حلقة نقاشية: تراجع أسعار النفط وأثره في اقتصاديات العالم العربي

20141211145736469734_20.jpg
من اليمين: أحمد مرزوق صحفي اقتصادي في شكبة الجزيرة الإعلامية، د.فاطمة الصمادي باحثة بمركز الجزيرة للدراسات، ومصطفى عبد السلام رئيس قسم الاقتصاد في صحيفة العربي الجديد(الجزيرة)

ملخص
شهدت أسعار النفط تراجعًا حادًّا خلال الفترة الأخيرة؛ إذ وصل سعر البرميل إلى أدنى مستوى له منذ العام 2012 فبلغ حوالي 66 دولارًا للبرميل؛ أي ما يعادل نسبة انخفاض تقارب 40%، وتتداخل العوامل والأسباب المُفسِّرة لهذا التراجع، الذي لا يتواءم مع منطق وآليات السوق النفطية، ولعل ما يزيد من تعقيد تلك التفسيرات هو إحجام السعودية عن خفض إنتاجها لإيقاف انهيار الأسعار؛ مما جعل البعض يتحدث عن "حرب نفطية" في سياق تحالف سعودي-أميركي ضد روسيا لمعاقبتها على سلوكها السياسي في الأزمتين: السورية والأوكرانية في مسعى لإعادة إنتاج سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي سابقًا.

هذا الموضوع الإشكالي كان محور حلقة نقاشية نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "تراجع أسعار النفط وأثره في اقتصاديات العالم العربي"، وقد تناولت أسباب هذا التراجع وسياقاته الاقتصادية والسياسية، وخلصت إلى أن السوق النفطية ستظل مضطربًة؛ بل وغامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولا يمكن التكهن بمآلات أسعار النفط، ولن تتحسن هذه السوق إلا إذا حدث تطور في الاقتصاد في منطقة اليورو؛ وتعافت الاقتصادات الدولية من الأزمة المزمنة التي تمر بها.

مقدمة

لا يزال تراجع أسعار النفط يثير أسئلة كثيرة بشأن أسبابه وعوامله، كما تتعدد المداخل والنظريات المُفسِّرة لهذا التراجع اقتصاديًّا وسياسيًّا، خاصة أن هذا الانهيار المفاجئ لا يتواءم مع منطق وآليات السوق النفطية (العرض والطلب)، وزيادة المخاطر والتوترات الأمنية التي تهدد خطوط الإنتاج والإمداد ما يجعل هذه السلعة في ارتفاع. ويتوقع البعض أن يستمر تراجع أسعار النفط في المرحلة المقبلة لاعتبارات كثيرة، بعضها يرتبط بسوق الطاقة نفسها، وبعضها بالتغيير الذي طرأ على خارطة الإنتاج والمنتجين في السنوات الأخيرة. وعلى الصعيد الإقليمي تستمر الدول الأساسية المنتجة للنفط (السعودية وإيران والعراق وليبيا) في رفض تخفيض الإنتاج لإعادة التوازن إلى سوق النفط ووقف انهيار الأسعار. أما على الصعيد العالمي فقد بات مستقبل إنتاج الطاقة منقسمًا بين معسكرين: الأول: بقيادة السعودية والولايات المتحدة الأميركية، والثاني: بقيادة روسيا وإيران.

هذا التعقيد الذي يثيره موضوع تراجع أسعار النفط؛ حيث بدأ البعض يتداول مصطلح "حرب نفطية عالمية"، كان مثار الحوار في حلقة نقاشية نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات للإجابة عن سؤال مركزي: ما أسباب هذا التراجع في أسعار النفط؟ وما تداعياته الاقتصادية والاستراتيجية على المنطقة والعالم؟ وقد شارك في هذه الجلسة الأستاذ مصطفى عبد السلام، رئيس قسم الاقتصاد في صحيفة العربي الجديد، والأستاذ أحمد مرزوق، صحفي اقتصادي في شبكة الجزيرة الإعلامية، فضلاً عن ممثلي الصحف والمؤسسات الإعلامية المحلية في الدوحة.

أسباب تراجع أسعار النفط

كان انهيار أسعار النفط سريعًا وحادًّا خلال الفترة الأخيرة؛ حيث وصل سعر البرميل إلى أدنى مستوى له منذ العام 2012 وبلغ حوالي 66 دولارًا للبرميل؛ أي بنسبة انخفاض تقارب 40%؛ وهو ما يجعل العالم، من وجهة نظر أحد المتحدثين، مقبلاً على أزمة اقتصادية عنيفة قد تتجاوز آثارها وانعكاساتها الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم خلال 2008، ويؤشر على ذلك تراجع النمو في الصين، ومنطقة اليورو، كما أن منطقة جنوب شرق آسيا مهددة بالركود الاقتصادي.

ويقدم المتحدث تفسيرات كثيرة ومتعددة لتراجع أسعار النفط، ويربط بعضها بزيادة إنتاج الولايات المتحدة الأميركية في مجال النفط؛ حيث تطمح لأن تتصدر السوق النفطية في إنتاج هذه المادة الحيوية للاقتصاد العالمي، خاصة أن أعمال النفط والغاز في بعض الولايات الشمالية تشهد توسعات في النفط الصخري؛ ما يسهم في زيادة إمدادات النفط العالمي. كما يعزو هذا التراجع إلى نمو السوق السوداء لتجارة النفط؛ حيث تبيع إيران إنتاجها من النفط في هذه السوق للالتفاف على العقوبات الدولية، والأمر نفسه بالنسبة للجماعات التي تسيطر على حقول نفطية في ليبيا، يضاف إلى ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يسيطر على حقول نفطية في سوريا والعراق؛ حيث يحقق مكاسب مالية لا تقل عن 100 مليون دولار شهريًّا من تجارة النفط في السوق السوداء، والتي تعد أحد أهم مصادر تمويل التنظيم. وهناك عامل آخر، يضيفه المتحدث، ويتمثل في المضاربات التي أخذت حدتها تزداد في الفترة الأخيرة.

ويطرح أحد المراقبين لتاريخ حركة أسعار النفط سؤالاً حول توقيت هذا التراجع، خاصة أن إنتاج النفط الصخري الأميركي بدأ منذ العام 2008، فلماذا التراجع الآن علمًا بأن السعودية التي تحتل المركز الأول في إنتاج النفط لم تسارع إلى خفض إنتاجها لإيقاف انهيار الأسعار؟

يعزو المتحدث انهيار أسعار النفط إلى احتمال وجود الدور السعودي في الضغط على شركات النفط الصخري لوقف طاقتها وقدراتها الإنتاجية ما يضطر هذه الشركات للخروج من السوق النفطية، وهناك احتمال آخر وهو أن انخفاض أسعار النفط يخدم المستهلك الأميركي فيقوِّي حظوظ حزب أوباما في الفوز في الانتخابات المقبلة، وبقاء الديمقراطيين -حسب المحلِّل- يتواءم مع المصالح السعودية، في الحيلولة دون وصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض بسبب المخاوف التي يثيرها هؤلاء في حال عودتهم إلى مقاليد السلطة لإشعال الحروب في المنطقة، خاصة تجاه إيران. وقد انتقد بعض المشاركين هذا التفسير باعتبار أن تاريخ العلاقات السعودية-الأميركية توطَّد مع الجمهوريين وليس الديمقراطيين في محطات ومراحل مختلفة (حروب الخليج كاملة)؛ فضلاً عن أن إيران تشكِّل تهديدًا للسعودية قبل أي كيان آخر، وتعتبرها "رأس الحية الذي يجب قطعه".

وفي سياق هذا المدخل السياسي لتفسير تراجع أسعار النفط، يرى أحد المتحدثين أن السعودية والولايات المتحدة تستخدمان النفط سلاحًا ضد روسيا لإحداث خسائر في اقتصادها الذي يعتمد على عائدات تصدير هذه السلعة الاستراتيجية؛ وذلك لمعاقبتها على سلوكها في إدارة الأزمتين: السورية والأوكرانية (شبه جزيرة القرم). ويقدِّر خبراء النفط أن استمرار انخفاض أسعار البترول سيجعل روسيا تخسر 100 مليار دولار من إيراداتها السنوية من تصدير النفط، فضلاً عن خسارتها لـ40 مليار دولار سنويًا بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، وانهيار عملتها الروبل التي خسرت ثلث قيمتها إزاء اليورو. وهنا يشير المتحدث إلى سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي سابقًا؛ حيث قامت السعودية بزيادة إنتاج النفط مما أدى إلى انخفاض سعره عشية تفكك الاتحاد؛ وهو ما يعني أن هناك حربًا تجارية يُستخدم فيها النفط ضد روسيا؛ ولعل ذلك ما جعل البعض يستخدم مصطلح "الحرب النفطية" لاستنزاف الاقتصاد الروسي.

الخاسرون والرابحون

أولى المتضررين من تراجع أسعار النفط هي دول الخليج؛ حيث تتكبد السعودية خسارة يومية تصل لـ350 مليون دولار، وتفقد 40% من إيراداتها، كما تفقد الكويت 50 مليون دولار يوميًا بحسب الخبراء. وعلى الرغم من هذه الخسائر فإن السعودية، كما يرى أحد المتحدثين، تستطيع أن تتحمل تداعيات انهيار الأسعار لمدة قد تصل إلى 3 سنوات؛ لأن لديها احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 700 مليار دولار، كما أن موازنتها قائمة على أساس سعر 70 دولارًا لبرميل النفط، في الوقت الذي قد تتحمل فيه دول أخرى هبوط سعر النفط إلى 60 دولار للبرميل. لكن السعودية، من أجل معالجة الخلل في موازنتها نتيجة تراجع أسعار النفط، سحبت خلال شهر سبتمبر/أيلول أكثر من 13 مليار دولار من الاحتياطي العام لأول مرة منذ العام 2009.

وتُعد سلطنة عمان والبحرين الأكثر تضررًا في المنطقة؛ لأن مواردهما النفطية قليلة، بالإضافة إلى أن لديهما أدنى مستوى للاحتياطي النقدي في الخليج. وقد بدأت آثار هذا التراجع تظهر في السياسات المالية لهذه الدول عبر عملية ترشيد الدعم وتقليل الإنفاق على البنية التحتية.

يضاف إلى هذه الدول المتضررة من انخفاض أسعار النفط، إيران التي تحاول تصدير إنتاجها النفطي عبر التهريب إلى السوق السوداء، ثم روسيا، وليبيا التي تعتمد إيرادات موازنتها العامة على النفط (حوالي 95%)؛ وهذا ما دفعها إلى البدء في السحب من استثماراتها الخارجية.

أما الدول المستفيدة من انهيار أسعار النفط، فهي بلا شك الدول المستهلكة لهذه السلعة الاستراتيجية، خاصة الصين ودول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى مصر والمغرب والأردن؛ لذلك شرعت في تخزين احتياطيات نفطية مستغلة الظروف الراهنة؛ وهو ما أقدمت عليه الولايات المتحدة نفسها التي أوقفت اكتشافاتها في مجال النفط الصخري، وبدأت في تخزين النفط.

وتوقع المتحدثون أن يستمر اضطراب السوق النفطية؛ بل ستظل السوق غامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولا يمكن التكهن بمآلات أسعار النفط، ولن تتحسَّن هذه السوق إلا إذا حدث تطور في الاقتصاد في منطقة اليورو؛ وتعافى الاقتصاد العالمي من الأزمة المزمنة التي يمر بها، فيعود النمو إلى الارتفاع، ويزداد الطلب على البترول فترتفع أسعاره مجددًا. 
_____________________________________
محمد الراجي- باحث في مركز الجزيرة للدراسات