أفغانستان التحديات والمخاوف: الانتخابات الرئاسية والانسحاب الأميركي

20144276592149734_20.jpg
جانب من الندوة  [الجزيرة]
ملخص

مع مجيء عام 2014، وهو العام الذي حددته الإدارة الأميركية لإتمام الانسحاب من أفغانستان، وتعثر التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين البلدين، يثار الكثير من الأسئلة حول مستقبل أفغانستان الذي سيؤثر على مستقبل المنطقة والعالم. وفي هذا السياق نظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة لمناقشة العديد من القضايا الأفغانية؛ ففيما تتصاعد حدة القلق على مستقبل هذا البلد الذي عانى ويلات الحرب والصراع، تستعد القوى السياسية الأفغانية لخوض الانتخابات الرئاسية التي تتأثر وتؤثر بقضية الانسحاب الأميركي، والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها أفغانستان. وقد تمت مناقشة هذه النقاط وأشفع النقاش بتعقيبات وتوصيات سمحت بمزيد من التعرف على حيثيات الأمن والسياسة وتفاعلهما مع الإرادات الإقليمية والأجنبية في أفغانستان.


أفغانستان التحديات والمخاوف: الانتخابات الرئاسية والانسحاب الأميركي

مع مجيء عام 2014، وهو العام الذي حددته الإدارة الأميركية لإتمام الانسحاب من أفغانستان، وتعثر التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين البلدين، يثار الكثير من الأسئلة حول مستقبل أفغانستان الذي سيؤثر على مستقبل المنطقة والعالم. وفي هذا السياق نظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة لمناقشة العديد من القضايا الأفغانية؛ ففيما تتصاعد حدة القلق على مستقبل هذا البلد الذي عانى ويلات الحرب والصراع، تستعد القوى السياسية الأفغانية لخوض الانتخابات الرئاسية التي تتأثر وتؤثر بقضية الانسحاب الأميركي، والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها أفغانستان.

وبالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الخامس من إبريل/نيسان 2014؛ فقد دعا مركز الجزيرة للدراسات للمشاركة في هذه الندوة، السيد الدكتور أنوار الحق أحدي، وهو أكاديمي وسياسي أفغاني بارز، والدكتور مصباح عبد الباقي، أكاديمي وباحث متخصص بالشأن الأفغاني، وصفي الله طائع، باحث متخصص في العلاقات الدولية. 

أفغانستان والتحديات الأمنية

لقد أصبح من الواضح في هذه المرحلة أنه من المرجح أن تكون هناك جولة إعادة للانتخابات، وخلافًا لكافة التوقعات، فقد جرت الانتخابات فعلاً على نحو سلس جدًا؛ إذ لم تحدث أية انتكاسات أمنية كبيرة أو هجمات، كما فاق إقبال الناخبين جميع التوقعات.

وتشكّل قضية الاتفاقيات الأمنية بين أفغانستان وأميركا، وكذلك انسحاب القوات الأميركية أحد أبرز المواضيع المطروحة على المشهد السياسي الأفغاني، وتم التصريح بالجدول الزمني للانسحاب في عام 2010، بحيث يكون عام 2014 الموعد النهائي المتوقع. لقد تمت مناقشة الاتفاقية الأمنية الثنائية لأكثر من عام ونصف؛ إذ وافق 2500 شخص، كانوا حاضرين في المجلس الأعلى لأفغانستان "اللويا جيرغا"، عليها، باستثناء كرزاي الذي أراد إدراج شرطين جديدين بغية معالجتهما أو إضافتهما إلى الاتفاقية قبل التوقيع عليها، وهما:

  1. مواقع قاعدة الجيش الأميركي في البلاد، أي الموقع الجغرافي، وكذلك التفاصيل التقنية للتحركات والعمليات.
  2. ينبغي وقف عمليات تفتيش المنازل الأفغانية والاستيلاء عليها من قبل القوات الأميركية، كما ينبغي أن تتضمن الاتفاقية الأمنية بندًا بهذا الخصوص.  

يُعتقد أن الرئيس الجديد سيكون مستعدًا للتوقيع عليها لأنها تمنح تفويضًا أفضل وستُفضي إلى اقتصاد أفضل للبلاد أيضًا. إن الأشهر القليلة المقبلة ستكون قاسية ولكن الأفغان "بحاجة إلى البقاء مرتبطين مع المجتمع الدولي". على أن المشكل في انسحاب القوات هو مشكل اقتصادي وليس مسألة قوة.   

الفرقاء السياسيين في أفغانستان ومواقفهم

المقصود بالأطراف السياسية في أفغانستان ليس الأحزاب السياسية لأن هذه وإن كان عددها أكثر من مائة تشكيلة حزبية، إلا أنها عديمة التأثير في المشهد السياسي العام. لكن المراد بالأطراف هو بعض الاتجاهات الموجودة على الساحة الأفغانية التي تشكّلت نتيجة الخلفيات العقدية أو الخلفيات القبلية أو اللغوية والتي لها تأثير مباشر وفعال على العملية السياسية.

لا شك أن هناك اتجاهًا دينيًا متشددًا يرفض التعددية والعملية الديمقراطية برمتها وهي تلك التنظيمات الدينية الجهادية ذات الرؤية الخاصة في العلاقة مع الغرب عمومًا ومع مخرجاته السياسية خصوصًا، بينما هناك اتجاه ديني آخر يقبل بها؛ ونعني بالثاني تلك المنظمات الجهادية السابقة التي أصبحت تتعاطى بمرونة مع الشأن السياسي فضلاً عن بعض النخب السياسية ذات التوجه الليبرالي وهي مؤثرة في الساحة.

وفضلاً عن الاتجاهات هناك أصحاب المصالح المادية الذين يبحثون عن المكاسب، فلهؤلاء كذلك دور مهم في الساحة الأفغانية، كما أن ثمة اتجاهًا أغلبيًا صامتًا.

لهذه الأطراف المذكورة تأثير مباشر على العملية السياسية الأفغانية، لكن ماذا نقصد بالعملية السياسية التي تحدد مسير أفغانستان؟

للشأن السياسي الأفغاني محددات وسياقات لابد من الوقوف عليها، ولعل من بينها: الاتفاقية الأمنية بين أفغانستان وأميركا، وكذلك إنشاء القواعد العسكرية، والانسحاب الأميركي، والانتخابات الرئاسية الأفغانية، والمصالحة الداخلية بين المتحاربين. 

الاتفاقية الأمنية والقواعد

مواقف الأطراف الأفغانية حول هذه القضية منقسمة حول من يؤيدونها؛ مثل بعض النخب السياسية ذات الميول الغربية فضلاً عن بعض أصحاب المصالح المستفيدين من وجودها، وهناك بعض أتباع المنظمات الجهادية السابقة التي تؤيد هذه الاتفاقية لسبب أو لآخر.

تختلف المنطلقات بين المؤيدين لهذه الاتفاقية الأمنية ولوجود القواعد العسكرية الأميركية بأفغانستان، لكن لكل طرف مبرراته وأسباب تأييده ومنطقه في ذلك التأييد، وجميع تلك المبررات التي يقدمونها تتقاطع في أن عدم التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع أميركا يعني توقف الدعم المادي الأميركي لأفغانستان وما يعنيه ذلك من انهيار متوقع للمؤسسات القائمة.

ومهما قيل عن هذه الاتفاقية وعن مزاياها فإنه بعد مراجعتها يحق لنا أن نتساءل: هل تعهدت أميركا بأن تعطي شيئًا في مقابل وجودها على الأراضي الأفغانية؟ الواقع أن أميركا لم تتعهد بشيء مقابل بقائها.

وهناك مبرر ثان يقدمه مؤيدو الاتفاقية الأمنية بين أفغانستان وأميركا، وهو أنه لو خرجت أميركا فإن الدول المجاورة (وخصوصًا إيران وباكستان) ستتدخلان في البلد وسيصبح مجالاً لأجندات إقليمية، لكن خلال السنوات الماضية ظلت كل من باكستان وإيران تتدخلان حتى مع وجود أميركا ومع وجود 150 ألف جندي على التراب الأفغاني. فإذا كانت أميركا لم تستطع الوقوف في وجه التدخل الباكستاني والإيراني المستمر في الشأن الأفغاني الداخلي وهي موجودة بجيش عسكري كبير يتحرك في المجال الأفغاني بحرية فكيف ستضمن عدم هذا التدخل بعدد ضئيل داخل القواعد محدودة الحركة.

وثالث التبريرات يتلخص في أن عدم توقيع الاتفاقية مع أميركا سيعود بالبلاد إلى فترة التسعينات وما شهدته من حرب أهلية. لكن يبقى التساؤل واردًا: هل استطاعت أميركا أن توقف القتال بين مختلف الأطراف المتنازعة في البلاد خلال وجودها في الساحة الأفغانية؟

ومعلوم أن الرئيس حامد كرزاي نُسبت له تصريحات مؤخرًا ذكر فيها أنه وضع شروطًا على أميركا، وأن النخوة الأفغانية تمنعه من التوقيع على مثل هذه الاتفاقية إلا إذا كانت فيها مصلحة للشعب الأفغاني. ومما ذكره الرئيس كرزاي أن من بين شروطه الضغط على باكستان حتى تكف عن التدخل في الشأن الأفغاني، فضلاً عن أنه اشترط عدم تدخل أميركا في الانتخابات الرئاسية الأفغانية المزمع تنظيمها، وكذلك توقف الجيش الأميركي عن تفتيش البيوت. وأخيرًا، إطلاق سراح معتقلي غوانتانامو من الأفغان.

ومع أن الرئيس تولى حتى الآن دورتين رئاسيتين فإنه لم يطرح قط مثل هذه الشروط، فكيف يصدقه الشعب الأفغاني الآن؟ ولماذا هذا التحول في التعامل مع القضايا بالغة الحساسية؟

كما يرى البعض أن الاتفاقية الأميركية-الأفغانية يجب أن تُوقّع حتى لا تبقى أفغانستان جزيرة معزولة، لكن الواقع أن أفغانستان بحاجة أولاً وقبل كل شيء إلى مصالحة الأفغان فيما بينهم قبل مصالحتهم مع شركائهم في أميركا وغيرها.

أفغانستان والحسابات الإقليمية

إن الجميع في داخل أفغانستان وفي دول المنطقة والدول الكبرى يهمه الاستقرار وأمن المنطقة؛ لذلك لابد من انتهاء الاضطرابات الداخلية كشرط أولي لأي عمل سياسي أو أمني يراد له أن يكون مستمرًا وناجحًا.

هناك مصالح جزئية لكل طرف؛ فالشعب الأفغاني يريد تقديم مصالحه على مصالح غيره أولاً ثم مصالح الآخرين فيما بعد. وهذا يعني تحقيق الاستقرار؛ فالأفغان أحرار ومستقلون يجب أن يعيشوا مثل جميع الشعوب ينعمون بالحرية والاستقلال، وهذا يتعارض مع أن تكون لأميركا قواعد عسكرية دائمة في البلاد.

إن أفغانستان -فيما يبدو- ستبقى فضاء لتصفية الحسابات بين أميركا وغيرها وبين دول الإقليم؛ ذلك أن الأرض التي تدور عليها هذه الحرب هي التي ستحترق والآخرون آمنون؛ فكل دولة ستسلح أطرافًا أفغانية موالية لها، وهذا يعني أن أفغانستان ستخسر سيادتها على أرضها، وستبقى معتمدة على غيرها إلى الأبد.

في السنوات الماضية لم تحقق أفغانستان أي تقدم في المجال الاقتصادي بل إن بعض التحليلات تصف الحالة الأفغانية بالشخص المعتمد كليًا في تنفسه على الأكسجين الصناعي. وإذا كانت أفغانستان ستبقى معتمدة على الغير فلن تقوم لها قائمة، وسيكون وجود أميركا ذريعة لمزيد من الصراع الداخلي بين الرافضين للوجود الأميركي بالبلد والقابلين به. ويعني أيضًا أن المعادن والثروات ستكون بيد أميركا، ولعل من خطر التواجد الأميركي تغييره لهوية المجتمع الأفغاني.

إن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان ينبغي أن يتم مع ما يعنيه ذلك من ترتيبات وما يصاحبه من مصالحة الجهات الأفغانية حتى لا يحصل ما حصل أثناء الانسحاب الروسي.

من بين القضايا المطروحة بشدة على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الأفغانية موضوع: الانتخابات الرئاسية، لكن هل كان إجراؤها في التوقيت المحدد لها سيحل المشكلة؟ 

المصالحة أولاً

إن المشكلة في أفغانستان هي الخروج من الحرب المدمرة ومن الاضطراب المزمن. نظمت أفغانستان انتخابات مرتين لكن مشكلة البلاد لم تنته. ومن المعلوم -كما ذكرنا آنفًا- أن هنالك جهات رافضة للنظام الديمقراطي نفسه! وعلى هذا الأساس لابد من الاتفاق على ملامح معينة للنظام القادم، ولابد أن تكون هناك حكومة مؤقتة لسنة أو سنتين، ولابد لهذه الحكومة المؤقتة من سنّ دستور اتفاقي وبعد ذلك يصار إلى انتخابات متفق عليها.

إن قضية المصالحة قضية جوهرية في أفغانستان، فهل هي ممكنة؟ ليس السلاح بطبيعة الحال هو ما سيجر أفغانستان إلى التصالح، لقد جرب الأفغان الحلول العسكرية والمواجهات ففشلوا. لابد من تفاهم ولابد من وضع شروط لذلك، منها: وجود طرف محايد يتوسط بين الفرقاء، وهذا الطرف لن يكون المجلس الأعلى للمصالحة لأنه جهة رسمية غير محايدة.

قد نبحث عن هذا الطرف المحايد في إطار مجلس التعاون الإسلامي الذي يمكنه أن يتبنى استراتيجية للتوافق الأفغاني، وقد يكون هذا الطرف دولة قطر فهي مؤهلة لتشجيع هذه المبادرة. ومن الضروري إنشاء مكتب للخبراء الأفغان من داخل وخارج أفغانستان لتقديم المشورة، فعندما تجري محادثات بين الأطراف المتصارعة فإنه لابد أن تكون هناك جهة تفكر في تجاوز أية تعثرات قد تحدث، وهذا دور الخبراء. وهذا يقود في الختام إلى التذكير بأن ما يحتاجه الشعب الأفغاني الآن هو المصالحة. 

آفاق المستقبل السياسي والأمني في أفغانستان

يشكّل الشباب ممن هم تحت سن الـ 25 نسبة 25% من الأفغان، وهو ما ينبئ بمستقبل واعد جدًا. إن الاقتصاد مهم، ولكن يوجد عوامل أخرى ذات تأثير أيضًا كالانتخابات الرئاسية وانسحاب القوات الأجنبية. وكل من هاتين الخطوتين ضروريتان وأساسيتان لبناء مستقبل البلاد.

وتتضمن اللائحة التالية العوامل الكبرى التي يمكن أن تشكّل تحديًا أمام مستقبل البلاد، وهي:

  1. طالبان تزداد قوة وثباتًا.
  2. الركود الاقتصادي: إذ إن الإدارة لم تعمل على تطوير الاقتصاد وفقًا للوعود المقدمة.
  3. الفساد.
  4. التفتيت العرقي/الصراع العرقي.
  5.  كيف يمكن استخدام وجود القوات الأجنبية لصالح البلاد.
  6. يُرى أن كرزاي يتصرف بطريقة فردية جدًا دون وضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار.
  7. حجم الدعم الشعبي للمترشح الرئاسي المقبل.
  8.  ينبغي على أي رئيس مستقبلي أن يتفادى الاقتراب من الحدود العِرقية إذا ما أردنا أن نتقدم خطوة باتجاه "أفغانستان أفضل".
  9. العثور على مستشارين تكنوقراطيين.
  10. يُرى أن هناك حاجة لحكم يكون أكثر لا مركزية، وتفويض أفضل  للسلطة، ومسائلة أقوى للمسؤولين المحليين.