الإسلام والقضية الفلسطينية في الإعلام الألماني: رؤية نقدية

يقوم الإعلام الألماني بدور مؤثر في تشكيل الرأي العام المحلي، ويحتل التليفزيون في هذا السياق مكانة كبيرة، يضاف إليه الدور الذي تؤديه الجرائد الصفراء، ويعاني هذا الإعلام من إكراهات تاريخية تتمثل في عقدة الذنب تجاه اليهود؛ وهو ما ينعكس سلبًا على تغطيته ويجردها من الموضوعية.
2014111683258621734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تحاول الدراسة استقراء مضامين ومحددات اتجاهات التغطية الإخبارية للإسلام عمومًا والقضية الفلسطينية خصوصًا في وسائل الإعلام الغربية (نموذج ألمانيا)؛ حيث تخضع وسائل الإعلام غالبًا لإكراهات محدَّدة؛ بعضُها يرتبط بمصالح اقتصادية وسياسية، وأخرى ترتبط بسرديات تاريخية وثقافية ودينية؛ وتظهر هذه الإكراهات -السياسية منها على الخصوص- في وسائل الإعلام على اختلافها، لاسيما إذا تعلَّق الأمر بالإسلام والمسلمين، وبشكل رئيس بالقضية الفلسطينية؛ فالإعلام الغربي لا يعمد فقط إلى شيْطَنَة الآخر المسلم عبر استراتيجيات متعدِّدة وطويلة الأمد، تعتمد دائمًا نشر صورة سلبية ومُقزِّزة عن الإسلام؛ تبدأ من مبالغاته في ترصُّد "الجوانب السلبية" في حياة المهاجرين من أصول إسلامية ونشرها وتحريض الساسة عليهم، وتنتهي بالقضية الفلسطينية وتزييف الأحداث والوقائع؛ بل إنه نجح في صناعة رأي عام معادٍ إلى حدٍّ كبير لكل شيء يمتُّ للإسلام بصلة وللقضايا العربية العادلة.

وتبحث الدراسة واقع انتشار جرائد ومجلات، مثل أسبوعية دير شبيغل، وجريدة بيلد تسايتونغ، وقنوات تليفزيونية كقناة ARD وZDF في ألمانيا، وعلاقة ذلك بظاهرة الإسلاموفوبيا والصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، ويتضمن البحث نتائج دراسة استقرائية أنجزها الباحث عن المشهد الإعلامي الألماني خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في 8 من يوليو/تموز 2014؛ تُبَيِّن عبر أرقام وصور العلاقة بين حجم التوزيع وانتشار وسائل إعلامية وبين الصورة السلبية تجاه القضية الفلسطينية، وهي صورة لا تنفصل عن الصور النمطية السائدة عن الإسلام والمسلمين، وتعتمد الدراسة المنهج الوصفي-التحليلي، وتقوم في مبحثها الأول بوصف المشهد الإعلامي في ألمانيا واتجاهاته؛ خصوصًا السياسية منها، ثم تنتقل في المبحث الثاني إلى تحليل المعطيات تحليلاً نقديًّا يُسَلِّط الضوء على ميكانيزمات صناعة الرأي داخل المجتمع الألماني تجاه القضايا العربية والإسلامية.

وتخلص إلى أن الإعلام الألماني بوسائطه وتوجُّهاته المختلفة لا يلتزم الحياد والموضوعية فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية عمومًا والعربية خصوصًا؛ بل يتخذ موقفًا معاديًا حين يتعلَّق الأمر بالقضية الفلسطينية، ولا يتورَّع عن تزييف الحقائق وصور الصراع من أجل تبرير الحرب الإسرائيلية وتسويقها كحق مشروع في الدفاع عن النفس؛ إذ يخضع هذا الإعلام لإكراهات سياسية وثقافية وتاريخية؛ لأن عقدة الذنب تجاه اليهود بسبب ما عُرف بـ"الهولوكست"، ما زالت تتحكم في الموقف الألماني سياسيًّا وإعلاميًّا من الصراع في الشرق الأوسط.

مقدمة

تؤدي وسائل الاتصال الجماهيري -أي قنوات وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت- دورًا محوريًّا في تشكيل الرأي العام في الغرب، وتؤثر بشكل كبير -أيضًا- على سياساته الخارجية منها والداخلية؛ بسبب قدرتها على الوصول والتأثير في جمهور واسع؛ حتى إذا لم تكن وسائل الإعلام في الغرب خاضعة بشكل تام للسلطة السياسية؛ تنفِّذ توجهاتها وسياساتها، إلا أن ذلك لا يعني أنها مستقلة عن كل تأثير سياسي؛ ويظهر ذلك بجلاء في التغطية المنحازة للرواية الرسمية الإسرائيلية فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط، الأمر ذاته نلمسه في الصورة السلبية التي ينشرها الإعلام في الغرب عن الإسلام والمسلمين، وهو ما ينعكس سلبًا على وضعية الجاليات المسلمة في الغرب، وفي هذا السياق أصدرت منظمة العفو الدولية عام 2012 تقريرًا عن التمييز الذي يتعرض له مسلمو أوروبا، والمعايير المزدوجة التي يُعامَلون بها بسبب دينهم؛ خصوصًا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والوضع الاجتماعي السيئ؛ إذ يعاني المسلمون من التمييز في سوق العمل وفي المدارس، وكلما كان الإنسان الفلسطيني أو المسلم موضوعًا للنقاش في الإعلام الألماني أصبح الرأي مقدمًا على الخبر والمعلومة؛ يخاطب الانفعالات أكثر مما يخاطب العقول، ويُنَفِّذ السياسات أكثر مما يصف حقائق. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن تحليل صورة القضية الفلسطينية في الإعلام الألماني بمعزل عن تحليل موقف هذا الإعلام من الإسلام والمسلمين وعن الصورة التي ينشرها عنهم؛ إذ يتم غالبًا تصوير الفلسطينيين وحركات المقاومة باعتبارها حركات إسلامية متطرفة معادية للغرب وللديمقراطية، وسنبدأ أولاً بعرض موقف الإعلام الألماني من الإسلام والمسلمين قبل الانتقال إلى دراسة موقفه من القضية الفلسطينية.

1. التوجهات الأيديولوجية للإعلام الألماني ودورها في التأثير على صناعة الرأي العام

أظهرت دراسة للصحف الألمانية المعروفة في الفترة ما بين 1940 و1990 أن نصف المقالات حول الإسلام ترتبط بالعنف؛ وذلك في حين تربط 10% من تلك المقالات الإسلام بالممارسات التي لها علاقة بالتقاليد مثل جرائم الشرف. إن أغلبية التقارير والمقالات عن شمال إفريقيا والشرق الأوسط تؤكد هذه الصورة النمطية، وتُظهر بعض الدراسات أن صورة الإسلام قد ازدادت سوءًا في القناتين الأولى والثانية في التليفزيون الألماني بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001؛ فأكثر من 80% من كل البرامج والتقارير حول الإسلام في قنوات الخدمة العامة تغلب عليها المواضيع السلبية؛ مثل: الإرهاب، والنزاعات الدموية والأصولية، ومشاكل الاندماج، وخروقات حقوق الإنسان. إن وسائل الإعلام الألمانية تهتم أكثر وبشكل مكثف بالعمليات الانتحارية، ونادرًا ما تتناول النماذج الإيجابية والنضالات السلمية، كما أن التأريخ لصورة الإسلام في وسائل الإعلام الألمانية يُظهر قلة الاهتمام بالإسلام كدين وثقافة وحضارة، وبتعدد أشكال التعبير الاجتماعي داخل المجتمعات الإسلامية، ويركز الاهتمام الإعلامي بالإسلام في ألمانيا بشكل كبير على الوجوه الراديكالية لهذا الدين؛ الذي يُراد له أن يمثل الأطروحة الأيديولوجية الراديكالية المعارضة للمجتمع الغربي، ومرة أخرى يظهر لنا كيف تمت إعادة إنتاج أطروحة صمويل هنتنغتون عن صراع الحضارات إعلاميًّا، كما أكد ذلك الباحث الألماني كاي حافظ(1).

أ‌- صورة الإسلام والمسلمين في الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية في ألمانيا
إن نظرة إلى أهم الصحف الألمانية اليومية كما يظهر ذلك من الجدول رقم (1) تبيِّن أن نسبة توزيع الصحف اليومية في ألمانيا ترتفع نسبيًّا حين يتعلق الأمر بصحف تنتقد أو تهاجم الإسلام؛ بينما الصحف التي تتبنى موقفًا متضامنًا أو محايدًا تقل نسبة مبيعاتها بكثير؛ مثل: فرانكفورتا روندشاو التي كانت مهددة بالإفلاس، والطاغس تسايتونغ ذات الميول اليسارية؛ إن الصحف التي تنشر الإسلاموفوبيا وتسوِّق لها تخاطب اللاوعي الجمعي للمجتمع الألماني، المسكون بخوف مرضي من الإسلام والمسلمين؛ فهي تعكس كثيرًا أحكامه المسبقة وتُؤَكِّدها في الآن نفسه؛ التي تجد بعض روافدها في تاريخ الصراع بين أوروبا والإمبراطورية العثمانية(2).

جدول رقم 1 يوضح موقف الصحف اليومية الألمانية من الإسلام

الصحيفة

تاريخ التأسيس

التوزيع في
  2014

الاتجاه السياسي

الموقف من
  الإسلام

FAZ

1949

306.779

محافظ

نقدي

SZ

1945

397.033

يسار وسط

محايد

FR

1945

87.136

(يناير/كانون الثاني 2013)

يسار ليبرالي

محايد

Welt

1946

208.045 

محافظ

إسلاموفوبيا

Bild

1952

2.444.783

يمين محافظ

إسلاموفوبيا

taz

1978

58.144

يسار

محايد

BZ

1945

116.957

ليبرالي

محايد

Tagesspiegel

1945

113.855

يسار ليبرالي

محايد

Neues
  Deutschland

1946

31.316

شيوعي

محايد

إن الصورة ذاتها تتكرر لدى المجلات الأسبوعية فيما يتعلق بالتقارير الصحفية المرتبطة بموضوع الإسلام؛ ولكن بخلاف الصحف اليومية فإن المجلات التي تنشر الإسلاموفوبيا لا تحظى بحضور الصحف اليومية الكبرى نفسه؛ لأنها مجلات تخاطب في مجملها النخبة، ولا تستطيع اعتماد الاستراتيجيات واللغة الشعبوية؛ التي تسود الصحف الصفراء؛ لكن انتشار هذا النقد للإسلام يؤكد أن هناك سياسة معتمدة غرضها محاصرة المسلمين وتشويه دينهم، إن الأمر يتعلق ببروبغندا إعلامية منظمة؛ فالخط التحريري للأسبوعيات لا يختلف بشكل عام عن اليوميات فيما يتعلق بالموقف من الإسلام وقضاياه كما يُبَيِّن الجدول التالي:

جدول رقم 2 يبين موقف المجلات الأسبوعية الألمانية من الإسلام

المجلة

تاريخ
  التأسيس

التوزيع
  في 2014

الاتجاه
  السياسي

الموقف
  من الإسلام

Spiegel

1947

874.111

يسار ليبرالي

نقدي

Focus

1993

498.022

يمين محافظ

نقدي

Stern

1948

756.659

يسار ليبرالي

نقدي

Zeit

1946

503.970

ليبرالي

محايد

Das Parlament

1952

8.925

ليبرالي

محايد

JungeFreiheit

1986

22.688

يمين قومي

إسلاموفوبيا

Jungle World

1997

11.585

(يناير/كانون الثاني 2011)

يسار

نقدي

Der Freitag

1990

17.339

يسار ليبرالي

محايد

وغالبًا ما تركز المجلات الأسبوعية في تمرير خطابها المعادي للإسلام على توظيف الصورة توظيفًا أيديولوجيًّا، ولا تتوانى في حديثها عن الإسلام والمسلمين عن اللجوء إلى التضليل والتزييف؛ وهو ما يظهر -أيضًا- من خلال أغلفتها الخارجية وعناوين هذه الأغلفة التي تعتمد الاستفزاز والإثارة منهجًا؛ وفيما يلي صور ثلاثة أعداد من مجلة شبيغل الأسبوعية الشهيرة، التي كانت إلى عهد قريب تتميز بخطها التحريري الرفيع والمحايد؛ وتظهر في غلاف النموذج الأول جهة اليمين صورة لبوابة براندنبورغ التاريخية؛ التي ترمز إلى النظام السياسي الألماني، وتعد أحد المعالم الأثرية الكبيرة في الثقافة الألمانية، وقد كُتبت فوقها جملة: "مكة ألمانيا: الأسلمة الصامتة"، ورسم فوق الجملة هلال ونجمة؛ وذلك باعتبارهما رمزًا من رموز الدولة العثمانية. ومن شأن غلاف كهذا أن يثير فزع الألمان، ويعمق من مدى الأحكام المسبقة التي تنتشر في الأوساط الألمانية الشعبية تجاه المهاجرين من أصول مسلمة. أما صورة الغلاف الثاني فهي تريد إظهار الإسلام كدين عنيف ودموي، أتباعه إرهابيون فلسطينيون؛ وذلك في حين تُظهر صورة الغلاف الثالث امرأة محجبة مطأطئة رأسها كتعبير عن قمع المرأة في ظل المجتمعات الإسلامية، ومن فوقها مباشرة كُتبت جملة: "القرآن: أقوى كتاب في العالم". وتعني هذه الجملة -أيضًا- أن قمع المرأة مرتبط بكتاب المسلمين؛ الذي هو القرآن، وأنه كتاب ذكوري يؤسِّس لمجتمع أبوي؛ يؤبِّد التمييز بين الجنسين؛ وهي الأحكام المسبقة نفسها التي يتم ترويجها حتى من قِبَل مَنْ يسمُّون أنفسهم مثقفين داخل المجتمع الألماني؛ وعلى رأسهم هانز ماغنوس انسنسبيرغر، والفيلسوف بيتر سلوتردايك؛ اللذان يحظيان بحضور إعلامي قوي؛ فقد شككا في إمكانية المزاوجة بين الإسلام والديمقراطية(3)، وكان الفيلسوف النقدي يورغن هابرماس قد أوضح أن التليفزيون -مثلاً- نجح في تشويه صورة المثقف؛ الذي أضحى "ظهوره" أهم من "المضامين" التي يُدافع عنها؛ حتى إنه استمرأ اللعبة، وبدأ يخلط بين دوره المتمثل في "التأثير على الرأي العام" وفعل السلطة؛ فلم يعد بالإمكان في البرامج التليفزيونية التمييز بين السياسي والخبير من جهة، وبين المثقف من جهة ثانية(4).

الصورة رقم 1: مجلة دير شبيغل

المصدر (مجلة دير شبيغل)

أمَّا صحيفة بيلد تسايتونغ اليومية الواسعة الانتشار والمعروفة بعدائها المستحكم للإسلام والمسلمين، فلم تتوانَ بدورها عن التوظيف الأيديولوجي المضلل للصورة والخبر؛ كما درجت على فعل ذلك منذ تأسيسها سنة 1952؛ ففي معرض تغطيتها للحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة (8 من يوليو/تموز 2014)، نشرت الصورة التالية (انظر الصورة رقم 2)؛ التي تُظهر صورًا شخصية لمجموعة من الجنود الإسرائيليين قُتلوا خلال محاولتهم اجتياح قطاع غزة، وعنونتها بجملة: "صور الضحايا"؛ وهو عنوان يلخص -لا ريب وفي وضوح- التزييف الإعلامي في ألمانيا لحقيقة الصراع في الشرق الأوسط؛ فحوَّلت الجاني إلى ضحية والضحية إلى جانٍ.

الصورة رقم 2: صحيفة بيلد تسايتونغ

المصدر (صحيفة بيلد تسايتونغ)

تزييف الحقائق هذا ينقل إلى الجمهور الألماني وجهة نظر عن الأحداث تُحَمِّل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتظهر الصورة رقم (3) استعراضًا عسكريًّا لحماس، وتعنونه الصحيفة بالتالي: "حماس تستعمل المدنيين كدروع بشرية"، ويظهر مرة أخرى هنا -وبشكل لا يدع مجالاً للشك- القلب المتعمد للحقائق؛ الذي لا يتورَّع عن تحميل الصورة مضامين لا تعكسها؛ غرضها الأساسي نزع شرعية المقاومة، واعتبار ما "تقوم به" حماس خرقًا لحقوق الإنسان الفلسطيني قبل الإسرائيلي.

الصورة رقم 3: صحيفة بيلد تسايتونغ

المصدر (صحيفة بيلد تسايتونغ)

أما الصورة رقم (4) فتصل بالتزييف إلى أبعد مدى؛ فقد عنونتها صحيفة بيلد تسايتونغ بعنوان لا علاقة له بمضمونها وهو: "أول ضحية مدنية لصواريخ حماس"، غير أن الصورة هي لقطاع غزة، والأكثر من ذلك تُعَلِّق الصحيفة على هذه الصورة بالجملة التالية: "قصف صاروخي من غزة على إسرائيل"، في حين أن أعمدة الدخان المتصاعدة تعكس آثار قصف إسرائيلي على غزة.

الصورة رقم 4: صحيفة بيلد تسايتونغ

المصدر (صحيفة بيلد تسايتونغ)

أما الصورة رقم (5) فقد عنونتها البيلد تسايتونغ بعنوان يخالف مضمونها، ويبالغ في تصوير الخطر الفلسطيني العسكري على إسرائيل: "إسرائيل تحت وابل من الصواريخ"؛ لكن الصورة لا تظهر إلا صاروخين، ولا يمكن تحديد مصدرهما، ومن أجل تبرير العمليات العسكرية -كما كتب نوام تشومسكي- يتم دائمًا استغلال مثل هذه الصور والتلاعب بها؛ فالأساسي -كما يقول في هذا السياق- هو أن يستنتج المشاهد بأن التدخل العسكري وحده الكفيل بتصحيح الوضع(5). لكن ما يجب -أيضًا- إضافته إلى كلام تشومسكي هو أن هذا التلاعب بالصور وتزييف حقيقتها يهدف -علاوة على إضفاء الشرعية على العمل العسكري- إلى تصويره كنوع من الدفاع عن النفس.

الصورة رقم 5: صحيفة بيلد تسايتونغ

المصدر (صحيفة بيلد تسايتونغ)

ب‌- القضية الفلسطينية في القنوات التليفزيونية الألمانية
وإلى جانب وسائل الإعلام المقروءة تؤدي وسائل الإعلام المرئية دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام في ألمانيا، ويتوجب التمييز هنا بين قنوات الخدمة العامة؛ التي تخضع لمراقبة المجتمع المدني، أو ما يُعرف بالمجالس السمعية البصرية وبين القنوات الخاصة، وفي دراسة لمركز الإعلام الجديد البافاري سنة 2013 ترى أن خمسًا من المجموعات الإعلامية الكبرى تتحكم في توجيه الرأي العام بنسبة تتجاوز 60%، ويؤدي الإعلام المرئي في هذا السياق الدور الأكبر بنسبة 37% مقارنة بشبكة الإنترنت؛ التي يرتفع تأثيرها؛ ولكن دون أن يتجاوز 17,05%، والصحف اليومية التي لا تتجاوز حصتها من الرأي العام 22%(6)؛ وبلغة أخرى: إن الصورة التليفزيونية تؤدي الدور الأكبر في التأثير على الرأي العام؛ سواء كانت الصور واقعية أم تم التلاعب بها أو استعمالها في سياق آخر غير سياقها، وأكبر مثال على ذلك ما قام به الإعلام الغربي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، حين بثت قنواته صورًا للفلسطينيين يحتفلون في غزة؛ وهي صور تعود إلى مناسبة أخرى. وكما يقول غرهارد باول المؤرخ وعالم الصورة من جامعة فلينسبورغ: إنه كلما كانت الصور بعيدة عن سياقها الأصلي يصعب معرفة مصدرها الحقيقي، ويسهل استغلالها. حتى إذا انتهى الصراع تظل تأثيراتها ماثلة في لاوعي المتلقي؛ وذلك بغض النظر عن صحتها وصحة مصدرها(7).

وترى دراسة نشرها المركز الفيدرالي للتكوين السياسي في ألمانيا أن الإسرائيلي يحظى بتغطية إعلامية شاملة تشمل كل مناحي حياته؛ بينما تختزل وسائل الإعلام هذه صورة الفلسطيني في أمرين: مفاوضات السلام، أو مظاهر العنف. وهكذا يتم تكريس صورة في اللاوعي الجماهيري تنظر إلى الإسرائيلي كجزء من الثقافة الغربية وقيمها؛ بينما تتم شيْطَنة الفلسطيني وتحميله المسؤولية عن فشل المفاوضات واندلاع أعمال العنف في المنطقة. وتقول الدراسة نفسها: إنه غالبًا ما يتم تصوير الإسرائيليين كضحية حتى قبل اندلاع الانتفاضة الأولى مقارنة بالفلسطينيين؛ بل إن الأمر يتجاوز ذلك؛ إذ يهتم الإعلام الألماني بالإسرائيلي في الحالات العادية أيضًا، في حين لا يُعير انتباهًا للفلسطينيين إلا في حالة الحرب(8).

ويُلاحظ هنا من خلال المعطيات الواردة في الجدول رقم (3) الاتجاه المعادي نفسه للإسلام، وللقضية الفلسطينية، الذي وقفنا عليه لدى وسائل الإعلام المكتوبة، ويعود ذلك في جانب منه إلى غياب ممثلين للجاليات المسلمة في المجالس السمعية البصرية؛ التي تسهر على مراقبة محتويات البرامج، وتساهم في العمل على تقديم صورة موضوعية عن الصراع في الشرق الأوسط للمشاهد الألماني. ويرتبط ارتفاع نسبة المشاهدة في سنة 2013 -على سبيل المثال لا الحصر- بكثرة البرامج المعادية للإسلام وبالصراع في الشرق الأوسط، ويظهر الجدول الموقف المنحاز للقنوات الألمانية ضد قضية العرب والمسلمين الأولى.

جدول رقم 3 يوضح موقف قنوات الخدمة العامة من القضية الفلسطينية

القناة

سنة البث

نسبة
  المشاهدة في 2013

الاتجاه
  السياسي

الموقف
  من القضية الفلسطينية

ARD

1950

%25.1

يسار

محايد

ZDF

1963

%12.8

يمين

نقدي

Phoenix

1997

%1.1

يسار ليبرالي

محايد

3Sat

1984

%1.1

محافظ

نقدي

arte

1992

%0.9

يسار ليبرالي

محايد

وعلى غرار القنوات العامة تحفل القنوات الخاصة بالتقارير الصحفية التي تعتمد الإثارة؛ مثل تلك المتعلقة بجرائم الشرف والزواج القسري والإرهاب وتطبيق الحدود؛ وذلك لتربط بين الإسلام والعنف، وتساهم في نشر صور مشوهة ومغلوطة عن القضية الفلسطينية داخل المجتمع الألماني؛ وفي المقابل تعمد وسائل الإعلام الألمانية إلى تصوير الإسرائيلي كضحية، وتسويق إسرائيل كدولة ديمقراطية وحيدة في المنطقة، وكجبهة متقدمة للحضارة الغربية في محيط تسوده أنظمة استبدادية وحركات إرهابية، كما أن هذا الإعلام يزخر بالبرامج الوثائقية والأفلام والبرامج الحوارية التي توظف الهولوكست والجرائم النازية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية توظيفًا سياسيًّا، لا يتوانى عن إلصاق تهمة معاداة السامية بكل مَنْ يَتَجَرَّأ على انتقاد السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

جدول رقم 4 يبين موقف القنوات الخاصة من القضية الفلسطينية

القناة

سنة البث

نسبة المشاهدة في 2013

الاتجاه السياسي

الموقف من القضية الفلسطينية

RTL

1984

%11.3

يمين وسط

منحاز

RTL II

1993

%4.2

يمين وسط

منحاز

Super
  RTL

1995

%1.9

يمين وسط

منحاز

PRO 7

1989

%5.7

يمين وسط

منحاز

Sat 1

1984

%8.2

يمين وسط

منحاز

N24

2000

%1

ليبرالي

منحاز

NTV

1992

%0.9

ليبرالي

منحاز

Tele 5

1988

%0.9

ليبرالي

منحاز

VOX

1993

%5.6

يمين وسط

منحاز

2. الإعلام الألماني: الإكراهات التاريخية والسياسية والثقافية

ما زال الإرث النازي لألمانيا يؤثر على العلاقات الألمانية-الإسرائيلية، والرأي العام الداخلي تجاه إسرائيل؛ ويتجلى ذلك بوضوح في السياسة التحريرية لأغلب وسائل الإعلام الألمانية المسموع منها والمرئي والمكتوب، إن عقدة الذنب التي تستحكم بالذاكرة الجمعية للمجتمع الألماني من جهة، والتأثير الذي تحظى به الأقلية اليهودية في شتى المجالات داخل المجتمع الألماني من جهة أخرى، يساهمان إلى حدٍّ كبير في تزييف الصورة التي ينقلها الإعلام الألماني عن الصراع في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق أشارت الصحفية بيتينا ماركس -التي تعمل مراسلة لقناة ARDفي تل أبيب في محاضرة لها بعنوان: "مع إسرائيل أو ضد إسرائيل"(9)- إلى أنه يتم النظر إلى تقارير المراسلين الأجانب حول إسرائيل -وخصوصًا من الجهات الرسمية- على أنها معادية للدولة العبرية، التي تتهمهم بالانحياز إلى الفلسطينيين وعدم تفهم الوضع الإسرائيلي، وتزداد الضغوط الإسرائيلية لاسيما إذا تعلق الأمر بمراسلين ألمان، فقد نَعَتَ داني سيمن -المسؤول الإعلامي داخل الحكومة الإسرائيلية- مراسلَ جريدة فرانكفورتا ألغماينه يورغ بريمر بأقذع الصفات، ورفضت السلطات الإسرائيلية تمديد إقامته، على الرغم من أنه يعمل مراسلاً لصالح جريدة متعاطفة مع إسرائيل. وتستطرد بيتينا ماركس قائلة: إنه حتى لو كان الماضي النازي لا يؤثر في عملها اليومي بشكل مباشر فإنها كألمانية لا تستطيع أن تنأى بفكرها عن هذا الماضي؛ فالصحفي الألماني مطالب أكثر من غيره بتوخي الحذر، وخصوصًا فيما يتعلق بتعامله مع الناجين من الهولوكست وبالصراع في الشرق الأوسط. وتتابع قائلة: "إذا ما كتبت تعليقًا أو أحدًا من زملائي حول السياسة الإسرائيلية نتعرض نحن والمؤسسة التي نعمل فيها لموجة من الاحتجاجات والشتائم". لكن في مقابل هذا الرأي النقدي لبيتينا ماركس، وهو رأي الأقلية داخل المنظومة الإعلامية الألمانية؛ فإن الرأي الغالب هو المساند والمتعصب لإسرائيل، وهو الذي يعبر عنه مراسل قناة NTV في الشرق الأوسط أولريش فيزام قائلاً: إن اليهود استقوا العبرة من المحرقة، وهم لن يسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا ضحية مرة أخرى للقانون الدولي؛ لأن هذا القانون الدولي لا يملك صلاحية بالنسبة إلى إسرائيل ولم يعد ملزمًا لها(10).

وقد درجت وسائل الإعلام الألمانية على توفير حيز كبير للإسرائيليين والمتضامنين مع إسرائيل في برامجها؛ وذلك في وقت يغيب فيه الصوت العربي والمسلم، أو حتى الصوت النقدي من داخل المجتمع الألماني؛ فمجلة فوكوس الأسبوعية أو يومية زود دويتشه تفسح المجال لرئيس المجلس الأعلى لليهود غراومان ليصف حماس بأنها ليست أكثر من ذراع إرهابية لإيران؛ مطالبًا الحكومة الألمانية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران؛ وذلك في حين لا يحظى المسلمون بأي فرصة للتعبير فيها عن موقفهم ورؤيتهم لواقع الصراع. أما جريدة دي فيلت المعادية للإسلام والمسلمين فإنها تحاول إقناع الرأي العام الألماني بأن حماس تبالغ في تقدير عدد الضحايا الفلسطينيين، وتتوسل في ذلك بنشر عناوين مضللة. وتجرد وسائل الإعلام الألمانية الفلسطيني من كل صفة إنسانية، وتعمل على شيطنته؛ وذلك في حين تتغافل عن تطرف السياسة الإسرائيلية وتراجعها عن المبادئ الديمقراطية. وترى أورزولا غوتس من وكالة الأنباء الألمانية DPA أنه حتى المراسلين المكلفين بتغطية الأحداث في الشرق الأوسط يصعب عليهم فهم كل الفاعلين في المنطقة؛ لأنهم يتبنون في الواقع الموقف الإسرائيلي، فلا أحد من هؤلاء المراسلين يعيش داخل المناطق الفلسطينية؛ وذلك في حين يمكنهم التحاور في يسر مع الإسرائيليين؛ لأن أغلبهم يتقن اللغة الإنجليزية، وهو أمر لا يتوفر إلا نادرًا لدى الجهة الفلسطينية. وفي دراسة أنجزتها جامعة بار آيان الإسرائيلية ونشرتها صحيفة هآرتز أفادت أن 91% من المراسلين يرون إسرائيل بصورة حسنة؛ بينما في المقابل 41% منهم يرون الدول العربية بالصورة الحسنة نفسها، وفي الدراسة ذاتها تبين أن 57% لديهم معلومات جيدة عن الديانة اليهودية، وفي المقابل 10% فقط ممن طُبِّقت عليهم الدراسة أجابوا بفهمهم الجيد للدين الإسلامي؛ أما عن عامل اللغة فإن 54% من المراسلين يتقنون اللغة العبرية بطلاقة، أما عن اللغة العربية فهناك 6% فقط من المراسلين يتقنونها بطلاقة(11). ويتوجب هنا تحميل المسؤولية عن هذا الوضع المختل للدول العربية؛ خصوصًا التي لا تبذل أدنى جهد في التواصل مع هؤلاء الإعلاميين الغربيين، ولا في التعريف بعدالة الموقف العربي وشرعية المقاومة. أما نورمن بيش من مؤسسة دراسات السلام فيرى أن وسائل الإعلام الألمانية في معرض تعليقها على الأحداث في فلسطين تكتفي بالرواية الرسمية الإسرائيلية، ولا تكترث حتى للتقارير الأممية(12).

وتؤكد هذه التصريحات عدم قدرة الإعلام الألماني على اتخاذ موقف محايد تجاه مجريات الأحداث في الشرق الأوسط؛ إذ لا يتمتع باستقلالية حقيقية؛ وإنما يخضع لأجندات داخلية وخارجية؛ وذلك على الأقل فيما يخص القضايا العربية-الإسلامية، ويظهر هذا الأمر في نوعية البرامج والضيوف الذين يتم استدعاؤهم للمشاركة فيها، فغالبًا ما يمثل هؤلاء الضيوف توجهًا واحدًا يوافق الخط التحريري للقناة؛ الذي يكون في الأغلب الأعم معاديًا للقضايا العربية-الإسلامية؛ وهذا يؤكد ما ذهب إليه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في كتاب عن التليفزيون؛ إذ كتب يقول: "إن عالم ضيوف التليفزيون هو عالم مغلق، يعرف فيه كل ضيف صاحبه ويقوم على تأكيد الرأي السائد"(13).

ويؤكد كاي حافظ -أحد المتخصصين في الدراسات الإعلامية في ألمانيا- أن هذا الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية راجع بالأساس إلى تبني وسائل الإعلام الألمانية للموقف الرسمي الأميركي، وتأثرها بما ينشر في الولايات المتحدة الأميركية؛ بل إن مؤسسة سبرينغر -التي تُصْدِر كبريات الصحف والمجلات الألمانية كبيلد تسايتونغ ودي فيلت- تعتبر أنه على الدولة الألمانية تبني الموقف الإسرائيلي، وعدم الاكتراث بردة الفعل العربية. ويرجع لها الفضل في اعتراف ألمانيا بإسرائيل سنة 1965، كما أن هذه المؤسسة تفرض على كل العاملين لديها تبني الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط؛ فرئيس هذه المؤسسة آكسل سبرينغر يدعو وسائل الإعلام التابعة لمؤسسته إلى تصوير كل من يتحفظ على سياسة إسرائيل، أو يساوي بين مصالح الدولة اليهودية والمعسكر العربي كمتطرف يميني. إنه يرى أن كل نقد موجه إلى السياسة الإسرائيلية يصب في مصلحة معاداة السامية واليمين المتطرف؛ علاوة على ذلك فإن وسائل الإعلام ذات التوجه اليساري؛- التي قامت كردة فعل على احتكار مؤسسة سبرينغر للمجال الإعلامي في الساحة الألمانية، كجريدة طاغس تسايتونغ أو مجلة كونكريت السياسية الشهرية- تتبنى هي الأخرى إجمالاً الموقف الإسرائيلي(14).

ويحاول الإعلام -الألماني خصوصًا والغربي عمومًا- الربط دائمًا بين الحركات الإسلامية والحركات النازية والفاشية أو الشيوعية؛ التي عرفها القرن العشرون، واعتبار الحركة الإسلامية والمقاومة منها على وجه التحديد حركة توتاليتارية، تحتفي بالموت وتقدس الإرهاب؛ فهذا انسنسبرغر نجم الثقافة الألمانية المعاصرة يصف المقاوم الفلسطيني بـ"الخاسر الراديكالي"؛ الذي يهدف إلى التدمير الذاتي وتدمير الآخرين معه، وهو يعتبر الخاسر الراديكالي شخصًا لا يؤمن بالحلول الوسطى ولا بالمفاوضات؛ بل غرضه هو الانتحار الجماعي. وهكذا يتم إعلاء مغالطات تاريخية إلى مستوى النظرية؛ فحين نسقط خصائص حركات ظهرت في سياق غربي تاريخي وثقافي وسياسي مختلف -كان هدفها السيطرة على السلطة- على حركات مقاومة لا تطلب شيئًا غير التحرر من الاحتلال؛ فإننا نؤسس لما كان يُسمِّيه الفيلسوف النقدي ثيودور أدورنو بـ"صناعة الوعي"؛ وهو يعني بذلك سياسة وسائل الإعلام في المجتمعات الغربية، خصوصًا التي ما برحت تمارس وصاية على هذه المجتمعات، وترسم طريقة تفكيرها، وتحدد مواقفها بشكل سابق.

إن الإعلام الغربي لا يوظف إلا المثقفين الذين يخدمون الأجندة السياسية الحاكمة؛ وذلك في حين يتم تغييب أصوات المثقفين النقديين؛ الذين يفضحون العالمية الغربية الخاطئة؛ التي تحتكر لنفسها شرعية استعمال العنف، وهي ليست في النهاية سوى تعبير عن قومية أو مصالح ضيقة. فنادرًا ما يظهر على شاشات التليفزيون في الغرب مثقفون مثل جاك دريدا؛ الذي كتب معلقًا على عمليات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول: "وإذا كان تعاطفي مع كل الضحايا هو بلا حدود؛ فذلك لأنه لا يتوقف فقط عند أولئك الذين قضوا نحبهم في 11 من سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة الأميركية؛ إن هذا هو تأويلي لما نسميه منذ أمس -حسب تعبير للبيت الأبيض- عدالة لا نهائية: أن لا يتبرأ المرء من أخطائه وأخطاء سياساته حتى في اللحظة التي يتوجب عليه أن يدفع ثمنًا رهيبًا يتجاوز كل المقاييس"(15).

إن الإعلام الغربي هو جزء من سردية متكاملة، تقوم على فكرة مركزية الغرب وأحقيته بقيادة العالم؛ لكنها قيادة تحتكر الديمقراطية لنفسها، وتتعامل وفق مبادئ لا علاقة لها بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الكونية مع الشعوب الأخرى؛ بل إن مثقفًا كبيرًا مثل بيير بورديو ما برح يؤكد أن "عقلانية" المركز هي المنتجة والمسؤولة عن "لاعقلانيات" الأطراف(16).

خلاصة

نخلص في هذا البحث عن صورة الفلسطيني والقضية الفلسطينية في الإعلام الألماني إلى النتائج التالية:

  1. للإعلام الألماني دور مؤثر في تشكيل الرأي العام، ويحتل التليفزيون في هذا السياق مكانة كبيرة، يضاف إليه الدور الذي تؤديه الجرائد الصفراء وعلى رأسها البيلد تسايتونغ؛ واسعة الانتشار في الأوساط الشعبية خصوصًا، وتتبنى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وصراع الشرق الأوسط الموقف الإسرائيلي بحذافيره.
  2. إن الموقف من القضية الفلسطينية في الإعلام الألماني لا ينفصل عن موقفه من الإسلام والمسلمين؛ وهو في الغالب الأعم موقف سلبي؛ فالربط باستمرار بين صورة الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بالدين الإسلامي وما يرتكب باسمه من جرائم، يجعل المتلقي الألماني غير قادر على الفصل بين الفلسطيني والمسلم.
  3. لا يتوانى الإعلام الألماني فيما يخص القضية الفلسطينية -وكما شاهدنا في العدوان الأخير على غزة- عن تزييف الصورة والتلاعب بها، مستفيدًا من جهل المتلقي بحيثيات الصراع وعدم اكتراثه أو رغبته في البحث عن الحقيقة.
  4. إنه إعلام لا يتمتع باستقلالية؛ ولكنه يعيد إنتاج ما تنشره الصحف الأميركية عن الصراع في الشرق الأوسط، وهذا يرجع -أيضًا- إلى التبعية الألمانية للولايات المتحدة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وعلى مستويات عدة، اقتصادية وسياسية وثقافية.
  5. يعاني هذا الإعلام من إكراهات تاريخية تتمثل في عقدة الذنب تجاه اليهود، وهو ما ينعكس سلبًا على تغطيته ويجردها من الموضوعية؛ فلا يتوانى هذا الإعلام عن إسكات كل صوت متشكك بروايته عبر استعمال ورقة معاداة السامية.

___________________________________________
د. محمد خلوق - أستاذ الدراسات السياسية والإسلامية بجامعة قطر

الهوامش
(1) كاي حافظ، مجتمع الإعلام، مجتمع المعرفة: صورة الإسلام في الإعلام الألماني في فكر وفن:
http://www.goethe.de/ges/phi/prj/ffs/the/med/ar6425408.htm
تم الدخول على الرابط بتاريخ 24 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(2) اعتمد الباحث في قراءته على إحصائيات نشرتها مؤسسة IWV المختصة برصد مدى انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية؛ التي تؤكد بشكل لا يدع مجالاً للشك ارتباط نسبة مبيعات الصحف اليومية إلى حدٍّ كبير بموقفها وبالصورة التي تقدمها عن الإسلام والمسلمين.
(3) كما فعل انسنسبيرغر في كتابه "دراسة حول الخاسر الراديكالي"، أو بيتر سلوتردايك في كتابه "ظلال سيناء".
(4) Ach, Europa: Kleine Politische Schriften XI, 2008
(5) Noam Chomsky, Top ten media manipulation strategies
http://theinternationalcoalition.blogspot.com/2011/07/noam-chomsky-top-10-media-manipulation_08.html
تم الدخول على الرابط بتاريخ 23 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(6) Kurt Sagartz, Meinungsmacht in Deutschland, Tagesspiegel 29/08/2013
(7) Leon Scherfig, ManipulierteKriegsfotos: Bilder, die Luegen, Spiegel 14/08/2014
(8) Nahostberichterstattung in den Hauptnachrichten des deutschenFernsehens, BundeszentralefuerpolitischeBildung, 29/11/2012.
(9) Bettina Marx, Anti-israelisch - pro-israelisch - der Nahostkonflikt in den deutschenMedien, in: http://www.lebenshaus-alb.de/magazin/004146.html
تم الدخول على الرابط بتاريخ 16 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(10)CtrinHilgendorf:Einzweifelhaftes Lob: Deutsche Medien auf der SeiteIsraels, In: http://www.hintergrund.de/hintergrund/Page-3.html. 23/11/2012
تم الدخول على الرابط بتاريخ 14 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(11) ريم الحرمي، الإعلام الغربي يفتقد الحياد في القضية الفلسطينية، الراية، 22 من يوليو/تموز 2014.
(12) Ursula Götz, Der NahostkonfliktalsMedienkrieg, in
https://www.planet-schule.de/wissenspool/nahostkonflikt/inhalt/hintergrund/der-nahostkonflikt-als-medienkrieg.html
تم الدخول على الرابط بتاريخ 14 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(13) Florian Roetzer, Kritik des Fernsehens, in: http://www.heise.de/tp/artikel/2/2309/1.html
تم الدخول على الرابط بتاريخ 14 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(14) Das Nahost - und Islambild in der deutschenPresse II, 2002, 156
(15) La raison du plus fort, Le monde diplomatique, janvier 2003
(16)Contre-feux, tome 1: Propos pour servir à la résistance contrel'invasionNéo-libérale, Poche, 1998.

نبذة عن الكاتب