ماذا بعد فشل المفاوضات المباشرة بين طالبان وواشنطن؟

تناقش هذه الورقة فشل المفاوضات بين حركة طالبان وواشنطن، وأسباب الفشل وتبعاته، وتبحث مواقف الأطراف المختلفة تجاه ذلك.
6d026976090743bfbc0ca5f2d05701ac_18.jpg
حركة طالبان: لن نوقف مهاجمة القوات الأمريكية في أفغانستان إلا إذا توقفوا عن مهاجمة الحركة (رويترز)

فشلت عملية التفاوض بين واشنطن وحركة طالبان بعد عام مما تم الاتفاق عليه بين زلماي خليل زاد والحركة في العاصمة القطرية الدوحة. وقد ناقش الطرفان لمدة عام تقريبا مشروع المصالحة في أفغانستان، لكن الحكومة الأفغانية الممثلة في رئيسها ظلت بعيدة عن تفاصيل ما جرى في هذه الجولات التسع حتى إن الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، ورئيس السلطة التنفيذية عبد الله عبد الله، لم يحصلا على نسخة من مسوّدة الاتفاقية بين طالبان وواشنطن (1).

فماهي الأسباب التي قادت إلى الفشل؟ وهل كان تعيين خليل زاد خطوة صحيحة وكيف أثر ذلك في سير المفاوضات؟ وكيف أدى التنافس بين المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الفشل في الوصول إلى اتفاق مصالحة؟ وكيف ستتعامل حركة طالبان مع ملف المصالحة بعد إعلان الرئيس الأمريكي أنها بحكم "الميتة"؟

تسع جولات تفاوضية

بعد ثمانية عشر عاما من الحرب في أفغانستان، جلس ممثلو طالبان والمبعوث الأمريكي إلى أفغانستان زلماي خليل زاد في تسع جولات جرت ثمانية منها في العاصمة القطرية الدوحة.

الجولة الأولى: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

الجولة الثانية: 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

الجولة الثالثة: 17 ديسمبر/كانون الأول 2018 (عقدت في الإمارات العربية المتحدة).

الجولة الرابعة :19 يناير/كانون الثاني 2019.

الجولة الخامسة: 25 فبراير/شباط 2019 (حضر إلى الدوحة نائب الشؤون السياسية لحركة طالبان الملا عبد الغني برادر للإشراف على سير المفاوضات مع واشنطن).

الجولة السادسة: 29 إبريل/نيسان 2019.

الجولة السابعة: 29 يونيو/حزيران 2019. 

الجولة الثامنة: 3 أغسطس/آب 2019.

الجولة التاسعة :22 أغسطس/آب 2019.

ورغم أنه جرى حديث عن تقدّم مُشجّع في المفاوضات بين الطرفين، فإن التسريبات حول بنود الاتفاق بقيت محدودة. وتلقّت واشنطن خلال الجولة التاسعة تأكيدات من طالبان بضمان أمنها القومي ومصالحها، دون الاتفاق على وقف إطلاق نار شامل في جميع الأراضي الأفغانية، على أن يكون ذلك لاحقا بعد تطبيقه في محافظتين اثنتين.

ومن بين بنود مسودة الاتفاق موافقة واشنطن على سحب خمسة آلاف و400 جندي، وإغلاق خمس قواعد عسكرية خلال 135 يوما.

وسيكون هذا الانسحاب الجزئي بداية لما يُتوقّع أن يكون استجابة لرغبة الرئيس الأمريكي في انسحاب تدريجي لجميع قوات بلاده البالغ عددها 14 ألف جندي، وهو ما يمكن أن ينهي أطول حرب أمريكية ما تزال مستمرة.

وقال خبراء غربيون تحدثوا عن تنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب الأمريكي، خلال الفترة التي أعلن عنها خليل زاد، وهي 135 يوما، إنه يمكن أن تتبعها مرحلة لاحقة لسحب جميع الجنود في غضون 16 إلى 18 شهرا(2) .

وعلى مدى مراحل هذه المحادثات، لم يكن أحد على دراية بتفاصيل القضايا التي أثيرت بين الجانبين.

ويقول سفير طالبان السابق في الأمم المتحدة عبد الحكيم مجاهد "إن المبعوث الأمريكي لأفغانستان زلماي خليل زاد لم ينقل الصورة الكاملة عن المفاوضات للحكومة الأفغانية منذ بدء المفاوضات مع طالبان، وإنما كان يتحدث أثناء اللقاء بمسؤولين أفغان عن الجانب التطبيقي للاتفاقية، ويطالب الحكومة بالقيام بخطوات محددة حتى يتسنى تطبيق الاتفاقية، وهذا ما جعلت الحكومة تقلق من سير المفاوضات وتشك فيما ينقله خليل زاد (3).

وسبب آخر لفشل المفاوضات حسب مسؤول حكومي فضل عدم ذكر اسمه: هو "أن مسودة الاتفاقية، التي اطلع الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني عليها أثناء جلسته مع المبعوث الأمريكي خلال زيارته الأخيرة إلى كابل، كانت هشة وضعيفة ويشوبها الكثير من الغموض، لذا طالب الرئيس الأفغاني بتوضيحات من واشنطن بشأن الاتفاقية" (4).

لم تقدم حركة طالبان تنازلات واضحة بشأن المطالب الأمريكية التي تتلخّص في مطلبين أساسين وهما:

• وقف كامل لإطلاق النّار

• بدء المفاوضات مع الحكومة الأفغانية

ولكن المبعوث الأمريكي خليل زاد لم يتمكن خلال مفاوضاته من إقناع حركة طالبان بقبول هذين المطلبين. وحسب الخبراء فإنه لو توصل الطرفان إلى وقف إطلاق النار والجلوس مع الحكومة الأفغانية لما فشلت المفاوضات.

منذ الجولة الأولى أظهر خليل زاد خلال لقاءاته بممثلي حركة طالبان ومن له علاقة بالملف الأفغاني أنه يملك الصلاحية، وركزت حركة طالبان على المفاوضات معه وأهملت القادة العسكريين الذين كان لهم موقف آخر من سحب القوات من أفغانستان. هذا التباين في المواقف تسبب في الضغط على الرئيس ترامب حتى أعلن إلغاء التفاوض.

وهذه ليست المرة الأولى تفشل فيها مساعي المصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، فقد أفشلت أو أجهضت أربع مرات على الأقل، نتطرق إليها باختصار:

1. فتح شقيق الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي أحمد ولي بين عامي 2008-2009 قنوات اتصال مع الملا عبد الغني برادر (نائب زعيم ومؤسس حركة طالبان)، ووافق الملا برادر على الجلوس مع الحكومة الأفغانية لبحث الحل السلمي للقضية الأفغانية ولكن المخابرات الأمريكية والباكستانية اعتقلت الملا برادر في مدينة كراتشي واغتيل شقيق كرزاي في يونيو من العام 2011 في منزله في مدينة قندهار، وباعتقال الملا برادر واغتيال أحمد ولي فشلت هذه العملية.

2. بدأت المرحلة الثانية بعد تعيين الأستاذ برهان الدين رباني رئيسا للجنة المصالحة حيث قامت الحكومة الأفغانية بالتواصل مع كل من معتصم آغا جان والملا عبد الرقيب تخاري (5) ، واتفقا على بدء الحوار مع الحكومة الأفغانية والحل السلمي في أفغانستان، ولكن جهات مجهولة قامت بمحاولة اغتيال الملا معتصم آغا جان في مدينة بيشاور في أغسطس/آب من العام 2010، وتم نقله إلى المستشفى العسكري في كابل ومنها إلى تركيا للعلاج، وما زال يتردد بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، وأقصي عن الجهود التي تبذل في سبيل السلام في أفغانستان. ثم اغتيل برهان الدين رباني في منزله في الحي الديبلوماسي بالعاصمة كابل في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، واغتيل الملا عبد الرقيب تخاري في بيشاور عام 2014. وبمقتل الملا عبد الرقيب وبرهان الدين رباني توقفت المفاوضات أو الجهود التي بذلت لبدء الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية.

3. بدأت المرحلة الثالثة من المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان عندما تولى الملا أختر محمد منصور قيادة حركة طالبان وجلس ممثلو الحكومة الأفغانية وطالبان وجها لوجه في يونيو عام 2015 في مدينة مري الباكستانية وبعد الجولة الأولى قرروا عقد الجولة الثانية في الشهر المقبل، ولكنها أجهضت بعد الإعلان عن وفاة زعيم ومؤسس حركة طالبان الملا محمد عمر.

4. الجولة الرابعة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية بدأت بداية العام 2018 في العاصمة القطرية الدوحة وجلس الطرفان في تسع جولات، وأفرجت السلطات الباكستانية بطلب أمريكي عن الملا عبد الغني برادر، وانضم إلى وفد طالبان في الدوحة للإشراف على سير المفاوضات، وفشلت هذه المرحلة التي تعتبر من أهم المراحل في حل الصراع في أفغانستان بثلاث تغريدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (6) .

مهمة خليل زاد الصعبة 

يعتبر زلماي خليل زاد من الشخصيات المهمة في العلاقات الأفغانية الأمريكية طوال العقود الأربعة الماضية، ويعتبر من الشخصيات المهمة في السياسة الخارجية لدى الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 دورا مهما في الاجتياح الأمريكي لأفغانستان، وعاد إلى الساحة السياسية بعد وصول ترامب للسلطة، وعينه وزير الخارجية مايك بومبيو مبعوثا خاصا لأفغانستان لدفع عملية السلام مع حركة طالبان.

ويرى مسؤول حكومي قريب للرئيس الأفغاني محمد أشرف غني أن المبعوث الأمريكي خليل زاد أخفق في تقريب وجهات حركة طالبان والمسؤولين الأفغان، وبالأخص الرئيس محمد أشرف غني، وذلك لتنافس قديم بينهما حيث درسا كلاهما في الجامعة الأمريكية في بيروت، وكان خليل زاد يقلل من دور محمد أشرف غني منذ بدء المفاوضات، ولم يطلعه على الصورة الحقيقة لما يجري بين طالبان وواشنطن، ويضيف المسؤول أن الرئيس محمد أشرف غني يعتقد أن خليل زاد وطالبان يريدان طرده من الحكم، وينظر إلى العملية نظرة ريبة وشك، ويحاول عرقلة مهمة خليل زاد (7) .

لماذا ألغى ترامب المفاوضات مع طالبان؟ 

جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المفاجئ بوقف مفاوضات السلام الحالية مع حركة طالبان، مع إلغاء اجتماع سري غير مسبوق كان من المقرر أن يعقد في كامب ديفيد مع قادة طالبان والرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، حيث أراد ترامب، دون المشورة مع فريقه، استضافة ممثلي طالبان في كامب ديفيد لتوقيع الاتفاقية. وكانت طالبان والمبعوث الأمريكي اتفقا على الزيارة ولكن بعد التوقيع.

فلماذا ألغيت المفاوضات مع طالبان؟

لقد أراد الرئيس الأمريكي أن يوقّع الاتفاقية مع طالبان قبيل الحادي عشر من سبتمبر حتى يقول للأمريكيين إنه تمكّن من إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه تمكن من إطلاق سراح اثنين من أساتذة الجامعة الأمريكية اختطفهما مسلحو طالبان في أغسطس/آب 2016 في العاصمة الأفغانية كابل.

لكن عندما رفضت طالبان اللقاء، وعارض كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي والخارجية والكونغرس الأمريكي القرار، اضطر ترامب لإلغائه (8) .

ماذا بعد؟ 

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين 9 سبتمبر/أيلول 2019 نهاية مباحثات السلام بين بلاده وحركة طالبان، مؤكدا أن المباحثات ماتت بالنسبة له. لكن المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد يحاول أن يقنع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية بالعودة لطاولة الحوار مع حركة طالبان (9) ، وقد اتصل بممثلي حركة طالبان التي ترغب في توقيع الاتفاقية ولم تكن تتوقع ما حدث. ويلتقي خليل زاد نهاية الأسبوع الجاري بالرئيس الأمريكي ترامب محاولا إرضاءه حتى يوافق على استئناف المفاوضات مع حركة طالبان.

ويقول عبد الحكيم مجاهد "أعتقد أن المفاوضات ستبدأ من جديد عبر وسطاء دول المنطقة ولكن بشكل آخر، وسيطرح كلا الطرفين مطالب جديدة. والمفاوضات الحالية التي فشلت كانت محادثات الانسحاب وليس مفاوضات السلام، ولم تكن الصورة واضحة للحكومة الأفغانية وكثير من الدول الأوروبية ودول الجوار" (10) .

ماذا عن استئناف المفاوضات؟

يشكل هذا التطور اللافت انتكاسة كبيرة لما توصل إليه الجانبان خلال المفاوضات التي جرت بينهما على مدى الشهور الماضية.

وفي حال عدم استئناف التفاوض بين طالبان وواشنطن سيعزز ذلك من موقف تيار في الحركة يعارض المفاوضات مع واشنطن، ويصر على الحل العسكري للقضية الأفغانية، ويرى أن الخيار الأخير الذي تملكه طالبان هو التوجه إلى القتال مجددا(11) .

وقد أعلنت حركة طالبان موقفها من إلغاء المفاوضات مع طالبان على لسان المتحدث باسمها في الدوحة سهيل شاهين الذي قال: "إن الحركة لن توقف هجماتها على القوات الأمريكية في أفغانستان إلا إذا أوقف الأمريكيون مهاجمة الحركة ووقعوا معها اتفاق سلام، ولكن إذا ما هاجمونا واستمر قصفهم فستستمر الهجمات من جانبنا وسيستمر ما كان موجودا منذ ثمانية عشر عاما" (12) .

ويشير مراقبون إلى أن أهم المستفيدين من قرار ترامب إلغاء مفاوضات السلام مع طالبان، وإلغاء اللقاء مع قاداتها، هو الحكومة الأفغانية التي استبعدت من تلك المفاوضات، والتي تشعر أنه لا توجد ضمانات أمريكية بسلامتها وعدم الانقلاب عليها بعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان. ولا يخفي الرئيس الأفغاني أشرف غني تخوفه من أي اتفاق سلام محتمل بين واشنطن وطالبان، على مستقبل المشهد السياسي والأمني في بلاده، إذ يخشى غني، ومعه كثير من الأفغان، من أن يكون هذا الاتفاق المرتقب، وما سيرافقه من ترتيبات سياسية وأمنية، على حساب الحكومة الأفغانية ولصالح تمكين سلطة طالبان في البلاد.

لكن مسؤولا حكوميا تحدث إلى الباحث يتوقع أن تعلن الولايات المتحدة الأمريكية عن وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة مؤقته في أفغانستان، ويذكر أن وقف إطلاق النار هو مطلب أمريكي، وتشكيل حكومة مؤقتة هو مطلب لحركة طالبان، مما قد يرجح إمكانية عودة التفاوض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*حميد الله محمد شاه، مراسل الجزيرة في أفغانستان.

مراجع

(1)     مصدر في القصر الرئاسي تحدث للباحث عن أجواء الاجتماع بين الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني وخليل زاد بعد عودته من الدوحة لإطلاع الرئيس الأفغاني على مسودة الاتفاقية.

(2)     حوار لخليل زاد باللغة الدارية مع قناة "طلوع" الأفغانية بتاريخ 13 يوليو/تموز 2019.

(3)     مقابلة للباحث مع عبد الحكيم مجاهد، سفير طالبان السابق في الأمم المتحدة، كابل 10 سبتمبر/أيلول 2019.

(4)     4بيان الحكومة الأفغانية بتاريخ 31 يوليو/تموز 2019.

(5)     5معتصم آغا جان وزير المالية في حكومة طالبان، ورئيس اللجنة السياسية بعد سقوط حكومة حركة طالبان، الملا عبد الرقيب وزير سابق في طالبان وينتمي إلى العرقية الأوزبكية في أفغانستان.

(6)     مقابلة للباحث مع ولي نوري المسؤول في مجلس الأمن القومي الأفغاني 11 سبتمبر/أيلول 2019.

(7)     مصدر في القصر الرئاسي متحدثا إلى الباحث.

(8)     عبد الرحيم ثاقب، لماذا تراجع ترمب عن قراره؟، صحيفة "ويسا"، 11 سبتمبر/أيلول 2019، العدد 84، ص 3.

(9)     مقابلة للباحث مع مسؤول في بعثة الاتحاد الأوروبي كابل 10 سبتمبر/أيلول 2019.

(10)  من المقابلة مع عبد الحكيم مجاهد.

(11)  مقابلة مع وحيد مزده الكاتب والباحث السياسي مع قناة اريانا المحلية، 10 سبتمبر/أيلول 2019.

(12)  مقابلة سهيل شاهين المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة مع قناة الجزيرة في برنامج "لقاء اليوم" 10 سبتمبر/أيلول 2019.