حلقة نقاشية: سيناء وتداعيات الخيار الأمني

2014111954918570734_20.jpg
جانب من الحلقة النقاشية (الجزيرة)

ملخص
الواقع أن الحل الأمني ليس متبعًا في سيناء فقط؛ وإنما أصبح الهاجس الأمني متبعًا في مصر كلها؛ وذلك نتيجة لتخلي النظام عن الحل السياسي؛ وبالتالي اللجوء إلى الحل الأمني؛ مما يجعل التعامل بالحل الأمني مع الأطراف التي على الحدود أولوية.

والمشكلة الحالية التي تواجه السلطة المصرية أن مجموعة من التنظيمات بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، والعملياتُ النوعية التي تتم في سيناء أدخلت مصر في حالة من حالات الحرب الحقيقية مرشحة للتعزيز أكثر؛ لأن كلا الطرفين لا يمكنه التنازل عن الحل الأمني.

وتقوم بعض الجهات الإعلامية المصرية بإنشاء حالة من الاستقطاب الشعبي الكارثي؛ حيث يوجد ظهير شعبي للسلطة في مصر يصل إلى ظهور أصوات تنادي بالتخلُّص من سيناء لتجنب المشكلات والإرهاب؛ الذي يخرج منها ويهدد مصلحة الوطن.

والجماعات الإسلامية في سيناء ليست طرفًا فعالاً؛ وإنما يتم توظيفها بما يخدم المخططات الأميركية والإسرائيلية، وأغلب الجماعات الإسلامية في سيناء حاضنة للفكر السلفي.

والإعلان الأخير عن انضمام جماعة بيت المقدس إلى دولة الخلافة الإسلامية ينشط الوضع في سيناء ويضعه وسط المعركة الخاصة بالتحالف؛ مما يؤدي إلى نقل المعركة داخل الأراضي المصرية.

وطبقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، والدستور المصري الذي وضعته السلطة الحالية يحظر التهجير القسري التعسفي بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.

مقدمة

بعد تعرُّض كمين أمني مصري في منطقة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء يوم الجمعة 24 من أكتوبر/تشرين الأول لهجوم مسلح، أدَّى إلى مقتل ما يزيد عن 30 عسكريًّا وجرح عشرات آخرين، أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في محافظة شمال سيناء، ودفعت المزيد من قوات الجيش والأمن إلى المنطقة القريبة من حدود مصر الشرقية مع قطاع غزة والدولة العبرية.

كما أُعلن في القاهرة عن إغلاق معبر رفح مع قطاع غزة لأجل غير مسمى، وتأجيل جولة المفاوضات غير المباشرة بين حماس وبين الدولة العبرية، التي كان من المقرَّر أن تستضيفها القاهرة في الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول.

وقامت السلطات المصرية بتنفيذ خطة لإقامة منطقة عازلة مع قطاع غزة، تمتد من 400 متر إلى كيلومترين؛ وإجبار الآلاف من الأهالي الذين يقطنون تلك المنطقة على التخلي عن منازلهم وأراضيهم الزراعية، بعد فشلها في القضاء على المسلحين في سيناء. 

واختلفت الآراء؛ فهناك مَنْ يرى أحقية النظام في تهجير الأهالي، ليتمكَّن الجيش من مواجهة "الإرهاب"، فيما اعتبر آخرون أن هذه الدعوات تهدف إلى توريط القوات المسلحة في استهداف المواطنين وخنق غزة وتأمين إسرائيل؛ وذلك باعتقال الأبرياء وتدمير بيوتهم.

وفي هذا السياق، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية عن المشهد السياسي بسيناء وتداعيات الخيار الأمني، تحدَّث فيها الدكتور طارق الزمر المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، والأستاذ عبد الفتاح فايد مدير مكتب الجزيرة في القاهرة، والمستشار وليد شرابي المتحدِّث باسم جبهة قضاة من أجل مصر، ودار النقاش حول الأسئلة التالية: هل تهجير أهالي سيناء يصبُّ في مصلحة الأمن القومي المصري وحماية حدودها من الاختراقات عبر الأنفاق، أم أنه يُحَقِّق مطالب إسرائيل في حصار غزة؟ وهل يُوَفِّر حاضنة للجماعات المسلحة، ويُعتبر حربًا على القبائل، أم أنه يقضي على هذه الجماعات؟ وما قانونية ما تقوم به القوَّات المسلحة وأجهزة الأمن في التعامل مع أهالي سيناء؟

أبعاد ما يحدث في سيناء

المتابع للتاريخ يعلم أن النظام المصري أهمل سيناء لفترات طويلة؛ هذا فضلاً عن وضع سيناء وأهلها في المرتبة الثانية، والأوضاع ازدادت سخونة في الفترة الأخيرة، أدى إلى تهجير أهلها والتدخل الأمني بشكل واضح، ومما لا شك فيه أن تجاهل مطالب أهالي سيناء هي التي أدَّت إلى تفاقم الأزمات، وإيصال مصر إلى هذه المرحلة الحرجة.
وبالرجوع إلى التاريخ فإنه من المعروف عسكريًّا أن هناك استراتيجيتين للدفاع عن أي منطقة:

أولاً: زراعة هذه المنطقة بالبشر وتعميرها
تلك الاستراتيجية دعا لها في العسكرية المصرية "عزيز المصري"، الذي يعتبر هو المؤسس الحقيقي للجيش المصري الحديث، وكانت النظرية الأمنية الخاصة به "أن يتم زراعة سيناء بالبشر عبر مشروعات استراتيجية كبيرة تجتذب المواطنين من الوادي الخانق إلى هذه المنطقة الشاسعة؛ التي تمثل 6% من مساحة مصر الإجمالية ولا يسكنها سوى نحو 400 ألف أو 450 ألف إنسان"، إلا أن الحكومة أهملت هذه النظرية تمامًا على الرغم من أن الذي وضعها هو أحد قيادات العسكرية المصرية، واكتفت الحكومة بالاتجاه إلى مشاريع لا تستقطب عمالة؛ وإنما مشاريع سياحية وترفيهية خاصة في جنوب سيناء، هذا بينما أُهمل الشمال تمامًا؛ وأُبقي على الشمال فقيرًا دون أي موارد.

ثانيًا: إبقاء سيناء خالية
بالنظر إلى الملاحق الأمنية في اتفاقية كامب ديفيد، التي تهدف إلى إبقاء سيناء خاوية؛ وذلك تحت بند الحفاظ الأمني على سيناء مع أنه يتعارض معها بشكل كبير، وعلى الرغم من أن أغلب فئات الشعب المصري تعارض هذا الخيار؛ فإنه أصبح الخيار المحبب لدى الحكومة المصرية، وأكبر دليل على ذلك "مشروع ترعة السلام"، الذي كانت تعارضه إسرائيل بشدة وتعتبره الأساس في عمل مشاريع كبيرة بسيناء؛ خاصة أنه كان سيمرُّ في وسط سيناء، إلا أنه عند تنفيذ المشروع اتجهت الحكومة المصرية إلى تحويل مسار الترعة لتكون في الشمال في منطقة ملحية غير صالحة للزراعة؛ وذلك رغم الحصول على موافقة دول حوض النيل وبالتالي إهدار فرصة تاريخية.

والآن أصبح الحديث المشاع إعلاميًّا أن المنطقة أصبحت ساحة حرب؛ والأفضل لها عسكريًّا أن تكون خاوية؛ وذلك لإحكام السيطرة عليها.

تعززت هذه النظرية "إبقاء سيناء خاوية" بعدة إجراءات يستحيل معها إقامة مجتمع سكاني:

  • منع أي عوامل جذب بمنح أي حقوق على الأرض؛ وذلك بمنع تملك الأراضي تمامًا في سيناء، فسيناء منطقة لا يتملكها أناس يعيشون على الأرض منذ آلاف السنين ويتوارثونها وليست في يد أيًّا منهم وثيقة تملُّك لهذه الأرض. 
  • البعد عن تنفيذ زراعة المنطقة بالبشر، وتم استبعاد الاستراتيجية الأولى، واستبعدت ترعة السلام ولم يتم إنشاؤها في مكانها. 
  • وجود حاجز مائي، ومعروف تاريخيًّا وجغرافيًّا أن أقوى الحدود وأقوى الموانع هي الموانع المائية، وهذا المانع المائي كان مشكلة أمام العسكرية المصرية في 73؛ خاصة أن أصبح يوجد مانعين؛ وذلك لأن الجيش الإسرائيلي أقام مانعًا آخر وهو خط بارليف، والآن الحكومة المصرية تصنع مانعًا ثالثًا بنفسها، فتشق قناة ثالثة بعرض 70 مترًا في المنطقة الوسطى "منطقة العبور للجيوش"؛ مما يزيد من احتمالية انشطار هذا الجزء من الوطن.

ماذا جنى الحل الأمني في سيناء؟

الواقع أن الحل الأمني ليس متبعًا في سيناء فقط؛ وإنما أصبح الهاجس الأمني متبعًا في مصر كلها؛ وذلك نتيجة لتخلي النظام عن الحل السياسي وبالتالي اللجوء إلى الحل الأمني؛ مما يجعل التعامل بالحل الأمني مع الأطراف التي على الحدود أولوية؛ هذا إضافة إلى أن أخطر الانكسارات التي حدثت فيما بعد عزل محمد مرسي هو وقف عملية تحول الجماعات الإسلامية المتشددة إلى جماعات ديمقراطية.

المشكلة الحالية التي تواجه السلطة المصرية أن مجموعة من التنظيمات بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، والعمليات النوعية التي تتم في سيناء أدخلت مصر في حالة من حالات الحرب الحقيقية مرشحة للتعزيز أكثر؛ لأن كلا الطرفين لا يمكنه التنازل عن الحل الأمني.

وتقوم بعض الجهات الإعلامية المصرية بإنشاء حالة من الاستقطاب الشعبي الكارثي، حيث يوجد ظهير شعبي للسلطة في مصر يصل إلى ظهور أصوات تنادي بالتخلُّص من سيناء لتجنُّب المشكلات والإرهاب الذي يخرج منها ويُهَدِّد مصلحة الوطن.

تفكير الجماعات الإسلامية في سيناء

إن الأوضاع الحالية التي تحدث داخل سيناء ليست بعيدة عن التحالف الدولي ضد الإرهاب؛ الذي اتجه إلى المنطقة العربية، كما أنها ليست بعيدة -أيضًا- عن محور ما يسمي بالثورات المضادة، وبعضهم يعتبر أن تحول النظام في مصر أتى بأجندة سياسية من أهم بنودها تغيير الوضع السياسي والعسكري في سيناء، وبعضهم الآخر يرى أن المنطقة العربية بكاملها يعاد تقسيمها مرة أخرى وفقًا للتقسيم التالي:

  • تحالفات سياسية 
  • ثورات مضادة 
  • خريطة اتساع للجماعات المسلحة في المنطقة

كل تلك الأحداث تهدف إلى وضع المنطقة تحت السيطرة الأميركية عن طريق ما يسمي "الفوضى الفتاكة"؛ مما يخلق جماعات مسلحة تنتشر على طول المنطقة نتيجة لانغلاق كل منافذ العمل السياسي.

ما يجري الآن في سيناء يعتبر إدارة للصراع المفتوح وليست حلاًّ للصراعات، حيث إن الإدارة تُجرى عن طريق الشركاء المختلفين الإقليميين، ويوظف الجميع للسيطرة على المنطقة؛ خاصة بعدما كانت المنطقة العربية ستخرج خارج السيطرة والهيمنة الأميركية نتيجة للثورات العربية المتلاحقة.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن الشعوب العربية لا تزال حاضرة وبقوة؛ مما يمكنها من استكمال الثورات التي بدأتها، إضافة إلى استمرار إبقاء الجماعات الإسلامية رغم عدم قدرتها الكاملة على أداء أدوارها بشكل أساسي.

سيناء الآن
ما يجري في سيناء الآن يعتبره بعضهم يصب في صالح السلطة المصرية الحالية؛ وذلك لتمرير النظام الحالي دوليًّا تحت مسمى مكافحة الإرهاب، هذا بينما يرى آخرون أنها تعتبر تلبية للمطالب الإسرائيلية من السلطات المصرية؛ خاصة في مسألة إحكام الحصار على غزة في إطار مخطط لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية.

وعلى الجانب الآخر ترى مجموعة أخرى أن ما يحدث في سيناء يرجع إلى تدبيرات من جماعة الإخوان المسلمين بهدف إجهاد  النظام المصري، وإظهار صورته في مظهر الفاشل؛ خاصة أن النظام الحالي يُسَوِّق لنفسه بشكل دائم بوازع الأمن لدى المواطن العادي.

المطالب الإسرائيلية وموقفها مما يحدث في سيناء
لعلَّ من أبرز المطالب الإسرائيلية هو إعادة ترتيب الأوضاع الديمغرافية؛ وذلك من خلال القضاء على بعض القبائل المعينة داخل سيناء، وإدارة عمليات المطاردة للجماعات المسلحة لعدم إدخالها داخل إسرائيل، هذا إضافة إلى إدارة الصراع المفتوح مع كافة الجماعات الإسلامية لضمان عدم استمرارها بسيناء؛ خاصة أن المجتمع السيناوي يقبلها بشكل كبير؛ لأنه مجتمع متدين بطبعه.

الأهداف الخادمة لإسرائيل

  • التسليح ضد الجيش المصري واستعدائه؛ مما يعني ضرب الأمن القومي المصري.
  • كثرة القبائل الحاضنة للجماعات الإسلامية.
  • الوقوف دائمًا والتذكير لدى المواطن السيناوي بالفرق بين تعامل الاحتلال الإسرائيلي وتعامل السلطة المصرية معه.
  • إخراج سيناء من خطة التنمية.
  • نصب فخ لإنهاك الجيش المصري؛ وذلك بتوزيع القوات في المدن والقرى.
  • استمرار الصراع سيتيح لبعض الأطراف تعزيز تواجدها داخل سيناء؛ ومنها على سبيل المثال: الموساد، إيران.. إلخ.

الجماعات الإسلامية في سيناء
الجماعات الإسلامية في سيناء ليست طرفًا فعالاً؛ وإنما يتم توظيفها بما يخدم المخططات الأميركية والإسرائيلية، وأغلب الجماعات الإسلامية في سيناء حاضنة للفكر السلفي بطرق متعدِّدة؛ وهي:

  • الجماعة الإسلامية الجهادية السلمية: ترى أن خدمة القضية الفلسطينية واجب عليها.
  • الجماعة الجهادية: تقضي بوجوب الجهاد تجاه إسرائيل.
  • الجماعة التكفيرية: ترفع راية الجهاد ضد كل الكفار بما فيهم المدنيين.
  • خليط ما بين السلفية والجهادية والتكفيرية: موجه من خلال الدعم وسهل حدوث اختراقات بين صفوفهم؛ وذلك لأن أغلبهم من البسطاء والأميين.

الوضع القانوني لتهجير أهالي سيناء

تحدثت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1948 عن فكرة التهجير القسري في المادتين 41، 128، وقالت: إن التهجير القسري يكون لمصلحة المواطن نفسه، وإن تم يكون بشكل مؤقت. وفي الدستور المصري الذي وضعته السلطة الحالية في العام 2014 المادة 63 نصت على أنه: يحظر التهجير القسري التعسفي بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.

أخيرًا، الإعلان الأخير عن انضمام جماعة بيت المقدس إلى دولة الخلافة الإسلامية ينشِّط الوضع في سيناء ويضعه وسط المعركة الخاصة بالتحالف؛ مما يؤدي إلى نقل المعركة داخل الأراضي المصرية.
_____________________________
* محمد مهدي - مركز الجزيرة للدراسات