العلاقات الصينية-الأميركية: الجذور التاريخية والمستقبل الغامض

تتجه العلاقة الصينية-الأميركية نحو مستقبل يكتنفه الغموض، وهي عرضة للتأثر بعدة عوامل أبرزها مدى الثقة بين البلدين وخوف كل منهما من تقلب موازين القوى إضافة إلى اختلاف نماذج الحكم بينهما، لكن البلدين حريصان على احتواء المنافسة لأن البديل هو الصراع.
20131027112223705734_20.jpg

المصدر [الجزيرة]

ملخص
تشكلت العلاقة الصينية-الأميركية على إيقاع تشكل جمهورية الصين الشعبية، لا بل إن جذورها تمتد إلى العام 1899 عندما دعت واشنطن حينها إلى نهج "الباب المفتوح" الذي يسمح لكل القوى الأجنبية بالوصول إلى الصين بدون امتيازات. ومرت العلاقة بينهما بأطوار عدة فعرفت تحسنًا ملحوظًا بلغ ذروته في أوائل عام 1979 حيث حولت إدارة الرئيس جيمي كارتر الاعتراف الدبلوماسي من تايوان إلى الصين معترفة بـ"الصين الواحدة"، كما ساءت جدًا على خلفية أزمة تايوان عام 1996 حيث قامت الصين حينها باختبار صواريخ باليستية على أطراف الجزيرة، كما توترت في أعقاب قيام السلطات الصينية بسحق احتجاجات ميدان تيانانمين في يونيو/حزيران 1989. وتتجه العلاقة اليوم نحو مستقبل يكتنفه الغموض -خاصة بعد أن قررت إدارة أوباما سياسة التحول نحو آسيا- وهي عرضة للتأثر بعدة عوامل أبرزها مدى الثقة بين البلدين وخوف كل منهما من تقلب موازين القوى لصالح الآخر إضافة إلى اختلاف نماذج الحكم بينهما. لكن البلدين حريصان على احتواء المنافسة لأنهما يدركان جيدًا أن البديل هو الصراع.

غالبًا ما توصف العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية اليوم بأنها العلاقة الأكثر أهمية في العالم، وأحيانًا توصف بالعلاقة بين "الاثنين الكبار" أو(G-2) ، باعتبارها العامل المؤثر الرئيسي في النظام الدولي.

 

الجذور التاريخية

إن الطبيعة الاستثنائية والخصوصية التي تتصف بها العلاقة الأميركية-الصينية ليست شيئًا جديدًا؛ حيث دخلت الولايات المتحدة آسيا في نهاية القرن التاسع عشر بموقف مختلف عن الأوروبيين؛ ففي حين كانت الدول الأوروبية -مع سعي اليابان لمضاهاتها- تريد جميعًا إنشاء مستعمرات و"مناطق نفوذ"، كانت الولايات المتحدة عام 1899 في عهد الرئيس وليام مكينلي (ولايته بين عامي 1897-1901) تدعو إلى نهج "الباب المفتوح" مع الصين، وكان المطلوب من هذه الأخيرة أن تكون "منفتحة" على الوجود الأجنبي والتجارة. ولكن الباب المفتوح يعني أيضًا المساواة بين جميع القوى الأجنبية في قدرتها على الوصول إلى الصين، وبدون أي نفوذ. لم ترق أميركا أبدًا إلى مستوى ادعاءاتها؛ فقد أصاب الرئيس وودرو ويلسون (ولايته بين عامي 1913-1921) الوطنيين الصينيين بخيبة أمل كبيرة في مؤتمر فرساي عام 1919 عندما أعطت المعاهدة الناتجة عن المؤتمر شبه جزيرة "شاندونغ" المنزوعة من ألمانيا إلى اليابان، بدلاً من إعادتها إلى الصين.

لكن إدارة الرئيس هربرت هوفر (1929-1933) وخليفتها (إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت، 1933–1945) قدمتا للصين مساعدات غذائية كبيرة جدًا خلال المجاعة الكبرى في أواخر العشرينات، ودعمت أميركا الحكومة الجمهورية في الصين بزعامة شيانغ كاي شيك عندما بسطت سيطرتها من جديد في حملتها ضد أمراء الحرب المحليين والمسماة "المسيرة نحو الشمال" في الفترة ذاتها. ودعمت أميركا الصين الجمهورية ضد اليابان خلال حرب المحيط الهادي، وذلك من خلال إرسال معونات عسكرية ضخمة لمنطقة "الحدبة" (سلسلة جبال الهيمالايا وسيتشوان).

ما نشهده اليوم من نقاش يتعلق بالعلاقات الأميركية-الصينية سبق الخوض فيه في تلك الحقبة، وكان للصين الجمهورية جماعات ضغط في الصحافة وغيرها من الدوائر في الولايات المتحدة، وكان هناك شكوك كبيرة تتعلق بالصين وتستند إلى وجود فساد داخل النظام الجمهوري. وبعد بعثة ديكسي إلى يانان حيث كان الشيوعيون الصينيون يتخذون قواعدهم*، برز تيار ينصح بعلاقة متوازنة مع الشيوعيين. وبعد "سقوط الصين" في عام 1949 وتأسيس جمهورية "الصين الشعبية"، ثار جدل كبير حول أسباب هذا السقوط: هل هو فشل الجمهوريين أنفسهم في الصين أم أن السبب هم الشيوعيون "الخونة"؟
لقد تشكلت مواقف الصين من الولايات المتحدة خلال تلك الحقبة أيضًا؛ فالجنرال تشانغ كاي شيك كان يمارس الضغط على الولايات المتحدة ويتملقها، فيما كان ماو تسي تونغ والشيوعيون غير معادين لأميركا، كما تعامل كل من تشو إنلاى (أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية، بين عامي 1949-1976) والممثلين عن الشيوعيين في تشونغتشينغ في عهد "الجبهة المتحدة" مع الأميركيين.

ولكن الحرب الكورية (1950-1953)، والتي بدأها ستالين بطلب من كيم إل سونغ وبدعم من ماو، غيرت كل ذلك، مع تنفيذ سياسة العزل الذاتي الصينية والحملات الجماهيرية المناهضة للولايات المتحدة في جمهورية الصين الشعبية. أدت هذه السياسة التي يطلق عليها "الستار الخيزراني"*** إلى عزل الصين التي كانت قد دخلت الحرب الكورية وساعدت الشيوعيين الفيتناميين ضد الولايات المتحدة، ثم جاءت الهدنة الكورية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1953، لتجنب البلدين الصراع المباشر. وهناك حادثة شهيرة عندما وقف ماو ضد بعض من جنرالاته في عام 1965 رافضًا إرسال جنود جيش التحرير الشعبي الصيني إلى فيتنام للحرب ضد الولايات المتحدة -على الرغم من أن الصين أقرضت سلاح الهندسة الخاص بها للسوفيت للمساعدة في نقل أسلحتهم إلى الهند الصينية.

 

من الاحتواء إلى شهر العسل

مع تفكك التحالف بين الصين والاتحاد السوفيتي بين عامي 1959 و1963 أصبحت العلاقة مثلثة الأضلاع؛ حيث ظلت الصين في المعسكر المناهض للولايات المتحدة وبقيت تشجب "التعايش السلمي" لكنها كانت تعارض أيضًا ما تسميه "النهج التحريفي السوفيتي" وقاتلت بضراوة ضد نفوذ موسكو في العالم الثالث. ولزم الدبلوماسية الأميركية عشر سنوات تقريبًا حتى تمكنت من الاستفادة من الفرص التي وفرها الانقسام بين الصين والاتحاد السوفيتي. وكانت إدارة نيكسون بحاجة للصين للضغط على فيتنام وإنهاء الحرب في الهند الصينية، وبعد لقاءات سرية، قام ريتشارد نيكسون بزيارة تاريخية إلى الصين عام 1972 رافقه فيها هنري كيسنجر، واجتمع مع الرئيس ماو لإرساء أسس التفاهم بين الصين وأميركا، والتي كانت تتعلق أساسًا بتايوان التي لجأ إليها النظام الجمهوري عام 1949. واتفق الطرفان، الصين والولايات المتحدة، "على ألا يتفقوا"، حسب البيان الختامي الذي صدر بعد المباحثات. وعلى الرغم من أن الاعتراف الدبلوماسي تحقق فقط في يناير/كانون الثاني 1979 تحت إدارة الرئيس جيمي كارتر، إلا أن الموقف الأميركي من العلاقة مع الصين كان آخذًا بالتحول قبل هذا التاريخ.

وكان شهر العسل في العلاقات الصينية-الأميركية يصل ذروته في أوائل عام 1979، أي بعد الاعتراف؛ حيث استطاعت الصين على إثر ذلك غزو فيتنام بموافقة ضمنية من واشنطن لمعاقبة الفيتناميين على غزو كمبوديا. وقام زعيم الصين الجديد، دنغ شياو بنغ (رئيس الصين بين عامي 1978 و1992) بزيارة شهيرة إلى الولايات المتحدة حيث ركب الحنطور وارتدى قبعة تكساس. ومع ذلك فإن سياسة دنغ تجاه الولايات المتحدة لم تأخذ شكل التحالف، بل حافظ على مسافة ثابتة وبدأ يحكم على كل حالة على حدة وفق وقائعها الموضوعية أو حسب ما تمليه مصالح الصين. وبعد فترة قصيرة قام دنغ بخطواته الأولى نحو تطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، والتي كانت قد توقفت وتعرقلت بسبب النزاعات الإقليمية.

 

الدورة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة

في نهاية فترة رئاسة كارتر، هاجم رونالد ريغان خصمه لضعف موقفه تجاه الصين، مدعيًا أنه سيوفر دفاعًا أفضل عن تايوان. وبعد انتخابه، سعى إلى زيادة مبيعات الأسلحة إلى تايوان؛ مما جرّ عليه غضب الصين. واستمر الخلاف حتى تم التوقيع على البيان الثاني بين الصين والولايات المتحدة في يونيو/حزيران 1982، وهو الذي ربط بشكل أساسي بين وعد أميركي بتخفيض شحنات الأسلحة إلى تايوان وتحقق السلام والاستقرار في مضيق تايوان. وظل هذا التعهد المشروط مصدرًا للجدل حتى يومنا هذا؛ حيث ترى الصين الشعبية وجوب وضع سقف لشحنات الأسلحة في حين تحدد الولايات المتحدة سياستها بناء على منسوب التوتر ومستوى الحشد العسكري الصيني في المنطقة.

وابتداء من حملة رونالد ريغان الانتخابية الناجحة عام 1980 وحتى وصول جورج دبليو بوش إلى سدة الرئاسة في عام 2008، ظلت دورة سياسية داخلية تتحكم بالعلاقات الصينية-الأميركية؛ حيث انتقد كل مرشح فائز سياسة سلفه تجاه الصين، ووعد بموقف أكثر صرامة (بشأن قضايا الأمن بالنسبة للجمهوريين، وبشأن التجارة وحقوق الإنسان بالنسبة للديمقراطيين). وقد اختلفت الصين الشعبية مع كل رئيس جديد، حتى تم التوصل إلى حل وسط جديد، وبعد ذلك عبّرت دائمًا عن أسفها على رحيل كل رئيس. وبناء عليه نجد أن ريغان قاد حملة لأجل تايوان، ليأتي الرئيس جورج بوش ويعيد التوازن في بداية حكمه للعلاقات الأميركية مع اليابان. أما بيل كلينتون فقد اختار التجارة كنهج رئيسي في التعامل مع الصين مانحًا إياها أخيرًا وضع الدولة المفضلة، ودخلت الصين منظمة التجارة العالمية في عام 2001 بعد مفاوضات فاشلة عام 1999.

وتحدث جورج دبليو بوش أثناء حملته الانتخابية عن الصين واصفا إياها بأنها "منافس استراتيجي" وبدأت وزارة الدفاع الأميركية تركز اهتمامها غربًا قبل أن تعطل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 هذا التوجه وتعيد استئنافه أي التحول نحو الغرب في عام 2012 في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما كجزء من سياسة "التحول نحو آسيا" بعد الانسحاب من العراق والرحيل المتوقع للقوات الأميركية من أفغانستان في عام 2014.

لعبت الصين في هذه الدورة السياسية دورًا لا يكاد يذكر، فبعد دنغ شياو بنغ، سعى الرئيس جيانغ تسه مين إلى علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة؛ مما حد من الخلافات وعزز من التعاون بين الطرفين بشأن القضايا الرئيسية المطروحة أمام الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال، يعد قرار الصين بعدم الاعتراض على حرب أميركا على العراق في 2002-2003 معلمًا بارزًا في هذا المسار، حاله حال قرار التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

 

من التعاون إلى التنافس

لم توقف الصين أبدًا تحديث قواتها المسلحة وزادت منذ عام 1979 إنفاقها العسكري بشكل مستمر بأكثر من 10% سنويًا، باستثناء عامي 1987 و2009. وتولى الرئيس جيانغ بنفسه إدارة أزمة تايوان الجديدة في مارس/آذار 1996؛ حيث قامت الصين باختبار صواريخ باليستية على كافة أطراف الجزيرة وأعلنت عن اعتراض شحنات أسلحة. وانتهت الأزمة بعد أن أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى مضيق تايوان، إلا أن الصين الشعبية استطاعت بهذا أن توضح وجهة نظرها الرافضة لأي تفكير بقبول إعلان الاستقلال من جانب تايوان.

وتوترت العلاقات أيضًا بسبب النزاعات المحلية داخل الصين، فبعد سحق احتجاجات ميدان تيانانمين في يونيو/حزيران 1989، أقرت مجموعة الدول الكبرى الصناعية السبعة (G 7) عقوبات بقيت واحدة منها فعالة حتى اليوم، وهي وقف مبيعات الأسلحة إلى جمهورية الصين الشعبية، في حين اتخذت العلاقة الاقتصادية مسارًا خاصًا بها، مع أفضلية كبيرة للصين؛ حيث بلغ فائض تجارتها مع الولايات المتحدة 315 بليون دولار في عام 2012. كما يقترب فائض التبادل التجاري بين الصين وأوروبا من نفس المستوى لكن مع فرق كبير، وهو أن الصين تقوم مقابل فائضها التجاري باستثمار ثلثي احتياطياتها النقدية في الدولار، والتي نمت حتى وصلت حاليًا إلى 3.5 تريليون دولار. ويتم توجيه جزء كبير من هذا الاستثمار إلى شراء سندات الخزينة الأميركية أو السندات شبه الحكومية، وهكذا تجاوزت الصين الشعبية اليابان كأكبر مالك أجنبي لديون الولايات المتحدة. وغالبًا ما كان هذا الوضع مصدرًا للقلق حيث اتهمت قطاعات من الرأي العام الأميركي ووزارة الخزانة نفسها الصين بالتلاعب بعملتها؛ حيث تحول الفائض في الحساب الجاري إلى احتياطيات من العملات الأجنبية، لكنه أيضًا عامل استقرار كما ذكرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في عام 2010، قائلة: إن من الصعب الجدل مع شريك حين يكون هو الدائن الرئيسي. إن العلاقة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة استراتيجية، وفي الواقع فإن اللقاءات رفيعة المستوى بين الحكومتين، والحوار الاستراتيجي والاقتصادي يجمع ما بين القضايا الأمنية والاقتصادية.

 

هل تغير هذا المنظور الشامل لهذه العلاقة؟

لم يدرج باراك أوباما موضوع الصين في حملته الانتخابية للفترة الرئاسية الأولى، باعتباره قضية انتخابية كبرى، بخلاف ما كان عليه الأمر في حملات من سبقه ولمدة طويلة. وفي الواقع ينطبق ذلك على حملة خصمه الجمهوري، جون ماكين الذي كان من أشد المخالفين لسياسة جورج دبليو بوش المتشددة نحو الصين. بدأ الفصل الأول من إدارة أوباما بتجديد الجهود لصياغة شراكة مع الصين، وخلال زيارة أوباما الأولى للصين وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009، ذكر البيان المشترك عبارة "المصالح الأساسية" للبلدين، وهي عبارة مهمة بالنسبة للصين التي تدرج تحت هذا البند العديد من المطالبات السيادية. وقد تعاونت الصين إلى حد كبير في المساعدة على حل الأزمة المالية الكبرى عام 2008 من خلال إطلاق حزمة من الحوافز الاقتصادية الضخمة للحفاظ على النمو الاقتصادي فيها.

لكن وضع الصين الاستراتيجي تنامى باستمرار منذ ذلك التاريخ، بعد أن عكست سياساتها السابقة تجاه جيرانها الآسيويين في تحد ضمني للتفوق الأميركي في آسيا والمحيط الهادي في المستقبل. فمنذ أواخر عام 2009، مع بعض الانقطاعات، تكررت حوادث الحدود بينها وبين اليابان والفلبين وفيتنام والهند بانتظام، بينما ظلت قدرة الصين على إبراز قوتها في ازدياد مستمر في حين تحول حلفاء أميركا في المنطقة، على المستوى الثنائي وبشكل متزايد، إلى الولايات المتحدة بحثًا عن الأمان، ملقين برهاناتهم ضد بكين. في الظاهر، تلعب الصين لصالح الولايات المتحدة لأنها تضمن تقريبًا استمرار علاقات التحالف بين الولايات المتحدة وآسيا، ولكنها في الوقت نفسه تحرج الولايات المتحدة، التي تنشر الآن 60% من قواتها البحرية في آسيا بكلفة كبيرة، وفي مهمة دفاعية بحتة. كذلك أصبحت النزعة القومية المتصاعدة في الصين عاملاً له تأثيره، فعلى الرغم من أن النظام الاستبدادي لا يسعى بالعادة للحصول على موافقة الرأي العام، لا يستطيع أي فرد من القيادة تحمل وزر اتخاذ موقف معتدل علنًا، خوفًا من وصفه بـ"الخائن"، ومن شأن ذلك أن يخلق مناخًا صعبًا يؤثر سلبًا على مجمل العلاقة.

وفي الحقيقة فإن البلدين مستمران في التعاون بشأن مجموعة واسعة من القضايا؛ فالصين تضغط على كوريا الشمالية لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً، وإن كانت لا ترفق نصائحها بعقوبات تفرضها من طرفها. وبالرغم من أن الولايات المتحدة تتحرك في مسألة تايوان، إلا أن تحركاتها كلها خلت من دعم الاستقلال كخيار يتخذه الناخبون في الجزيرة. وتقبلت أميركا مساعي الصين في جميع أنحاء العالم لتؤمّن نفسها بالطاقة والمواد الخام، لا بل فتحت أبوابها للاستثمارات الصينية في هذا المجال مؤخرًا. وفي واقع الحال، وبعد عشر سنوات من التدخل الأميركي في العراق، نجد أن الصين تملك أكثر من حصص الولايات المتحدة في النفط العراقي، وهو الوضع الذي لم يكن من الممكن تصوره سابقًا. وسمحت الصين بالتدخل في ليبيا بدون معارضة، رغم أن هذا تسبب في جدل داخلي بعد أن خسرت مكاسب اقتصادية في هذا البلد. أما معارضتها للتدخل في سوريا، فعلى الرغم من أنه يبرَّر كمسألة مبدأ، إلا أنه أكثر ارتباطًا بما بقي من تضامن مع روسيا في الأمم المتحدة بشأن القضايا السيادية الكبيرة.

وفي الوقت الذي يستعد فيه الاقتصاد الصيني ليتجاوز اقتصاد الولايات المتحدة في الحجم وليس في مستوى التطور، يبدو وبوضوح أن العلاقة الصينية-الأميركية تتجه نحو مستقبل يكتنفه الغموض، وكثيرًا ما يرى الطرفان في "انعدام الثقة" أحد العوامل المؤثرة على العلاقة بينهما، ولكن ربما ميزان القوى ونماذج الحكم المختلفة تمامًا بين البلدين هي من العوامل الأكثر تأثيرًا في هذا الشأن. وكذلك من الواضح أن آخر ما يرغب به الطرفان هو الصراع، وبالتالي سوف تستمر الصين والولايات المتحدة في احتواء المنافسة.
_______________
* أُعدَّ النص لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الإنكليزية وترجمه محمود العابد إلى اللغة العربية.
**مجموعة المراقبة لجيش الولايات المتحدة الأميركية، المعروفة باسم "بعثة ديكسي"، استمر عملها بين 22 يوليو/تموز 1944 و11 مارس/آذار 1947 أي خلال الحرب العالمية الثانية، وكان هدفها إقامة علاقات رسمية مع الحزب الشيوعي الصيني و جيش التحرير الشعبي.
*** الستار الخيزراني، وهي سياسة العزل الذاتي التي أطلقتها جمهورية الصين الشعبية عام 1949 لعزل الدول الآسيوية الشيوعية عن غير الشيوعية.

المصادر

1)Elizabeth Economy, and Adam Segal, “The G-2 Mirage” Foreign Affairs, May/June, 2009
2)Aaron L. Friedberg, "Ripe for Rivalry: Prospects for Peace in a Multipolar Asia," International Security, Vol. 18, No. 3 (Winter 1993/94), pp.5-33
3) François Godement, “Emergence or Re-Emergence?
4) The Asian Balance of Powers as a Long-Term Issue », in Christophe Jaffrelot (ed.), Emerging States: the Wellspring of a New World Order / Christophe Jaffrelot, ed., Columbia University Press, 2009, Pp.265-277.
5) David M. Lampton, Same Bed, Different Dreams: Managing U.S.-China Relations, 1989-2000 , Univ. of California Press, 2001
6) Kenneth Lieberthal & Wang Jisi, « Addressing Sino-US strategic distrust » John L. Thornton China Center at Brookings, March 2012.
7) David Shambaugh, Beautiful Imperialist: China Perceives America, 1972—1990, Princeton University Press, 1990.
8) Robert B. Zoellick, “Whither China: From Membership to Responsibility?”, NBR Analysis, volume 16, number 4, december 2005.

 

نبذة عن الكاتب