مركز الجزيرة للدراسات ينظم محاضرة حول كتاب العمق الإستراتيجي

2011101712163357734_2.jpg
تصوير: زيدان هاشم حسن أبو ندى

قسم البحوث

نظم مركز الجزيرة للدراسات يوم الثلاثاء 19 أكتوبر/تشرين الأول 2010، حفلا على شرف سعادة وزير الخارجية التركي البروفيسور أحمد داوود أوغلو، بمناسبة إصدار المركز الترجمة العربية لكتابه: "العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية". وحضر الحفل رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، والمدير العام لشبكة الجزيرة وضاح خنفر، وبعض كبار الضيوف من دبلوماسيين وباحثين وإعلاميين وغيرهم.

وقد تحدث في البداية رئيس قسم البحوث بمركز الجزيرة للدرسات دكتور رفيق عبد السلام مبينا أن تركيا دولة متعددة الأبعاد بتاريخها وبجغرافيتها وبعلاقاتها الدولية؛ وكذلك هو مؤلف الكتاب الدكتور أحمد داود أوغلو فهو أكاديمي وسياسي، درس في الجامعات التركية وكذلك في الجامعة الإسلامية بماليزيا، وأصبح كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أن يصبح وزير خارجية بلاده.

كما بين مدير مركز الجزيرة للدراسات دكتور صلاح الزين خصوصية هذه المناسبة: فإصدار مركز الدراسات لكتاب داود أوغلو يدخل ضمن سلسلة من المطبوعات ما فتئ المركز يتولى نشرها، وهي كلها داخلة في سياق الدراسات الجيوسياسية. وكتاب العمق الإستراتيجي طبع طبعته الأولى سنة 2001 لتظهر له 50 طبعة باللغة التركية حتى الآن، وقد كانت طبعته إلى اللغة اليونانية من أكثر الطبعات بيعا في اليونان. وليس ذلك إلا بسبب مكانة الكتاب بين الكتب الجيوسياسية ومكانة مؤلفه بين رجالات السياسة في وقتنا الحاضر.

منهج يمكن استلهامه
المبادئ الستة
تفسير التاريخ دون تجاوزه
مكانة تركيا في عمقها الاستراتيجي

منهج يمكن استلهامه

لا بد من إعادة تفسير التاريخ والجغرافيا لصالح العلاقات المتناسقة والتناغمة بين الدول، على أساس أن التاريخ والجغرافيا معطيان لا يمكن تبديلهما

كانت الطبعة الأولى من كتاب "العمق الإستراتيجي" قد صدرت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، لذلك قرر المؤلف تنقيح الكتاب وتحرير فصل جديد أضيف في الطبعات اللاحقة.

يقدم الكتاب إطارا نظريا يستند لكيفية تحليل البيئة الدولية ومحاولة فهم المشهد الإستراتيجي العام وإعادة تفسير الأحداث الظاهرة منها والكامنة. وجاء تأليف هذا الكتاب بعد نهاية الحرب الباردة، مبينا أن هناك محددين لا يمكن تجاهلهما بالنسبة لتركيا وهما: التاريخ الجغرافيا، خصوصا وأن الحرب الباردة كانت حالة غير عادية على المستوى الجغرافي. فكانت تركيا وسوريا مثلا، وهما الجاران جغرافيا المتماسان بحدود تبلغ 850 كلم والمتواصلان تاريخيا عبر قرون، ينتميان إلى عالمين متنافسين: الغرب حيث تركيا العضو في حلف الناتو، والشرق حيث العلاقات الخاصة العسكرية والسياسة والإيديولوجية بين سوريا وبين الاتحاد السوفييتي وغيره من أعضاء حلف وارسو. فكانت الحدود السورية التركية حدودا بين حلفين لا حدودا بين دولتين. ولا تختلف الحال بين سوريا وتركيا عنها بين بلغاريا وتركيا حيث لعبت الحرب دورها في خلق توترات بين الدولتين الجارين. وعلى نفس النمط تدخلت الحرب الباردة وقبلها الاستعمار في جغرافية العديد من الدول (اليمن على سبيل المثال).

ياتي الكتاب ليساهم في تطبيع التاريخ في علاقته بالجغرافيا بوصف مؤلفه داود أوغلو مثقفا تركيا، شرق-أوسطيا، بلقانيا، قوقازيا... فلا بد من إعادة تفسير التاريخ والجغرافيا لصالح العلاقات المتناسقة والتناغمة بين الدول، على أساس أن التاريخ والجغرافيا معطيان لا يمكن تبديلهما. ولا بد من إعادة فهم العلاقات بين الشعوب والدول بعد أن أفسدتها الحرب البادرة. وليس مثال العلاقات بين تركيا وسوريا إلا واحدا من أمثلة كثيرة يمكن تطبيقها على علاقات روسيا بروسيا وباليونان بل وعلى علاقات دول عديدة جمعها التاريخ ووحدتها الجغرافيا وفرقت بينها الاستعماؤ أو الحرب الباردة.

المبادئ الستة

قد تتبدى فكرة تصفير المشاكل فكرة طوباوية، لكن الإيمان بالاستمرارية التاريخية والاتصال الجغرافي يجعلان تركيا ملزمة بتصفير مشاكلها مع الجميع

بين المحاضر أن هناك حاجة مستجدة لوجود مقاربة على أساس العمق الإستراتيجي وتقوم هذه المقاربة على أساس تجاوز مفهوم الحدود القطرية لإحداث نوع من التكامل والتناغم. فتركيا بحاجة إلى أن تتكامل مع محيطها وذلك على أساس ستة مبادئ هي:

1. التوازن بين الديمقراطية والأمن: ويعني هذا التوازن ضبط هذين المبدئين ضبطا لا يطغى معه أحدهما على الآخر؛ حيث لو طغت الديمقراطية على الأمن لحلت الفوضى، ولو طغى الأمن على الديمقراطية لحلت الثيوقراطية. وتحقيقا لهذا المبدأ وازنت حكومة العدالة والتنمية بين المبدأين معا عازمة على إشاعة الحرية وحازمة في بسط الأمن. وقد أعطت بذلك لتركيا صورة البلد القوي عسكرياً المزدهر اقتصادياً بفضل هذا التوازن.

2. تصفير المشاكل: قد تتبدى هذه الفكرة طوباوية، لكن الإيمان بالاستمرارية التاريخية والاتصال الجغرافي يجعلان تركيا ملزمة بتصفير مشاكلها مع الجميع. بل لا بد بعد تصفير هذه المشاكل أن يتم القفز من عدم وجود المشاكل إلى التعاون الأقصى والتكامل. وتجاوز تصفير المشكل نحو التكامل تم العمل عليه منذ الثماني سنوات الماضية، فمثلا: وقعت تركيا ثمانا وأربعين اتفاقية مع العراق وإحدى وخمسين مع سوريا وثلاثا وعشرين مع اليونان. وتحولت الحدود بين سوريا وتركيا إلى أبواب للدخول والخروج، بدون عوائق ولا تأشيرات.

3. الرؤية الإقليمية: وهو مبدأ يقوم على الاتصال والتواصل مع كل المناطق المتاخمة لتركيا، مع الشرق الأوسط، ومع القوقاز، والبلقان، وآسيا، وغيرها، وهو ما يعني إقامة نظام إقليمي أساسه الاتصالات السياسية المستمرة وإشاعة الأمن للجميع، والتعاون الاقتصادي والتعايش الثقافي. فالمطلوب دائما أن يتذكر الجميع أنهم يشتركون في الجغرافيا وبالتالي فمصيرهم واحد. وهو ما يعني ضرورة تشجيع الاعتمادية الاقتصادية المتبادلة، والاستراتيجية المشتركة على المسارين السياسي والاقتصادي تجعل منطقة الشرق الأوسط مزدهرة، فلديها موارد بشرية ومصادر طاقة، وغيرها من الموارد لبناء شركة استراتيجية إقليمية قوية، وإعادة التكامل بين اقتصاديات المنطقة. وليس غريبا في هذا السياق أن تسعى تركيا لإقامة منطقة تجارة حرة بينها وبين لبنان وسوريا والأردن، فضلا عن مشروع سكة حديدية تربط بين إسطنبول والعقبة، وأخرى بين لندن ومضيق البوسفور، وأن تقيم حوارا استراتيجيا مع دول مجلس التعاون الخليجي في ثمانية قطاعات، من بينها التعليم، والطاقة، والزراعة، لوجود إيمان بأن الرخاء يحقق الأمن ويخلق حالة نفسية جديدة، لأن العمق الاستراتيجي يعني بالأساس العمق الاقتصادي.

4. السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد: ويعني خلق بيئة آمنة لتعيش شعوب المنطقة مع بعضها البعض في أمن وسلام، رغم اختلاف عرقياتها، ومذاهبها، وتعددها الثقافي والديني. فعلاقات تركيا مع الآخرين تكاملية، لا تنافسية. والعلاقة مع الولايات المتحدة تتأسس عبر الروابط الاستراتيجية الثنائية بين البلدين وعبر الناتو. وعلاقات جيدة مع روسيا ليست بديلاً عن علاقاتها مع الاتحاد الأوروربي. كذلك فإنّ الشراكة النموذجية مع الولايات المتحدة ليست شراكة منافسة ضد روسيا.

5. مبدأ الدبلوماسية المتناغمة: ويعني السعي إلى تحقيق دور أكثر فاعلية لتركيا في العلاقات الدولية. وعلى أساسه أصبحت تركيا عضواً غير دائم في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتشارك في ثلاث لجان مهمة تتعلق بأفغانستان، وكوريا الشمالية والحرب على الإرهاب. وهي رئيسة "عملية التعاون في جنوب شرق أوروبا" وهو منتدى للحوار بين دول البلقان وجيرانها المباشرين، في 2009 و2010. كما أنها عضو في مجموعة العشرين، وعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، ولديها حوار استراتيجي مع مجلس التعاون الخليجي، وتشارك بفعالية في جامعة الدول العربية. وهي عضو موقّع على بروتوكول كيوتو. هذه التطورات تظهر وجهة نظر جديدة لتركيا، تعتمد على الرؤية، القوة الناعمة، لغة كونية، وتطبيق سياسات خارجية متماسكة في مناطق مختلفة من العالم.

6. مبدأ اتباع أسلوب دبلوماسي جديد: ويعني أساسا صياغة دبلوماسية سلام استباقية ووقائية تهدف إلى اتخاذ خطوات قبل بروز الأزمات وتصاعدها إلى مستوى خطير. فوساطة تركيا بين إسرائيل وسوريا، من أمثلة هذه الدبلوماسية وكذلك جهود تركيا لتحقيق المصالحة السنّية - الشيعية في العراق، وجهود المصالحة في لبنان وفلسطين، ومصالحة صربيا والبوسنة في البلقان، والحوار بين أفغانستان وباكستان، وإعادة الإعمار في دارفور والصومال.

 

تفسير التاريخ دون تجاوزه

تسعى السياسة التركية الجديدة إلى الحفاظ على علاقات ممتازة ومميزة مع الغرب وفي نفسي الوقت استثمار الإرث الإسلامي التركي وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع جيرانها من الدول العربية والإسلامية التي كانت تقع ضمن الامبراطورية العثمانية سابقاً

لا بد لطريقة تعامل تركيا مع الدوائر اللمختلفة المحيطة بها أن تكون محددة وفق جغرافية تركيا وتاريخها. فالأتراك حسب الدكتور داود أوغلو جزء من هذه المنطقة ومن تاريخها، والأراضي التركية متاخمة في جنوبها للعراق وسوريا، وهنالك تداخل اجتماعي وثقافي بينها وبين هاتين الدولتين. وكذلك التاريخ التركي الإيراني والتركي الكردي لا يمكن فصل بعضه عن بعض، على هذا الأساس انبنت مجددا العلاقات بين تركيا والعالم العربي وبين تركيا وإيران. وتركيا تفضل في هذا السياق سياسات التواصل والقوة الناعمة والاعتماد الاقتصادي المتبادل.

وفضلا عن ذلك فتركيا دولة أوروبية ولديها منهج متعدد الجهات فهي تعمل على الدمج في الشرق الأوسط وأوروبا ولا ترى أن الأمرين متعارضان.

ولا تعني السياسة التركية الجديدة إقامة امبراطورية عثمانية جديدة، فذلك الأمر يندرج تحت التاريخ وليس واقعا، فالعثمانيون حسب داود أوغلو لم يكونوا من الأتراك فقط ولكن كانوا من جنسيات أخرى.

 

مكانة تركيا في عمقها الاستراتيجي

ذكر المؤلف بداية أن مكانة أية دولة رهن بموقعها الجيو/استراتيجي وعمقها التاريخي، فضلا عن تبيينه كون الهيمنة الحضارية سوف تنتقل من المحور الأطلسي إلى محاور أخرى لا تزال في مرحلة التشكيل، تأتي في مقدمتها “المحور الباسيفيكي” حول الصين والهند واليابان، أو المحور الحضاري الإسلامي، وفي القلب منه تركيا وإيران وباكستان ومصر.

كما بينت المحاضرة أن السياسة الخارجية التركية هي سياسة "العمق الاستراتيجي"، فتركيا الساعية إلى تكون قوة إقليمية قائدة في العالمين العربي والإسلامي صارت تتعاطى مع القضايا العبية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية بتعاطف مستغلة المأزق الأميركي في كل من العراق وأفغانستان.

كما الفراغ الذي يشهده النظام الإقليمي العربي وغياب أنظمة عربية قادرة على التحدث باسم العرب بقوة في المحافل الدولية فضلا بروز التعدّدية القطبية الجديد قد منحا تركيا مجالا لمماررسة تأثيرها على الساحة العربية والإسلامية بل والعالمية.

والسياسة التركية الجديدة تسعى إلى الحفاظ على علاقات ممتازة ومميزة مع الغرب وفي نفسي الوقت استثمار الإرث الإسلامي التركي وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع جيرانها من الدول العربية والإسلامية التي كانت تقع ضمن الامبراطورية العثمانية سابقاً.

ومن بين النتائج التي أعطتها سياسة العمق الإستراتيجي حتى الآن ظهور حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، كحزب سياسي إسلامي معتدل وتحديثي، فضلا عن نجاح تركيا في استعمال القوة الناعمة عبر علاقات تجارية وثقافية واجتماعية مثمرة إلى جانب تنشيط الروابط التاريخية لنشر الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

 

معلومات عن الكتاب:
العنوان
: العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في السياحة الدولية
المؤلف: أحمد داود أوغلو
تاريخ النشر: 04/09/2010
جهة النشر: مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون
الترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل
المراجعة: بشير نافع وبرهان كوروغلو
عدد الصفحات: 643 صفحة.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات