوذها بينما تتخذ الإمارات موقفًا يمزج بين التنديد الخطابي باحتلال إيران لجزرها الثلاثة والتعاون الفعلي.

بخلاف موقفها المتأرجح من الإخوان المسلمين، حافظت السعودية على وضع إيران في صدارة المخاطر التي تهدد أمنها لأنها تخشى من امتداد نفوذها إلى الشيعة السعوديين في المناطق الشرقية واستعمالها لهم في زعزعة استقرار المملكة وفصلها عن حليفها البحريني.

تندد الإمارات خطابيًّا باحتلال إيران لجزرها الثلاثة وتستمر في مطالبتها بإعادتهم إليها لكنها في نفس الوقت حافظت في 2018 على المرتبة الثانية عالميًّا والأولى عربيًّا في التبادل التجاري معها (11).

حاليًّا، السعودية في موقف صعب باليمن. أعداؤها الحوثيون يسيطرون على عمقها الجنوبي وباتوا أقوى ويستطيعون قصف مدنها بالصواريخ. حليفها الأميركي فرض عليها وقف العمليات العسكرية. المعادلة التي تحتاج إلى حلها: كيف تواصل القتال لكن دون خوضه مباشرة. الخيار الأمثل هو استعادة العلاقة مع حليفها التقليدي: حزب الإصلاح. لكنها انقلبت عليه منذ 2015 باعتباره من أصول إخوانية، وحليفها الإماراتي يعترض عليه. لا تمتلك حاليًّا في اليمن بذخ مواجهة الخطرين، حلفاء إيران والإخوان، في نفس الوقت، وتحتاج إلى التصالح مع أحدهما لمواجهة الآخر. لن يُرضي ذلك بالتأكيد حليفها الإماراتي الذي يعطي الأولوية لمواجهة الإخوان والقوى المستوحاة منهم. ستظهر تداعيات هذا الخلاف بشكل أوضح في الأيام القادمة لكنه بلا شك شرخ في الأسس التي قام عليها التحالف بين البلدين.

يعمِّق هذا الشرخ الخسائر الناتجة عن قرارات البلدين. فشلا في تحقيق أهداف الحرب التي شنَّاها في اليمن: لم تَسْتَعِد الشرعية سلطتها، ولم يقضيا على الحوثيين، وعزَّزا القوى الانشطارية التي تهدد وحدة البلد، وتسبَّبا في أكبر كارثة إنسانية في الوقت الراهن حسب الأمم المتحدة، وارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حسب لجنة الخبراء الأمميين، وباتا يخسران تدريجيًّا الدعم الأميركي. سيسعى كل منهما إلى تحميل شريكه الفشل والتملص من المسؤولية.

نجحت قطر في إفشال حصارهما؛ فتعافى اقتصادها سريعًا، وعززت علاقاتها بالولايات المتحدة، وكسبت الضمانة الأمنية التركية، واستأنفت علاقاتها مع بعض الدول التي التحقت في البداية بالحصار، ولم تعد عرضة لضغط البيت الأبيض كما كانت الحال في بداية الحصار بل تمكنت من وضع هذا الضغط على السعودية التي يطالبها ترامب حاليًّا بتسوية الخلاف مع قطر لأنه يضر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية.

ظهر التحول في الموقف السعودي نتيجة الضغط الأميركي، في إشادة محمد بن سلمان نفسه، في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي"، المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بمتانة الاقتصاد القطري وبمستقبله المزدهر. لن يتلقى محمد بن زايد ذلك بارتياح لأنه يحسب أن التراجع عن حصار قطر سيضر بأمن بلاده القومي.

أضرت نتائج هذه القرارات بمصالح الولايات المتحدة. أعاق الحصار على قطر تعاونها العسكري مع الدول الخليجية مجتمعة، واضطرها لمزيد من التقارب مع إيران. أما حرب اليمن فألحقت أضرارًا بالغة بسمعتها، لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، لأنها شريكة في أكبر كارثة إنسانية في الوقت الحاضر، وتدعم دولتين ترتكبان جرائم حرب. لذلك، تنامت الاعتراضات في أميركا على هذه الشراكة والمطالبة بوقفها، وإرغامهما على وقف الحرب في اليمن والتراجع عن حصار قطر. وكانت بداية تداعياتها وقف القوات الأميركية تزويد المقاتلات السعودية بالوقود، وتوعد أعضاء بارزين في الكونغرس بمنع صفقات السلاح مع المملكة.

فقدان الجدوى

استند التحالف السعودي-الإماراتي على مدركات مشتركة للمخاطر، وتفويض أميركي وعدد من القرارات، لكن أصيب كل ذلك بشروخ. لم يعد من مصلحة السعودية اعتبار حزب الإصلاح تهديدًا بل تحتاجه شريكًا قد يساعدها في التصدي للحوثيين لكن الإمارات قد تعتبر هذا التحول خطرًا على أمنها ومصالحها. والولايات المتحدة تسحب شيئًا فشيئًا التفويض الذي أعطتهما إياه. وقراراتهما المشتركة انتهت إما بالفشل أو بمضاعفة المخاطر بدلًا من التخلص منها، وبفقدان الشركاء بدلًا من توثيق العلاقة معهم وكسب المزيد منهم.

بزوال المبرر وتنامي التكاليف وخسارة الغطاء الأميركي، سيفقد هذا التحالف معناه ووظيفته، ولن يجد أي البلدين جدوى من الاستثمار فيه أو الالتزام به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الحواس تقية - باحث بمركز الجزيرة للدراسات.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)  تفاصيل استراتيجية العزم بين الإمارات والسعودية، سكاي نيوز عربية، 7 يونيو/حزيران 2018 (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018):https://bit.ly/2yarhqH

(2)  كريستوفر دايفدسون،الخوف والقمع في الإمارات العربية المتحدة، 18 سبتمبر/أيلول 2012، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018):http://carnegieendowment.org/sada/49410

(3)  Andrew Critchlow, Saudi and UAE ready $20bn boost for Egypt's El-Sisi، 01 Jun 2014 [Accessed Nov 28, 2018]https://bit.ly/2As3N1j

(4)  Mark Landler، Obama Criticizes the ‘Free Riders’ Among America’s Allies، March 10, 2016 [Accessed Nov 28, 2018]https://nyti.ms/2zIEUNX

(5)  Exclusive: Trump complains Saudis not paying fair share for U.S. defense، Stephen J. Adler, Jeff Mason, Steve Holland، April 28, 2017 [Accessed Nov 28, 2018]https://reut.rs/2zuZVwJ

(6)  تفكيك شبكة تجسس "إماراتية" تستهدف نظام الحكم، فرنس 24، 30 يناير/كانون الثاني 2011، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018): https://bit.ly/2r7Xpbh

(7)  "تسريب جديد"... حقيقة الخلافات والتوتر بين محمد بن سلمان وأمير الكويت، سبوتنيك عربي، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018).https://bit.ly/2Q08k5B

(8)  لقاء بن سلمان وبن زايد بقيادة الإصلاح.. هل تُفتح صفحة جديدة باليمن؟، cnn بالعربية، 14 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018):https://cnn.it/2zcUpPP

(9)  إعلامية سعودية تنقل عن سعود الفيصل: مشكلتنا ليست مع الإخوان المسلمين بل مع أقلية بايعت المرشد، cnn بالعربية، 12 فبراير/شباط 2015، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018):https://cnn.it/2zv1QRX

(10)  لوري بلوتكين بوغارت، محاكمة جماعة «الإخوان المسلمين» في الإمارات العربية المتحدة، معهد واشنطن، 12 أبريل/نيسان 2013، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018):https://bit.ly/2QtKBuk

(11)  الإمارات الأولى عربيًّا والثانية عالميًّا في حجم التبادل التجاري مع إيران، العربي الجديد، 17 مارس/آذار 201،8، (تاريخ الدخول 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018):https://bit.ly/2E15eIq