ندوة: الأزمة اليمنية الراهنة.. تعقيداتها وسيناريوهات المستقبل

2014104124341694734_20.jpg
المشهد السياسي اليمني بالغ التعقيد؛ إذ تتصارع فيه إرادات كثيرة داخلية وإقليمية، ما ينذر بمخاطر تهدِّد كيان الدولة اليمنية نفسها (الجزيرة)

ملخص
بعد سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء، والتحكم في مفاصل السلطة ومؤسساتها، وجد الحوثيون أنفسهم في موقف دفاعي عن مشروعهم السياسي والانتصارات العسكرية التي حققوها طوال الأزمة السياسية الراهنة؛ فتصدَّوا لنفي ارتباطهم بأية أجندة خارجية أو مشاريع قوى إقليمية، ورغم ذلك لا يزال السلوك السياسي لأنصار الله يثير مخاوف جهات كثيرة في ظل قوة السلاح التي احتكم إليها الحوثيون لفرض اختياراتهم السياسية، وأنتجت موازين قوى جديدة، تتحرك في اتجاهات مختلفة سياسيًا وإعلاميًا وعسكريًا.

هذه الأحداث وتداعياتها كانت محور الندوة التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "الأزمة اليمنية الراهنة..تعقيداتها وسيناريوهات المستقبل"؛ وبدا من خلال الحوار أن المشهد السياسي اليمني بالغ التعقيد؛ إذ تتصارع فيه إرادات كثيرة داخلية وإقليمية، ما ينذر بمخاطر تهدِّد كيان الدولة اليمنية نفسها. 

 مقدمة

رغم الاتفاق الذي وقعته حركة أنصار الله مع باقي القوى السياسية اليمنية برعاية الأمم المتحدة وحضور الرئيس عبدربه منصور هادي في 21 سبمتبر/أيلول 2014، لا تزال تداعيات الأزمة السياسية، التي انتهت إحدى فصولها بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، تُهدِّد وحدة كيان الدولة في ظل تغيُّر موازين القوى الداخلية، واحتكام أطراف صاعدة لقوة السلاح لفرض اختياراتها السياسية. بل يؤثر ارتدادها (الأزمة) على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بعد تحوُّل اليمن إلى ساحة صراع لمشاريع قوى إقليمية لم يخف بعضها "مباركته"، وعلى منصة أُمَمِية، لـ"النصر المُؤزَّر والباهر"، الذي حققه أنصار الله، أو ما يُسمِّيه الحوثيون أنفسهم بـ"التحرير"، بعد إحكام قبضتهم على وزارة الدفاع، ومقر الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر، والسيطرة على محطة التلفزيون الحكومية، والمصرف المركزي، واقتحام جامعة الإيمان لمؤسسها عبد المجيد الزنداني.

لفهم هذه الأحداث، وتداعيات الأزمة السياسية التي تتفاعل متغيراتها، نظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة ناقشت قضايا إشكالية تبرز عمق الصراع بين مكونات المشهد السياسي اليمني، وتأثير المحيط الإقيلمي في مسارات الأزمة، خاصة بعد تصريحات المسؤولين الإيرانيين، التي تشيد بإنجازات أنصار الله. إذًا، فهل يتمادى الحوثيون في المواجهات المفتوحة مع القوات اليمنية في صنعاء، أم أن الحوار السياسي سيكون هو المخرج للأزمة اليمنية؟ وما أسباب نجاح الحوثيين في السيطرة على صنعاء؟ وما الذي حققته الحركة من نتائج سياسية وعسكرية؟ وكيف أثّر ذلك على موازين القوى؟ وهل ينزلق اليمن لحرب أهلية شاملة، أم تستقر الأوضاع بالتوافق والشراكة الوطنية؟ وما التأثير الخارجي على الأزمة اليمنية؟ وما ملامح المشهد السياسي لليمن مستقبلاً؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت محور النقاش الذي شارك فيه عدد من الخبراء والباحثين المهتمين بالشأن اليمني، إضافة إلى عضو المجلس السياسي لجماعة أنصار الله الحوثية محمد البخيتي، والصحفي والإعلامي في شبكة الجزيرة الإعلامية أحمد الشلفي، فضلاً عن ممثلي بعض الصحف المحلية والعربية.

الحوثيون: المنشأ والأجندة

مع سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء، وإزاحة خصومهم السياسيين عن هامش المشهد اليمني، برز خطاب دفاعي عن المشروع السياسي للحركة وعملياتها العسكرية التي خاضتها ضد السلطة منذ العام 2004 وحتى اليوم. ويظهر هذا الدفاع في تصريحات الناطقين باسم الحركة، وبعض القيادات السياسية، التي تنفي ارتباط الحوثيين بأي أجندة خارجية أو مشروع إقليمي، وتؤكد في المقابل ارتباط ثقافتها بعاطفة الشعب اليمني التي تناصر القضايا القومية والعربية والإسلامية؛ وهو ما يُبرِزُه من وجهة نظرهم شعار "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، والذي كان أطلقه مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي، في 17 يناير/كانون الثاني 2002، صرخة في وجه الاحتلال الإميركي لأفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ويرى أحد القادة السياسيين لأنصار الله أن نشاط الحركة وعملها السياسي لم يكن يومًا مذهبيًا، وإنما انتصارًا للقضايا العادلة باعتبار أن العدو الحقيقي يتجسد في أميركا وإسرائيل، لذلك كان طبيعيًا أن يقف الحوثيون مع بعض التيارات اليمنية التي تعرضت للتضييق بعد أحداث 11 سبتمبر؛ مؤكدًا أن الحركة يمنية المنشأ ولم تولد في أحضان قوى خارجية لتكون لها ارتباطات بأجندات أو مشاريع إقليمية. وأشار المسؤول الحوثي إلى أن الحركة دفعت ثمنًا باهضًا بسبب مواقفها؛ إذ شُنَّت عليها ستة حروب، لكن في كل مرة كانت تزداد قوة، وفي الحرب السادسة أصبحت هناك قناعة بأن القضاء على أنصار الله أمر غير واقعي؛ وهو ما برز بجلاء في ثورة 2011؛ حيث ظهرت قوى جديدة تتمثل في الشباب، وأنصار الله، ما أدى إلى تغيُّر في التوازنات الداخلية التي تشكلت طيلة العقود الماضية.

ولم ينف أحد الصحفيين، الذين خبروا الشأن اليمني وتابع نشأة الحركة الحوثية والحروب الستة التي خاضتها ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، قوة الحوثيين في المشهد السياسي؛ حيث ظل اليمنيون يتعاطفون مع الحركة، لكن السؤال الذي كان مثار الجدل هو "ماذا يريد الحوثيون؟"، خصوصًا بعد قرار انسحابهم من الثورة؛ مؤكدًا أن إيران استطاعت أن تنفذ بعمق داخل الحركة خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2013؛ لأنها تريد أن يكون الربيع إيرنيًا، كما أن عينها كانت ولا تزال على السعودية. وهنا يشير المتحدث إلى أن "اليمن بات ملعبًا لصراع قوى إقليمية واليمنيون ليسوا هم اللاعبين"، منوِّهًا إلى الدور الإيراني القوي في دعم الحوثيين عسكريًا، وإعلاميًا وسياسيًا؛ وتوقَّع أن تكون لطهران ترتيبات معينة داخل الساحة اليمنية في المرحلة المقبلة.

ولئن ظل المسؤول السياسي لأنصار الله ينفي بشدة ارتباط حركته بالأجندة السياسية الإيرانية، أو خدمة المشروع الإيراني في المنطقة، فإنه أكد أن الحوثيين تأثروا بالفعل بأفكار الثورة الإسلامية الإيرانية، وتجربة حزب الله في لبنان؛ وهو ما اعتبره تفاعلاً مع تحولات المحيط الإقليمي. كما ظل يدافع عن سيطرة الحركة على العاصمة صنعاء، مبررًا ذلك بمخرجات المبادرة الخليجية التي جاءت بحكومة فاسدة وفاشلة، وعملية سياسية تُحصِّن الفاسدين وتقصي أطراف سياسية وازنة في المشهد اليمني، مثل: الحراك الجنوبي، وأنصار الله، وشباب الثورة؛ ولم تؤد إلى شراكة سياسية حقيقية، بل انفردت مجموعة بالقرار السياسي اليمني وسمحت لقوى خارجية بتصفية حساباتها مع أنصار الله؛ وهو ما جعل الوضع السياسي مُختلاًّ، ولا يمكن السماح باستمراره لا سيما بعد أن فقدت السلطة سيطرتها على الأرض والقرار السياسي.

سيناريوهات المستقبل

تبدو مظاهر تحكُّم الحوثيين في مفاصل السلطة واضحة، حسب مصادر الصحفي الذي خبر العمل في مناطق نفوذ الحوثيين؛ إذ لم تعد الدولة تحتكر السلاح، وقد استطاعت الحركة أن تنشئ قوة عسكرية منظمة طوال سنوات الحرب التي خاضتها مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح؛ فهي تمتلك عشرات الدبابات وأسحلة ثقيلة ونوعية ومضادات طائرات. ويثير هذا الواقع مخاوف كثيرة خاصة في ظل الفراغ الأمني والعسكري بالبلاد، وقيام الحوثيين بدور الأجهزة والمؤسسات الأمنية في حماية المنشآت الحكومية. لذلك يتوقع المتحدث أن تؤول الأوضاع إلى أحد السيناريوهات الآتية:

  1. سيطرة الحوثيين على اليمن في ظل وجود رئيس عاجز وحكومة معطلة، ومغادرة أفراد الجيش اليمني لثكانتهم؛ وهذا ينذر بدخول البلاد إلى المحظور؛ ويهدد بتفككها مناطقيًا. ويظل هذا السيناريو قائمًا لا سيما بعد تواتر تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن انتصار الحركة و"ونصرها المؤزر والباهر" في العاصمة.
  2. انفصال شمال الشمال والشرق؛ إذ يبدو من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين أن هناك مخططًا يتم إعداده في المناطق الغربية باتجاه السعودية؛ فهناك تجهيز عسكري لما سيحدث في هذه المنطقة؛ لأن المقصود بالتطورات التي تجري في اليمن هو السعودية وليس الداخل اليمني.
  3. استباب الوضع للحوثيين؛ حيث سيكون الرئيس والحكومة تحت وصايتهم؛ وفي هذه الحالة يتحكمون في القرارا السياسي، وستكون هناك جماعة مسحلة تسيطر على البلد وتدير شؤونه.

خلاصة

تنذر الأزمة السياسية بمخاطر كثيرة رغم تطمينات الحوثيين لشركائهم بالحل السياسي الذي يستوعب ويحفظ مصالح جميع القوى بعد اتفاق السلم، الذي يؤكد على الشراكة السياسية ومحاربة الفساد ونزع السلاح، لكن هذا التفاؤل يُواجَه بمخاوف يثيرها سلوك أنصار الله أنفسهم بعد إحكام سيطرتهم على الأرض؛ إذ سرعان ما بدأ تخويف وترهيب المواطنين في بيوتهم، وداخل المساجد، واقتحام المؤسسات العلمية والاجتماعية والاعتداء على الممتلكات؛ كما أن هذا السلوك يُولِّد ردود فعل لدى قوى أخرى، مثل تنظيم القاعدة الذي يملك القدرة على القيام بعمليات نوعية، ويسمح له بتمدُّد وتوسع حاضنته الاجتماعية. ويربط مراقبون عمق الأزمة السياسية الراهنة بالنفوذ الإيراني في اليمن، والدور الذي يقوم به أنصار الله في خدمة الأجندة الإيرانية؛ الأمر الذي يعقد المشهد السياسي الداخلي؛ بل إن طهران لن تتوقف عند الساحة اليمنية؛ لأن عينها على السعودية.
___________________________________
* محمد الراجي - باحث في مركز الجزيرة للدراسات