انضمام إثيوبيا إلى الأميصوم وحسابات الربح والخسارة

يرى كثير من المراقبين أن إثيوبيا تحمّل نفسها ما يفوق قدراتها حيث أصبحت تلعب دورًا قياديًا في كثير من القضايا الشائكة في المنطقة في جمهورية جنوب السودان، وأريتريا، وفي نفس الوقت تحسم صراعها مع مصر في قضية سد النهضة. فما تأثير كل هذا على السياسة الأثيوبية في الصومال.
201431374750517734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
إثيوبيا الآن قوة إقليمية لا منافس لها وتلعب دورًا قياديًا في القرن الإفريقي، لكن تدخلها العسكري في الصومال يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الخطر الذي يهدد كلاً من الصومال والمنطقة. ومع أن الحكومة الصومالية وقواتها العسكرية ليست قادرة تمامًا على الحفاظ على سيادتها والسيطرة على أراضيها؛ فإن مواصلة الدعم العسكري وبناء قدرات الجيش الصومالي تظل حاسمة في جوهرها.

ولعل تدخل القوات الأجنبية من قبل بعثة الاتحاد الإفريقي، وكينيا، وإثيوبيا إلى جانب مراقبة طائرات بدون طيار التي تقدمها الولايات المتحدة عوامل قد تسمح للحكومة الصومالية الفيدرالية بالبقاء في السيطرة على مقديشو والمدن الكبرى، بل ويمكن لهذا الجهد المشترك أيضًا طرد حركة الشباب من الأراضي التي تسيطر عليها، ولكن هذا ليس حلاً على المدى الطويل.

غير أن الدرس المستفاد هو أن الحرب غير المتكافئة تتطلب استراتيجيات مصممة والرغبة في الحفاظ على الدبلوماسية وأبواب المصالحة مفتوحة. الحكومة الصومالية بحاجة إلى تكريس طاقتها للتفاوض مع الأفراد المعتدلين من حركة الشباب والتصالح معهم, على الرغم من أنه من المستحيل أن يجبر طرف ما حركة الشباب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن هناك عناصر من حركة الشباب التي يمكن إدراجها في العملية السياسية والمصالحة الوطنية, وخاصة إذا تم تقسيم المجموعة الى فصائل مختلفة.

بدأ التوغل الإثيوبي في الصومال أول مرة بعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال في أغسطس/آب 1996 حينما داهمت القوات الإثيوبية من المناطق الحدودية بلدة دولو، وبلد حوا, لملاحقة أعضاء جماعة الاتحاد الإسلامي. وفي مايو/أيار 1999 سيطرت قوات إثيوبية، بمساعدة من الفصائل الصومالية الموالية لإثيوبيا بلدة لوق في جنوب غرب الصومال، على مقربة من الحدود مع إثيوبيا وكينيا.

في أواخر يونيو/حزيران عام 1999، أطلق الجنود الإثيوبيون، بدعم من العربات المدرعة لهجوم على مدينة لوق التي أسفرت عن السيطرة على مدينة بيدوا التي كانت معقلاً لقوات التحالف الوطني الصومالي بقيادة حسين عيديد, وكان الهدف من الهجوم على ما يبدو طرد متمردي "جبهة تحرير أورومو" المتمركزة في الصومال.

وبعد تشكيل الحكومة الوطنية الانتقالية في الصومال في أغسطس/آب 2000، لم تعترف إثيوبيا بالحكومة الانتقالية, بل واصلت دعمها  لمختلف الفصائل وأمراء الحرب؛ الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين الحكومة الإثيوبية والحكومة الصومالية المؤقتة، التي وصلت إلى حد الإدانات, وتبادل اتهامات بينهما.

في يناير/كانون الثاني 2001، اتهم رئيس وزراء الحكومة الوطنية الانتقالية في الصومال، "علي خليف"، إثيوبيا بتسليح الفصائل المعارضة للحكومة، واحتلال المناطق الصومالية وزيادة وجودها العسكري.(1) وادعى لاحقًا أن جنودًا إثيوبيين احتلوا البلدات في المنطقة الجنوبية الغربية للصومال، واعتقلت وأرهبت مواطنيها؛ لكن الحكومة الإثيوبية نفت هذه الاتهامات. وفعلاً دعمت إثيوبيا عددًا من الفصائل الصومالية المختلفة من حين لآخر, ومن بين هذه الفصائل المجلس الصومالي لإعادة التأهيل والإعمار (SRRC).

في بعض الحالات اعترف رئيس وزراء إثيوبيا السابق ميليس زيناوي، أنه بعض الأحيان أرسل قواته إلى الصومال لمحاربة جماعة إسلامية متشددة (الاتحاد الإسلامي) وذكر أن هذه الجماعة مرتبطة بالقاعدة, وادعى أيضًا أن الحكومة الإثيوبية لديها قوائم أعضاء الاتحاد الإسلامي الذين كانوا في ذلك الوقت في الحكومة الوطنية الانتقالية والبرلمان الصومالي؛ وهو ادعاء نفاه رئيس الجمهورية "عبدي قاسم صلاد حسن" باستمرار. وبدوره اتهم" صلاد" إثيوبيا بـ"زعزعة استقرار الصومال، والتدخل اليومي في الشؤون الصومالية" وانتهاك حظر الأسلحة المفروض على الصومال من خلال توفير الأسلحة لأمراء الحرب المعارضين للحكومة الانتقالية.(2)

على الرغم من مساعٍ حثيثة لتحسين العلاقات بين إثيوبيا والحكومة الوطنية الانتقالية في يونيو/حزيران 2001، ألا أن العلاقة لم تتحسن حقًا إلا في عام 2004 عندما أصبح عبد الله يوسف رئيس الدولة؛ حيث عكست إثيوبيا موقفها, وبدأت بدعم الحكومة المؤقتة، وخاصة ضد مختلف الميليشيات الإسلامية في الصومال، وآخرها اتحاد المحاكم الإسلامية.

كان التدخل العسكري الإثيوبي الأضخم في التاريخ عندما اجتاز الحدود بين البلدين آلاف من القوات الإثيوبية إلى الصومال في نهاية عام 2006 للرد على ميليشيات تابعة للمحاكم الإسلامية، التي قضت على زعماء الحرب في مقديشو وسيطرت على جنوب ووسط الصومال, وكانت قوات المحاكم تتحرك نحو مقر الحكومة الانتقالية في بيدوا, لكن القوات الإثيوبية أوقفت زحف المحاكم, ولأول مرة وصلت قوات إثيوبية إلى عاصمة الصومال مقديشو؛ حيث بقيت القوات الإثيوبية في مقديشو إلى يناير/كانون الثاني 2009, وفق اتفاقية جيبوتي المبرمة بين قيادات المحاكم والحكومة الانتقالية، وذلك بعد استقالة الرئيس عبد الله يوسف.

كانت المحاكم الإسلامية منقسمة إلى تيارين: معتدل اعترف بالحكومة الانتقالية وسعى إلى التفاوض معها, وآخر متشدد لا يعترف بشرعية الحكومة الانتقالية بل يعتبرها أداة لقوى خارجية يجب مواجهتها, والقضاء عليها, ولكن بعد التدخل الإثيوبي توسعت القاعدة الشعبية للعناصر الأكثر تطرفًا في المحاكم الإسلامية, والذين ينتمون إلى حركة الشباب المجاهدين, واستخدمت الحركة العداء التقليدي بين الصومال وإثيوبيا بنجاح, وحشدت لجذب الدعم من داخل الصومال ومن الصوماليين في المهجر حتى سيطرت على معظم جنوب ووسط الصومال، وأجزاء كبيرة من مقديشو.

إنشاء بعثة السلام للاتحاد الإفريقي

في ديسمبر/كانون الأول عام 2006 أصدر مجلس الأمن الدولي برعاية أميركية قرارًا بشأن الصومال يقضي بإنشاء بعثة لحفظ السلام في مقديشو لتحل محل القوات الإثيوبية، وباستثناء إثيوبيا، وكينيا، وجيبوتي من المشاركة في قوات حفظ السلام بسبب التضارب في المصالح في الشؤون الصومالية. وبدأ نشر تلك القوات بأعداد متواضعة في البداية من الأوغنديين والبورونديين، وببطء زاد عدد أفرادها؛ الأمر الذي يفسر جزئيًا لماذا ظلت القوات الإثيوبية وقتًا طويلاً في مقديشو.

قدمت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية الدعم المالي لقوة بعثة الاتحاد الإفريقي، وفي نفس الوقت قامت بتدريب وتمويل قوات الحكومة الاتحادية الانتقالية. ومنذ عام 2007 وفي وقت مبكر أصابت طائرات وصواريخ الولايات المتحدة أهدافًا عسكرية لحركة الشباب داخل الصومال, وكذلك أجرت القوات الخاصة الأميركية العديد من الهجمات ضد قيادات حركة الشباب والقاعدة. وتحتفظ الولايات المتحدة بطائرات بدون طيار للمراقبة الاستخباراتية في الصومال للمنشآت في إثيوبيا، وجيبوتي، وجزر سيشل.

قرر الاتحاد الإفريقي زيادة سقف الأميصوم [بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال] إلى حوالي 17.700؛ وذلك لتشمل قوات من جيبوتي، وكينيا، ولكن تم تغيير قبعة قواتها التي تدخلت في الصومال العام الماضي إلى الأميصوم، وعناصر شرطة من بعثة الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن نشر قوات بوروندية وأوغندية إضافية, وتتألف حاليًا بعثة حفظ السلام الإفريقية من قوات من أوغندا (5800 جندي)، وبوروندي (5432 جنديًا)، وكينيا (4652 جنديًا)، وجيبوتي (960 جنديًا)، وسيراليون (850 جنديًا). هذه القوات لديها احتياجات إدارية وتشغيلية ولوجستية هائلة وتنتشر في أربعة قطاعات، تغطي جنوب ووسط الصومال.

تم دعم بعثة الاتحاد الإفريقي في عملها من خلال ترتيبات ثنائية من قبل الأمم المتحدة, وهذا الدعم يغطي بدلات القوات، فضلاً عن التكاليف التشغيلية في مقر البعثة في مقديشو, وتشمل هذه التكاليف التشغيلية مرتبات الموظفين الدوليين، ومرتبات الموظفين المحليين، والسفر الرسمي، والنقل البري، والمعدات المكتبية والاتصالات والدعم الطبي. وتم تحديد الأهداف الرئيسية للبعثة في أربعة محاور، وهي: دعم المؤسسات الاتحادية الانتقالية في جهودها الرامية إلى تحقيق الاستقرار في الصومال، وتعزيز المصالحة، وتيسير تقديم المساعدة الإنسانية لتهيئة الظروف لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، وإعادة الإعمار والتنمية في الصومال.

انضمت القوات الإثيوبية رسميًا لمهمة حفظ السلام للاتحاد الإفريقي في الصومال في 22 يناير/كانون الثاني 2014 بعد موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقراره 2124 الذي أذِن لقوة إضافية تبلغ أكثر من 4000 جندي ليرتفع عدد قوات حفظ السلام في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال إلى أكثر من 22.126 جنديًا.

تدخلت إثيوبيا في الصومال هذ? المرة تحت عباءة الاتحاد الإفريقي الذي يُعرف بالأميصوم, وتقضي الاتفاقية الموقّعة بين إثيوبيا والاتحاد الإفريقي بأن ترسل إثيوبيا 4050 جنديًا ينضمون إلى بعثة الاتحاد في الصومال المعروفة بالأميصوم, ولكن, ما يقارب 20000 عشرين ألف جندي إثيوبي عبروا الحدود إلى الصومال, والسؤال الذي يطرح نفس? هو: هل التدخل الإثيوبي يختلف عن تدخلها السابق لعام 2006؟ وهل يمكن أن تواج? المقاومة الشرسة التي لقيتها أم أن الظرف يختلف؟ 

تغيير الموقف الدولي

كانت القناعة السائدة لدى المجتمع الدولي عدم السماح للدول المجاورة للصومال بالمشاركة في بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام, لأن ذلك يؤدي إلى تضارب المصالح ويثير حفيظة المجتمع الصومالي الذي ينظر إلى الدول المجاورة بعين الشك والريبة وأن هناك مصلحة مباشرة لتلك الدول في الصومال, ولكن الوضع يختلف هذ? المرة بحيث إن كلاً من جبيوتي، وإثيوبيا، وكينيا, تشارك في قوات حفظ السلام في الصومال بمساندة المجتمع الدولي, ورغم أن إثيوبيا كانت متنقلة في بعض المناطق الجنوبية في الصومال، خاصة المدن المتاخمة للحدود بمفردها دون أن تكون جزءًا من قوات حفظ السلام الإفريقية (الأميصوم)، بل كانت دائمًا ترفض الانضمام إلى الأميصوم والعمل تحت قيادتها.

كثير من المراقبين، ومنهم  السفير الأميركي السابق لدى إثيوبيا "ديفيد شين"؛ وهو أستاذ مساعد في كلية إليوت للشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، يرى أن من الخطأ انضمام إثيوبيا إلى الأميصوم, واعتبره مصدر قلق خاصًا؛ حيث قال: "كانت التوغلات الإثيوبية في الصومال في وقت متأخر منخفضة نسبيًا, ولم تواجه الكثير من الاهتمام، وإنها تمت في سياق عمل ثنائي واضح وبدعم من الحكومة الصومالية، ولكن من خلال الانضمام إلى بعثة الاتحاد الإفريقي، أعتقد أنها ستذهب على نطاق أوسع لإحياء التدخل الإثيوبي في الصومال لاسيما في مقديشو، وبداية من عام 2007 حتى يناير/كانون الثاني من عام 2009 والذي لم ينته بشكل جيد".(3)

يرى المراقبون والمتابعون لشأن الصومال أن هناك أسبابًا عديدة دفعت إثيوبيا لأن تنضم إلى قوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال (الأميصوم)، ومن تلك الأسباب: 

  1. وجدت إثيوبيا أنه ليس في وسعها استمرارية دفع مصاريف وتكاليف عسكرية لقواتها المتمركزة في المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود مع الصومال, وبانضمام تلك القوات لـ"أميصوم" يُسمح لها بتمويل وتدريب دولي لقواتها، بالإضافة إلى تسليح حديث لقواتها من قبل برنامج الأمم المتحدة لحفظ السلام، وإن لم يتم تسليح قواتها، يحق لإثيوبيا أن تؤجر معداتها العسكرية للأمم المتحدة بعقود طويلة الأجل؛ وذلك مقابل الأجرة.
  2. أن إثيوبيا تسعى للتأثير في العملية السياسية القادمة بحيث تسعى باسم منظمة الإيغاد لتأسيس مناطق ذات حكم ذاتي من ضمن الدولة الفيدرالية في الصومال، وسوف تشكّل تلك الولايات كتلاً انتخابية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في 2016 بحيث لا يمكن إجراء انتخابات مباشرة يشارك فيها جميع الشعب. 
  3. مطالب احتجاجات ومظاهرات مسلمي إثيوبيا كانت محصورة بعدم تدخل الحكومة باختيار أعضاء الهيئة الإدارية للمجلس الأعلى للمسلمين, ولكن في الآونة الأخيرة اتسعت مطالب المحتجين والمتظاهرين إلى أن وصلت إلى المطالبة بالتكافؤ في المشاركة السياسية، وتقاسم السلطة بينهم وبين المسيحيين, ولم يقنع المسلمون بأن تنحصر حصتهم من الحكم في اثنين من نواب رئيس الوزراء, مع القائد العام للقوات المسلحة، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الوزراء فقط، ولذلك تقلق النخبة الحاكمة في إثيوبيا من إمكانية استغلال حركة المجاهدين في الصومال مظلمة مسلمي إثيوبيا عبر تجنيد الشباب الغاضبين في صفوفها. لذا, تسعى إثيوبيا وبأي ثمن لأن تقضي على حركة الشباب المجاهدين التي لا تعترف بالحدود الجغرافية بين دولتين وتقاتل من أجل إقامة دولة إسلامية في المنطقة. 

إثيوبيا في مواجهة المحاكم

تدخلت إثيوبيا عام 2006 في الصومال وضربت المحاكم الإسلامية التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة في وسط وجنوب الصومال, ولقيت إثيوبيا مقاومة شرسة من الشعب بقيادة القوى الإسلامية والوطنية؛ فالقوى الوطنية وكثير من الشعب أيدوا المحاكم لا لأنهم اقتنعوا بأجندتها ومشروعها الإسلامي، بل لأن المحاكم قد قضت على زعماء الحرب, وأنهت عقدًا من الاقتتال الداخلي, بالإضافة إلى ذلك, فإنها كانت تمثل حلاً محليًا لمشكلة الصومال. مقابل ذلك, كان هناك قلق متزايد في داخل المجتمع الدولي خاصة أميركا التي كانت تقود الحرب على الإرهاب؛ فالصقور في داخل إدارة جورج بوش اقتنعوا بأن الجناح المتطرف للمحاكم الذي يمثّل حركة الشباب المجاهدين مسيطر على المحاكم، وأن قيادات الشباب مرتبطة بالقاعدة, وعندهم أجندة عالمية تتعدى حدود الصومال، والذي من شأنه أن يهدد مصالح أميركا وحلفائها, ويشكّل خطرًا على الأمن واستقرار المنطقة؛ ولذلك يجب القضاء على المحاكم.

إثيوبيا التي لا ترغب في أن ترى جارتها تحت حكم إسلامي مستقل عن تأثيرها رأت أن المحاكم تشكّل خطرًا علي أمنها القومي فسارعت إلى اغتنام الفرصة وزجّت بآلاف من قواتها في الصومال, وفي خلال أسابيع قليلة قضت على المحاكم, ولكنها لقيت مقاومة شرسة من الشعب حتى سحبت قواتها من الصومال بموجب اتفاقية جيبوتي التي وقَّعها كاتب هذا المقال باسم تحالف إعادة تحرير الصومال مع الحكومة الانتقالية الصومالية.

في مواجهة مع الشباب

يأتي التدخل الإثيوبي هذ? المرة بدعم الاتحاد الإفريقي, وبمباركة الحكومة الصومالية التي أبرمت اتفاقية أمنية مع إثيوبيا, ورحّب الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود على قرار الاتحاد الإفريقي بضم الإثيوبيين إلى بعثة حفظ السلام في الصومال, وقال: "إنها ستضيف الطاقة وتعزز الجهود لهزيمة حركة الشباب، التي هدفها المعلن الإطاحة بالحكومة وإقامة دولة إسلامية في مكانها".(4)

سعى الاتحاد الإفريقي جاهدًا لإقناع القوى الدولية -التي كانت تقف أمام انضمام إثيوبيا إلى قوات حفظ السلام الإفريقية- بالسماح لإثيوبيا بأن تنضم للأميصوم. وكذلك يتزامن التدخل الإثيوبي مع عدم تأييد غالبية الشعب الصومالي لحركة الشباب المجاهدين التي تستهدف هذه المرة الاجتياح الإفريقي والإثيوبي معًا, بل إن كثيرًا من الجمهور  الصومالي يعتبر الحركة أسوأ من أي شيء آخر, بحيث يفضلون العيش تحت أي نظام غير حكم حركة الشباب.

كراهية غالبية الشعب الصومالي لحركة الشباب، وترحيب الحكومة الصومالية بانضمام إثيوبيا لأميصوم، وغياب قوة إقليمية منافسة لها مصالح جيوستراتيجية في المنطقة، يجعل موقف أية قوة تحاول أن تقف أمام التدخل الإثيوبي صعبًا، ويضعها في موقع التهمة بأنها ترضى حكم الشباب أو تؤيدها. ولكن سيتم الحكم على جدوى التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال من خلال تحقيق أهداف سياسية تشمل ليس على سبيل الحصر:

  1. تدمير أو الحد من التهديد الذي تشكّله حركة الشباب في الصومال والمنطقة.
  2. خلق بيئة مواتية لإنشاء ولايات ذات حكم ذاتي ضمن الفيدرالية الصومالية.
  3. دعم أفراد بعينهم للوصول إلى رئاسة الولايات المحلية ليصبحوا شركاء سياسيين لإثيوبيا، وقيادات موازية لزعماء الحكومة الفيدرالية؛ مما يمهد لوضع خارطة طريق تمكّن من تحديد أعضاء البرلمان الاتحادي المقبل عبر تعيينه من الولايات على عكس الطريقة السابقة التي كان يتم تعيينه من قبل زعماء العشائر.

وقياسًا على هذه المعايير والأهداف للتدخل العسكري الإثيوبي فإنه لا يكون ناجحًا في حال استطاعت:

  1. حركة الشباب الحفاظ على قاعدتها الشعبية وازداد التطرف في وسط سكان المناطق التي تسيطر عليها إثيوبيا، نتيجة للتدخل الإثيوبي.
  2. إذا جذب الشباب دعمًا إضافيًا من المتطرفين الدوليين الذين خسروا معاركهم في سوريا والعراق وأفغانستان واليمن. 
  3. إذا صارت مصداقية أو شرعية طريقة تأسيس الولايات المحلية الأعضاء في الحكومة الفيدرالية على محك بسبب التأثير الإثيوبي.

تحديات أخرى

أصبحت إثيوبيا قوة إقليمية لا منافس لها وتلعب دورًا قياديًا في كثير من قضاياه الشائكة في المنطقة؛ فهي تتوسط النزاع الدائر في جمهورية جنوب السودان، وتسعى للقضاء على حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وتطمح بتغيير النظام الحاكم في أريتريا، وفي نفس الوقت تحسم صراعها مع مصر في قضية سد النهضة.

يرى كثير من المراقبين أن إثيوبيا تثقل كاهلها بأعباء ثقيلة وتحمّل نفسها ما يفوق قدراتها وإمكانياتها الذاتية؛ مما يشكّل تحديًا كبيرًا لتحقيق أهدافها في الصومال. بل إن تدخلها العسكري يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الخطر الذي يهدد كلاً من الصومال والمنطقة إلا إذا كان قصير الزمن ومحدودًا نطاقه على الأمن فحسب, وله أهداف يمكن تحقيقها, ويتوقف عند تحقيق أهدافه السياسية مع تخطيط مبكر لمرحلة ما بعد التدخل.

بالنظر إلى أن الحكومة الصومالية وقواتها العسكرية ليست قادرة تمامًا على الحفاظ على سيادتها والسيطرة على أراضيها؛ فإن مواصلة الدعم العسكري وبناء قدرات الجيش الصومالي تظل حاسمة في جوهرها؛ فالمشكلة التي تواجه الصومال من أجل الانتقال إلى السلام والاستقرار هي أن تلك الجهات التي دعمت الحكومة الصومالية عسكريًا حتى الآن تسعى إلى "مردود" من استثماراتهم السياسية والعسكرية. ومن الواضح أن هذا يضع السلطات الصومالية في مأزق, على الرغم من أهمية تلقي الدعم الإقليمي للحكومة الصومالية من أجل التعامل مع حركة الشباب المسلحة، لكن يجب أن لا يكون على حساب ممارسة سيادتها الكاملة على أراضيها, دون تدخل من الجهات الخارجية التي لها أجندات سياسية خاصة بها للقضايا التي تخص هيكلة الإدارات وطبيعة إنشاء الولايات, وهذا يمكن أن يؤدي أيضًا إلى مزيد من التوتر على المدى الطويل في المنطقة.

في نهاية المطاف, فإن تورط القوات الأجنبية من قبل بعثة الاتحاد الإفريقي، وكينيا، وإثيوبيا إلى جانب مراقبة طائرات بدون طيار التي تقدمها الولايات المتحدة ربما يمكن أن تسمح للحكومة الصومالية الفيدرالية بالبقاء في السيطرة على مقديشو والمدن الكبرى، بل ويمكن لهذا الجهد المشترك أيضًا طرد حركة الشباب من الأراضي التي تسيطر عليها، ولكن هذا ليس حلاً على المدى الطويل.

الدرس المستفاد هو أن الحرب غير المتكافئة تتطلب استراتيجيات مصممة والرغبة في الحفاظ على الدبلوماسية وأبواب المصالحة مفتوحة. الحكومة الصومالية بحاجة إلى تكريس طاقتها للتفاوض مع الأفراد المعتدلين من حركة الشباب والتصالح معهم, على الرغم من أنه من المستحيل أن يجبر طرف ما حركة الشباب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن هناك عناصر من حركة الشباب التي يمكن إدراجها في العملية السياسية والمصالحة الوطنية, وخاصة إذا تم تقسيم المجموعة الى فصائل مختلفة.
__________________________________
عبد الرحمن عبد الشكور -  باحث في شؤون القرن الإفريقي، ووزير التخطيط والتعاون الدولي الصومالي الأسبق.

الإحالات
1http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/1106710.st 8 January 2003
2http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/3061449.stm 12 July 2003
3http://www.voanews.com/content/somalia-analysis-shinn-22jan14/1835392.html VOA news January 22-20
4- الجزيرة الإنجليزية 03/02/2014 
http://www.aljazeera.com/indepth/features/2014/02/201422122028512719.html

نبذة عن الكاتب