الصوماليون في المهجر: بين التطور والتأثير في الداخل

تتناول الباحثة الصومالية أدل عبدي عثمان قضية العمالة الصومالية في المهجر وأدوارها التنموية بالبلاد، وكيف تشكل بفضل التحويلات المالية الضخمة إحدى رافعات التنمية بالبلاد. وتركز الباحثة بشكل خاصة على المهاجرين الصوماليين ببريطانيا وكيف يشكلون حلة دراسية مهمة في سبيل معرفة ابعاد هذه القضية.
201561010224209734_20.jpg
توفير السيولة النقدية من قبل الشتات الصومالي يظل محل تقدير كبير من قبل الكثير في مقديشو (أسوشيتد برس)

ملخص
انهيار دولة الصومال الذي يعود إلى سنة 1991 وما تلا ذلك الانهيار من حروب أهلية وكوارث بيئية كالجفاف وغيره، كلها عوامل كانت وراء الهجرة الصومالية الكثيفة إلى الخارج. وقد توزع ما يزيد على مليون صومالي في شتى أنحاء العالم. تنشط الجالية الصومالية في مهاجرها في مناشط عديدة من أبرزها التجارة استيرادا وتصديرا، كما تقوم هذه الجالية بتحويل أموال طائلة للصومال، وهي تحويلات تتجاوز في كمها كلا من الصادرات والمساعدات الإنسانية الدولية للصومال، حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كما أنها أيضًا تصل إلى قطاع كبير من العوائل، وفي فترات الجفاف والحروب الأهلية ترتفع معدلات تلك التحويلات.

أصبح المهاجرون الصوماليون رأس مال بشري واقتصادي بل وإحدى رافعات التنمية في دولة الصومال اليوم، ذلك أن نشاط العائدين منهم في المجال العام صار ملحوظا وخصوصا في جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند).

وتعاني الجاليات الصومالية في المهجر وخصوصا في أوروبا وفي المملكة المتحدة بشكل أخص من مشاكل تتعلق بالاندماج كغيرها من الجاليات الأجنبية بالغرب، إلا أنهم مع ذلك يقومون بأدوار مهمة، لاسيما من قِبل دوائر.

مقدمة

وُجدت الهجرات بين الشعوب بشكل أو بآخر منذ الأزمنة القديمة، إلا أن الوزن السياسي للمهاجرين أصبح أكثر أهمية ابتداء من أواخر القرن العشرين؛ حيث أخذت تلك الفئات تلعب دورًا حساسًا في النزاعات المعاصرة تبعًا لنشوء نمط جديد من الصراعات، وكذلك التزايد السريع للاجئي الحروب، وسرعة الاتصالات والتنقل، إضافة إلى زيادة التباينات الثقافية والسياسية.(1)

منذ انهيار الدولة الصومالية، بلغ عدد النازحين من نير الحرب إلى كل من أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية، والشرق الأوسط، وأستراليا ونيوزيلاندا ما يُقدَّر بمليون نسمة. وبالرغم من أن أوروبا تضم تجمعًا صغيرًا نسبيًّا إلا أنه يُعتبر أحد أكبر تجمعات اللاجئين والأقليات النامية.

استقر كثير من أولئك المهاجرين في بلدانهم المضيفة إلا أنهم يبدون نشاطًا وتفاعلًا في ما يختص بالأحداث والمستجدات في وطنهم الأم.

في هذه الورقة نقدم نظرة موجزة لجوانب يغفل عنها المجتمع الدولي كما يزيل بعضًا من الغموض حول دورهم متعدد الأوجه.

الهجرة العالمية للصوماليين

عاش الصومال واحدة من أطول الكوارث الإنسانية على وجه الأرض؛ ففي يناير/كانون الثاني عام 1991 تمت الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري عن طريق ميليشيات عشائرية معارضة؛ مما أدى إلى انهيار الدولة المركزية واندلاع الحرب الأهلية التي زامنت موسم قحط شديد، فسبَّب ذلك المزيج كارثة للسكان عامة؛ ففي عام 1992 أصبح ما يقارب الـ4.5 مليون نسمة -أي ما يعادل أكثر من نصف سكان البلاد- تحت تهديد المجاعة وسوء التغذية الحاد وأوبئة أخرى. ذلك الوضع المأساوي تسبب في حتف ما يقارب ثلاثمائة ألف نسمة ونزوح 2 مليون قسرًا إلى دول الجوار أو أماكن أخرى داخل الصومال وفقًا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة.(2)

ومنذ ذلك الحين استمر تدفق الهجرات الصومالية بشكل متزايد قدَّره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بحوالي المليون نسمة تفرَّقوا إلى أنحاء مختلفة من المعمورة؛(3) ففي الغرب، استفادت الجالية الصومالية من تكنولوجيا الاتصالات، وعلى وجه الخصوص خدمة الإنترنت؛ حيث قدَّمت لهم فرصًا للتواصل وتبادل وجهات النظر إضافة إلى أنها كانت طريقة مُثْلى لمساعدة ذويهم في الوطن وتنظيم فعاليات هناك،(4) وبهذا أصبحوا نموذجًا حيًّا لما يسميه أبادوراي بـ"موجة الثقافة العالمية الجديدة".(5)

تتبع أبادوراي خمسة نطاقات مرنة من التفاعل العالمي: النطاق العِرقي من المجموعات البشرية المتنقلة وتضم كلًّا من اللاجئين، والعمال المهاجرين، والطلبة، ورجال الأعمال، والنطاق التكنولوجي من نشر وتبنٍّ للتقنيات الميكانيكية والمعلوماتية، والنطاق المادي لرأس المال العالمي، والنطاق الإعلامي الذي لا يشتمل فقط على القنوات المنتشرة عالميٍّا بل أيضًا الصور التي تحملها، وأخيرًا النطاق الفكري للخطابات السياسية مثل الديمقراطية والحقوق. فنجد أن الصوماليين في المهجر أنشأوا إعلامًا مقرُّه خارج البلاد لكنه قابل للوصول لكل من صوماليي الداخل والخارج. هذا الترابط الذي منحه إعلام المهجر كان حلقة وصل بين أجزاء مجتمع تمكَّن منه الشقاق، كما فتح طرقًا جديدة لاستمرار تماسك النسيج الثقافي لذلك المجتمع.

 التحويلات المالية وإعادة إعمار الصومال

عزَّز إعلام المهجر ثقافة الترابط الموجودة في المجتمع فقدَّم منصة للصوماليين في الخارج تبقيهم على اطِّلاع بالقضايا المؤثرة على وطنهم الأم وأيضًا تمنحهم فرص الإسهام في تطويره. وبما أن للكثيرين أقرباء في الداخل يعتمدون عليهم اقتصاديًّا بشكل أساسي؛ حافظ صوماليو المهجر على التواصل مع ذويهم من خلال ذلك الدعم المادي كما أنهم يسهمون بشكل كبير في الاقتصاد ووسائل العيش داخل الوطن من خلال التحويلات المادية، والمساعدات الإنسانية وأيضًا المشاركة في جهود الإنعاش وإعادة الإعمار.(6)

من المعروف أن أكثر الأعمال التجارية نجاحًا للمهاجرين هي التي تمتد عبر المسافات التي تفرضها الحدود الدولية، على سبيل المثال: شركات الشحن البحري والجوي، ومؤسسات الاستيراد والتصدير، ومتعاقدو العمال.(7) هذا ينطبق أيضًا على شركات التحويلات الصومالية المعرو¬¬فة بـ"hawilad"، والتي هي مفردة مشتقة من أصل عربي تعني التحويل للمال أو المهام (المسؤوليات). تعتمد هذه الشركات نظامًا غير رسمي لنقل القيمة ويعمل تقريبًا في معظم دول العالم، تتم إدارته واستخدامه من قِبل صوماليين على الأغلب ويتعامل مع كلٍّ من التحويلات المرسلة أو المعاملات التجارية.(8) وبما أن آلية عمل ذلك النظام تتم خلال تقنيات الاتصالات؛ فإن هذه الشركات استغلت بشكل كبير جدًّا خدمات الإنترنت، والهواتف، وأنظمة الإشارات اللاسلكية المتنقلة، وشبكات الحواسيب، وحتى خدمات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية.(9)

تعتبر الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى من أكثر البلدان المتلقية للتحويلات المالية، تفوقها في هذا فقط دول جنوب آسيا وأميركا اللاتينية؛ حيث قُدِّرت التحويلات التي استقبلتها تلك الدول في عام 2011 فقط بما يصل إلى 22 مليار دولار. إلا أن الصومال يعتبر أكبر مستقبل للتحويلات الفردية، التي لعبت دورًا حساسًا في الاقتصاد الصومالي لعقود؛ فالتطورات الحديثة في تكنولوجيا الاتصالات إضافة إلى انهيار الاقتصاد الصومالي الرسمي كان لهما أكبر الأثر في ذلك الدور.

وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تتجاوز قيمة تحويلات المهاجرين كلًّا من الصادرات والمساعدات الإنسانية الدولية للصومال، كما أنها أيضًا تصل إلى قطاع أكبر من الناس. ويقدِّر البرنامج أن معظم التحويلات على مستوى الأسر تقع بين الـ 50 و200 دولار شهريًّا، كما يشير إلى أن متوسط التحويلات المالية يشكِّل 22 في المئة من دخل الأسرة في الصومال (UNDP 2012).(11).

الجدير بالذكر أن تلك التدفقات المالية تزيد في فترات الأزمات الاقتصادية كمواسم الجفاف وحروب العشائر، مما يقود إلى احتمالية دعم أعضاء المهجر المادي للصراع، ذلك الذي يُعَدُّ عاملًا خطرًا من حيث فاعليته في تأجيج الصراع واستمراره.

عدا الحوالات فلقد سُجِّلت الملاحظات بأن العائلات الصومالية في المهجر والتي يتوفر لها الإمكانية الكافية غالبًا ما تعود إلى الوطن وتُسهم بشكل مباشر في تحريك الاقتصاد. في المملكة المتحدة -على سبيل المثال- يميلون لقضاء عطلة الصيف هناك، وتجديد صلاتهم مع ذويهم. وتُقدَّر أعداد المصطافين إلى أرض الصومال والقادمين من المملكة المتحدة، بما يصل إلى 10000 سنويًّا، باعثين موسمًا اقتصاديًّا يضخ كميات كبيرة من المال في سوق الخدمات المحلية.

أخيرًا، فإن للمهاجرين من أرض الصومال على وجه الخصوص سجلًّا حافلًا من المشاركة في بناء الدولة وإعادة هيكلة النظام السياسي في مناطقهم.

قدَّم الأستاذ عبدي كوسو مفهوم "التحويلات الاجتماعية"، في إشارة إلى احتمالية تدفق المهارات والمعرفة ورأس المال البشري، من المهجر إلى الصومال. يتجلَّى هذا في عدد الصوماليين القادمين من المهجر والذين يشغلون مناصب قيادية في المؤسسات السياسية للبلد؛ ففي جمهورية أرض الصومال، نجد أن اثنين من أصل ثلاثة أحزاب سياسية في البلاد يرأسها عائدون من المهجر، ورئيس واحدة من أصل اثنتين من المجالس التشريعية هو أحد العائدين من المهجر، إضافة إلى 30 عضوًا في مجلس النواب من أصل 82 نائبًا. أمَّا في الحكومة الصومالية ففي يناير/كانون الثاني عام 2008، كان رئيس الوزراء وثلثا مجلس الوزراء (10 من أصل 15 وزيرًا) من صوماليي المهجر. وفي مجلس الوزراء الذي تم تعيينه في فبراير/شباط من عام 2009؛ كان رئيس الوزراء ونصف مجلس الوزراء (18 من أصل 37 وزيرًا) من العائدين من المهجر. إضافة إلى المناصب الوزارية، فإن معظم كبار موظفي الخدمات المدنية هم من صوماليي المهجر.

المعاناة من أجل الهوية وصراعات المهجر

يرافق إسهام المهاجرين الصوماليين في وطنهم الأم، نضالهم من أجل التمسك بهوياتهم في عالم يتجه نحو العولمة والسعي في ذات الوقت للحفاظ على علاقات القربى، وغالبًا ما قد تعني دعم الحرب القبلية والاتجاهات الفكرية المثيرة للجدل.

إضافة إلى ذلك، فإن التفتيت الذي تسبَّبت به الحرب الأهلية للمجتمع، أدَّى إلى ترعرع قضايا الهوية، التي أصبحت ما يشير إليه بول غيلروي بـ"مسائل السعي إلى السلطة والقوة لجماعات تسعى لتحقيق ذاتها في شكل سياسي".(12)

كما أن تكنولوجيا الاتصالات يمكن أن تسهم في مثل هذه الظروف في التعبير عن تلك التصورات غير المحددة عن الهوية كما هي الحال بخصوص صوماليي المهجر.

تكثيف العلاقات الاجتماعية للربط بين مناطق متباعدة حول العالم، يمحور الأحداث المحلية حول أحداث وقعت على بعد عدة آلاف من الأميال، والعكس بالعكس (جيدنز 1991: 72)(13)؛ وهذا أدَّى بوسائل الإعلام في المهجر إلى إعادة إنتاج القوميات المحلية في الصومال، والحفاظ على تلك الهويات المحلية خارج الحدود. هذه التكنولوجيا هي أيضًا منابر هيمنة لأولئك الذين لديهم إمكانية الحصول على وسائل تقنية أفضل ووسط بيئات ذات مناخ ديمقراطي، لأنها تمنح مجتمعات المهجر فرص التفاوض وممارسة سلطة حديثة تحمل رأس مال سياسيًّا، واقتصاديًّا، وبشريًّا واجتماعيًّا. وهذا ما أَوَدُّ الاشارة له بصراعات المهجر. وبعبارة أخرى، الصراعات في المهجر هي تلك التي يتورط فيها المهجر بشكل رئيسي بواسطة وتمكين وسائل إعلام المهجر.

ضمن هذا المفهوم، يمكن أن يمارس المهاجرون سلطتهم التي وُجدت حديثًا إيجابًا أو سلبًا اعتمادًا على الهويات التي يعتنقونها. هذا الجانب المظلم من المشاركة يمكن أن يكون طريقة لنقل آليات الصراع وطرحه بين الصوماليين في المهجر وجرِّهم إليه وإعادة بثِّه ماليًّا وإعلاميًّا؛ ما ينتج حلقة دورية من إعادة لخلق الصراع.

 الصوماليون في المهجر: الجالية في المملكة المتحدة كحالة دراسة

بما لها من تاريخ استعماري، كانت المملكة المتحدة في كثير من الأحيان وجهة استقرار لكثير من الصوماليين منذ اندلاع الحرب، فهم يشكِّلون مجموعة مهاجرة كبيرة تصل إلى أكثر من 380.000 صومالي في المملكة المتحدة (DFID 2008).(14).

يتشكَّل البريطانيون من أصل صومالي في المملكة المتحدة من مواطنين بريطانيين، مقيمين أو مولودين. وهم مجتمع معقد وغير متجانس، يضم أحفاد بحارة السفن التجارية الذين وصلوا أواخر القرن 19، مهاجرين لأسباب اقتصادية ووصلوا بعد الحرب العالمية الثانية، ولاجئين نزحوا من نير الحرب الأهلية أواخر الثمانينيات، وكذلك من وافدين حديثًا من دول أوروبية أخرى. ولا يزال للنظام العشائري تأثير على تلك الجالية وتوصف في كثير من الأحيان بأنها شبكة دعم مسبقة؛ حيث يشعر أعضاء عشيرة ما بأنهم ملزمون بمساعدة أي لاجئ يصل حديثًا من أفراد عشيرتهم.

يمكن تقسيم هجرة الصوماليين إلى المملكة المتحدة إلى ثلاث مجموعات مختلفة:

  1. الذين وصلوا كبحارة وعمال في مصانع الصلب خلال الفترة الاستعمارية والفترة الصناعية ثم استقروا في المدن الساحلية أو التي تعمل بالصلب في بريطانيا.
  2. نازحين من الحرب الأهلية الصومالية عام 1991.
  3. وافدين اكتسبوا الجنسية في بلدان أوروبية أخرى سابقًا، ثم انتقلوا إلى المملكة المتحدة سعيًا إلى تناسب اجتماعي وفرص أفضل للاندماج.

وصلت أول مجموعة من الصوماليين على مشارف القرن العشرين للعمل كبحارة في البحرية التجارية البريطانية، وأقاموا في المدن الساحلية مثل كارديف وليفربول والموانىء التابعة للندن. شكَّل هؤلاء البحارة مجتمعًا، مستقرًّا إلى حدٍّ ما في هذه المدن الساحلية الرئيسية، ولكن معظمهم اعتبر العمل في المملكة المتحدة فترة مؤقتة، وللعديد منهم عائلات كانوا قد تركوها في الصومال.

في عام 1953، بلغ عدد الصوماليين حوالي 600 فرد في المملكة المتحدة (بي بي سي 2004)(15)، وعندما انخفض نشاط هذا العمل في الخمسينات، انتقلوا للعمل في المدن الصناعية مثل برمنغهام، وشيفيلد، ومانشستر (كلايست 2003). وفي تلك المرحلة، كان قد انضم الكثير من عائلات البحارة إليهم.

تضم الجالية الصومالية في كارديف أكبر عدد من مهاجري الجيل الثاني ممن وُلِد ونشأ في بريطانيا (بي بي سي 2004). إضافة إلى ذلك، وخلال فترة الستينات والسبعينات، وصلت دفعات من طلاب صوماليين قادمين من المحميات البريطانية السابقة للدراسة في المملكة المتحدة، البعض منهم قرر الاستقرار في المملكة المتحدة، بينما عاد البعض الآخر إلى الصومال بعد الانتهاء من دراستهم.

أمَّا الغالبية العظمى من الصوماليين الذين يتواجدون حاليًا في المملكة المتحدة فقد وصلوا أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات بحثًا عن ملجأ من الحرب الأهلية في الصومال.

المرحلة الأخيرة من هجرة الصوماليين إلى المملكة المتحدة كانت حوالي عام 2000 عندما بدأ صوماليون حصلوا على اللجوء ومن ثم المواطنة سابقًا في بلدان أوروبية أخرى، مثل: هولندا، والسويد، والنرويج، والدنمارك بهجرات ثانية إلى المملكة المتحدة. يذكر معظمهم أسبابًا مثل عدم توفر الحرية لممارسة تقاليدهم وشعائر دينهم وكذلك عقبات تحول دون الاندماج في تلك البلدان المضيفة مع الاحتفاظ بالهوية الثقافية والدينية. العديد منهم شكا أيضًا من الصعوبات التي واجهها لإقامة مشاريع تجارية أو للحصول على الدعم وفرص عمل مناسبة.

غادر هولندا ما يُقدَّر بـ 20000 صومالي-هولندي إلى بريطانيا ما بين عامي 2000 و2005 فقط. أعربوا عن الإحباط من نظام يقولون بأنه أبقاهم تحت قيد برامج الضمان الاجتماعي إضافة إلى التمييز العرقي. الدنمارك أيضًا شهدت نزوحًا من الصوماليين يصل إلى 4000 غادروا إلى بريطانيا من آرهوس خلال أكثر من عامين. يذكر كل من استير و.أ فان دن ريك وأدانليجه حسين في أبحاثهم (2003:5)(16) أن الأسباب الرئيسية لمغادرة الصوماليين لهولندا تركزت في محورين: "سعيًا إلى المشاركة الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى البحث عن مناخ ملائم من الناحية الثقافية والدينية". علاوة على ذلك، فإنهم عانوا من "مستويات عالية من الإكراه، والتضييق، والحرمان من الحرية لذا قرروا الهجرة إلى بريطانيا العظمى"(2003: 5).

تتركز الجاليات الصومالية بالمملكة المتحدة في مناطق مختلفة من لندن (حوالي 33000 نسمة في تعداد عام 2001) وغيرها من المدن الكبرى بما في ذلك بريستول (20000 نسمة) ومانشستر (10000 نسمة). اكتسبت مدينة ليستر جالية صومالية يتراوح تعدادها ما بين 13 إلى 15 ألف نسمة خلال السنوات العشر الأخيرة، غالبيتهم من حاملي جوازات السفر الهولندية، والدنماركية، والسويدية. وبهذا أصبحت هي المدينة التي تحوي غالبية تصل لأكثر من 250.000، ويشكِّل الصوماليون حاليًا نحو 5? من السكان.

وبهذا يمثِّل الصوماليون في المملكة المتحدة الجالية الأكثر تعدادًا من بقية الجاليات في أوروبا، وأيضًا يمكن القول بأنها الأكثر محافظة على العلاقات مع الوطن، حيث تمكَّن العشرات منهم من إقامة مشاريع تجارية في أجزاء مختلفة من الصومال، وكذلك الانضمام إلى الإدارات الإقليمية فضلًا عن الحكومة المركزية سواءً كسياسيين أو موظفين في الخدمات المدنية.

وعلى الرغم من التاريخ الطويل للجالية في المملكة المتحدة وكونها واحدة من أكبر الجاليات من فئة السود والأقليات (BME)، إلا أنهم نسبيًّا يوسمون بـ"الصمت" ولا يُعرف عنهم إلا القليل؛ حيث إن التمثيل الاعلامي عنهم سلبي في الغالب، ويُعرف الشباب كأعضاء في عصابات أو متطرفين عنيفين (تقرير صندوق الاستقرار النفطي 2014).

إضافة إلى هذا، فإن الصوماليين البريطانيين يعانون من عدم المساواة في الفرص من حيث تقديم الخدمات ومحصلة فقيرة فيما يتعلق بالتعليم والعمل والسكن والصحة.

وعلى الرغم من وجود أعداد كبيرة من التقارير الصادرة محليًّا عن الجالية الصومالية-البريطانية، إلا أنها غير معمَّمة على نطاق واسع، وغير مدرجة أو متاحة للوصول. وكثيرًا ما يشار إلى قلَّة اندماجهم ومحدودية ما هو معروف عن احتياجاتهم الخاصة كحواجز تعوق تقديم ما يلزم من قِبل العديد من مقدمي الخدمات. تفاقمت هذه الصعوبات بسبب تواري الجاليات الصومالية-البريطانية عن الأنظار في عمليات الرصد العِرقية (تقرير صندوق الاستقرار النفطي 2014). وغالبًا ما توصف المجتمعات الصومالية-البريطانية بأنها "صعبة الوصول"، كما أن هناك دلائل على أن صوماليي بريطانيا هم أسوأ حالًا بكثير من بقية مجموعات فئة الأقليات والسود في المملكة المتحدة. وبرغم أنهم الأكبر عددًا إلا أن لهم تمثيلًا قليلًا جدًّا في الهيئات المحلية والوطنية الرئيسية. ويُسلَّط الضوء في تلك التقارير، على استخدام القات بين الرجال -خصوصًا بعد أن أصبح محظورًا- وكذلك "على" تزايد حالات الأسر ذات العائل الوحيد من ضمن التحديات التي تواجه هذه الجالية.

خاتمة

كل هذا كان سببًا في ذلك التعقيد متعدد الأوجه الذي صبغ تجارب حياة الصوماليين في المهجر. فمن ناحية، هم مجتمع عالمي قوي متطور تمكَّن من الاستفادة من الفرص والوسائل التكنولوجية التي وفرتها العولمة لتحسين أوضاع وطنه، واستغلال رأس المال الاقتصادي، والاجتماعي، والبشري. ومن ناحية الأخرى، تلك ا?مكانية نفسها تمنحهم القدرة على إمكانية تأجيج الصراع واستمراره. خصوصًا أنهم في أوطانهم الجديدة تواجههم تحديات مستمرة من عدم المساواة والضعف في مستويات الاندماج والتي قد تكون أسبابًا تدفعهم إلى الاحتفاظ بروابط وثيقة مع وطنهم الأم.

في الختام، تبقى الإشارة إلى حتمية الاعتراف بدورهم المهم، لاسيما من قِبل دوائر التنمية الدولية في أوطانهم الجديدة واستغلاله لأجل الإسهام الفعَّال لإعادة بناء الصومال.
_______________________________
أدل عبدي عثمان - أكاديمية وباحثة صومالية

الإحالات
1 – Demmers, J. 2002, ‘Diaspora and Conflict; locality, long-distance nationalism and delocalisation of conflict dynamics’, The Public vol 9, 1 p 85-96.
 2 – United Nations Operations in Somalia Report, UNOSOM I 1992.
3 – UNDP 2009 Report, Somalia’s missing million: the Somali diaspora and its role in development.
4 – Issa-Salwe, A. 2011, The Internet and the Somali Diaspora; the web as a new means of Expression’BildhaanVol 6.
5 – Appadurai, A. 1990, Disjuncture and difference in the global cultural economy, Theory, Culture and Society vol 7 no2 p295-310.
6 – Menkhaus, K. (2010), Stabilisation and humanitarian access in a collapsed state: the Somali case. Disasters, 34: S320–S341.
7 – Glick, Schiller et al 1995, From Immigrant to Transmigrant: theorising transnational migration, Anthropological Quarterly vol68, no1 p48-63.
 8 – Horst, C., 2008, The Transnational Political Engagements of Refugees: Remittance Sending Practices Amongst Somalis in Norway’, Conflict, Security and Development 8, no. 3.
9 – Gundel, J. Juma, M. K. and Suhrke, A. (edt) 2002, Eroding local capacity, international humanitarian action in Africa, Spain: GrafilurArtes
10 – Hammond, L. 2011, Cash and Compassion: The role of the Somali diaspora in relief, development and peace-building, UNDP publication
11 – UNDP 2012, Somalia Human Development: Empowering youth for peace and development
12 – Gilroy, P. 2000, Against Race: Imagining political culture beyond the colour line, Harvard University Press (book)
13 – Idem.
14 – DFID/ODI 2008, DFID’s humanitarian response in the Horn of Africa
15 – BBC Legacies 2004, Immigration and Emigration, South East Wales; Somali community (website).
16 – Reek, E. W. A., Hussein, A. I.2003, Somaliers op doorreis, Tilburg, Netherlands.
17 - Open Society Foundation 2014, Report;Somalis in European Cities.

نبذة عن الكاتب