تقرير حول: حلقة نقاشية عن السودان والتوازنات المعقدة

20143127730689734_20.jpg
جانب من الحلقة النقاشية (الجزيرة)

ملخص
تعرف دولة السودان تحديات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة ومزمنة، ومع أن بعض المتابعين للشأن السوداني كان يرى أن انفصال الجنوب واستقلاله بدولته سيجعل السودان منسجمًا ومتناغمًا وسيدفع بالمشهد السياسي والاقتصادي نحو مزيد من الإصلاح، إلا أن الأمر لم يسر في هذا الاتجاه لا بالنسبة لدولة السودان ولا أيضًا بالنسبة لجمهورية جنوب السودان. اعترضت كثير من العراقيل حكومة الإنقاذ برئاسة البشير في تدبيرها للشأن السياسي الداخلي ولا يتجلّى ذلك في تعاطيها مع التحديات الأمنية والاجتماعية والسياسية ولا في تعاملها مع أطياف المعارضة فحسب، بل أيضًا في تسييرها للحزب الحاكم نفسه؛ وهو ما دفع بالعديد من أطر وقيادات هذا الحزب إلى الاستقالة أو الإقالة. وقد بلغ توتر وحساسية الحراك الاحتجاجي في بعض الأقاليم: (دارفور، وغرب كردفان، والنيل الأزرق، وجبال النوبة) لأزمة تهدد جمهورية السودان. ولفهم هذه الحيثيات نظّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية شارك فيها: كل من الدكتور سيف الدين محمد أحمد، باحث مختص في الشأن السوداني. والدكتور صلاح الدين الزين، مدير مركز الجزيرة للدراسات. وقد تناولت الحلقة النقاشية النقاط التالية: 

  1. رؤية حول خطاب الرئيس البشير وخيارات السودان الصعبة.
  2. تطور أحداث جنوب السودان وتأثيرها على السودان.
  3. التحديات الأمنية الداخلية ومستقبل السودان.

وقد شفعت الحلقة النقاشية بنقاشات وتعقيبات ركزت على مستقبل السودان في ظل التطورات السياسية والحراك الذي نتج عن خطاب الرئيس البشير.

تعرف دولة السودان تحديات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة ومزمنة، ومع أن بعض المتابعين للشأن السوداني كان يرى أن انفصال الجنوب واستقلاله بدولته سيجعل السودان منسجمًا ومتناغمًا وسيدفع بالمشهد السياسي والاقتصادي نحو مزيد من الإصلاح، إلا أن الأمر لم يسر في هذا الاتجاه لا بالنسبة لدولة السودان ولا أيضًا بالنسبة لجمهورية جنوب السودان.

اعترض كثير من العراقيل حكومة الإنقاذ برئاسة البشير في تدبيرها للشأن السياسي الداخلي ولا يتجلّى ذلك في تعاطيها مع التحديات الأمنية والاجتماعية والسياسية ولا في تعاملها مع أطياف المعارضة فحسب، بل أيضًا في تسييرها للحزب الحاكم نفسه؛ وهو ما دفع بالعديد من أطر وقيادات هذا الحزب إلى الاستقالة أو الإقالة. وقد بلغ توتر وحساسية الحراك الاحتجاجي في بعض الأقاليم: (دارفور، وغرب كردفان، والنيل الأزرق، وجبال النوبة) لأزمة تهدد جمهورية السودان.

ولفهم ما يحدث في دولة السودان وطرحه للتحليل والحوار، نظّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية شارك فيها:

  • الدكتور سيف الدين محمد أحمد، باحث مختص في الشأن السوداني.
  • الدكتور صلاح الدين الزين، مدير مركز الجزيرة للدراسات.

وقد تناولت الندوة النقاط التالية:

  1. رؤية حول خطاب الرئيس البشير وخيارات السودان الصعبة.
  2. تطور أحداث جنوب السودان وتأثيرها على السودان.
  3. التحديات الأمنية الداخلية ومستقبل السودان.

خطاب الرئيس البشير المغزى والدلالات

لعل من بين أبرز ملاحظة يمكن الخروج بها من خطاب الرئيس السوداني حسن عمر البشير أن الخطاب جاء بعد إبعاد عناصر بارزة ظلت تعمل ضمن طاقم الرئيس البشير، وكان الخطاب عاكسًا بشكل من الأشكال لتخلص الرئيس البشير من هذا الطاقم، وللمسارات التي يمكن أن ينفتح عليها السودان بعد هذا الإجراء السياسي بامتياز.

ظل الطاقم الذي تم إبعاده مؤخرًا من طرف الرئيس البشير متحكمًا في مفاصل الدولة، بل هم من كانوا يحكمون السودان سياسيًا وأمنيًا؛ حتى إنه يمكن أن نفهم من خطاب الرئيس البشير أن ما حدث كان انقلابًا داخليًا لكن السودانيين توقعوا أنه ستحدث أمور تكمل الانقلاب.

والسؤال المطروح، هو: ما الأسباب التي دفعت بالرئيس البشير إلى إبعاد مقرّبيه ممن عملوا معه سنوات طويلة وكانوا حسب ما هو مشاهد موضع ثقته؟ هناك عدة أسباب، وهي:

  • أولاً: استفحال الحالة الأمنية في السودان؛ فمن جهة هناك تمرد مستمر في دارفور، وقد ظهرت تمردات جديدة في كردفان والنيل الأزرق. ومن الملاحظ أن الجيش هُزم في جميع المواجهات التي خاضها في كردفان وفي جنوب النيل الأزرق؛ وبالنسبة للرئيس البشير، وهو العسكري التكوين، فإن أية هزيمة للجيش لا تعد خسارة عسكرية فقط بل وسياسية وأمنية كذلك.
  • ثانيًا: تعتبر تفاعلات قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي بالقبض على الرئيس البشير من العوامل التي دفعت بالرئيس السوداني للتخلص من مقربيه؛ فإذا كانت أزمة دارفور وما جرى فيها من انتهاكات هي سبب قرار المحكمة الجنائية، فإن مشكلة دارفور نفسها كانت -حسب بعض المراقبين- من صناعة الجماعة التي أقالها الرئيس. بدأت أزمة دارفور عندما حلَّ الرئيس البشير البرلمان وألغى القانون الذي يقضي بأن يكون الوالي يُنتخب انتخابًا، وقام تحويل الحكم من اتحادي إلى حكم مركزي. وعندها تمردت أول حركة دارفورية ضد هذه المركزية التي كانت بيد الجماعة التي حول الرئيس.
  • أما العامل الثالث فهو انهيار الاقتصاد؛ ومن تجليات ذلك الانهيار تراجع قيمة الجنيه السوداني بشكل مطرد أمام العملات حيث لم تعد للعملة السودانية قيمة بل تم إغلاق الحسابات السودانية في أوروبا.
  • العامل الرابع: توقف جهاز الدولة وإصابته بشلل مزمن حيث إن القرارات الوحيدة التي يتم اتخاذها هي قرارات إدارية فقط، أما القرارات والسياسات التي يتم تطبيقها مؤسساتيًا فهي متوقفة.

تزامنت إقالة الرئيس السوداني لمن حوله مع حوارات داخل السودان، ويبدو أن الرئيس البشير قد اقتنع بأن المسار الذي يتخذه نظامه مسار غير صحيح، وأن الجماعة المحيطة به تريد وراثته، وأن أي واحد منهم يمكن أن يسلمه في القريب العاجل للمحكمة الجنائية.

نتائج خطاب الرئيس البشير

لا شك أن السودان دخل في مرحلة جديدة بعد إبعاد الرئيس البشير لمجموعة من مقربيه ظلت تعمل معه طوال السنوات الماضية، والسؤال: ماذا سيحصل بعد هذا الإبعاد؟ من المنطقي أن يقوم النظام السوداني ببعض الإصلاحات لكن ما هو حجمها؟ وهل ستكون إصلاحات حقيقية تشمل الإصلاح السياسي وتسعى لتوقيف حركة التمرد في المناطق السودانية المختلفة، وتبسط السلام، وتنعش الاقتصاد وتعيد للسودان هويته؟

الواقع أن الجميع في السودان لا يتحدث إلا عن الفساد والمفسدين، ولم يعد هنالك ذِكْر للحرية ولا للعدالة، فجميع من حول الرئيس البشير والرئيس نفسه متهمون بالفساد، ومع ذلك فخطاب الرئيس البشير تجاهل الفساد. إن الحديث عن الحرية لا يمكن مع تفشي الفساد.

لعل إعادة انتخاب الولاة من الولايات وعودة النظام الاتحادي وأن يكون للمواطنين رقابة على الثروة والسلطة قد تكون بداية الإصلاح المطلوب، لكن الواضح حسب المتابعين للشأن السوداني أن حجم الإصلاح سيكون محدودًا والناس غير متفائلين.

ويبقى الحزب الحاكم: المؤتمر الوطني يشكّل مجموعة مصالح تمتك الثورة والسلطة؛ وعلى العموم فليس في السودان أحزاب بقدر ما فيه من مجموعات مصالح.

قد يكون أيضًا ضمن نتائج خطاب الرئيس البشير رجوع المشروع الإسلامي في السودان.

مستقبل السودان أو ما بعد خطاب البشير

تعرف خارطة القوى السياسية السوداني في الوقت الراهن إحباطًا؛ ومع ذلك فهنالك توقعات لتطورات قد يعرفها المشهد السياسي السوداني؛ فلأول مرة يجلس الترابي في مكان عام يتحدث فيه الرئيس البشير، بل إن بعض التسريبات والتحليلات تتحدث عن لقاءات متعددة بين الترابي والبشير مما يعني فعلاً أن هناك تطورًا سياسيًا.

ولا شك أن الإطاحة بالجماعة المقربة من البشير تجعله الآن هو الآمر الناهي. وهنالك عدة مسارات يمكن أن يعرفها المشهد السياسي السوداني، وهي:

  • أن يستند الرئيس البشير على المؤسسة العسكرية ويدخل في توافق قومي. وقد ينتج عن ذلك تفاهمات سياسية مع المعارضة خصوصًا منها: أحزاب الأمة والاتحادي واليسار والمؤتمر الشعبي. مع العلم بأن حزب الأمة صار مرهونًا بمواقف أبناء الصادق المهدي فابنه مع الدولة وبنته مع المعارضة وكذلك السيد الميرغني إذ يُعرف أن ابنه مساعد للرئيس.
  • أي توافق في السودان ينبغي أن يصاحبه رفع مستوى الحريات، ولو وقع ذلك فسيتم الحديث عن الفساد؛ فأي توافق لابد أن يحدث معه فتح لملفات كثيرة، مع العلم بأن هاجس الرئيس البشير البارز هو التوصل إلى حالة تحول دون أن يُسلَّم للمحكمة الدولية.
  • ما يحدث في جنوب السودان يؤثر مباشرة على السودان من الناحية الاقتصادية أساسًا ومن الناحية الاجتماعية والأمنية كذلك.
  • والواقع أن إبعاد الجماعة التي كانت حاكمة ليس رغبة في الإصلاح بل ربما إزالة عقبة أمام الإصلاح، أي: إن الرئيس البشير بحاجة إلى أن يكون في وضع أقوى.

__________________________________
* د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات