حلقة نقاشية: التدخل العسكري الروسي في سوريا: سياقاته وتداعياته

20151014921682734_20.jpg
(الجزيرة)

مقدمة

لم تكن روسيا بعيدة عن الدعم المستمر لنظام بشار الأسد على المستوى السياسي والعسكري منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، لكن يبدو أن هذا الدعم بأشكاله السابقة لم يعد كافيًا في ظل التقدم الميداني الذي أحرزته المعارضة السورية في الأسابيع الأخيرة؛ فقررت موسكو إنقاذ نظام الأسد عبر تدخل عسكري مباشر؛ حيث بدأت الطائرات الروسية في 30 سبتمبر/أيلول 2015 ضرباتها في سوريا بدعوى محاربة الإرهاب ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واستهداف مواقع المعارضة المسلحة بما في ذلك الجيش السوري الحر الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية.

يُمثِّل التدخل العسكري المباشر متغيرًا مهمًّا في الأزمة السورية، وفي المنطقة العربية عمومًا، وهو ما سينتج عنه لا محالة تغيير في موازين القوى الإقليمية، وفي تعاطي القوى الدولية مع ملفات الشرق الأوسط وأزماته المتشابكة. وللوقوف على سياقات هذا المتغير، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية للإجابة عن أسئلة مباشرة يطرحها التدخل العسكري في سوريا: إلى أي مدى سيساعد هذا التدخل في بقاء نظام الأسد لفترة أطول؟ ولماذا الآن؟ وما دور المعارضة السورية عمومًا والمسلحة على وجه الخصوص في مواجهة هذا التدخل؟ كيف تفاعلت القوى الإقليمية والدولية مع التصعيد الروسي؟ وكيف ستتعاطى مع نتائجه المحتملة؟ إلى أين تتَّجه الأزمة السورية في ظل هذا التطور الميداني والسياسي الجديد؟

وقد شارك في مناقشة هذه الأسئلة الدكتور لؤي صافي، معارض سوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة حمد بن خليفة، والدكتور مروان قبلان، أستاذ العلاقات الدولية ومدير تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث؛ فضلًا عن باحثين وخبراء متابعين للشأن السوري، وبعض وسائل الإعلام المحلية والعربية.

إنقاذ النظام السوري

بدأ أحد المشاركين مقاربته لسياق التدخل العسكري الروسي في سوريا بتوصيف العلاقة بين النظامين السوري والروسي مُلاحِظًا التشابه بينهما في التعامل مع المعارضة والمقاومة سياسيًّا وعسكريًّا؛ حيث قدَّمت روسيا نصائح للنظام باستخدام نظرية الأرض المحروقة وضربه للمدن بالبراميل المتفجرة، مشيرًا إلى سياسة روسيا في تعاملها مع الأزمة الشيشانية باعتماد سياسة الأرض المحروقة، ثم ما قام به الرئيس الأسبق بوريس يلتسن عندما ضرب مبنى الدوما بنيران الدبابات لإنهاء النزاع بين السلطة التنفيذية التي كان يمثِّلها آنذاك والسلطة التشريعية بزعامة مجلس السوفيت الأعلى لجمهورية روسيا الاتحادية السوفيتية.

وأشار المتحدث إلى أن التدخل الروسي يعكس مخاوف روسيا من انهيار النظام السوري وعدم تحمله لهذا الصراع على الرغم من الدعم الطائفي لتثبيت حكمه، كما يعكس ضعف الموقف الغربي المتردد في مواجهة رؤية روسية واضحة وهي بقاء الأسد؛ في حين أن أميركا أعلنت أكثر من مرة موقفها بشأن رحيل الأسد على لسان الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، لكنها لم تقم بشيء لتغير هذا الواقع سوى دعم ضعيف للمعارضة؛ بل منعت واشنطن الدول الإقليمية من تقديم المساعدة الحقيقية للمجموعات المسلحة؛ فكان هناك مستوى معين من التسليح الذي لا يحسم المواجهة مع النظام السوري.

وأوضح أن هناك تعاونًا بين الولايات المتحدة وروسيا بدأ دبلوماسيًّا؛ حيث تم تفويض موسكو بالتعامل مع الملف الدبلوماسي، ولاحظ أن هذا التعاون تطور إلى تعاون عسكري؛ حيث سحبت الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وحلف الناتو نظام الباتريوت من تركيا على الحدود الروسية، وهي الخطوة التي اعتبرها المتحدث تمهيدًا لدخول روسيا بسلاحها الجوي للمناطق القريبة للحدود التركية؛ الأمر الذي يُعتبر تمكينًا لروسيا من التدخل في سوريا؛ لذلك لم يكن هناك تنديد رسمي بهذا العمل العسكري.

وتطرَّق المشارك لخيارات المعارضة السورية لافتًا الانتباه إلى أن وضع الحالة السورية صعب ومعقد، ويرى أن الاستراتيجية التي ستتبعها المعارضة هي استراتيجية "المصابرة" في معركة "عضِّ الأصابع" مع النظام وحلفائه من روسيا وإيران، مؤكِّدًا أن هذه الاستراتيجية وحدها لا تكفي ولكي تكون فاعلة فإنها تتطلب:

  1. توحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة مركزية موحدة تعمل وفق استراتيجية مركزية.
  2. توجيه ضربات مؤلمة لروسيا، ودخول المعارضة المسلحة إلى اللاذقية لمواجهة القواعد الروسية، والتي ستعمِّق المأساة الإنسانية في سوريا؛ لأن اللاذقية كانت من المناطق الآمنة.

ونوَّه المتحدث إلى أن هناك خطرًا حقيقيًّا على الدول الإقليمية من التدخل الروسي ويجب عليها أن تتحرك في اتجاه الولايات المتحدة الأميركية للضغط عليها حتى تغيِّر مواقفها وإقناع الإدارة الأميركية بأن هناك مصلحة أميركية في منع روسيا من النجاح في سوريا مما يتيح للمعارضة مساحة أكبر للتحرك.

تفاهمات دولية

قدَّم أحد الباحثين رؤية بانورامية لسياقات التدخل العسكري الروسي في سوريا لفهم دوافعه وخلفياته، معتبرًا أن التركيز على الوضع السوري وحده لا يجيب عن السؤال بشأن دوافع روسيا للتدخل في الأزمة السورية. وفي هذا الإطار تحدث الباحث عن ثلاث دوائر رئيسية مُحدِّدة لمواقف روسيا الخارجية وتتكون من:

  1. أميركا والغرب.
  2. الدول الإقليمية المحيطة بروسيا.
  3. الوضع السياسي الداخلي.

وقال المتحدث: إن أميركا تركت لروسيا ملف تسليم السلاح الكيماوي السوري والوصول إلى حلٍّ يرضي المجتمع الدولي وكانت روسيا راعية للاتفاق، وكان من المفترض أيضًا أن ترعى الحوار بين النظام السوري والمعارضة في جنيف 2 بعد اجتماع كيري ولافروف في فرنسا؛ حيث تم الاتفاق على ترتيب الأوضاع في سوريا ولم تكن روسيا تمانع رحيل الأسد في هذا الوقت، ولكنَّ الأزمة الأوكرانية ألقت بظلالها على الموقف الروسي بشأن سوريا نظرًا لموقف الولايات المتحدة والغرب المساند لأوكرانيا، فكان الردُّ الروسي في سوريا؛ فأفشلت جنيف 2 وتراجعت عن التزاماتها واتفاقاتها مع أميركا.

ولاحظ الباحث أن عام 2014 كان عام "إنجازات" للنظام السوري على الأرض؛ فتمدد عسكريًّا بشكل مستمر، وسياسيًّا أجرى الانتخابات الرئاسية التي توحي بأنه استعاد السيطرة مرة أخرى على الدولة، وكان النزاع القائم بين النظام وحلفائه (روسيا وإيران) من ناحية، والمعارضة السورية والدول الإقليمية من ناحية أخرى، يدور حول "إذا خَسِرْتُ سوريا فلن أدع أحدًا يربحها".

وبسقوط جسر الشغور، وهو مفتاح الساحل السوري وأكبر حامية للنظام، بدعم إقليمي لإحداث تغيير حقيقي على الأرض والضغط على النظام السوري؛ لجأ هذا الأخير إلى إرسال موفديه إلى كل من روسيا وإيران بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2015، وتوقَّع الباحث أن يكون القرار الروسي للتدخل العسكري في سوريا اتُّخذ في يوليو/تموز الماضي الذي تزامن مع ثلاثة أحداث فاصلة: 

  1. الاتفاق النووي الإيراني: خشيت روسيا من اتفاق محتمل بين إيران وأميركا يخص سوريا يؤدي إلى الخروج الروسي من سوريا وخسارتها، متحدثًا عن أن المصالح الروسية تتقاطع مع المصالح الإيرانية في سوريا في بعض الأمور، لكن روسيا ترى إيران كتهديد لا حليف. 
  2. الموافقة الأميركية على إقامة منطقة آمنة على الحدود التركية يقوِّي موقف تركيا ويهدِّد روسيا.
  3. لقاء علي مملوك في السعودية؛ حيث أقلق هذا اللقاء روسيا التي تخشى وجود اتفاق لا تكون طرفًا فيه، وقد طالبت السعودية في هذا اللقاء بخروج إيران من سوريا مع مناقشة بقاء الأسد الذي ردَّ على هذا العرض في خطابه بأن من يدافع عن أرض سوريا هو سوري وإن لم يحمل جواز السفر السوري.

داخليًّا، يرى المتحدث أن شعبية فلاديمير بوتين تزداد كلَّما تدخل خارجيًّا؛ فقد وصلت شعبيته إلى 80% بعد التدخل في سوريا، وهي ذات النسبة عندما تدخل في جورجيا وأعلن ضم شبه جزيرة القرم. كما يربط الباحث تطورات الأحداث في سوريا بموقف بوتين المُعادِي لثورات الربيع العربي، والذي اعتبر أن الغرب يريد نقل العدوى داخل روسيا خاصة بعد خروج بعض التظاهرات داخل روسيا معارضة للنظام.
_____________________________
محمد عباس - باحث مساعد في مركز الجزيرة للدراسات