حلقة نقاشية: "التوترات في إفريقيا: السياق والمآلات"

201531793018611734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
لم يستطع العديد من الدول الإفريقية تدبير التنوع والتعدد الداخليين؛ فعصفت به الحروب الأهلية والصراعات الدامية، وبدلًا من أن تتعامل تلك الدول مع هذا التنوع بالتفاهم المعمَّق والتسيير المعقلن على أنه عنصر إيجابي وأنه يشكِّل مكمن ثراء بالنسبة للمجتمعات الإفريقية، فإن هذه الدول عالجته بحساسية؛ مما ولَّد هزَّات بين مختلف الهويات، وساعد في خلق بؤر توتر مزمنة هنا وهناك في القارة الإفريقية.

ولمناقشة هموم هذه القارة، عقد مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية مغلقة بعنوان "التوترات في إفريقيا: السياق والمآلات"، ناقش فيها الباحثان في مركز الجزيرة للدراسات د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم والأستاذ فهد ياسين، مع الباحثين في المركز الصراعات السياسية والأمنية والهموم الصحية وتداعياتها المحلية والإقليمية والدولية في منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي وكذلك في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.

وتناول الحوار على وجه الخصوص أزمتي بوكو حرام وشمال مالي التي ظهرت بشكلها الحالي سنة 2012، ومشكلة إقليم أزواد الذي أصبح مسرحًا للعديد من الحركات الجهادية التي أسسها في أغلب الأحيان عناصر من الجماعات الجهادية الجزائرية، وكذلك ما يواجهه الصومال من تحديات أمنية.

مقدمة

هناك ثلاث قضايا أثَّرت في المشهد العام بغرب إفريقيا ومنطقة الساحل في العام الماضي، وهي: المجال الصحي، والمجال الأمني، والمجال السياسي؛ فيما شكَّلت قضية بوكو حرام التحدي الأبرز للقارة.

وكما أن هناك ثلاث دول نجحت في تداول السلطة والديمقراطية وحلِّ إشكال التنوع الديني بين المسلمين والمسيحيين في القرن الإفريقي وشمال إفريقيا، وهي: تنزانيا، ورواندا، وكينيا، إلا أن بعض بؤر التوتر الإفريقية ظلَّت عصيَّة على التجاوز ومُتَمنِّعة على الحل، وهي في الصومال وبوروندي والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان.

بوكو حرام: من أزمة محلية إلى مُشكل إقليمي

وركز الباحث د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم على ثلاث نقاط مهمة أثَّرت في المشهد العام بغرب إفريقيا ومنطقة الساحل في العام الماضي، وهي التي كانت مدار نقاش المشاركين:

  1. المجال الصحي: وذلك باستعصاء علاج وباء الإيبولا الذي ظهر منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013 والقضاء عليه.
    وشكَّل الوباء أكبر تحدٍّ نتج عنه شلل تام للأنظمة الصحية في دول ثلاث، هي: ليبيريا، وسيراليون، وغينيا. وهي ثلاث دول من بين خمس العشرة دولة الأقل نموًّا في العالم. وكانت الحصيلة 20 ألف حالة إصابة معلَن عنها من ضمنها 8 آلاف ميت من بينهم أطباء وممرضون.
  2. في المجال الأمني: ظلَّت منطقتا غرب إفريقيا والساحل عُرضة لهزَّات أمنية عنيفة، من أبرزها اطِّراد نشاط الجماعات الجهادية، وعلى الأخص بوكو حرام في نيجيريا وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في مالي.
  3. في المجال السياسي: أثَّرت طبيعة الأنظمة الإفريقية المتمسكة غالبًا بالسلطة وطريقة تدبيرها للشأن العام مصدرًا لتوترات سياسية، وشكَّلت بوركينا فاسو مثالًا واضحا للتجاذبات السياسية التي خلقت توترًا خطيرًا (خصوصًا بعد الإطاحة بالرئيس كومباوري..).

وانتقل المشاركون بعد ذلك لمناقشة أزمة بوكو حرام التي تأسست عام 2002 في مايدوغوري بولاية بورنو من طرف محمد يوسف الذي قُتل سنة 2009. وتعني بوكو حرام التي يترأَّسها الآن أبو بكر شيخاو أن التعليم الغربي ممنوع, إلا أن الحركة تفضِّل اسم "جماعة أهل السُّنَّة للدعوة والجهاد".

وأغلب مقاتلي الحركة هم من إثنية "الكانوري" وهي قبيلة كبيرة تشكِّل أغلبية سكان ولاية بورنو بشمال نيجيريا ولها امتدادات وفروع بالنيجر وتشاد والكاميرون. ويُقدَّر عدد الكانوري بمليونين ونصف المليون نسمة. يُعرف عن إثنية الكانوري أنها مسلمة منذ القرن الحادي عشر الميلادي ويُشتَهرون في إفريقيا الغربية بمهاراتهم القتالية وفروسيتهم. يقود حركة بوكو حرام مجلس شورى من 30 شخصًا.

وفي يوليو/تموز 2014 شاهدنا فيديو مسجلًّا أعلن فيه قائد الحركة أبو بكر شيخاور دعمه لأبي بكر البغدادي ولتنظيم الدولة، كما أعلن أن مرجعيته الفكرية هي كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب؛ وهذه عناصر توضح المسار الفكري للحركة من مرجعية محلية إفريقية إلى تماهٍ وتواصل مع الحركات الجهادية العابرة للدول.

أزمة شمال مالي: تزاحم الإرادات

وناقش المشاركون أزمة شمال مالي التي ظهرت بشكلها الحالي سنة 2012. وفي تسعينات القرن الماضي أصبح إقليم أزواد مسرحًا للعديد من الحركات الجهادية التي أسسها في أغلب الأحيان عناصر من الجماعات الجهادية الجزائرية. ومع سقوط نظام القذافي في أكتوبر/تشرين الأول 2011 وضع مسلحو أزواد، أيديهم على الكثير من السلاح الليبي.

وبدأت فرنسا تدخلها في إقليم أزواد تحت مسمى عملية "السيرفال" بالتنسيق مع دول منظمة الإكواس بغرب إفريقيا. وفي مارس/آذار 2013، استرجع الجيش الفرنسي أزواد التي كانت تحت أيدي الجماعات المسلحة. ومنذ ذلك التاريخ تحول الصراع من مواجهات ميدانية إلى هجمات كرٍّ وفرٍّ.

وما زالت المقاربة الأمنية تطغى على المشهد العام بشمال مالي مع وجود مساع دبلوماسية تقودها الجزائر التي تعتبر أحد أبرز اللاعبين الساعين لحل المشكل.

الإسلام الجهادي

وناقش المشاركون مسألة الإسلام الجهادي في أزمتي بوكو حرام وشمال مالي ورأوا أنهما مرتبطتان بظاهرة أعمّ وأشمل؛ وهي ظاهرة الجهاد والجماعات المسلحة التي تخترق الدول بل القارات.

ويذهب الكثير من التقارير إلى أن سياسات الحكومات النيجيرية المتعاقبة أسهمت في تعميق وترسيخ ظاهرة بوكو حرام.

وتبقى أزمتا بوكو حرام وشمال مالي مزمنتين ومتفاعلتين ومفتوحتين على أكثر من احتمال. والواضح أن الحل الأمني والعسكري هو المطروح على مستوى الدولتين نيجيريا ومالي بل وعلى مستوى الإقليم الذي يجد تشجيعًا غربيًّا على تغليب الحل العسكري خصوصًا مع أبرز دولتين غربيتين لهما مصالح استراتيجية في المنطقة، وهما: أميركا وفرنسا.

القرن الإفريقي وشرق إفريقيا

من ناحية أخرى، تحدَّث الباحث في مركز الجزيرة للدراسات الأستاذ فهد ياسين، عن الصراعات في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.

وقال: إنه رغم وجود العديد من البؤر المتوترة في القارة، إلا أن هناك ثلاث دول نجحت في تداول السلطة والديمقراطية وحل إشكال التنوع الديني بين المسلمين والمسيحيين، وهذه الدول هي: تنزانيا، ورواندا، وكينيا.

وناقش الباحثون بؤر التوتر الإفريقية التي ظلَّت عصيَّة على التجاوز ومُتَمنِّعة على الحل، وهي في الصومال وبوروندي والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان.

وأشار المشاركون إلى ثلاثة عوامل رئيسية في عدم الاستقرار في معظم الدول الإفريقية، وهي:

  1. الهاجس الأمني، مثل العمليات الأمنية في كينيا وإثيوبيا ومشكلة جيش الرب في أوغندا.
  2. غياب التنمية العامة في هذه الدول.
  3. غياب الحريات في القارة باستثناء كينيا.

وانتقل الباحثون بعد ذلك لمناقشة وضع الصومال الذي يشهد أزمة أمنية وسياسية. وأشار المشاركون إلى وجود حالة تحسن وبداية تماسك في الأوضاع الداخلية في البلاد مثل النشاط الدبلوماسي للسفارات والنشاط التجاري في المطار والميناء.

ولفت البعض الانتباه إلى الدور الإيراني المتنامي في الإغاثة ودعم بعض الجماعات الصوفية مشيرين في الوقت ذاته إلى محدودية هذا النشاط في البلاد.

خاتمة

تُشكِّل أزمتا بوكو حرام وشمال مالي ومشكلة إقليم أزواد الذي أصبح مسرحًا للعديد من الحركات الجهادية في مالي، أهم قضيتين تؤثران في المشهد العام بغرب إفريقيا ومنطقة الساحل. وفيما يواجه الصومال في القرن الإفريقي تحديات أمنية، فإن العديد من الدول فشل في تبني النموذج الديمقراطي.
_____________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات