نتائج الانتخابات الهندية: الدلالات الاستراتيجية

تبحث هذه الورقة النتائج التي سيتركها فوز حزب الشعب الهندي الهندوسي بأغلبية مقاعد البرلمان في الهند؛ إذ إن حصوله على 282 مقعدًا في انتخابات 2014، يعني تشكيله الحكومة الهندية بمفرده للمرة الأولى؛ مما يعزز من احتمال إعادة تشكيل التوجهات السياسية للدولة.
201452011100938580_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
يأتي فوز حزب الشعب الهندي الهندوسي بأغلبية مقاعد البرلمان في الهند حدثًا ذا تأثير استراتيجي على المستويين: الداخلي والخارجي؛ فحصوله على 282 مقعدًا في هذه الانتخابات، يعني تشكيله الحكومة الهندية بمفرده للمرة الأولى، واحتمال إعادة تشكيل التوجهات السياسية للدولة بما يتوافق مع منطلقاته. إن الثقة التي أولاها الشعب لهذا الحزب، ستضعه أمام طريقين: التطرف أو التضامن. أما حزب المؤتمر الهندي، فقد تعرّض لهزيمة غير مسبوقة حيث حصل على 44 مقعدًا فقط؛ ما ينذر بفقدانه هيبته التاريخية ونهجه السياسي التوافقي. وكان التصويت في هذه الانتخابات بالدرجة الأولى لمصلحة التغيير الاقتصادي، أما على الصعيد الخارجي، فقد أصبح هناك احتمال لتغير نهج السياسة الخارجية بإعطاء أولوية للمصالح الذاتية على حساب نهج عدم الانحياز، للاستفادة من فرص التعاون التي تتيحها محاولات استقطاب الهند من قبل الولايات المتحدة وروسيا. وتعد إسرائيل من الرابحين خارجيًا؛ إذ تربطها علاقات شخصية واقتصادية مع مودي أثناء توليه حكومة غوجارات 2001-2014، كما تربطها علاقات مميزة بحزب الشعب وبخاصة أثناء توليه السلطة 1998-2004.

يعد فوز حزب قومي هندوسي بأغلبية مقاعد البرلمان في الهند حدثًا ذا تأثير استراتيجي على المستويين: الوطني والخارجي؛ فحصول حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا بارتي) على 282 مقعدًا في الانتخابات العامة لعام 2014، يعني تشكيله الحكومة الهندية بمفرده للمرة الأولى؛ ما يعني إمكانية تطبيق طموحاته التي ينطوي بعضها على إشكالات دينية وقومية، وكذلك احتمال إعادة تشكيل الرؤى السياسية للدولة الهندية بما يتوافق مع منطلقاته. وكما تبين الدراسة، فإن الثقة التي أولاها الشعب لهذا الحزب، سوف تضعه على المستوى الوطني أمام طريقين إما التطرف أو التضامن. أما حزب المؤتمر الهندي، وهو الحزب التاريخي الأكبر في البلاد، فقد تعرّض لهزيمة غير مسبوقة حيث حصل على 44 مقعدًا فقط؛ ما ينذر بفقدانه هيبته التاريخية المستمدة من دوره الوطني وإرثه التحرري، ومن ثم نهجه السياسي التوافقي الذي ساد لأكثر من ستين سنة، ما يتطلب إعادة هيكلته بصورة شاملة لتدارك الأخطاء المتراكمة. كما تبين الدراسة أيضًا أن التصويت في هذه الانتخابات كان بالدرجة الأولى لمصلحة التغيير الاقتصادي، من دون أن يعني ذلك استبعاد تأثير العامل الديني الهندوسي، وتأثير شخصية زعيم حزب الشعب ناريندرا مودي. أما على الصعيد الخارجي، ففي ظل احتمال عودة الاستقطاب الدولي والتنافس الغربي-الروسي بعد أزمة أوكرانيا، فقد أصبح هناك احتمال لتغير نهج السياسة الخارجية الهندية بإعطاء أولوية للمصالح الذاتية والبراغماتية على حساب نهج عدم الانحياز، وذلك للاستفادة من فرص التعاون العسكري والاقتصادي والتقني التي تتيحها محاولات استقطابها. ويتوافق هذا الوضع مع أحد أهم أهداف حزب الشعب الذي يرغب في إعادة توجيه أهداف السياسة الخارجية ومحتواها وعملياتها. ولعل إسرائيل تعد أحد أهم الرابحين خارجيًا من هذه النتائج؛ إذ تربطها علاقات شخصية وروابط اقتصادية وصناعية قوية مع مودي منذ توليه رئاسة حكومة ولاية غوجارات منذ عام 2001، كما تربطها علاقات مميزة بحزب الشعب وبخاصة أثناء توليه السلطة في الفترة 1998-2004، والأرجح أن تلك الروابط ستتعمق قريبًا.

نتائج الانتخابات: ملاحظات ودلالات

على المستوى الوطني، تنطوي نتائج الانتخابات العامة في الهند لعام 2014 على دلالات كثيرة تعبّر عن تغيرات جوهرية في المجتمع الهندي وتوجهاته السياسية والأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن حصر أهم الملاحظات وتحليل دلالاتها في الآتي:

أولًا: أرقام قياسية وتفرد حزب ديني بالأغلبية: حققت نتائج انتخابات عام 2014 أرقامًا قياسية عديدة(1)؛ فقد كانت نسبة المشاركة الأعلى في تاريخ الجمهورية حيث وصلت إلى 66.38 بالمائة، فيما بلغت أعلى نسبة سابقًا 64 بالمائة في عام 1984. ولا يقل أهمية عن ذلك عدد المصوتين؛ حيث بلغ 563 مليون مقترع من أصل 815 مليون ناخب يحق لهم التصويت، وهو العدد الأكبر في التاريخ قاطبة. كما انطوت الانتخابات على أكبر عدد مقاعد يحصدها حزب واحد منذ ثلاثين عامًا؛ حيث فاز حزب الشعب بـ 282 مقعدًا بمفرده، وهي أكثر من ضعف مقاعده في البرلمان السابق والبالغة 117 مقعدًا. كما أن هزيمة حزب المؤتمر كانت قياسية أيضًا؛ إذ للمرة الأولى يحصل على عدد متدن جدًا من المقاعد بلغ 44 مقعدًا فقط، أي أقل من ربع مقاعده في البرلمان السابق البالغة 206 مقاعد. ويعني هذا الفوز الكبير إعطاء الشعب الهندي ثقة كاملة لحزب الشعب إيمانًا بالشعارات والبرامج الاقتصادية التي نادى بها، كما يعني أن الحزب لن يدخل في مساومات مع أحزاب أخرى تجبره على التخلي عن أي بند من برنامجه، بل سيعمل بحرية كاملة وفق قناعاته.

وبقدر ما يعد هذا النصر ثقة في برنامج الحزب، فإنه قد يثير أيضًا مخاوف من أن يتفرد الحزب بممارسات سياسية ودينية لم يتح له من قبل تطبيقها، بوصفه كان شريكًا في تحالفات أو ائتلافات، أو أنه لم يحظ بهذا القدر من التمثيل والتفويض. ومن هنا، فإنه اليوم أمام طريقين مصيريين على المستوى الوطني: فإما أن يسلك طريقًا أكثر تطرفًا استغلالًا لهذه الثقة والتفويض، فيعمل على تطبيق البنود المثيرة للجدل في برنامجه الانتخابي(2)، والمتعلقة بالبعد الديني الهندوسي على حساب المسلمين، مثل: تشريع قانون عبر البرلمان يضفي الشرعية القانونية على بناء معبد رام محل مسجد بابري في أيوديا، وتكريس اعتبار الهند "الوطن الطبيعي" للهندوس "المضطهدين" الباحثين عن ملجأ؛ فيثير مشكلات دينية قد تعصف بالاستقرار المتحقق حاليًا وببرامجه أيضًا. أما الطريق الآخر، فقد يثبت مودي أنه رجل دولة قبل كل شيء، وأن حزبه الهندوسي المتشدد قد أضحى حزبًا وطنيًا يهتم بجميع المواطنين الهنود بغض النظر عن عرقهم ودينهم وطبقتهم -بحسب برنامجه الانتخابي-، وأن الأيديولوجيات المتطرفة التي تسعها الأحزاب لا تسعها الدول. إن هذا الطريق الأخير، من شأنه تمكين الحزب من زيادة التضامن على أساس المواطنة، كما يتيح له تطبيق البرنامج الاقتصادي الواعد الذي ينتظره الناس والذي يتطلب استقرارًا سياسيًا بدرجة كبيرة كي يقتنع المستثمرون داخليًا وخارجيًا بأن ثمة مناخًا مناسبًا لاستثماراتهم ومشروعاتهم.

ثانيًا: الهزيمة التاريخية للمؤتمر، ومستقبل آل غاندي: ينطوي اعتراف حزب المؤتمر بكون الهزيمة تعني الحزب "جماعيًا" وليس شخص راهول غاندي، وأن المؤتمر سيعمل بشكل بنّاء في الفترة القادمة(3)، على محاولة استيعاب الهزيمة الساحقة، وإبعاد المسؤولية عن أسرة غاندي؛ لأن مصلحة الحزب تقتضي الحفاظ على سمعة الأسرة بوصفها الرصيد الأساسي للحزب وتاريخه ودوره الوطني الذي يستند إليه منذ الاستقلال، ثم الحفاظ على سمعة راهول غاندي وريث العائلة والحزب. ولئن كانت ظروف هذه الانتخابات غير مواتية بالنسبة إلى راهول بسبب وجود حزبه في السلطة منذ عشر سنوات، وبسبب التباطؤ الاقتصادي وتهم الفساد التي تلاحق بعض مسؤوليه، فإن الحزب يعوّل على أن تمثيله للمعارضة في السنوات الخمس القادمة سوف يتيح لراهول مجالًا أكبر لامتهان السياسة وهو على رأس الحزب وليس في خلفية المشهد السياسي. وليس من المستبعد أن تدخل شقيقة راهول "بريناكا" خلال الفترة القادمة في معترك السياسة ليشكّلا ثنائيًا قويًا يواجه صعود الأحزاب القومية المتشددة، فقد شاركت بكثافة في الحملة الانتخابية للحزب، ما يعني أن إعادة الهيكلة في الحزب لن تستبعد دور أسرة غاندي -الذي يتمناه خصومه- بل ربما ستعززه.

ثالثًا: تصويت للتغيير الاقتصادي: روّج حزب الشعب الهندي طوال الحملة الانتخابية بكثافة لمعادلة اقتصادية ترتكز على أن معدل النمو بلغ 7 بالمائة في ولاية غوجارات التي ترأّسها زعيمه ناريندرا مودي في الفترة 2001-2014، في حين انخفض المعدل على مستوى الهند في ظل حكم حزب المؤتمر إلى نحو 4 بالمائة، وظل يكرر شعار: "إذا كان ممكنًا تحقيق النمو والازدهار في غوجارات، فبالإمكان تحقيقهما في الهند"(4). ويعني ذلك، إعطاء أمل للناخبين بأن الازدهار الكبير الذي حققته غوجارات باستقدام الاستثمارات وتزايد المشروعات التجارية والصناعية وتوفير فرص العمل، هو ما سيُطبّق في الهند إن وصل مودي للحكم. وفي ظل ضعف نسب النمو وتزايد الفقر وانتشار الفساد الإداري والمالي وعدم توفير فرص عمل كافية، يبدو أن العامل الأكثر تأثيرًا في توجهات الناخبين كان إحداث التغيير الاقتصادي.

وما يلفت الانتباه أن بعض المسلمين الذين يقلقهم أيضًا الوضع الاقتصادي صوتوا لحزب الشعب رغم تاريخه العدائي تجاه المسلمين؛ إذ يقول م. ج. أكبر، وهو مسلم ورئيس تحرير صحيفة رفيعة المستوى والسكرتير الصحفي السابق لراجيف غاندي: "إن الحاجة الأكثر إلحاحًا الآن هي إيجاد قيادة اقتصادية، والسيد مودي هو الرجل الذي يستطيع تأدية المهمة. إن الهند تحتاج لخلق 20 مليون فرصة عمل جديدة سنويًا لتوظيف سكانها المتزايدين من الشباب؛ وهو ما يعني أن اقتصادها يجب أن ينمو بمعدل لا يقل عن 9 بالمائة"(5).

رابعًا: "ظرفية" حزب الرجل العادي: كان للنجاح الساحق والمفاجئ الذي حققه هذا الحزب في انتخابات ولاية دلهي نهاية عام 2013 أثر كبير في توقعات أغلب المحللين بأن يحقق مفاجأة أيضًا في الانتخابات الحالية. لكن هذه الانتخابات أعادت هذا الحزب إلى حجمه الطبيعي بوصفه حزبًا ناشئًا ليس لديه رصيد فعلي إلا "محاولته" مكافحة الفساد، بعكس الأحزاب الكبرى التي ترتكز على أيديولوجيات سياسية ودينية وبرامج اقتصادية واجتماعية. لذلك لم يستطع الحصول إلا على 4 مقاعد وبنسبة 2 بالمائة من أصوات الناخبين، في حين حصل في انتخابات دلهي السنة الفائتة على نحو 30 بالمائة؛ ما يعني أن فوزه السابق كان ظرفيًا، أي: في فترة استشرت فيها قضايا الفساد التي يركز الحزب على مكافحتها. ومع ذلك، تعد هذه نسبة مقبولة لحزب يشارك للمرة الأولى في الانتخابات العامة، فكثير من الأحزاب لم يحصل إلا على مقعد واحد أو اثنين.

خامسًا: تفتت أصوات المسلمين: على العكس من الأحزاب الهندوسية والقومية، يُعرف أغلب المسلمين الهنود بعدم انتظامهم في أحزاب ذات صبغة دينية. وعلى الرغم من وجود حزبين مسلمين يسعيان إلى اجتذاب أصوات المسلمين كي يكونوا قوة مؤثرة، فإنهما لم ينجحا في ذلك؛ إذ حصلت "رابطة اتحاد مسلمي الهند" على مقعدين اثنين، وحصل "مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند" على مقعد واحد فقط. ويعود تفتت أصوات المسلمين في الهند إلى أسباب عديدة، منها: عدم وجود حزب قوي ذي إمكانات سياسية وتنظيمية ولوجستية كافية -كحال الأحزاب الهندوسية- يمكنه تمثيلهم وتبني قضاياهم على المستوى الوطني، وتفضيل الكثير منهم دعم حزب وطني كبير وقوي مثل حزب المؤتمر اعتقادًا منهم أنه الأكثر قدرة على التصدي للأحزاب الهندوسية المتطرفة، وتفتت أصواتهم بين الأحزاب الإقليمية التي تهتم بمشكلاتهم المحلية على مستوى الولاية، وبين الأحزاب العلمانية الأخرى، فضلًا عن تصويت بعضهم لحزب الشعب الهندوسي نفسه، كما أسلفنا، أملًا في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

صعود حزب الشعب وشخصية "مودي"

لم يصل حزب الشعب الهندي إلى السلطة بمفرده عام 2014 بصورة مفاجئة، بل إنّ له امتدادات دينية هندوسية شبه عسكرية منذ عام 1925، وامتدادًا سياسيًا منذ عام 1951. لكن صعوده السياسي القوي والمؤثر يعود فقط للتسعينات من القرن العشرين.

تعود أصول حزب الشعب الهندي إلى منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" Rashtriya Swayamsevak Sangh, RSS، وهي جماعة قومية هندوسية شبه عسكرية من المتطوعين اليمينيين، تأسست عام 1925 كمجموعة أنشأت مدارس وجمعيات وأندية لنشر معتقداتها الأيديولوجية، ولتدريب الهندوس من أجل توحيدهم لمواجهة الاستعمار البريطاني في الهند والمسلمين في آن معًا. لكنّ الكثيرين ينتقدونها بسبب تطرفها لأن نشاطها تركز في العنف ضد المسلمين. وقد شكّلت الجناح العسكري "باجرانغ دال" ومنظمات متطرفة أخرى شاركت في مجموعة واسعة من أعمال الشغب والتحريض على العنف ضد المسيحيين والمسلمين. وقد تم حظرها من قبل الحكم البريطاني، وبعد ذلك ثلاث مرات من قبل الحكومة الهندية بعد الاستقلال، إحداها عام 1948 عندما اغتال ناثورام جودز، وهو عضو سابق فيها، المهاتما غاندي(6). أما سياسيًا، فتمتد جذور الحزب إلى حزب بهاراتيا جانا سانغ الذي تأسس في عام 1951، ثم اندمج مع حزب جاناتا بارتي عام 1977 كي يستطيعا هزيمة حزب المؤتمر. ولكن في الثمانينات، حل محل هذين الحزبين حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا بارتي)، الذي فاز بمقعدين فقط في انتخابات عام 1984. ولكن تصاعدت شعبية الحزب بشكل كبير بين الهندوس إثر المسيرة الهندوسية التي نظمها لهدم مسجد بابري عام 1992 والذي أثار أعمال عنف واسعة. واشترك الحزب في حكومتين ائتلافيتين في التسعينات، لكنه استطاع الوصول إلى السلطة المركزية مع أحزب "التحالف القومي الديمقراطي" عام 1998 بزعامة أتال بهاري فاجبايي، واستمرت حكومته حتى عام 2004، كما وصل إلى السلطة في ولاية غوجارات منذ عام 1995 وحتى الآن.

أما ناريندرا مودي نفسه الذي وُلد في عام 1950 في بلدة صغيرة شمال ولاية غوجارات، فهو ابن لبائع شاي، ونشأ فقيرًا، لكنه تخرج في العلوم السياسية وبدأ العمل العام مع المنظمة الهندوسية آنفة الذكر "راشتريا سوايامسيفاك سانغ". ودخل الحياة السياسية عام 1987 من خلال الانضمام إلى حزب الشعب الهندي؛ حيث وصل إلى مستوى الأمين العام للحزب في ولاية غوجارات. وبين عامي 1988 و1995 أوكلت لمودي مسؤولية تنظيم حدثين حاسمين، وهما مسيرتان هندوسيتان إحداهما إلى أيوديا نحو مسجد بابري، والثانية من كانياكوماري (الجزء الجنوبي من الهند) إلى كشمير في الشمال. وفي عام 1995، تم تعيينه الأمين القومي للحزب ومسؤولًا عن خمس ولايات رئيسية. وفي عام 1998، أصبح الأمين العام للحزب، وهو المنصب الذي شغله حتى أكتوبر/تشرين الأول 2001، عندما تم اختياره ليكون رئيس وزراء ولاية غوجارات. ويباهي مودي بإنجازاته في غوجارات في مجموعة متنوعة من القطاعات، مثل: الحكومة الإلكترونية، والاستثمارات، والقضاء على الفقر، والطاقة، والمناطق الاقتصادية الخاصة، وتطوير الطرق، والانضباط المالي(7). ومع ذلك، غالبًا ما تلاحقه تهمة الإهمال والتقاعس عن وقف أعمال العنف الطائفي في غوجارات والتي أدت إلى مقتل أكثر من ألف مسلم عام 2002.

الانعكاسات الإقليمية والدولية

يرى حزب الشعب الهندي أن الهند يجب أن تحتل مكانتها الصحيحة بين الأمم على الساحة الدولية، ويتطلب منها ذلك إعادة توجيه أهداف السياسة الخارجية ومحتواها وعملياتها. ويسعى الحزب لاعتماد دبلوماسية فعالة proactive policy، وترويج ما يسمى "ماركة الهند" الخاصة brand India، التي يفترض أن تقوي الهند من خلال خمسة عناصر: التقاليد، والمواهب، والسياحة، والتجارة، والتكنولوجيا(8). وبهذا، ترتكز رؤية حزب الشعب خارجيًا على محورية الهند وفاعليتها السياسية، ولكن الأولوية تبدو للعلاقات التجارية والاقتصادية التي يمكن من خلالها تطبيق البرنامج الاقتصادي الطموح الذي ينتظره الشعب.

وبما أنها تحتل مكانة مهمة لدى أغلبية الأطراف الدولية المؤثرة؛ مثل: روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يبدو أن الهند تسعى من خلال هذه العلاقات لتعزيز قوتها الدولية اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا لموازنة التحدي الإقليمي المتمثل بالصين وباكستان؛ إذ لا ترغب الهند في رؤية الصين أكثر قوة ومكانة بعد تعاظم قدراتها العسكرية والاقتصادية، خاصة في منطقة نفوذها في جنوب آسيا والمحيط الهندي، فيما تعتبر باكستان مصدرًا للتهديدات "الإرهابية" في الهند، وتهديدًا إقليميًا تقليديًا.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإنها تواجه -على الصعيد النظري- موقفًا حرجًا في ما يتعلق بالتعامل مع شخصية رئيس الوزراء الهندي الجديد ناريندرا مودي؛ فقد رفضت منحه تأشيرة دخول إليها في عام 2005 بسبب احتمال تورطه في أحداث العنف الديني لعام 2002 في ولاية غوجارات. أما عمليًا، وبما أنه أضحى على رأس السلطة في دولة كبيرة مثل الهند، فقد رحبت به وبدأت تغيير سياستها تجاهه؛ إذ هنأ الرئيس باراك أوباما مودي عبر اتصال هاتفي، ودعاه إلى زيارة واشنطن و"اتفق الطرفان على تعزيز العلاقات الثنائية". وأشار إلى أنه "يتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع مودي لدفع الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية والواعدة بين الولايات المتحدة والهند"، و"اتفقا على مواصلة توسيع وتعميق التعاون على نطاق واسع"(9). وبهذا تعطي الولايات المتحدة قوة دفع لعلاقاتها بالهند التي تعززت منذ التسعينات عبر شراكة استراتيجية شملت العلاقات الاقتصادية حيث وصل حجم التجارة السنوية بينهما إلى 100 مليار دولار(10)، والتمرينات العسكرية المشتركة، والاتفاقية النووية النوعية لعام 2006 التي تتيح قبول الهند كقوة نووية وتسمح بتبادل تجاري نووي كان محظورًا في السابق بموجب معاهدة منع الانتشار النووي.

أما الاتحاد الأوروبي، فإن علاقاته مع الهند ترتكز على التجارة والاستثمار؛ حيث تعد الشركات الأوروبية من بين أكبر المستثمرين في الهند بإجمالي استثمارات وصل إلى 198 مليار دولار خلال الفترة 2004-2013(11)، ولكن مع التحديات التي فرضتها الأزمة الأوكرانية على أوروبا، فمن المتوقع أن يعزز الاتحاد الأوروبي -كما سيأتي- جهود الولايات المتحدة الساعية إلى تطوير العلاقات كافة بالهند.

أما روسيا، الشريك الاستراتيجي التقليدي للهند، فقد عبّرت عن "تطلعها للعمل مع الحكومة الجديدة للحفاظ على العلاقات السليمة وتوطيد مسار الشراكة الاستراتيجية المتميزة بين بلدينا"(12). وبما أن روسيا تعد مصدر أغلب الواردات الهندية من الأسلحة والمعدات العسكرية، وأن الهند التزمت بعدم انتقاد روسيا بشأن السيطرة على شبه جزيرة القرم، فإنها تعد الآن -أي: روسيا- أكثر الدول قلقًا من احتمال تنامي علاقات الهند الاستراتيجية بالولايات المتحدة، وبخاصة في ظل وجود جماعة ضغط هندية جيدة التمويل وتتزايد قوتها بين أعضاء الكونجرس الأميركي، ووجود مصلحة هندية في جذب الاستثمارات الغربية، وتنويع مصادر السلاح والتقنية العسكرية والنووية.

وفي ضوء تردي العلاقات الروسية-الأميركية إثر أزمة أوكرانيا؛ فقد بدأت عودة ما يشبه الاستقطاب الدولي؛ إذ يحرص كل من الولايات المتحدة وروسيا على الظفر بعلاقات قوية مع حلفاء أقوياء على المستويين: الإقليمي والدولي، وتقف الهند على رأس أولئك الحلفاء. إن سياسة الهند التقليدية في عهد حزب المؤتمر آثرت دومًا عدم الانحياز إلى أي من القوى الكبرى المتنافسة، ولكن الهند تشهد اليوم تغيرًا جوهريًا يتمثل بحكم حزب الشعب الهندي منفردًا، والذي يرغب في إعادة توجيه السياسة الخارجية. ولذلك، تدرك القوى الدولية أهمية هذا التغيير، وتسعى -في خضم التنافس الجديد- لاستمالة القيادة الجديدة في الهند؛ فذلك يعني احتمال تمتع الهند قريبًا بفرص منحها أفضليات اقتصادية وتجارية وتقنية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وشراكات استراتيجية متطورة قد تشمل اتفاقيات تطوير دفاعي وعسكري ونووي، وحتى في مجال الفضاء. ولئن كانت المبادئ الاشتراكية وتأييد حركات التحرر قد سيطرت على عقيدة الهند الاستراتيجية طوال الحرب الباردة مما أبعدها عن انتهاز فرصة التنافس الدولي لتحقيق مصالحها الذاتية بالدرجة الأولى، فإنها تعد اليوم أكثر براغماتية واستعدادًا لإعطاء مصالحها أولوية قصوى بغض النظر عن القضايا المبدئية التي اشتهرت بتأييدها.

على الصعيد العربي، فإنه على الرغم من أن الهند أضحت دولة كبرى لا يمكن تجاهل ثقلها، وبخاصة بالنسبة إلى دول الخليج العربية؛ حيث التبادل التجاري الكبير وكثرة اليد العاملة ورؤوس الأموال الهندية، فإن العلاقات العربية-الهندية قد تشهد مزيدًا من التراجع على المستوى السياسي مع تولي حزب الشعب الهندوسي السلطة منفردًا. ولا يمكن أن يُعزَى تراجع دور الهند وعدم وقوفها مع القضايا العربية والقضية الفلسطينية تحديدًا إلى التغيرات الحاصلة في الهند فحسب، بل إلى الحالة العربية العامة الضعيفة، والتي بالكاد تهتم ببعض المصالح والقضايا الداخلية. 

ولكن على العكس من ذلك تمامًا، سوف يسهم فوز حزب الشعب الهندي بتطور كبير في العلاقات الإسرائيلية-الهندية، نظرًا للعلاقات المتينة التي تجمع ناريندرا مودي شخصيًا بالإسرائيليين، وكذلك علاقاتهم المميزة مع حزب الشعب الهندي وبخاصة أثناء توليه السلطة في الفترة 1998-2004؛ فعلاقات مودي الشخصية تمتد إلى ثلاث عشرة سنة، أي منذ توليه رئاسة حكومة غوجارات؛ حيث أسس روابط سياسية وتجارية مع إسرائيل وشجعها على الاستثمار بمليارات الدولارات، كما زار إسرائيل، فيما زار المسؤولون الإسرائيليون هذه الولاية مرارًا، وقاموا بإبرام اتفاقيات تعاون شملت البحوث الصناعية والتطوير، والطاقة الشمسية والحرارية، والمستحضرات الصيدلانية، والبنية التحتية، وإعادة تدوير المياه وتحليتها. وعلى الرغم من أن حزب المؤتمر هو الذي أقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1992، فإن هذه العلاقات ازدهرت أثناء الحكومة التي قادها حزب الشعب، والتي لم تكن مجرد شراكة أمنية، كما قيل، ولكنها أيضًا علاقة قامت على أسس دينية وأيديولوجية قوية(13). وإذا كانت اتفاقيات التعاون والشراكة قد تركزت خلال الفترة الماضية في ولاية غوجارات، فإنه في ظل حكم مودي للبلاد، يتوقع أن تمتد تلك الاتفاقيات لتشمل الهند عامة؛ ما يفتح آفاقًا استراتيجية اقتصادية وسياسية لإسرائيل في الهند، فيما يتيح للهند الاستفادة من التقنية الإسرائيلية العسكرية والمدنية المتطورة ونقلها. وبهذا، ربما تضيف إسرائيل حليفًا استراتيجيًا دوليًا كبيرًا إلى مجموع حلفائها الدوليين.
__________________________________
عماد قدورة - باحث في العلوم السياسية

الهوامش والمصادر
1- إن الأرقام المتعلقة بالانتخابات ونتائجها في هذه الدراسة مأخوذة جميعها من "الهيئة الانتخابية في الهند"، انظر:
Elections Commission of India, “General Election to Lok Sabha Trends & Result 2014,” at: http://eciresults.nic.in
2-BJP Election Manifesto 2014, p. 40, at: http://bjpelectionmanifesto.com/pdf/manifesto2014.pdf 
3-“Election Results 2014: Congress Party Admits Defeat, but Shields Rahul Gandhi from Blame,” NDTV, May 16, 2014, at: http://www.ndtv.com/elections/article/election-2014/election-results-2014-congress-party-admits-defeat-but-shields-rahul-gandhi-from-blame-525308
4- BJP, op. cit., p. 1.
5- Dean Nelson, “India Elections 2104,” The Telegraph, May 14, 2014, at: http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/asia/india/10827638/India-election-2014-Narendra-Modi-is-not-the-ogre-hes-been-made-out-to-be.html
6- Stephen E. Atkins, Encyclopedia of Modern Worldwide Extremists and Extremist Groups (Greenwood Publishing Group, 2004), p. 264.
7- http://www.narendramodi.in/
8- BJP, op. cit., pp. 39-40.
9- “Barack Obama Congratulates Narendra Modi, Invites Him to US,” NDTV, May 17, 2014, at: http://www.ndtv.com/elections/article/election-2014/election-results-2014-barack-obama-congratulates-narendra-modi-invites-him-to-us-525810
10- “India election could bring inflection point for US, China,” Fox News, May 14, 2014, at: http://www.foxnews.com/world/2014/05/12/india-election-could-bring-inflection-point-for-us-china/
-11 "198 مليار دولار استثمارات أوروبية في الهند"، جريدة العرب، 8/5/2014، في:
http://www.alarab.qa/new/details.php?artid=296356
12- “Russia on Modi win: People’s will expressed,” The Hindu, May 17, 2014, at: http://www.thehindu.com/news/international/world/russia-on-modi-win-peoples-will-expressed/article6017517.ece
13-Palash Ghosh, “Narendra Modi, Israel's Best Friend In South Asia,” International Business Times, May 17, 2014, at: http://www.ibtimes.com/india-2014-elections-narendra-modi-israels-best-friend-south-asia-1561837

نبذة عن الكاتب