مؤسسة الجمعية الإسلامية في دول البلقان: الأدوار والتحديات

الجمعية الإسلامية: هو اسم يُطلَق على المنظمات غير الحكومية في دول البلقان، وهي تمثل معطى اجتماعيًا مهمًا، وتعد من أكثر المؤسسات أهمية في الحفاظ على هوية مسلمي البلقان، ولكن لا يزال تأثيرها السياسي محدودًا ويمكن تطويره في المستقبل.
201413085729205734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
يطلق اسم الجمعية الإسلامية على المنظمات غير الحكومية في دول البلقان، والتي أُنشئَت لتلبية حاجات المسلمين المستجدة بعد الانسحاب التام للعثمانيين من المنطقة (1878-1912)، بغية إدارة شؤونهم الدينية وإدارة المؤسسات التعليمية والمحاكم الشرعية في تلك الدول البلقانية حديثة التكوين. تُمثل مؤسسات الجمعيات الإسلامية في دول البلقان بلا شك معطى اجتماعيًا مهمًا، وتتمتع باستقلالية تنظيمية ومالية عن سلطات البلدان التي نشأت فيها، وهي تلعب أدوارًا مركزية لا يمكن التشكيك فيها في الحفاظ على هوية المجتمعات المسلمة في المنطقة، غير أن بناها التحتية وتعقيد هيكليتها التنظيمية حدّا كثيرًا من استجابتها الفعالة لتوظيف أجواء الحريات التي أتاحها الانتقال الديمقراطي في دول البلقان. كما أن ضعف التنسيق بين الجمعيات الإسلامية في مختلف دول المنطقة، وشُح الموارد المالية ومحدودية القدرات البشرية وعدم قدرة قادتها والقائمين عليها على تجديد هياكلها، جعل دورها وتأثيرها الاجتماعي والسياسي أقل بكثير من المأمول.

مؤسسة الجمعية الإسلامية(1) هو الاسم المُتعارف عليه والذي يُطلق على المنظمات غير الحكومية في دول البلقان، أُنشئت هذه المنظمات لتلبية حاجات المسلمين المستجدة بعد الانسحاب التام للعثمانيين من المنطقة (1878-1912)، بغية إدارة شؤونهم الدينية من حيث الإشراف على المساجد وإدارة الممتلكات (الأوقاف) والمؤسسات التعليمية والمحاكم الشرعية في تلك الدول البلقانية حديثة التكوين.

وكان إنشاء هذا الإطار المؤسساتي ثمرة اتفاق تم التوصل إليه في مؤتمر برلين عام 1878، واندرج حينها ضمن برنامج أوسع يهدف إلى حماية حقوق الأقليات. وعيَّن ملك الجبل الأسود في نفس السنة، وفي إطار تنفيذ بنود اتفاق برلين، أول مفتٍ للمسلمين في بلاده، وذلك بالاتفاق مع شيخ الإسلام في إسطنبول.(2)

وعُين مفتٍ في البوسنة والهرسك عام 1882، وهو تقريبًا نفس التاريخ الذي بدأ فيه تكوين جمعيات إسلامية مستقلة بذاتها في كل من صربيا وبلغاريا، في حين أن مقدونيا وكوسوفو لم يحصلا على جمعيتيهما الإسلاميتين إلا بعد استقلالهما، مقدونيا عام 1992، وكوسوفو عام 2008. وكانت الجمعيتان في هذين البلدين منذ حروب البلقان 1912-1913 وإلى تاريخ استقلالهما، تنتميان إلى الجمعية الإسلامية الأوسع في صربيا، ثم في يوغسلافيا. أما في ألبانيا، فقد تأسست الجمعية الإسلامية عام 1923 على إثر انفصال المسلمين الألبان عن المشيخة في إسطنبول.(3)

شهدت الفترة التي تلت تعيين المفتين الأوائل عملية طويلة وشاقة من أجل تطوير مؤسسة الجماعة الإسلامية والكفاح من أجل استقلالها عن السلطات القومية. وبما أن نظام الأوقاف في عدد من البلدان البلقانية كان يضم في قائمة ممتلكاته أراضي شاسعة، إلى جانب وجود عدد كبير من المدارس الإسلامية، كما أن نشاط وعمل المحاكم الشرعية كان متواصلاً في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وامتد حتى وصول الشيوعيين إلى مواقع الحكم في أغلب دول البلقان، فإن السلطات الشيوعية كانت تسعى جاهدة لفرض رقابتها على تلك المؤسسات وأنشطتها الإسلامية.

انطلقت معركة الاستقلال الذاتي لمؤسسة الجمعية الإسلامية في البوسنة عام 1899، وكان الدافع الأول لها اختفاء فتاة مسلمة قاصر (من مدينة موستار تُدعى فاطمة)، ووُجّه الاتهام في حينها إلى بعض الراهبات الكاثوليكيات باختطافها. انتهت هذه المعركة بنجاح عام 1909 عندما أقرت سلطات الإمبراطورية النمساوية-المجرية نظامًا أساسيًا يمنح الاستقلال الذاتي للمؤسسات الإسلامية الراعية للشؤون الدينية وإدارة الأوقاف في البوسنة والهرسك. إلا أن استقلالية مؤسسة الجمعية الإسلامية فُقدت من جديد بعد تأسيس دولة يوغسلافيا، ولم يستعِدِ المسلمون استقلالية مؤسستهم حتى بعد إلغاء المحاكم الشرعية وإغلاق جُلّ المدارس الإسلامية وانتزاع أغلب الممتلكات الوقفية خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي. ثم تحققت استقلالية الجمعية الإسلامية الذاتية على إثر سقوط الشيوعية عام 1990.

واقع الجمعيات الإسلامية وأدوارها  

في الوقت الحالي، يُنظم قانون الحريات الدينية والطوائف الدينية المؤرخ في العام 2004 عمل ونشاط مؤسسة الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك، ويضمن هذا القانون استقلالية الجمعية الإسلامية الذاتية في إدارة أعمالها، ويظهر جوهر هذه الاستقلالية الذاتية في الانفصال التام للجمعية الاسلامية عن الدولة إلا فيما يتعلق بالمسائل التي يتفق الطرفان حول التعاون عليها.

وبالنظر إلى الظروف المحيطة، تبدو الجمعية الإسلامية راضية بهذا الاتفاق لاسيما أنها هي من اقترحه أصلاً. وحاليا تُشرف مؤسسة الجمعية الإسلامية أساسًا على تنظيم المساجد(4)، وعلى النشاط الدعوي المتعلق بنشر التعاليم الأساسية للإسلام، والتعليم الإسلامي في المدارس العمومية، وتكوين الأئمة ومدرسي مادة التربية الإسلامية(5)، وتنظيم حملات الحج، وجمع أموال الزكاة، وإدارة الأوقاف، وإصدار شهادات مطابقة المواصفات الحلال لبعض المواد الغذائية، والخدمة الدينية في القوات المسلحة. ويبقى فصل المؤسسات الدينية عن الدولة وتحقيق الاستقلال الذاتي للجماعات الدينية مطلبًا تسعى كل دول البلقان إلى تحقيقه.

لكن، وفي حال مؤسسات الجمعيات الإسلامية، فإن معركة الاستقلال الذاتي لم تنته بعد في كل البلدان البلقانية؛ فمسلمو اليونان وبلغاريا ما زالوا يخوضون نزاعًا قانونيًا ضد السلطات القومية في هذين البلدين أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، مُطالبين بحقهم في انتخاب المُفتين. أما في صربيا، فإن سلطات بلغراد تتدخل باستمرار في عمليات التسيير الداخلي للجمعية الإسلامية، ولا شك في أن هذا الموقف الذي تتبناه السلطات القومية الصربية مخالف لمبدأ الحرية الدينية الذي أقره الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان والذي ينص صراحة على الحق في الاستقلال الذاتي للمؤسسات الدينية في الدول الليبرالية-الديمقراطية.(6)  

الأهداف المعلنة والهيكل التنظيمي

تبدو مؤسسة الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك هي الأكثر تطورًا من بين كل المؤسسات الإسلامية القائمة في دول البلقان؛ لذلك يمكن اعتمادها كنموذج للمنظمات الإسلامية في المنطقة، وما يؤكد تبرير هذا الاختيار، أن الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك تضم أيضًا جمعيات مسلمي سلوفينيا وكرواتيا وصربيا بالإضافة إلى الجماعة البوشناقية في الشتات.(7) ووفقًا لدستورها، فإن الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك تعتبر نفسها جزءًا لا يتجزأ من الأمة وجميع أنشطتها مؤسسة على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما استقرت عليه التقاليد الإسلامية للبوشناق، وتعمل الجماعة أيضا على التأقلم مع متطلبات العصر.

وهدف مؤسسة الجمعية الإسلامية الأساسي هو عيش جميع منتسبيها في كنف تعاليم الإسلام، وهي تحمي أصالة تعاليم الإسلام وتضمن تفسيرها وتطبيقها. وتعمل الجمعية الإسلامية على حماية قيم مؤسسة الزواج والأسرة وتهتم بالتربية الإسلامية لجميع أعضائها، وهي أيضًا تحمي حقوق المسلمين وتعمل على ضمان توفر الشروط المناسبة لتأدية الشعائر والواجبات الإسلامية. وأخيرًا، فإن الجمعية الإسلامية تهتم بالوضع الاجتماعي للمسلمين.

 الهرمية التنظيمية 

الخلية الأساسية في الجمعية تسمى "الجماعة"، وهي تعني مجموع المسلمين المتواجدين في قرية ما أو حي ما، بما لا يقل عن 100 أسرة. ويوجد في البوسنة والهرسك اليوم أكثر من 1400 "جماعة" ناشطة. سبع "جماعات" أو أكثر تجتمع في ما يُسمى "مجلس"، وتُحدّد حدود "المجلس" عادة بما يتوافق وحدود بلدية أو مدينة ما. ويبلغ عدد "المجالس" اليوم في البوسنة والهرسك حوالي 100، وتجتمع "المجالس" في ما يُعرف بـ"دار الإفتاء" وعددها 8 في البوسنة.

كل "جماعة" يكون على رأسها إمام يُكلَّف بقيادتها في المسائل المتعلقة بالدين، أما المسائل الإدارية والمالية فيكلف بها مجلس الجماعة الذي هو هيئة تنفيذية، و"الجمعية العامة" التي تتألف من كل منتسبي مؤسسة الجمعية الإسلامية. على رأس كل "مجلس" نجد إمامًا رئيسيًا، أما المسائل المالية والإدارية فتضطلع بها الهيئة التنفيذية للمجلس وجمعيته العامة (البرلمان) التي تجمع ممثلي "الجماعات"، ويرأس المفتي دار الإفتاء. والجدير بالذكر هنا أن المفتين في دول البلقان نادرًا ما يصدرون فتاوى.

يأتي على رأس الهرم التنظيمي لمؤسسة الجمعية الإسلامية "البرلمان" (وهو هيئة مكلفة تمثيلية وتشريعية ورقابية)، وأعلى هرم "الرئاسة" نجد "رئيس العلماء" الذي يتمتع بسلطات واسعة ويؤدي أيضًا دور المفتي الأكبر، أما في بعض البلدان البلقانية الأخرى فنجد ما يُسمى "المشيخة" بدلاً من "الرئاسة" وعادة ما يعود أعلى منصب فيها إلى المفتي الأكبر، كما يمكن أن توجد صيغ تنظيمية أخرى. 

فعلى سبيل المثال، يرأس "المشيخة" في دولة الجبل الأسود "رئيس" وليس "رئيس علماء"، ويتألف ثلثا البرلمان (الخاص بالجمعية) من الأعضاء اللائكيين، المراد: الذين لا يُعرَفون بأية صفة دينية وليسوا أعضاء في السلك الديني، وثلث من الموظفين المتدينين وينتخب أعضاءُ الجمعية الإسلامية البرلمانَ عن طريق الاقتراع غير المباشر، وتضم الرئاسة في دولة الجبل الأسود حاليًا 14 عضوًا ينتخبُهم أعضاء البرلمان من بين مرشحي دار الإفتاء ومدراء المؤسسات التعليمية والدينية.

رئيس العلماء ونائبه والسكرتير العام للجمعية الإسلامية هم أعضاء في مؤسسة الرئاسة بحكم وظائفهم، ومن المنتظر أن يتم إدخال بعض التعديلات على الهيئة التمثيلية لمؤسسة الرئاسة لتصبح هيئة تنفيذية خالصة، في حين يكون المُفتون ممثلين في هيئة شرعية قد تُسمى "مجلس العلماء" أو "الهيئة العليا للمفتين".

تنتخب هيئة خاصة رئيسَ العلماء، وتتكون هذه الهيئة الانتخابية من 350 عضوًا يتألفون من أعضاء من البرلمان، الأئمة الرئيسيون، رؤساء الهيئات التنفيذية للمجالس ومدراء المؤسسات؛ وتُمثل هذه الهيئة الأمة، وفي غياب خليفة المسلمين فإن مصدر السلطات هو رئيس العلماء. 

ووفقًا لدستور مؤسسة الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك، فإن هذا التنظيم الهيكلي سيستمر قائمًا إلى حين إعادة تنصيب خليفة للمسلمين. والجدير بالذكر أن تعيين رئيس العلماء في البوسنة والهرسك، إلى حدود سقوط الخلافة عام 1924، كان يتم عن طريق "منشور" خاص صادر عن شيخ الإسلام في إسطنبول.

تضم مؤسسة الجمعية الإسلامية عددًا من المؤسسات المتخصصة لتأدية نشاطات وأعمال محددة، منها: ثلاث كليات إسلامية وست مدارس ثانوية إسلامية،(8) ومكتبة غازي خسروبيك، ودائرة إدارة الأوقاف، ومجلس الإفتاء، والجمعية العلمية، ومكتب الحج، ومركز للنشر وإصدار المؤلفات، ووكالة لإصدار شهادات مطابقة الشروط الحلال للمواد الغذائية، وإذاعة إسلامية، ووكالة إعلامية، ومركز للحوار ومعهد التقاليد الإسلامية البوشناقية، ومجلتا "غلاسنيك" أو "الرسول" و"المعلم الجديد"، وصحيفة "بريبورود" أو "الصحوة"، إلى جانب إصدار التقويم الهجري السنوي.. إلخ.(9) كما تنتمي بعض الطرق الصوفية أيضًا إلى مؤسسة الجمعية الإسلامية.

طرق التمويل واستقلالية القرار

تختلف طرق تمويل مؤسسات الجمعيات الإسلامية في البلقان؛ فمثلاً تُمول الجماعة الإسلامية في البوسنة والهرسك أنشطتها المختلفة تمويلاً ذاتيًا مما تجمعه من اشتراكات أعضائها وتبرعاتهم وريع المشاريع الوقفية وما يتأتى لها من أموال الزكاة. 

لا تتمتع الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك بأي دعم من الدولة، وهي لا تقبل التبرعات والهبات من الخارج لتغطية نفقاتها المتعلقة برواتب موظفيها أو العناية بمنشآتها، لكن إذا تعلق الأمر بإنشاء المشاريع الكبرى وتشييد المباني الضخمة، فعندها يكون الدعم المالي الخارجي حاسمًا وضروريًا.

وكذلك يتشابه الوضع في دولة سلوفينيا، أما في كرواتيا، فإن الجمعية الإسلامية تتلقى دعمًا مهمًا من الدولة، مثلها مثل المؤسسات الدينية الأخرى التي أمضت اتفاقات مع الدولة. من ناحية أخرى، يُعاني بعض مؤسسات الجمعيات الإسلامية في عدد من دول البلقان من مشاكل في تمويل حاجياتها الأساسية ما يعرّضها لإمكانية التأثير الخارجي.

ومن الضروري الإشارة إلى أن وجود مؤسسة الجمعية الإسلامية في أية دولة لا يعني بالضرورة غياب قيام منظمات دينية تنشط في المجال الإغاثي الإنساني أو في النشاطات التعليمية الأخرى، إلا أن مثل هذه المنظمات لا يمكنها الإشراف على المساجد أو تكوين الأئمة أو تنظيم حملات الحج أو جمع أموال الزكاة أو إدارة المشاريع الوقفية، أو أن تكون شريكة للدولة في تسيير العملية التعليمية الإسلامية في المدارس إن وُجدت. إذن، لا يمكن لتلك المنظمات القيام بأي نشاط ديني تعتبره الجمعية الإسلامية مجالاً حصريًا لها.

يبدو نموذج "الجمعيات الإسلامية" متفردًا بعض الشيء وخاصًا بدول البلقان؛ فهي منظمات ليست تابعة لإدارة الدولة ولا هي جزءٌ منها كما هي الحال مع مؤسسة "ديانَت" في تركيا، أو وزارات الأوقاف في الدول العربية، كما أنها ليست حركات إسلامية شعبوية ولا هي مجالس إفتاء مستقلة تعمل في إطار التنسيق الطوعي فيما بينها كما هي الحال في روسيا.

الجمعيات الإسلامية في دول البلقان هي أكثر من مجرد منظمات غير حكومية عادية؛ فهي مؤسسات ذات نظام محدد يجعلها فريدة من نوعها، فاحتكار الجمعيات الإسلامية لإدارة شؤون المسلمين الدينية يجعل منها مفاوضًا جديًا وقويًا للدولة التي يعيشون في كنفها. كما أن حقيقة استقلالية الجمعيات الإسلامية عن الدول، يجعلها في نظر أعضائها أكثر مصداقية وشرعية. وأخيرًا، فإن الاستقلال المالي الذي تتمتع به الجمعيات الإسلامية في تمويل أعمالها ونشاطاتها يجعل منها مقاومة للضغوطات الخارجية.

التحديات القائمة 

يظل نموذج الجمعية الإسلامية رغم فرادته له نقائصه وحدوده، تتجلى إحداها في ضعف التنسيق على مستوى عموم منطقة البلقان؛ حيث تعيش مجتمعات مسلمة قليلة العدد غير مترابطة فيما بينها بشكل طبيعي، وبالأخص منها تلك المجتمعات الأقلية التي يتحدث أفرادها لغات مختلفة (المجتمعات الألبانية والبوسنية).

يُهيمن الألبان في الوقت الحالي على ثلاث جمعيات إسلامية (ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا)، كما أنهم يُشاركون بشكل نشط في الجمعيات الإسلامية القائمة في (صربيا والجبل الأسود وكرواتيا) ما يجعلهم الأكثر نفوذًا في إدارتها، وهذا يستدعي ضرورة توزيع الإشراف على هذه الجمعيات بين الألبان والبوشناق وغيرهم من المسلمين. كما تمثل مسألة العلاقة مع المنظمات والمؤسسات الدينية الإسلامية بدورها مصدرًا للاختلافات، فتلك المنظمات والمؤسسات لا يقبل جميعها بثقل الدور الذي تلعبه الجمعيات الإسلامية ويمنحها حقوقًا حصرية في الإشراف وإدارة النشاطات والأعمال.

وعلى العموم تعاني الجمعيات الإسلامية في دول البلقان، من انعدام القدرة على مواجهة التحديات التي تعترضها بشكل فعال، كما أنها لم تستغل الفرص التي أُتيحت أمامها خلال الفترة التي تلت الحقبة الشيوعية، فقدراتها البشرية والتنظيمية وبناها التحتية ومصادر تمويلها تظل في أغلب الأحيان محدودة وبسيطة.(10) ويظل التخطيط الاستراتيجي غائبًا، كما أن الثقافة الإدارية الموغلة في البيروقراطية تمثل عاملاً معطلاً لعمليات الإصلاح الداخلي.

ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن عمليات التحول التي شهدتها دول البلقان من الاشتراكية إلى الديمقراطية وفرت الفرصة والإمكانية للجمعيات الإسلامية للعب أدوار متقدمة ومؤثرة في المشهد المجتمعي العام، لكن في معظم الحالات، فإن هذه الفرصة التاريخية لم يتم استغلالها وتوظيفها بشكل كافٍ.

قد تكون وضعية الجمعية الإسلامية في البوسنة والهرسك أفضل حالاً وأكثر تطورًا بالمقارنة مع غيرها من الجمعيات الإسلامية في دول منطقة البلقان، لكنها لا تزال بعيدة عن التوظيف الأمثل؛ فعلى سبيل المثال، استطاعت الجمعية أن تعيد إدخال مادة العلوم الشرعية إلى قاعات الدرس في المدارس البوسنية وهذا يُعتبر نجاحًا منقطع النظير قياسًا إلى ما حققته باقي الجمعيات الإسلامية في الدول البلقانية الأخرى. لكن، هذا النجاح لم يتحقق مثيله في استعادة الممتلكات الوقفية التي تم انتزاعها في الماضي، كما أن غياب برامج خاصة بالفئات الشبابية والأسر يُعتبر فشلاً كبيرًا وخيبة أمل كبرى.

ومن جهة أخرى على صعيد بقية دول البلقان لا تزال الجمعيات الإسلامية في بلغاريا واليونان وصربيا حتى الآن تفتقد إلى درجات الاستقلالية التي قد تُخرجها من تبعيتها لسلطات الدول التي توجد فيها. أما في كوسوفو فلم تنجح الجمعية الإسلامية في إدخال مادة العلوم الشرعية في المدارس، وفي ألبانيا تبدو الجمعية الإسلامية ضعيفة جدًا وغير قادرة على اتخاذ القرارات المطلوبة أو أن تنشئ بنفسها مؤسساتها التعليمية الخاصة بها. بينما يبقى الدعم التركي للمسلمين ولجمعيتهم في بلغاريا ضروريًا وحيويًا جدًا.

وفي الخلاصة، يمكن القول: إن الجمعيات الإسلامية في دول البلقان تمثل معطى اجتماعيًا مهمًا، في حين تتم المبالغة في أغلب الأحيان في دورها وتأثيرها الاجتماعي والسياسي. أما كونها أكثر المؤسسات أهمية في الحفاظ على هوية مسلمي البلقان، فهي حقيقة لا يمكن المراء فيها. 
_______________________________________
أحمت علي باشيتش - مدير مركز الدراسات المتقدمة في سراييفو
النص أُعد في الأصل باللغة البوسنية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمه كريم الماجري إلى اللغة العربية.

المصادر
1- Eng. Islamic Community, ar. obi?no al-jama'a al-islamiyyah.
2- Bajro Agovi?, Islamska zajednica u Crnoj Gori (Podgorica: Mešihat Islamske zajednice u Republici Crnoj Gori, 2007), 28-29.
3- Za detaljne informacije o islamskim zajednicima Balkana vidjeti Jorgen S. Nielsen i drugi, prire?iva?i, Yearbook of Muslims in Europe, vol. 5 (Leiden, Brill, 2013).
4- U BiH ima oko 1.700 d?amija. Oko 650 ih je bilo potpuno srušeno u agresiji na Bosnu 1992-95. godine dok ih je još 530 bilo ošte?eno od strane Srba (ca 80%) i Hrvata. Još nisu sve rekontruirane. Muharem Omerdi?, Prilozi izu?avanju genocida nad Bošnjacima, 1992–1995 (Sarajevo: El-Kalem, 1999).
5- Islamska zajednica u BiH upošljava i anga?ira oko 1500 imama dok dr?ava u dr?avnim školama pla?a oko 900 vjerou?itelja licenciranih od strane Islamske zajednice.
6- Tore Lindholm et al., eds., Facilitating Freedom of Religion or Belief: A Deskbook (Leiden, Martinus Nijhoff, 2004).
7- Odnosi izme?u ovih zajednica analizirani su na seminaru „Islamske zajednice u regionu - normativni aspekt”, Sarajevo, 17. januar 2008.
8- Ahmet alibaši? and Asim Zub?evi?, “Islamic Education in Bosnia and Herzegovina” u Ednan Aslan, ed., Islamic Education in Europe. Vienna: Böhlau, 2009, pp. 43-57 i Stepan Machacek, “”European Islam” and Islamic Education in Bosnia and Herzegovina”, u: Sudost Europa, vol. 55 (2007), no. 4, 395-428 i Stepan Machacek, „Islamic education in the post-communist Balkans in the period from 1990 to 2005“, Archiv orientální, 2006, vol. 74, no1, 65-93.
9- Fikret Kar?i?, “Administration of Islamic Affairs in Bosnia and Herzegovina”, Islamic Studies 38:4 (1999), 541–542, 544.
10- لم يتم إلى اليوم استرجاع كل الممتلكات الوقفية المصادَرة بعد 1945 في أيٍّ من دول البلقان.

عودة للصفحة الرئيسية للملف

نبذة عن الكاتب