الصين والتحديات الداخلية

201511811378788734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
في إطار أنشطة مركز الجزيرة للدراسات قدم السيد تشن شيانغتشيون، نائب دائرة التنظيم للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني محاضرة بعنوان: الصين والتحديات الداخلية، ركز فيها على التحولات التي طرأت على النظام السياسي الصيني الراهن، والتحديات التي تواجهه في ظل حكم الحزب الشيوعي، والتي من أبرزها محاربة الفساد والرشوة، وإنفاذ القانون على المواطنين جميعا على السواء، سواء كانوا أعضاء في الحزب أو خارجه وبصرامة. وتسعى القيادة الصينية لتحقيق "مجتمع الرفاه" عام 2020، من خلال "الإصلاح المعمق" وعلى نحو يشمل بنية الحزب الشيوعي الصيني نفسه، مع الاحتفاظ بالخصائص التي تميز الاشتراكية الصينية في صلب الإدارة والحكم. ويتوقع الحزب الشيوعي أن تؤثر هذه التغييرات إيجابا على علاقة الصين مع العالم لا سيما الدول الكبرى ودول الجوار منها، وستعطي الأولوية في المرحلة القادمة لبناء طريق حرير جديد في البر والبحر. ويبقى الحزب الشيوعي الصيني أبرز وأهم فاعل سياسي واجتماعي في أكثر دولة سكانا في العالم، وقد مرت حتى أربعة وتسعون عاما على تأسيسه وأكثر من ستين سنة على وصوله لسدة الحكم.

نظَّم مركز الجزيرة للدراسات يوم الأحد 11 من يناير/كانون الثاني 2015 محاضرة تحت عنوان: "الصين والتحديات الداخلية"، ألقاها السيد تشن شيانغ تشيون، نائب دائرة التنظيم للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني.

وقد تناولت المحاضرة خمس نقاط بارزة، كما تلاها نقاش وردود مكَّنت الحاضرين من الوقوف على جوانب من طبيعة النظام السياسي الصيني الراهن، ورؤيته السياسية، وعلاقاته الخارجية.

الحزب الشيوعي الصيني

يبلغ عمر الحزب الشيوعي الصيني 94 سنة، وقد وصل إلى السلطة قبل ستين سنة، وينتسب له الملايين من الصينيين، وهو جزء أساسي من الحياة السياسية لهم، ومَنْ يُريد أن يعرف الصين لابُدَّ أن يعرف الحزب الشيوعي؛ كذلك مَنْ يُريد تطوير علاقاته مع الصين فلابُدَّ أن يُعَزِّز العلاقة مع الحزب الشيوعي الصيني؛ تأسَّس هذه الحزب في الأول من يوليو/تموز 1921، وكان عدد أعضائه عشرات الشخصيات في البداية، وكانت الصين قد جرَّبت النظام الدستوري الملكي والنظام البرلماني والنظام التعددي فمُنيت تلك التجارب بالفشل -حسب قول المحاضر- حيث كانت الصين مُقَسَّمة حينها بين أمراء الحرب، وكان مستوى المعيشة متدنيًا للغاية، ولا تعرف الصين إلى أين تذهب، وما الطريق التنموي المناسب!

ظلَّ الحزب الشيوعي الصيني يقود الشعب لمواجهة الإقطاعية والإمبريالية، وبعد 28 سنة من النضال وفي عام 1949 استولى الحزب على السلطة، وقد اختار الصينيون الحزب الشيوعي، وحدَّد الدستور بوضوح مكانته في الحياة السياسية، وفي نهاية سنة 2013 بلغ أعضاؤه 86 مليونًا و686 ألفًا؛ من بينهم 21 مليونًا و900 ألف امرأة؛ أي: 24% من أعضاء الحزب.

في عام 2012 عقد الحزب مؤتمره الوطني منتخبًا اللجنة المركزية الثامنة عشرة المكونة من 205 أعضاء أساسيين و171 عضوًا احتياطيًّا، وفي 15 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012 انعقدت الدورة الأولى للجنته المركزية الثامنة عشرة، وانتخب المكتب السياسي 12 شخصًا وانتخبت اللجنة القيادية 7 أشخاص.

قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب الصيني من أجل إنجاز ثلاث مهام كبيرة:

  • تأسيس جمهورية الصين الشعبية. 
  • تكريس النظام الاشتراكي الأساسي. 
  • الإصلاح والانفتاح والتحديث.

ثم إن النظام الاشتراكي ذا الخصائص الصينية قد أنشأ أربعة أنظمة: 

  • نظام مجالس نواب الشعب. 
  • نظام التعاون متعدد الأحزاب والتشاور السياسي. 
  • نظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي.
  • نظام الإدارة الذاتية للجماهير في الوحدات القاعدية.

إن المجلس الوطني هو أعلى سلطة في الحزب، وعدد مندوبيه أكثر من ألفين، ويتخذ هذا المجلسُ القرارات الكبرى للصين، ونظام التعاون المتعدِّد والتشاور في ظلِّ قيادة الحزب نظام أساسي، وهناك ثمانية أحزاب ديمقراطية تشارك في الحكم، ويتمُّ أخذ آرائها وآراء الشخصيات غير الحزبية، وعلى أساس ذلك يُتَّخذ القرار، وهذا ما يُحافظ على الاستقرار في الصين.

وبعد 90 سنة طرأت تغيُّرات كبيرة على مكانة ومهام الحزب وبيئته؛ لذلك قد تُواجه الحزب الصيني مختلف المخاطر والتحديات؛ وفضلاً عن ذلك فإن الأوضاع الدولية أوجدت متغيِّرات أثَّرت على المعادلة الدولية فتغيَّر ميزان القوى الدولية، وأصبح دور الصين أكثر تعقيدًا؛ فتتقدَّم عمليات التصنيع والمعلوماتية والتمدُّن وتفعيل دور السوق والتدويل نحو الأعمق، فتنشأ مجموعة من المعطيات والظروف الجديدة.

وتواجه الحزب الشيوعي الصيني أربعة تحديات؛ وهي:

  1. ممارسة الحكم لمدة طويلة.
  2. الإصلاح والانفتاح.
  3. اقتصاد السوق.
  4. البيئة الخارجية.

وهذه التحديات تطرح أسئلة كثيرة متعلقة بمستقبل الصين.

ماذا فعل الحزب الشيوعي الصيني منذ مؤتمره الوطني الثامن عشر؟

كان هذا المؤتمر تاريخيًّا ومهمًّا؛ فمن خلاله تمَّ إنجاز مرحلة جيل جديد للحزب يحلُّ محلَّ الجيل القديم؛ فقد طرح الأمين العام شي جينبينغ الحلم الصيني المتمثِّل في النهضة العظيمة للأمة الصينية، ويمكن تلخيص المؤتمر في مهام شاملة؛ من أبرزها: حلم الصين؛ ويتمثَّل في النهضة العظيمة للأمة الصينية؛ أي إنه بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الحزب سيصل الدخل الصيني إلى مستوى دخل يضاعف ما كان عليه عام 2012، كما أنه في عام 2050 ذكرى تأسيس الجمهورية سيكون قد تم تدشين الصين دولةً اشتراكيةً حديثةً؛ وهذان الهدفان هما الحلم الصيني، ولتحقيقهما عقد الحزب دورتين مهمَّتَيْنِ في عام 2013 وأكتوبر/تشرين الأول عام 2014 للجنة المركزية، واتخذ قرارَ وضعِ الخطوط العريضة لتعميق الإصلاحات على نحو شامل، ودفع حكم دولة القانون على النحو الشامل، والهدف من تعميق الإصلاحات على النحو الشامل هو تحقيق النظام الاشتراكي على الطريقة الصينية، والدفع بتحديث منظومة الحكم للدولة الصينية، والتركيز على الإصلاح في عدة مجالات.

وهناك مهام أربع لتحقيق هذا الحلم على نحو شامل:

  1. بناء المجتمع رغيد الحياة على نحو شامل.
  2. تعميق الإصلاحات على نحو شامل.
  3. دفع حكم الدولة بالقانون على نحو شامل.
  4. إدارة الحزب بصرامة وعلى نحو شامل.

على أن تعميق الإصلاحات على نحو شامل يعني جملة من الإصلاحات:

  • إصلاح النظام الاقتصادي (التنمية والمنافسة).
  • إصلاح النظام السياسي (دولة قوية).
  • إصلاح النظام الثقافي (القيم الاشتراكية).
  • إصلاح النظام الاجتماعي (بناء صين للجميع).
  • إصلاح نظام الحضارة البيئية.
  • إصلاح نظام بناء الحزب (اعتماد الأسلوب العلمي والديمقراطي والقانوني لممارسة السلطة).

وقد تمَّ وضع خارطة طريق لهذه الإصلاحات تتكون من 330 خطوة كبيرة في 15 مجالاً، وقد أُنجز حتى الآن 100 من هذه الخطوات.

ولعلَّ أبرز عمل يسعى الحزب لتحقيقه هو: تعزيز سيادة القانون على نحو شامل، وخصوصًا سيادة القانون الاشتراكي ذي الخصائص الصينية. وإن حُسن معالجة الأمور مرهون بالحزب وإدارة الحزب قبل حكم الدولة، ولابُدَّ من إدارة الحزب بصرامة وعلى نحو شامل؛ وإن إدارة الحزب بصرامة تعني التمسُّك بتحسين أساليب عمل الحزب، وتوثيق العلاقة بين الحزب والجماهير، والتلاحم بينهما، وتعزيز الجهود في مكافحة الفساد، وإشاعة الرقابة.

كما أن بناء مجتمع رغيدِ الحياة، وتعميق الإصلاحات، وتعزيز سيادة القانون أمورٌ تصبُّ في التخطيط الاستراتيجي للقيادة الجديدة، وهذه المحاور الشاملة سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الصين، وهذه المهام مهمَّة لمن يهتمُّ بالصين.

كيف يطبق حكم الدولة بالقانون؟

هناك ثلاثة اعتبارات رئيسة لتطبيق حكم الدولة بالقانون:

أولاً: قرار تعزيز سيادة القانون على نحو شامل، وعلى أساس استغلال قدرات الحزب الناجحة في عملية سيادة القانون على أساس الرؤية الاشتراكية، والتاريخ هو أفضل أستاذ فالتجارب الفاشلة علمتنا أن سيادة القانون تعني وجود الدولة، وغياب القانون يعني غياب الدولة؛ والقانون هو المعيار الرئيس وبه نرشِّد الحياة ونسيرها فهذه هي سيادة القانون، وكما قال فيلسوف غربي: إن القانون هو أكبر اختراع بشري؛ فهو سيطرة على الذات الإنسانية، أما الاكتشافات العلمية فهي سيطرة على الطبيعة. إن سكان الصين البالغ عددهم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة لابُدَّ لهم من قانون واضح وفعَّال من أجل تحسين إدارتهم؛ إذن لابُدَّ من الاعتماد على القانون وسيادته.

والاعتبار الثاني: هو تعزيز سيادة القانون؛ فهو ضمان لبناء مجتمع رفاهي؛ فضلاً عن تعميق الإصلاحات والانفتاح على الخارج، إن مرَدَّ الكثير من التناقضات وإشكالات الإصلاح يعود إلى عدم الالتزام بالقانون، وعدم المحاسبة على أساس قانوني.

ثم إننا نرى -كما يقول المحاضر- أن اقتصاد السوق يستلزم سيادة القانون، وأيُّ مجتمع متناغم لابُدَّ أن يكون مجتمعًا قانونيًّا، والمضي بالإصلاح إلى الأمام لابُدَّ له من سيادة القانون.

الاعتبار الثالث: الحلم الصيني المتمثِّل في النهضة العظيمة والأمن شرطهما الأساسي هو سيادة القانون، والإشكاليات الواقعية والتخطيط كلها مرهونة بالقانون، وتاريخيًّا كانت الصين تُحْكَم من طرف شخص واحد، وكثيرًا ما جلب الحكم الشخصي كوارث؛ لذلك لابُدَّ من تطبيق حكم القانون.

وفي عملية تعزيز سيادة القانون هناك خمسة مبادئ: 

  1. قيادة الحزب وفق اشتراكية ذات خصائص صينية.
  2. ضمان حقوق ومصالح الشعب بالقانون، وحماية مرجعية القانون اعتمادًا على الشعب.
  3. المساواة أمام القانون.
  4. الاهتمام بالدور المعياري للقانون ومراعاة الدور التثقيفي للأخلاق.
  5. التمسك بالانطلاق من الواقع الصيني، وأي منظومة مرهونة بالظروف الواقعية للصين؛ فالواقع هو المنطلق وكذلك الخصوصية الصينية.

هناك خمس مهمات من شأنها تعزيز القانون:

  1. إنشاء قوانين متكاملة.
  2. حسن تخطيط العمل لدفع حكم الدولة بالقانون.
  3. إنجاز المهام الرئيسة لتعزيز سيادة القانون؛ أي تحقيق تشريع علمي، وإنفاذ القانون بصرامة.
  4. تعزيز بناء صفوف الكوادر للعمل القانوني.
  5. دفع الإصلاح في مجال سيادة القانون، والمضي قدمًا بالإصلاح بعزيمة لا تتزعزع؛ وهناك أكثر 180 خطوة في هذا المجال.

كيف ينظر الحزب الشيوعي الصيني إلى العالم؟ وكيف يطور العلاقات الخارجية؟

طرحت القيادة الجديدة للحزب وأمينها العام شي جينبينغ أفكارًا وخطوات جديدة على أساس استمرار واستقرار السياسة الخارجية، وهناك ستة محاور يعمل الحزب عليها:

  1. إقامة علاقات دولية جديدة.
  2. إنشاء شبكة شراكة عالمية.
  3. توثيق العلاقات مع دول الكبرى.
  4. الألفة والتناغم مع دول الجوار.
  5. بناء حزام اقتصادي؛ متمثِّل في طريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري.
  6. تكريس الرؤية الصحيحة تجاه المصالح والأخلاق.

إن الرسالة التي تؤديها هذه الأفكار هي أن الصين تريد أسلوبًا تنمويًّا سلميًّا، وتأمل من جميع الدول الأخرى أن تسلك الطريق نفسه؛ فحلم الصين مرتبط بأحلام شعوب العالم، وتحقيقه سيجلب لدول العالم مزيدًا من الفرص والاستثمار، ويساعد في كسب الصين احترامًا وازدهارًا دائمين.

وقد تلت الجلسة نقاشات وأسئلة وردود؛ حيث بَيَّن المحاضر أن بعض الأسئلة لا تدخل في إطار المحاضرة؛ لذلك لم تتم الإجابة عليها، أما ما كان منها يتعلَّق بالمحاضرة خصوصًا تأثير الصين في المنطقة شرق الأوسطية، فإنه أشار إلى أن التحديات الداخلية وكذلك الخارجية وتأثيرها أمر طبيعي، ومعروف أن للصين علاقة وثيقة بالشرق الأوسط، وهي تسعى لتعزيز العمل المشترك مع هذه المنطقة، وما يحدث داخل الصين لن يُؤَثِّر على علاقات الصين بالمنطقة.

وفيما يتعلَّق بكيفية التوازن بين اقتصاد السوق والاشتراكية فإن الصين قد أنشأت نظامًا قائمًا على سياسة الانفتاح على الخارج ملتزمًا بتوازن وتنسيق بين الأمرين: الالتزام بالنهج الاشتراكي سياسيًّا واجتماعيًّا، والأخذ باقتصاد السوق تنمويًّا.

بخصوص هونغ كونغ فإن الصين تتمسك بمبدأ دولة واحدة مع نظامين سياسيين؛ كما أنها تدعم ازدهار واستقرار هونغ كونغ، وفي إطار القانون يمكن أن نحل كل المشاكل المتعلقة بهونغ كونغ.

وبخصوص تغطية وسائل الإعلام الغربية للشأن الصيني فهناك تغطية واسعة، ونأمل منهم إنصافًا ومهنية.
___________________________________
د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم - مركز الجزيرة للدراسات