العلاقات الإيرانية السعودية في ضوء الملفات الساخنة بالمنطقة

ترى إيران أن حضور السعودية القوي في سوق النفط يمكن أن يستغل للتأثير على مبيعاتها النفطية كما ترى السعودية أن إيران هي الطرف الذي يمكن أن يستفيد مما يحدث بالبحرين، ومع ذلك فتأزم العلاقات بين البلدين تمكن السيطرة عليه وإدارته كما جربت طهران والرياض ذلك سابقا.
20125814114857734_20.jpg

تأزم العلاقات بين السعودية وإيران تمكن السيطرة عليه وإدارته كما جربت طهران والرياض ذلك سابقا (الجزيرة)

مقدمة

رغم أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران بدأت منذ العام 1928، ألا أن فصول هذه العلاقة لم تكن دائما في أحسن أحوالها، فالتغيرات السياسية الإقليمية على سبيل المثال كانت تلقي بظلالها على تلك العلاقات قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979. ولعل الدور الذي لعبته إيران في تعويض النفط العربي لا سيما السعودية عندما قرر العرب معاقبة الغرب على دعم اسرائيل ما هو إلا مثال على حالة التوتر المتقطعة التي كانت تمر فيها العلاقات بين البلدين.

لقد أحدثت قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979 واقعا جديد في المشهد السياسي الاقليمي لا سيما المتعلق في منطقة الخليج العربي، هذا الواقع الجديد ترك ظلاله على علاقات إيران مع العرب بشكل عام والسعودية بشكل خاص. لقد تطورت العلاقات بين الرياض وطهران خلال الفترة التي تلت قيام الجمهورية الإسلامية في ظل تأثير نوعين من القوى السياسية الإيرانية التي تركت أثرها على تطور العلاقات: المؤسسة الدينية التي تبدو متأثرة بالخلاف مع الحركة الوهابية، حيث تعتبر المؤسسة الدينية الإيرانية أن النظام السعودي ما هو إلا الوجه الآخر للحركة الوهابية. أما القوة الأخرى الثانية التي تبدو أكثر حضورا في متابعة العلاقة مع السعودية فهي القوة العسكرية والأمنية، والتي يرتبط تقييمها في العادة بالتحالفات الأمريكية في المنطقة والدول التي تتحالف مع واشنطن.

 وعلى الرغم من تأثير تلك القوى في مسيرة العلاقات بين البلدين والمتمثلة في المؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية والأمنية، إلا أن هناك تطورين إيرانيين هامين لا يجب تجاوزهما: الأول هو سياسة "نزع التوترات" التي جاء بها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في العام 1997(1)، والتي لعبت دورا في تخفيف التوتر بين البلدين، والتي تراجعت بسبب حالة الاستقطاب في المشهد السياسي الداخلي الإيراني والذي انتهى بعودة قوية للمؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية عبر انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في العام 2005. أما التطور الآخر فهو المتعلق بشخصية الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني، والذي يعتبر أحد أهم المساندين لإقامة علاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، والذي يرى أن علاقة طبيعية مع الرياض من شأنها أن تلعب دورا في تخفيف الضغوط الغربية على إيران لا سيما في موضوع أي حظر قادم على قطاع النفط الإيراني.(2)

 في ضوء ما تقدم يسعى هذا التقرير المتعلق بـ"العلاقات الإيرانية السعودية في ضوء الملفات الساخنة في المنطقة"، أن يلقي الضوء على الملفات الساخنة بين طهران والرياض، ومن منظور إيراني، وأثرها في إعادة تشكيل العلاقات بين البلدين، وتداعيات ذلك على مستقبل المنطقة.

الرياض-طهران: علاقات على صفيح ساخن

يختلط ما هو سياسي بما هو ديني عند الحديث عن العلاقات السعودية الإيرانية بعد قيام الثورة الإسلامية بهويتها الشيعية الاثني عشرية، وخطابها الناقد بحدة للانظمة الملكية في بدايات الثمانينات. وحتى يتم تقديم قراءة أقرب للدقة عن العلاقات بين البلدين فإنه يجب التفريق بين الملفات الساخنة وبين التطورات المتعلقة بتلك الملفات.

ثمة أربعة ملفات كبرى ىبن البلدين تتفرع منها جملة من القضايا العامة. أول هذه الملفات الهامة هو الملف الديني المذهبي، والثاني متعلق بالتنافس على القيادة والصدارة في العالم الإسلامي. والملف الثالث العلاقة مع الغرب وتحديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرا ملف النفط ضمن منظمة أوبك، وأعني بذلك جانب السياسات المتعلقة بالتسعير وكميات الإنتاج. وفي الحقيقة فإن هذا الملف مرتبط بطبيعة التطورات المتعلقة بالملفات الثلاثة السابقة، وعادة اذا ما حصل توتر بين البلدين حول أحد الملفات سرعان ما يلقي بظلاله على ملف النفط.

ضمن الملف الاول، ثمة مجموعة من التطورات، كالحرب العراقية الإيرانية(3)، والموقف من الشيعة في المنطقة ابتداء من لبنان ودعم إيران لحزب الله مرورا بالحضور المذهبي والسياسي في العراق ما بعد العام 2003، وانتهاء بموقف إيران من تطورات التحركات في البحرين وسوريا في سياق الربيع العربي. والحقيقة أن ما يتعلق بالملف المذهبي له جذوره التاريخية التي تعود إلى الانتقادات المتبادلة بين الشيعة وبين الحركة الوهابية، والذي هو غير بعيد عن الاختلافات السياسية بين البلدين.

في ملف التنافس على صدراة العالم الإسلامي، يمكن الحديث عن القضية الفلسطينية والتباين في تناول هذا الملف بين البلدين. ولعل التباين الكبير الذي شهدته علاقات البلدين حول هذا الملف منذ العام 1979 تعد شاهدا على عمق هذا التنافس. نجحت إيران في موقفها المعلن والمعادي لإسرائيل في وضع نفسها في المعسكر الذي يرضي الشعوب وينتصر "للمستضعفين"، في حين انتقِدت بقية الدول، بما فيها الرياض، لسعيها إلى حل القضية من خلال ما يسمى بعملية السلام، من هنا يأتي الخلاف على موضوع دعم حركات المقاومة الفلسطينية والنظر بريبة إلى ما تقوم به إيران في ما يتعلق بفلسطين على أنه محاولة للتمدد.

في نفس سياق التنافس على الصدارة يأتي الملف الأفغاني الذي يحضر البلدان فيه بقوة: فالمملكة العربية السعودية كانت لها علاقاتها مع المجاهدين الأفغان الذي كانوا يحاربون "المحتل السوفياتي"، وإيران ما بعد الثورة كانت تبدأ فصلا جديدا من العلاقات مع الاتحاد السوفياتي (الشيطان الأصغر)، وفي ذات الوقت عززت من تحالفها مع المجموعات الشيعية الأفغانية. ولعل هذا الامر لم يتغير كثيرا حتى بعد الحرب على أفغانستان، فكلا البلدين ضمن مجموعة دعم أفغانستان التي تسعى إلى دعم الاستقرار السياسي في هذا البلد وانهاء حالة الحرب.

وغير بعيد عن تطورات ملف التنافس على صدارة العالم الإسلامي يأتي الملف الثالث والمرتبط بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالحضور الأمريكي في مشهد العلاقة بين البلدين لا يمكن تجاهله، فإيران ترى أن العلاقة التي تربط بين الرياض وواشنطن موجهة ضدها، لا سيما وأن إيران: الجمهورية الإسلامية اختارت الشرق لا الغرب، وأنهت ربيع العلاقة مع واشنطن والذي جمع البلدين (إيران واميركا) منذ العام 1953.

فيما يتعلق بالملف الرابع والمتعلق بالنفط والسياسات المتعلقة بالسوق النفطية سواء المرتبط منها بكميات الإنتاج أو بالأسعار، فإيران تفسر السياسات السعودية بأنها مهادنة وملبية لحاجات الغرب وذلك من خلال زيادة كميات الإنتاج أحيانا، الأمر الذي يؤثر على السعر، وحيث إن الموازنة الإيرانية تعتمد بما نسبته 80% على العائدات النفطية، فإن التأثير –كما تراه طهران- يصيب الاقتصاد الإيراني. ولعل التطور في حرب التصريحات التي شنتها إيران حول إمكانية أن تعوض السعودية الإنتاج الإيراني من النفط في حال تم فرض عقوبات أممية جديدة على النفط الإيراني ما هي إلا مثال على ما يلعبه النفط والسياسات المتعلقة به في الخصومة السياسية بين البلدين.

تطورات في سياق الملفات

لقد مرت العلاقات بين الرياض وطهران في جملة من التطورات التي لا تبتعد عن إطار الملفات السابقة. ولعل تطورات البرنامج النووي الإيراني أحد أهم هذه التطورات. حيث لا تنظر إيران إلى الموقف السعودي من برنامجها النووي إلا أنه صدى للموقف الأمريكي، في حين ترى المملكة العربية السعودية أن القلق من البرنامج النووي مشروع، وأن المطلوب تعاون إيراني أكثر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا التباين في الرؤى بين البلدين لا يبدو أنه مرشح للتراجع لا سيما في ظل التطورات التي اعقبت الربيع العربي.

 وغير بعيد عما سبق، فإن التباين الكبير في تحليل التطورات الاقليمية، يكاد يكون السبب البارز في تزايد مستوى الخصومة السياسية بين البلدين، ولعل حرب لبنان في العام 2008، والتي اعتبرت الرياض أن حزب الله –حليف إيران- يغامر في مستقبل لبنان، أحد أهم تلك التطورات التي عرفتها علاقة البلدين. فلبنان ملف حاضر باستمرار في مسيرة العلاقات السعودية الإيرانية منذ العام 1980. إن الحرب الكلامية التي تستعر بين تيار المستقبل في لبنان وبين حزب الله، تفهم إقليميا ودوليا على أنها حرب في المواقف بين طهران والرياض. وفي هذا السياق تأثرت علاقات الرياض بدمشق التي كانت في مواقفها منذ العام 1979 أقرب إلى إيران، حتى اعتبرت الدولة العربية الوحيدة الحليف لإيران.

وفي سياق غير بعيد يأتي الحديث من طهران عن العلاقة بين السعودية وتنظيم جند الله السُني الذي كان يركز نشاطاته في منطقة بلوجستان الإيرانية، والذي قام بمجموعة من العمليات العسكرية ضد قوات الأمن والحرس الإيراني، ويبدو أن القراءة الإيرانية كانت تعتبر أن التنظيم لم ينشط بالقوة التي ظهر عليها في الفترة بين 2005-2010 لولا تلقيه مساعدة خارجية، ويتم الربط هنا بين دول إقليمية وبين دور أمريكي.

 كانت أجواء التسخين وسيطرة مناخات التشكك وعدم الثقة بين البلدين واضحة بعد الإعلان عن محاولة اغتيال السفير السعودي عادل الجبير في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر العام 2011، وقد أشارت التحقيقات الأمريكية إلى أيدي إيرانية وراء ذلك. بغض النظر عن دقة ما توصلت اليه التحقيقات، فقد أضافت نقطة توتر وعدم ثقة جديدة بين البلدين زادت من الغيوم السوداء في سماء العلاقات بين الرياض وطهران.(4)

الرياض – طهران: تطورات ما بعد الربيع العربي

جاء ربيع الشعوب العربية ليضيف تطورا آخر تختلف قراءته في كل من الرياض وطهران. فطهران التي رحبت بالتغيير في مصر ترى أن الرياض غير متحمسة إلى التغيير هناك، وأنها تريد تأخير هذا التغيير ما أمكن. لكن هذا التقييم الإيراني لم يلق الاهتمام الكافي؛ ربما بسب زخم الحراك الثوري في مصر، وربما بسبب الحراك الثوري الذي تتابع في المنطقة العربية ليشمل البحرين وسوريا.

بالنسبة لإيران كان واضحا أن لديها قراءة مختلفة حول ما يحدث في كل من سوريا والبحرين،: فما يجري في سوريا –من وجهة نظر الحكومة الإيرانية- من حراك سياسي في جزء كبير منه ما هو إلا مؤامرة مرتبطة بموقع سوريا كدولة "مقاومة"، وعلى هذا الأساس فإن من لا يدعم النظام السوري وسياسته في الإصلاح التدريجي –بالنسبة إلى إيران- إنما يتماهى مع تلك المؤامرة.(5)

إن طهران من جهتها ترى أن الحراك السياسي في سوريا ليس مبررا كله؛ لا سيما أنها تعتقد أن النظام جاد في إجراء اصلاحات(6). هذه القراءة لا تطبقها إيران على البحرين، فحراك البحرين بالنسبة لطهران مشروع، ومواجهته من قبل المنامة تجاوز على حقوق الشعب البحريني حسب طهران. هذه القراءة الإيرانية تتنافى تماما مع الرؤية السعودية، التي ترى أن النظام السياسي في سوريا "أسرف في القتل"، وأنه لا بد من حماية المدنيين في سوريا، ولا تتردد الرياض في الدعوة إلى تسليح قوى الجيش الحر داخل سوريا. وهي بذلك تختلف بشكل قوي عن الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الرياض ترى أن ما يجري في البحرين مدفوع مذهبيا، وأن هناك أطرافا داخل البحرين وخارجه، مثل إيران، تريد توظيف الأحداث الداخلية لتحقيق أجندة خارجية. هذه القراءة كانت موضع إجماع في مجلس التعاون الخليجي الذي أقر إرسال قوات درع الجزيرة لمساعدة البحرين في ضبط الأمن، الأمر الذي أثار حفيظة طهران وفتح بابا للمساجلات الإعلامية بين الطرفين.

إن التوافق الكبير الذي شهده عمل مجلس التعاون الخليجي في ما يتعلق بالبحرين، وكذلك الدور الذي لعبه المجلس في الأزمة اليمنية، مثّل سابقة هامة منذ أن أنشئ المجلس في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. هذا الأمر انعكس بشكل واضح على الموقف القوي الذي اتخذه المجلس من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة أبو موسى. الزيارة يمكن النظر لها بأنها فصل مهم في المواجهة المتطورة بين الرياض وواشنطن. فهي نوع من الرد الإيراني على الموقف السعودي والخليجي بشكل عام من الثورة السورية، والذي ترى فيه إيران تهديدا لوجود حليفها المهم في دمشق. ولعل وصف الزيارة من قبل المملكة بانها "عدوانية" يعكس مستوى الغضب السعودي من التصرف الإيراني، لا سيما في سياق الإصرار الإيراني على دعم النظام السوري، وعدم الاعتراف بما يتعرض له الشعب السوري.

يتجاوز الاشتباك السياسي بين الرياض وطهران منطقة الخليج العربي إلى أفغانستان التي ستنسحب منها القوات الأمريكية في العام 2014. فالرياض تستند علاقاتها مع أفغانستان إلى علاقة قوية مع باكستان وبعض القيادات القبلية الأفغانية التي ترى في السعودية الدولة الأولى في العالم الإسلامي، حيث توجد مكة والمدينة، ومثل هذا الاعتبار يجعل الرياض في موقف يصعب أن تنافسها عليه طهران. من جانب آخر الولايات المتحدة تترك أفغانستان وقد خلفت شبكة من العلاقات التي ستبقى مؤثرة في المشهد الأفغاني، مما سيحد من دور إيراني قوي في أفغانستان. الأمر الثالث الذي لا يقل أهمية هو مدى قدرة إيران على تأمين حضور سياسي محقق لمصالحها في كل هذه الملفات ابتداء من أفغانستان ومروراً بالبرنامج النووي وانتهاءً بتطورات الثورة السورية.

ما يبدو وفق المشهد السياسي المتحرك بسرعة في المنطقة هو أن طهران ستسعى إلى تهدئة المواجهة مع السعودية على كل الجبهات بما في ذلك أفغانستان، هذه الاستراتيجية تبدو طهران بحاجة لها، وهي آخذة بعين الاعتبار أن الازمة السورية ليست قريبة الحل، واحتمال أن تحل الأزمة السورية بالشكل الذي يكون في صالح إيران، يتراجع يوما بعد يوم. فالأزمة السورية كما تبدو في أواخر شهر أبريل/ نيسان، أزمة ذاهبة إلى مجلس الأمن والاحتمال القوي أن يتم إدراجها تحت الفصل السابع. هذا يعني أن البلدين سوريا وإيران سيكونان تحت هذا الفصل، وهذا له دلالاته من حيث تشديد الضغوط واللجوء إلى أكثر من العقوبات الاقتصادية تأثيرا.

الاستراتيجيات السعودية لمواجهة السياسة الإيرانية

لم تقف المملكة العربية السعودية مكتوفة الأيدي أمام السياسات الإيرانية في المنطقة العربية لا سيما في العراق وفي لبنان، وفي علاقاتها القوية مع سوريا، وفي هذا السياق فقد اتبعت منهجين في مواجهة تعاظم النفوذ الإيراني: الأول داخل المنطقة، ويتمثل في محاولة إنهاء سياسة الباب المغلق مع حماس، ولعل اتفاقَ مكة للمصالحة بين حماس وفتح مثالٌ واضح على ذلك. هذه الاستراتيجية كانت تعني محاولة إعادة حماس إلى بعدها العربي، وكذلك إلى دائرتها المذهبية، وامتد بها هذا الامر إلى فتح باب الحوار مع سوريا، والقيام بجهود مصالحة معها لتخفيف الاحتقان في لبنان من جهة، إضافة إلى محاولة التأثير على التقارب الإيراني السوري من جهة أخرى.

المنهج الثاني الذي اتبعته السعودية ركز على فتح الأبواب على إقامة علاقات مع حلفاء إيران خارج المنطقة لا سيما روسيا والصين، وظهر ذلك جليا من خلال زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى موسكو في العام 2003 عندما كان وليا للعهد، ومن ثم زيارة الرئيس الروسي آنذاك فلاديمير بوتين إلى الرياض في العام 2007، حيث أدى تبادل الزيارات إلى فتح باب الحديث عن مبيعات أسلحة روسية إلى السعودية بقيمة 2 مليار دولار، الأمر الذي فُهم منه أنه محاولة لإظهار أن هناك فرصةً لموسكو لبناء تحالفات أخرى في المنطقة إذا ما حصل وخسرت حليفتها إيران.(7)

في هذا السياق سعت الرياض إلى الانفتاح على الصين، وقد تزامن ذلك مع حركة الصين نحو الانفتاح على عموم دول الخليج العربية. وقد كانت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى بيجين في العام 2006، وكذلك زيارة رئيس الوزراء الصيني إلى الرياض في مطلع العام 2012 محطتين بارزتين في سياق سياسة الانفتاح هذه. ترى السعودية أن اهميتها الكبيرة بالنسبة إلى الصين تكمن في موضوع النفط، حيث تحتاج الصين إلى تنويع مصادر تزويدها بالنفط، وتخفيف الاعتماد على النفط الإيراني لا سيما في ظل تصاعد حدة الخلاف بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي، والحديث الجدي بشأن عقوبات على قطاع النفط الإيراني.(8)

خلاصة

لقد خلقت الثورات العربية واقعا سياسيا جديدا تستفيد منه الدول كلها حتى تلك التي لم يمر بها ربيع الشعوب العربية. هذا الواقع يجعل الحكومات تنظر بحساسية أكبر إلى أي نوع من التجاوز السياسي على كرامتها من الدول الأخرى. فالدول كما هي الشعوب ستنتفض على أوضاعٍ ربما كان فيها مساسٌ بكرامة الدول. المهم في الثورات العربية بالنسبة إلى الكثير من دول المنطقة أنها قامت دون أي ارتباط بالثورة الإسلامية في إيران، الامر الذي يعني أن جاذبية التجربة الإيرانية تراجعت وربما كان مبالغا في وجودها.

إن موقف دول الخليج من البحرين كان رسالة قوية إلى إيران. فالقراءة الخليجية وبشكل خاص السعودية تكاد تجمع أن إيران هي الطرف الذي يمكن أن يستفيد من تطورات الأحداث في البحرين. هذا الموقف الذي تكرر في نبرة واحدة ردا على ما جرى في جزيرة أبو موسى يبدو أنه تكرار لرسالة مضمونها أن السعودية ستتعامل بطرق مختلفة مع إيران. تعامل يبدو أن مناورات "جزر الوفاء" تسعى لتأكيده. هذا الأمر لا يبدو أنه سيكون مرحبا به في إيران، وذلك لوجود القراءة الإيرانية التي تسعى إلى تجنب أي مواجهة مع الرياض، لأنها وفق النظرة الإيرانية الاستراتيجية تزيد من رصيد الأعداء لإيران سواء في المنطقة أو في خارجها. الأمر الآخر هو أن الرياض بما لها من حضور في سوق النفط تستطيع أن تؤثر على سوق مبيعات النفط الإيراني.

لقد عمدت إيران منذ تاسيس الجمهورية الإسلامية إلى عدم اعطاء فرصة تشكيل جبهة واحدة ضدها.هذا الاستراتيجية من المرجح أن تستحضرها إيران في الفترة القريبة القادمة. وهذه الاستراتيجية من شأنها أن تكون خيارَ إيران المرحلي، لا سيما أمام التهديدات الاسرائيلية، واستمرار الضغوط عليها بسبب البرنامج النووي. من المرجح أن تطرح إيران أفكارا جديدة تتعلق بوقف التتخصيب في منشأة "فردو" القريبة من قم، مقابل وقف مؤقت للعقوبات الاقتصادية. هذا الأمر سيعين إيران في التفرغ للتعامل بشكل أفضل مع تفاعلات الملف السوري والذي هو ملف "أمن قومي إيراني". وهذا يعني أيضا محاولة فتح قنوات حوار مع دول تؤمن إيران أنها مؤثرة مثل الرياض، ومن المرجح أن تطرح طهران نفسها كوسيط مع سوريا، الأمر الذي إن قُبل سعوديا او دوليا قد لا يُقبل سورياً.

إيران على يقين أن التأييد الذي كانت تحظى فيه بين الرأي العام العربي ليس كما هو، وأن العداء لإسرائيل ودعم المقاومة أمور ربما لم تعد كافية وحدها للحصول على دعم الشعوب. مثل هذا الأمر سيترك أثره على سياسة إيران الخارجية التي لم تكن تحظى بدعم الحكومات وهي بعد الثورات؛ كذلك لم تعد تحظى بدعم الشعوب. هذا التحدي المفاجئ لإيران، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ربما ينعكس في التحول إلى منطق التقارب من الحكومات ومحاولة حلحلة الخصومات العالقة معها.

لقد ظهر لإيران بوضوح أنها حين حاولت التقرب مع مصر ما بعد الثورة أن هذا غير ممكن، حيث إن مصر أعلنت أن أمن منطقة الخليج العربية هو جزء من أمنها القومي الأمر الذي جعل إيران تصاب بمستوى من خيبة الأمل في التغيير الذي حدث في مصر. هذا سيجعل السعودية تستند إلى دعم عربي غير منظور، وهو بالنسبة لإيران أمر يجب أخذه بعين الاعتبار لا سيما في ظل النشاط الحيوية التي ظهرت بها الجامعة العربية خلال العام الماضي. بالنسبة إلى إيران هناك عامل قلق يتعلق بقدرة الرياض على مضاعفة الضغوط على دمشق، الأمر الذي قد يعني لإيران غياب حليف(9)، من هنا تشعر إيران أن عليها أن تكون حذرة في ادارة أزمتها مع الرياض.

الخصومة السياسية بين الرياض وطهران تبدو أزمة قابلة للإدارة كما كانت في الماضي، ومن المرجح أن يتم التركيز على الملف السوري في المرحلة القريبة القادمة، لا سيما أن هذا يعتبر الملف الأسهل في التعامل معه في ظل الحراك الشعبي الذي قد يؤدي إلى تغيير حقيقي في سوريا. هذا التغيير الذي كانت تنشده أطراف عدة خارج المنطقة وداخلها وغيرها سيؤمن وضع حد للتحالف الإيراني السوري، ويجعل إيران في حضورها السياسي المباشر محصورة في العراق.
________________________________
محجوب الزويري - أكاديمي وكاتب أردني بجامعة قطر متخصص في تاريخ إيران المعاصر والشرق الأوسط.

الهوامش
1 – شهدت العلاقات السعودية الإيرانية تطورا ملحوظا في الفترة 1997-2005، وقد انعكس ذلك في عقد اللجنة المشتركة السعودية الإيرانية اكثر من 8 اجتماعات في الفترة المشار اليها، كما تم توقيع اكثر من 25 اتفاقية بين الطرفين أهمها الاتفاقية الامنية التي تناولت تبادل المجرمين وكذلك مكافحة تجارة المخدرات.
2 - Iran’s Rafsanjani Calls for Improving Relations with Saudis, Restoring U.S.Ties: www.ibtimes.com/articles/323521/20120403/iran-rafsanjani-saudi-arabia-u-s-ties.htm
3 – لقد كانت الحرب العراقية الإيرانية أحد ميادين الصراع غير المرئي بين البلدين، فإيران كانت ترى أن الدعم الذي قُدم للنظام السياسي في العراق آنذاك لم يكن الا لمواجهة إيران وإضعاف الثورة الصاعدة في طهران إن لم يكن إفشالها. ولقد ضاعف أداء السياسة الخارجية الإيرانية الذي كان يتحدث عن دعم المستضعفين في العالم من هذا القلق، فالحديث عن دعم المواطنين الشيعة في بلدان عربية كالمملكة العربية السعودية جعل إيران تتحول إلى مصدر تهديد أمني. وبالنسبة إلى الرياض، وكونها تخدم الحرمين الشريفين فإن احتكاكها مع طهران كان لا بد منه، حيث إن الحجاج الإيرانيين والقادمين للعمرة تتجاوز اعدادهم المائتي ألف سنويا.
4 - Iran behind alleged terrorist plot, U.S. says
5 – صالحي: سوريا تمثل أقوى حلقة في سلسلة محور المقاومة،
http://www.mehrnews.com/ar/newsdetail.aspx?NewsID=1524474
6 – صالحي: التغيير في سوريا بقيادة الأسد، http://al-akhbar.com/node/62034
http://www.azzaman.com/?p=4287
7 - Russia-Saudi Relations: The Kingdom and the Bear, http://www.worldpoliticsreview.com/articles/4583/russia-saudi-relations-the-kingdom-and-the-bear. Putin Seeks Expanded Ties With Saudis on Arab Tour: http://www.nytimes.com/2007/02/12/world/middleeast/12saudi.html?_r=1
8 - China, Saudi Arabia vow to enhance relations, http://www.chinadaily.com.cn/usa/china/2012-01/16/content_14452779.htm, http://www.meforum.org/1019/saudi-arabia-woos-china-and-india
http://www.4thmedia.org/2012/01/16/china-saudi-arabia-to-boost-cooperation/
9 - ترى طهران أن الرياض تريد التغيير في سوريا وليس في مصر وذلك لبناء تحالف قوي ضد إيران بهدف اضعاف دورها في العراق . وقد تعتبر الأزمة السياسية التي دفعت الرياض إلى إغلاق سفارتها وقنصلياتها في مصر في أواخر أبريل/ نيسان 2012، مانعا لمحاولة الرياض تشكيل ذلك التحالف الخليجي والعربي ضد طهران.
 http://www.tabnak.ir/fa/news/241298/تلاش-عربستان-سعودي-براي-تشکيل-اتحادي-ضدايراني

نبذة عن الكاتب