جماعة العدل والإحسان: التحولات والاتجاهات الممكنة

استطاعت جماعة العدل والإحسان الحفاظ على تماسكها التنظيمي بعد عام على رحيل مؤسسها، بل أخضعت بنيتها التنظيمية لعملية تحديث ربما تشير لبداية انفتاح مستقبلي في المواقف السياسية. ويبدو أن الجماعة تريد دورًا سياسيًا، لكن حدوده في نظر الملَكية وتأثيره في المشهد السياسي سيظل السؤال الأهم مستقبلاً.
201429113847142734_20.jpg
نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان فتح الله أرسلان (يمين) ومحمد العبادي الأمين العام للجماعة(يسار) (أسوشييتد برس)

ملخص
تجد جماعة العدل والإحسان الفصيل الإسلامي الأكبر في المغرب، والتي لم تُختبر بعدُ سياسيًا خارج حقل المعارضة، نفسها أمام متغيرات عديدة ذات أبعاد تنظيمية وسياسية. وتعرف الجماعة التي تعيش مرحلة انتقالية بوادر انفتاح في المواقف السياسية، مع استمرار البنى الفكرية الثابتة التي تختزل رؤيتها للتغيير والموقف من الدولة. ورغم أن مرور عام واحد على رحيل مؤسسها عبد السلام ياسين غير كاف لتقييم مسارها، فقد نجحت في الحفاظ على تماسكها التنظيمي.

إن الإشارات السياسية التي يرسلها قادة الجماعة ليست كافية بالنسبة للدولة لإحداث أي تغيير في تعاطيها مع الجماعة، من قبيل التأكيد على تبني مبدأ التغيير السلمي والرغبة في إنشاء حزب سياسي، لكن مع الاحتفاظ بالرؤية الفكرية والموقف الرافض للمَلَكية وإمارة المؤمنين. بالمقابل، تحتاج الجماعة إلى إشارات واضحة من الدولة لإحداث أي اختراق ملموس على مستوى المواقف السياسية.

لاشك أن العدل والإحسان تريد دورًا سياسيًا، إلا أن حدود هذا الدور من وجهة نظر الملكية وتأثيره في المشهد السياسي المغربي سيظل هو السؤال الأهم. وهذا يعني أن هنالك حاجة لنوع من الصفقة السياسية أو التفاهم بين الطرفين إلا أن شروطها الموضوعية والواقعية ما زالت لم تنضج بعد.

تجد جماعة العدل والإحسان الفصيل الإسلامي الأكبر في المغرب، والتي لم تختبر بعد سياسيًا خارج حقل المعارضة، نفسها أمام متغيرات عديدة ذات أبعاد تنظيمية وسياسية. وتعرف الجماعة التي تعيش مرحلة انتقالية بوادر انفتاح في المواقف السياسية، مع استمرار البنى الفكرية الثابتة التي تختزل رؤيتها للتغيير والموقف من الدولة. ورغم أن مرور عام واحد على رحيل مؤسسها عبد السلام ياسين غير كاف لتقييم مسارها، فهي في الآن ذاته تواجه تحديات أهمها القدرة على مواكبة التحولات المتسارعة في المشهد السياسي المغربي. وقد نجحت بعد رحيل مرشدها في الحفاظ على تماسكها التنظيمي.

 بين ثبات الرؤية الفكرية وتحولات الاجتهاد السياسي

يمثل الواقع التنظيمي والسياسي لجماعة العدل والإحسان بعد عام على رحيل مؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين، إجابة على كثير من القراءات التحليلية السابقة التي كانت تربط مستقبلها السياسي والتنظيمي ضمن المشهد السياسي المغربي بمصير مؤسسها الراحل، الذي كان يمثل مرتكزها الأساس في التنظير والممارسة. وفي الوقت الذي أقدمت الجماعة على إحداث تغيرات مست بنيتها التنظيمية، يبقى السؤال مطروحًا حول مواكبة التحول التنظيمي للانفتاح على مستوى المواقف السياسية.

لقد خلّف رحيل مؤسس الجماعة الذي صار يحمل لقب "الإمام" بعد انتفاء صفة "المرشد" تنظيميًا، آثارًا بالنظر لما كان يتمتع به من كاريزما شكّلت عنصر الجذب الأساسي لها، لكنها نجحت في الحفاظ على تماسكها وضبط التوازنات الداخلية للتنظيم، وفي نفس الوقت أدخلت عليه تغييرات لا تخلو من دلالة سياسية لعل أهمها بروز بوادر الرغبة في ولوج الفضاء الحزبي وذلك بالنظر للمناصب التنظيمية التي تم استحداثها "منصب الأمين العام ونائب الأمين العام" مقابل التسمية السابقة "المرشد" والتي كانت تحمل دلالة دعوية أكثر منها سياسية. فصارت أسماء المناصب التنظيمية المعتمدة أقرب إلى قاموس السياسة منها إلى قاموس الحركة الدعوية. ومن الدلالات الأساسية أيضًا أن قيادة الجماعة ستكون أكثر جماعية مقارنة بفترة المرشد الراحل، مع منح دور أكبر لنائب الأمين العام فتح الله أرسلان في هذه المرحلة.

وبالإضافة إلى عملية تحديث التنظيم والإعداد لمخارج سياسية جديدة، فإن غياب شخصية المرشد الراحل قد يمثل تحولاً ربما يسمح بإحداث تغييرات على مستوى الموقف السياسي بشكل يختلف عن السابق، بالنظر لمركزية شخصية المرشد السابقة ورؤيته، وبالتالي صعوبة إيجاد تحولات منهجية أو سياسية في الموقف أثناء وجوده في تلك المرحلة.

يتراوح خطاب الجماعة في الوقت الراهن بين ثنائية الرؤية التاريخية والدينية تجاه الدولة والتي أرسى قواعدها المرشد الراحل، وبين اتجاه يجد نفسه مجبرًا على تقديم قراءة سياسية منسجمة مع متغيرات الواقع السياسي المغربي؛ وينعكس ذلك في تصريحات بعض من قادتها حاليًا حول الموقف من المشاركة السياسية والرغبة في تشكيل حزب سياسي، الذي لن يكون إلا وفق الدستور والقوانين التي أرستها الدولة. وتحيل هذه القضية إلى بداية تبلور فكرة الفصل بين المجالين الدعوي والسياسي؛ فالمطلوب من الخط التربوي الحفاظ على الرؤية الفكرية للجماعة ببعديها الديني والتاريخي، في حين يتمتع الخط السياسي بهامش أكبر للمرونة والمناورة السياسية.

لقد أحدثت الجماعة تعديلات هيكلية جديدة باعتماد منصب الأمين العام وتعيين نائب له؛ حيث انتُخب محمد العبادي أمينًا عامًا، وتتمثل قوته التنظيمية في كونه من الأعضاء المؤسسين للعدل والإحسان، والأكثر قربًا من خط ياسين في المجال الدعوي والفكري، كما أنه يمثل إحدى نقاط التصادم الأساسية مع الدولة، ولا يزال بيته مشمعًا حتى اللحظة. ويوحي هذا التقسيم بنهاية العلاقة البنيوية بين الشيخ والمريد كما تحيل عليه أدبيات المنهج الصوفي في الجماعة، وإن كانت شخصية العبادي ذات طابع صوفي.

ويحمل تغيير أسماء المناصب التنظيمية ومجيء فتح الله أرسلان، الذي ظهر في السنوات الأخيرة أكثر اهتمامًا بالمشاركة السياسية، نائبًا للأمين العام الجديد دلالات سياسية، أهمها احتمالات فتح الباب لتحويل الجماعة إلى فاعل سياسي حزبي مستقبلاً؛ وذلك في ظل الهدنة بين الجماعة والدولة وتوقف حدة الملاحقات الأمنية لأفرادها مقارنة بالفترة الماضية. وذلك في سياق ما بعد مرحلة حراك 20 فبراير/شباط الاحتجاجي الذي كانت الجماعة عموده الفقري، ومثل المحطة الأساس في حضورها الميداني، واستطاعت من خلاله توجيه رسالة قوية حول قدراتها على الحشد والتنظيم، كل ذلك مع مفارقة كبيرة تمثلت بالمعادلة التالية "قوة ميدانية مع سوء استثمار في النتائج" مقارنة بحزب العدالة والتنمية الذي أوصله الحراك الاجتماعي إلى تصدر نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة.

إن وجود الرجلين على رأس الجماعة يمثل مزجًا بين التمسك بالخط التربوي والروحي للتنظيم، فيما تتيح الآلية التنظيمية المستحدثة -نائب الأمين العام- مجالاً لانفتاح أكثر على المستوى السياسي، وبالتالي ضبط الإيقاع بين المجالين الدعوي والسياسي؛ مما قد يهيئ الجماعة بعد عملية التحديث التي عرفتها إلى تغيرات تهم موقعها في المشهد السياسي والحزبي بشكل خاص، ربما لم تكن متاحة في السابق، لكنها في نفس الوقت تحتاج وقتًا لاستيعاب قواعدها هذا النوع من التحولات دون إحداث إرباك للتنظيم.

ويعكس هذا التوجه عدد من التصريحات من قبيل ما أدلى به نائب الأمين العام للجماعة أرسلان، حين أكد أن الجماعة "تتطلع إلى القيام بدور سياسي في المملكة، والذي مُنعت من القيام به"، مضيفًا: "نحن نؤمن بالديمقراطية وبقدرتنا على أن نصبح حزبًا سياسيًا، لكن الحكومة لا تسمح لنا بذلك"، و الجماعة "لا تدعو إلى تغيير النظام".(1)

ولا تنفي هذه التصريحات، على أهميتها وما تحمله من مؤشرات واضحة للرغبة في الاضطلاع بدور سياسي، من استمرار وجود تباينات في التعبير عن الموقف من النظام داخل الجماعة؛ حيث صرح الأمين العام للجماعة محمد العبادي  عام 2013 بأن "نظام الحكم المعتمد في المغرب ليس من الإسلام في شيء، بما أن نظام الحكم في الإسلام مبني على مبدأ الشورى وليس الملكية". واعتبر أن نظام الحكم في الإسلام محدد شرعًا، وهو نظام قائم على الشورى وليس على الوراثة التي بدأت منذ الانكسار التاريخي وتحول الأمر إلى ملكية عامة، مضيفًا: "نحن نعاني من الملك، وتدريجيًا -إن شاء الله- سنتخلص من هذا النظام، ونعود إلى ما جاء في كتاب الله".(2)

وهذا بخلاف تصريحه عام 2012 في حديثه عن النظام الملكي ومؤسسة إمارة المؤمنين بأن "جماعته تريد حُكمًا راشدًا، وأن العبرة عندهم "بالمضمون"، ولا يهم تحت أي مسمى يكون".(3) كما أن ابنة المرشد الراحل نادية ياسين تحدثت في مناسبات عديدة عن تفضيل النموذج الجمهوري للحكم في المغرب.

ويُفسَّر هذا بما ذكرناه سابقًا من معادلة إيجاد صيغة للجمع بين ثنائية "الثبات الفكري والسعي للانفتاح في الموقف السياسي"؛ وهو الهدف من تواجد الرجلين على مستوى قيادة الجماعة بما يمثلانه من بُعدين: فكري روحي وآخر سياسي.

الجماعة والدولة

لم تنتج الجماعة وثيقة سياسية تعكس تحليلها للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للخروج من الأزمة منذ رسالة "إلى من يهمه الأمر"، التي بعث بها المرشد الراحل ياسين إلى الملك محمد السادس غداة وصوله للحكم، وقد تضمنت عددًا من المقترحات والرؤى لكيفية تدبير المجال السياسي والاقتصادي، ولم تتلقَّ الجماعة ردًا أو إشارة عن تلك الرسالة الموجهة إلى الملك.

وفي هذا السياق يعتقد مراقبون أن الإشارات السياسية التي يرسلها قادة الجماعة ليست كافية بالنسبة للدولة لإحداث أي تغيير في تعاطيها مع الجماعة، من قبيل التأكيد على تبني مبدأ التغيير السلمي والرغبة في إنشاء حزب سياسي، لكن مع الاحتفاظ بالرؤية الفكرية والموقف الرافض للملكية وإمارة المؤمنين. وتحتج الجماعة بوجود فاعلين سياسيين وأحزاب مرخص لها لا تعترف بكثير من أدوار الملكية مثل إمارة المؤمنين على سبيل المثال. في حين يقتضي الانخراط في المشهد السياسي بشكل رسمي بالنسبة للدولة التخلي عن مرتكزات أساسية فكرية وسياسية للجماعة. بالمقابل، تحتاج الجماعة إلى إشارات واضحة من الدولة لإحداث أي اختراق ملموس على مستوى المواقف السياسية.

يبدو راجحًا أن العدل والإحسان تريد دورًا سياسيًا، إلا أن حدود هذا الدور من وجهة نظر الملكية وتأثيره في المشهد السياسي المغربي سيظل هو السؤال الأهم. وهذا يعني أن هنالك حاجة لنوع من الصفقة السياسية أو التفاهم بين الطرفين، إلا أن شروطها الموضوعية والواقعية ما زالت لم تنضج بعد.

والمحصلة وجود رؤيتين تجدان صعوبة في التعايش: رؤية الملكية لشرعيتها التاريخية والدينية، ورؤية العدل والإحسان لطبيعة نظام الحكم وشرعيته. وما زالت الملكية تمثل العقدة الأساس في الرؤية السياسية والفكرية للجماعة حيث تحتاج إلى عملية تفكيك ليست بالهينة، تمهيدًا لأية إمكانية تحول على المدى القريب أو المتوسط.

يمثل استمرار بقاء العدل والإحسان خارج اللعبة السياسية تحديًا لرغبة الدولة وسعيها لاستكمال ضبط قواعد المشهد السياسي المغربي بمكوناته منذ الاستقلال بشكل نهائي. وهذا يحتم على الدولة أن تكون أكثر واقعية في علاقتها بالجماعة، لتتمكن من الفصل بين خطها الفكري ومنهجها السياسي، بما يسمح لها ربما بتأسيس حزب سياسي في الحدود الدنيا على غرار حركات سياسية يسارية لا تعترف بما تسميه: نظامًا مخزنيًا أو بإمارة المؤمنين، لكنها تشتغل في الحقل السياسي المغربي. وربما زاد ذلك من احتمالات نشوء مساحات للتقارب بشكل أكبر.

ويحكم العلاقة بين الجماعة والدولة إرث ثقيل يشكّل عائقًا يحتاج الجانبان إلى إعادة النظر في عناصره، وهو عنوان لمرحلة سابقة ما زالت الجماعة لم تتخلص منه، كما أن الدولة لم تتخلص منه كذلك.

تحديات دعوة الجماعة لميثاق وطني

مزج البيان الصادر عن اجتماع المجلس القُطري للدائرة السياسية للجماعة في يناير/كانون الثاني 2014 بين تقديم تشخيص للأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد، ودعوة الفاعلين السياسيين إلى "ميثاق وطني" للإصلاح ومواجهة الفساد والاستبداد، وقد كان يُسمَّى سابقًا في أدبيات المرشد الراحل: "الميثاق الإسلامي". وهو يمثل إحدى المبادرات المهمة بالنسبة للممارسة السياسية للجماعة. وقد عكس البيان الموقف من المرحلة الحالية بطرفيها الأساسيين: الملكية والحكومة. ووجهت عبره الجماعة رسالة عتاب ولوم لحكومة العدالة والتنمية. ويمكن إجمال هذا التشخيص في التالي:

سياسيًا

  • القصر هو الحاكم الفعلي، وصاحب القرار في وضع السياسات وتنفيذها، دون اعتبار لتغير الحكومات وأشكالها.
  • خيارات الدولة وسياساتها محددة سلفًا من قبل المؤسسة الملكية.
  • هامش صلاحيات الحكومة ينحسر، مع استمرار احتكار القصر للملفات الاستراتيجية.
  • المغرب رجع إلى الاستبداد المطلق.
  • الدولة تمارس وصاية على التدين.

اقتصاديًا

  • عمل الحكومة هو إخماد الحرائق فقط (علمًا بأن الجماعة لم تستخدم الشارع حتى اللحظة، أو تقم بأشكال احتجاجية ضد حكومة العدالة والتنمية بشكل واضح).
  • تعتبر سنة 2013 سنة استفحال الأزمة الاقتصادية.(4)

ولتجاوز الوضعية الحالية فإن فكرة الميثاق تظل إحدى أهم المخارج الحيوية في نظر الجماعة لتعبئة القوى السياسية للقيام بالإصلاح، إلا أن تحديات عديدة تقف أمام مشروع الميثاق، وتجعل منه مجرد مبادرة تُبقي الجماعة حاضرة في المشهد السياسي، وأهم هذه التحديات:

  • طبيعة العلاقة بين الجماعة والمكونات السياسية المختلفة.
  • أثبتت تجربة العمل الميداني المشترك في حراك 20 فبراير/شباط صعوبات تطبيق الفكرة ميدانيًا.
  • تؤثر الحمولة الأيديولوجية القوية للجماعة سلبًا في إيجاد مساحات مشتركة مع باقي الفاعلين.
  • التباين في النظر إلى المؤسسة الملكية والعلاقة معها، بين الجماعة وباقي أغلب المكونات السياسية التي تشتغل وفق المنظومة الدستورية والقانونية التي وضعتها المؤسسة الملكية.

الاتجاهات الممكنة

يمكن الحديث عن وجود اتجاهين غالبين قد تجد الجماعة نفسها في سياق أحدهما ضمن المشهد السياسي المغربي:

أولاً: انتظار محطات شبيهة بحراك 20 فبراير/شباط
إذا استثنينا خيار التصادم مع الدولة الذي لا تتبناه الجماعة، فإن خيار انتظار وترقب محطات شبيهة بالتحولات التي أحدثها حراك 20 فبراير/شباط عام 2011 لاستثمارها في تغيير معادلات العلاقة مع النظام، يظل خيارًا واردًا بشكل قوي. وسيتقوى هذا الخيار كلما ثبت فشل الاجتهاد السياسي للإسلاميين المتواجدين بالسلطة في إحداث تغييرات أساسية.

ويشهد لهذا الخيار تصريح القيادي عمر إحرشان، عضو الأمانة للدائرة السياسية للجماعة، الذي توقع أن يعرف المغرب موجة احتجاجية ثانية أقوى وأكبر من تلك التي عرفها إبان بداية الربيع العربي؛ حيث عرف الموجة الأولى في حدها الأدنى على خلاف دول الربيع التي بلغت فيها الموجة الأولى أوجها حين أسقطت رؤوس النظم الحاكمة هناك، واعتبر أن من الصعب الحديث عن المآلات "لأننا ما زلنا أمام نتائج مؤقتة وليست نهائية".(5) ويمكن اعتبار هذا السيناريو جزءًا من التحضير الميداني الذي تؤطّره فكرة الدعوة لميثاق يجمع الفاعلين السياسيين لمقارعة الفساد والاستبداد حسب وجهة نظر الجماعة.

ثانيًا: سيناريو الاندماج
يتمثل هذا الخيار في إيجاد صفقة مع النظام تتيح للجماعة إمكانية تأسيس حزب سياسي والاندماج في المشهد بشروط أفضل. إلا أن هذا الخيار تكتنفه صعوبات؛ حيث إن استيعاب وإدماج الجماعة بما تمثله من ثقل تنظيمي وبشري كبير يدفع الدولة إلى التفكير مليًا قبل اتخاذ هذا القرار، أو إرسال إشارات سياسية في هذا الباب؛ حيث يحمل خيار الإدماج إرباكًا حقيقيًا لأسلوب إدارة الدولة للمشهد السياسي والتوازنات المطلوب تحققها فيه.

ولا شك أن دخول فصيل إسلامي بهذا الحجم، مضافًا إلى فصائل أخرى (العدالة والتنمية أساسًا وفصائل إسلامية أخرى) ستكون له نتائج بدءًا من طبيعة الحكومات وصولاً إلى العلاقة مع المؤسسة الملكية، مع المخاطر التي قد تتولد من التعامل مع فصيل سياسي لم يسبق ترويضه، أو اختبار درجة الثقة فيه ومستوى ولائه من قبل.

خاتمة

تحيل معطيات المشهد السياسي المغربي إلى وجود تحديات كبيرة تقف أمام خيار الاندماج في العمل السياسي بالنسبة للجماعة وبالنسبة للدولة أو على الأقل للجناح الأكثر اعتراضًا على إدماجها على المدى القريب؛ فهذه العملية لا تنبني فقط على مجرد تغيير عدد من القناعات الفكرية والسياسية تجاه المؤسسة الملكية؛ حيث إن دخول هذا الفصيل الكبير يحتاج تحضيرًا مسبقًا من طرف الدولة لما ستكون عليه توازنات خارطة المكونات السياسية للبلاد، حتى مع فرضية تغيير الجماعة لبعض مواقفها السياسية.
________________________________
كمال القصير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات "مسؤول منطقة المغرب العربي"

المصادر
1 تصريح فتح الله أرسلان:
 http://www.aljazeera.net/news/pages/fa2d02b4-909b-49a4-af28-be80711f7b1c
 http://www.hespress.com/politique/77619
2 http://www.echoroukonline.com/ara/articles/163912.html
3 تصريح أمين عام الجماعة:
http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=today%5C26qpt957.htm&arc=data%5C2012%5C12%5C12-26%5C26qpt957.htm
4 http://www.hespress.com/politique/109251.html
5 http://www.aljamaa.net/ar/document/73932.shtml

نبذة عن الكاتب