حلقة نقاشية: إسرائيل والربيع العربي: الخاسر والرابح

2015531111428291734_20.jpg
جانب من حلقة النقاش (الجزيرة)

ملخص
نظرت إسرائيل بعين القلق لثورتي مصر وسوريا لما لهما من تبعات مباشرة على الكيان الصهيوني وعلى الأخص في الجانب الأمني إذا تمكَّنت هاتان الثورتان من إزاحة النظامين المصري والسوري. ورغم أن إسرائيل تخلصت من خطر الجيوش العربية التي انشغلت بقمع الشعوب، إلا أن الدكتور باسم الزبيدي أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشأن الإسرائيلي والباحثين الذين شاركوا في حلقة نقاشية بعنوان "إسرائيل والربيع العربي: الخاسر والرابح" رأوا أن فوائد إسرائيل قد تتلاشى مع الزمن خصوصًا إذا حكمت أصوليات في المنطقة، كما أن فلسطين ستظل حاضرة في قلوب وعقول العرب مهما جرت من تطورات في المنطقة.

ومن زاوية ثانية يرى الباحثون أن الخريطة الإقليمية الجديدة متمثلة بصعود إيران في المنطقة والمنافسة مع تركيا على النفوذ فيها، ستشغل إسرائيل على المدى القريب في كيفية التعامل مع هذه القوى لاسيما أن الدور الأميركي قد تراجع في المنطقة لصالح هذه القوى.

مقدمة

يعتقد خبراء إسرائيليون أن بلادهم هي الرابح الرئيس من الربيع العربي، وهناك تطورات تدعم هذا التأكيد، فمصر تحكمها قيادة تشارك إسرائيل في اعتبار حماس تهديدًا لأمنهما، ومحور المقاومة الذي كان يستمد شرعية وجوده من محاربة إسرائيل يستنزف قواه في حروب على السوريين والعراقيين تحت شعارات محاربة التكفيريين، أو حماية ما يُسمَّى بالعتبات الشيعية المقدسة.

لكن من جانب آخر، تتخوف جهات إسرائيلية من أن سقوط الأسد قد يخلفه نظام إسلامي يقضي على فترة الأمان التي كانت تنعم بها إسرائيل في منطقة الجولان المحتل، وقد يؤدي بقاء تنظيم الدولة بالعراق وسوريا إلى تشكيل قاعدة انطلاق لضرب إسرائيل.

في هذا الإطار جاءت الحلقة النقاشية لمركز الجزيرة للدراسات لتتناول رؤية إسرائيل للمشهد العربي من حيث معناه واتجاه تطوره ونطاق تأثيراته عليها من جهة، وكيفية تعاطيها معه على النطاقات الآنية والمتوسطة وبعيدة المدى، وهل إسرائيل هي الخاسر أم الرابح من تلك الثورات؟

رؤى إسرائيلية متعددة

استهل الزبيدي الحلقة بالقول: إن إسرائيل لم يكن لديها رؤية واحدة في التعامل مع هذه الثورات؛ فقد انقسمت هذه الرؤى بين السياسي والأمني والعسكري فضلًا عن تأثير الرأي العام. وأشار إلى أن الرؤية الطاغية كانت أن هذه الثورات جاءت نتيجة عقود من الاستبداد والفقر في المنطقة العربية، معززة نظرتها –أي إسرائيل- بأنها واحة الديمقراطية في المنطقة.

ولم تر إسرائيل في هذه الثورات نسقًا واحدًا؛ حيث اختلف تعاملها مع ثورتي مصر وسوريا القريبتين من حدودها، وتعاملها مع ثورات تونس وليبيا واليمن.

فقد نظرت إسرائيل بعين القلق لثورتي مصر وسوريا لما لهما من تبعات مباشرة على الكيان الصهيوني وعلى الأخص في الجانب الأمني إذا تمكنت هاتان الثورتان من إزاحة النظامين المصري والسوري وتدحرج الأمر لدخول الأنظمة الجديدة في علاقات صراعية مع إسرائيل، بل وحتى استدعاء الحركات الإسلامية الحالة الجهادية ضد إسرائيل ما قد يؤدي إلى فتح جبهات خارجية كانت مغلقة في السابق ومحروسة بعين الأنظمة السابقة.

ورأى الباحثون أنه في المقابل ظهرت وجهة نظر أكثر عقلانية تقول بأن تغير أنظمة القمع إلى أنظمة ديمقراطية يشكِّل فرصة لإسرائيل ينبغي الاستفادة منها للتعايش مع الأنظمة الجديدة على اعتبار أن الديمقراطيات لا تحارب بعضها.

ولكن أطرافًا أخرى داخل الكيان رأت في الثورات العربية شتاء أصوليًّا مليئًا بالمفاجآت والخبايا ينبغي الاستعداد للتصدي له لحماية إسرائيل من هذا الخطر.

وفي كل الأحوال، فقد كان غياب الاهتمام بفلسطين عربيًّا وتراجع مكانتها لدى الجماهير والحكومات، مدعاة للغبطة والسرور لدى لإسرائيل وفتح المجال أمامها للتحكم بمخرجات العملية السياسية واستمرار الاستيطان والتهويد دون أي رادع أو حساب.

الربح والخسارة

ورأى الباحثون أن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لإسرائيل من الثورات العربية هي حسابات معقدة، ومن أهمها: 

  1. أن الانتفاضات العربية لم تنته لاسيما أنها حصيلة تراكمات ربما تحتاج إلى فترة طويلة لاتضاح نتائجها ومعالمها؛ الأمر الذي يُبقي الحسابات مفتوحة لدى إسرائيل.
  2. تخلصت إسرائيل من خطر الجيوش العربية التي وإن كانت غير فاعلة في السابق في الصراع، إلا أنها أصبحت الآن مستنزفة في الصراعات الداخلية وتحول بعضها إلى ميليشيات مرتبطة بأشخاص.
  3. انشغال المنطقة العربية واستنزاف طاقاتها الشعبية وجهودها في الهموم الداخلية ما يجعل إسرائيل تحس بالأمان والاطمئنان على نفسها ولو مؤقتًا.
  4. غياب فلسطين من المشهد العربي والدولي استفادت منه إسرائيل حيث صعَّدت من صلف تعاملها مع السلطة الفلسطينية متجاهلة بذلك دور مصر وموقفها وأوصلت رسائل بالحصار والتدمير لقطاع غزة لتقول للفلسطينيين: إن خيار المقاومة هو انتحار وتدعوهم للانفكاك عن حماس؛ فإسرائيل أوصلت وتوصل رسالة مزدوجة: الأولى: للسلطة الفلسطينية بتجاهل مفاوضات السلام وفرض الأمر الواقع بالاستيطان والتهويد، والثانية: لحماس وللشعب الفلسطيني في غزة بأن التفكير في مواجهتها هو خيار عبثي. وخلاصة هاتين الرسالتين أن إسرائيل غير معنية بالحل السياسي مع الفلسطينيين وأنها قادرة على تحمل كلفة الاحتلال.
  5. تمكنت إسرائيل من الاستفادة من انبعاث هويات إقليمية جديدة، أساسها الاختلاف والاقتتال، بالتسويق لفكرة الدولة اليهودية الصرفة.

إلا أن الباحثين رأوا أن فوائد إسرائيل قد تتلاشى مع الزمن خصوصًا إذا حكمت أصوليات في المنطقة، كما أن فلسطين ستظل حاضرة في قلوب وعقول العرب مهما جرى من تطورات في المنطقة.

ومن زاوية ثانية يرى الباحثون أن الخريطة الإقليمية الجديدة متمثلة بصعود إيران في المنطقة والمنافسة مع تركيا على النفوذ فيها، ستشغل إسرائيل على المدى القريب في كيفية التعامل مع هذه القوى لاسيما أن الدور الأميركي قد تراجع في المنطقة لصالح هذه القوى.

الخاتمة

لم يكن لإسرائيل رؤية واحدة في التعامل الثورات العربية؛ فقد انقسمت هذه الرؤى بين السياسي والأمني والعسكري فضلًا عن تأثير الرأي العام. وفي كل الأحوال، فقد كان غياب الاهتمام بفلسطين عربيًّا وتراجع مكانتها لدى الجماهير والحكومات، مدعاة للغبطة والسرور لدى إسرائيل وفتح المجال أمامها للتحكم بمخرجات العملية السياسية واستمرار الاستيطان والتهويد دون أي رادع أو حساب. كما تمكَّنت إسرائيل من الاستفادة من انبعاث هويات إقليمية جديدة، أساسها الاختلاف والاقتتال، بالتسويق لفكرة الدولة اليهودية الصرفة.
_____________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات