يوتوبيا التعايش.. الدولة الواحدة في فلسطين: الحال والمآل

يتناول الكتاب سؤالاً إشكاليًا بشأن مستقبل فكرة التعايش العربي-الإسرائيلي في ثوب الدولة الواحدة، والتي تمتعت في السنوات الخمس الأخيرة بتأييد متزايد لدى ناشطين من خارج فلسطين ومن داخلها، واحتلت حيزًا في المجال السياسي الفلسطيني، وأصبحت مطروحة بقوة على الساحة الفلسطينية والدولية.
201411495535570734_20.jpg

يتناول كتاب "يوتوبيا التعايش.. الدولة الواحدة في فلسطين: الحال والمآل"، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في يوليو/تموز 2014 ضمن سلسلة أوراق الجزيرة، سؤالاً إشكاليًا بشأن مستقبل فكرة التعايش العربي-الإسرائيلي في ثوب الدولة الواحدة، والتي تمتعت في السنوات الخمس الأخيرة بتأييد متزايد لدى ناشطين من خارج فلسطين ومن داخلها، واحتلت حيزًا في المجال السياسي الفلسطيني، وأصبحت مطروحة بقوة على الساحة الفلسطينية والدولية. ويلاحظ الدكتور محمود محمد الحرثاني، أستاذ الدراسات الثقافية والترجمة بجامعة الأقصى في قطاع غزة، أن مسار حل القضية الفلسطينية ارتبط دائمًا بفكرتين محوريتين: حل الدولة الواحدة وحل الدولتين، موضحًا أن فكرة الدولة الواحدة سبقت فكرة الدولتين القائمة على قرار التقسيم عام 1947. وكان الذي تقدم بها أول مرة أطراف فلسطينية خلافًا لما هو شائع من أن الفكرة تبلورت لدى اليسار الصهيوني في بدايات القرن العشرين؛ فقد طُرحت أصول فكرة الدولة الواحدة للمرة الأولى في شكل رسائل فلسطينية في نهاية العشرينات من القرن الماضي تم تبنَّت بريطانيا الفكرة رسميًا كما هو واضح في الكتاب الأبيض الصادر على إثر ثورة عام 1939؛ أما فكرة حل الدولتين فقد وردت للمرة الأولى في تقرير لجنة بيل التي شُكِّلت للتحقيق في ثورة العام 1936.

ويربط الباحث بروز فكرة الدولة الواحدة من جديد، والتي طُرحت آخر مرة في نهاية الستينات من القرن العشرين، بالفشل الكاسح في التعامل الرسمي مع القضية خاصة بعد مرور ما يقارب القرن من بروز المسألة الفسلطينية ومضي عشرين عامًا على اتفاقية أوسلو؛ فهناك عشرات اللجان الدولية وعدد من الكتب البيضاء، وعدد أكبر من الوثائق السوداء، وعدة حروب وعشرات المجازر وانتفاضتان، وأكثر من ثمانية وستين قرارًا أمميًا ضد إسرائيل، ومفاوضات طال أمدها حتى أصبح التفاوض من أجل التفاوض أمرًا محتملاً في قاموس السياسة الفلسطينية، كل هذا ولا نتائج ملموسة سوى مزيد من التغوُّل الصهيوني على الأرض وسكانها، في ظل عجز دولي يتجلَّى، باستمرار وعلى أحسن الأحوال، في تعبير بعض الدول عن استيائها من تصرف إسرائيل.

وعزا الدكتور محمود الحرثاني دوافع من تبنَّى فكرة الدولة الواحدة من الفلسطينيين عبر الزمن إلى تنوع خلفيات مناصريها؛ إذ منهم من يُلهمه البعد الإنساني الذي يتجلى بوضوح في أدبيات أنصار الدولة الواحدة في الوقت الراهن، خاصة أولئك المقيمين في الغرب أو تعلموا فيه، ومنهم من يؤمن بالمشروع وجدواه من الناحية التاريخية؛ ومنهم من يعتنق الفكرة لما يرى فيها من قدرة على إحراج إسرائيل على الساحة الدولية؛ ومنهم من ينحاز للفكرة بدافع اليأس من كل الحلول، معتبرًا أن حل الدولة الواحدة تاريخيًا يتم الاحتفاء به فلسطينيًا كلما فشل حل آخر، أو عقب هزيمة يُمنى بها الجانب الفلسطيني والعربي؛ فقد تم طرحه في العشرينات بعد وعد بلفور، ولجأت إليه حركة فتح بعد هزيمة عام 1967 (وإن تم الانتظار حتى عام 1968)، والآن يُستخرج من قيده بعد سلسلة من الفشل المتواصل منذ أوسلو، وكأن معظم المنادين به يقولون: إنه حل اليأس لا حل الأمل، وإن كان عدد لا بأس به منهم يبشرون به من باب الأمل والنظر إلى المستقبل بنوع من الفأل.

وفي ضوء هذه الخلفية التاريخية والتطورات الراهنة للقضية الفلسطينية، يقسِّم الباحث كتابه إلى ستة فصول؛ جاء أولها بعنوان "الدولة الواحدة: أصول فكر التعايش"، ويرصد فيه تاريخ فكرة الدولة الواحدة، وتعدد الأسماء بل والمسميات بشأنها، وهو ما يعتبره قضية قديمة. ويعالج الفصل الثاني، وهو بعنوان "الدولة الواحدة في الفكر السياسي الفلسطيني"، أصول فكرة التعايش وصورها في الفكر السياسي الفلسطيني على اختلاف توجُّهاته، وكيف بدأت الفكرة تتبلور ومراحل تطورها عبر الزمان والمكان، والحركات والشخصيات الاعتبارية التي لعبت دورًا بارزًا في الحركة الوطنية الفلسطينية. أما الفصل الثالث "التعايش في الوعي السياسي الصهيوني"، فيتناول ردود فعل المستوى الرسمي الإسرائيلي لفكرة الدولة الواحدة في نسختها الجديدة، بالإضافة إلى موقف الرأي العام الإسرائيلي. وفي الفصل الرابع، وهو بعنوان "جنوب إفريقيا وفلسطين: مشابهات واستراتيجيات"، يستعرض المؤلف تجربة الحركة الوطنية في جنوب إفريقيا وأثرها في فكر أنصار الدولة الواحدة، كما يفحص الاستراتيجيات التي استثمرتها حركة مناهضة العنصرية في جنوب إفريقيا، ويرى فيها أنصار الدولة الواحدة الآن أدوات تؤثر لصالحهم على الساحة الدولية.

ويظل الفصل الخامس "تعايش الذئب والحمل: حل الدولة الواحدة والأسئلة الصعبة"، كما يبدو من العنوان فضاء للأسئلة الصعبة بشأن رؤية أنصار الدولة الواحدة للثوابت الفلسطينية التي نهضت في كل مرحلة شاهدًا على صلف الاحتلال وتصميمه على تجاوزها لصالحه، كما كانت شاهدًا على عجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قرارات اتخذها بشأن هذه الثوابت بعضها أو كلها. في ضوء ذلك ينتهي الكتاب بالفصل السادس الذي يستشرف مستقبل فكرة التعايش العربي-الإسرائيلي في ثوب الدولة الواحدة.

ويخلص الباحث إلى أن الفترات التي عادت فيها فكرة التعايش إلى الظهور كان التوجه الفلسطيني يؤكد على فكرة الدولة الواحدة أو دولة لجميع مواطنيها؛ وهذا يعني أن هوية البلاد عربية فلسطينية بالضرورة، كما أن الذين نادوا من الفلسطينيين بالدولة ثنائية القومية قلَّة قياسًا بالذين أكدوا فكرة الدولة الواحدة لجميع مواطنيها. والفرق أن الدولة ثنائية القومية تعني أن يكون لليهود حق في تقرير المصير؛ وهذا أمر لم يتم لأي مُستَعمِر من قبل، بينما الدولة الواحدة في نظر الفلسطينيين لا تعطي حق تقرير المصير إلا لأهل البلاد، أي الفلسطينيين. ويشير إلى أن أدبيات الحركات الإسلامية ليس فيها ما يُنبئ بقبولها لحل الدولة الواحدة في الوقت الراهن، رغم بعض الأصوات الإسلامية المنفتحة على خيارات أوسع من خيارات التيار الرئيسي في تلك الحركات. كما أن إسرائيل لن تقبل بحل الدولة الواحدة طالما أنها تتمتع بالدعم الكامل وغير المشروط من المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة التي لا يُتوقع أن تتخذ مواقف أكثر حزمًا مع إسرائيل في المستقبل القريب أو المتوسط. أضف إلى ذلك أن المحيط الإقليمي بما فيه الدول العربية غير جاهز، أو غير قادر، للضغط على إسرائيل فضلاً عن مقاطعتها في ظل محاولات التطبيع والعلاقات التجارية وغير التجارية بين بعض الأنظمة العربية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وأخيرًا، تنهض الثوابت الفلسطينية عقبة كبيرة في وجه فكرة الدولة الواحدة؛ فكيف يمكن أن يقبل الفلسطينيون بغير العودة كاملة إلى بيوتهم؟.. وفي التحليل النهائي فإن حل الدولة الواحدة رغم جاذبيته وإنسانيته، سينتظر طويلاً قبل أن يُترجم إلى أفعال على الأرض؛ هذا إن حصل.

معلومات عن الكتاب
العنوان: يوتوبيا التعايش.. الدولة الواحدة في فلسطين: الحال والمآل
المؤلف: محمود محمد الحرثاني
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات- الدار العربية للعلوم ناشرون
عدد الصفحات: 141
التاريخ: 2014