التهديد الإقليمي لـ"بوكو حرام" واحتمال التدخل الغربي لاحتوائه

يتناول هذا التقرير بالتحليل عملية اختطاف جماعة بوكو حرام لأكثر من مائتي تلميذة بنيجيريا، وما إذا كان الاختطاف قد استُخدم كذريعة من قبل الغرب لدخول البلاد. بعد أن اثارت هذه العملية غضبًا دوليًا موجها لجماعة بوكوحرام لجهة وللحكومة النيجيرية أيضا التي لم تستطع حماية مواطنيها.
201481711272423734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
خلقت الهستيريا الجماعية التي اكتنفت خطف التلميذات زخمًا في المجتمع الدولي وأدت للفت الأنظار إلى الفظاعات التي ترتكبها بوكو حرام. وإلى ارتباطات الجماعة  بغيرها من الجماعات المسلحة، بما في ذلك تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أن الكاميرون والنيجر وتشاد تواجه زيادة عمليات التسلل والتدخل من بوكو حرام، إلا أن الأزمة تظل نيجيرية بحتة. وبالرغم من امتداد التهديدات، تبقى بوكو حرام موجودة في وسط اجتماعي وسياسي بشكل خاص، وليست بحكم التعريف حركة عابرة للحدود الوطنية. الاهتمام الأساسي للحركة هو تركيع الحكومة النيجيرية. ونظرًا لتطلع الولايات المتحدة إلى توسيع موطئ قدمها في القارة، كان لابد لأوباما وشركائه في الحرب على الإرهاب، المملكة المتحدة وفرنسا، التسرع في تقديم المساعدة للجيش النيجيري.

ونيجيريا هي أكبر اقتصاد في إفريقيا وقربها من تشاد ومالي يجعلها ذات أهمية جغرافية وسياسية على حد سواء. وبحكم أنها قوة إقليمية مهيمنة، فإن التأثير عليها قد يوفر نفوذًا على منطقة غرب إفريقيا وعلى المنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).

إن اختطاف بوكو حرام لحوالي 230 تلميذة قد أثار غضبًا دوليًا. وعلى الرغم من أن معظم هذا الغضب موجه إلى الجماعة المسلحة التي روعت نيجيريا لسنوات، إلا أن الحكومة النيجيرية أيضًا لقيت نصيبها من النقد لعدم قدرتها على حماية مواطنيها، وضعف استجابتها للأزمة. بعد أسابيع من وقوع الحادث حتى الآن، لا يوجد أثر للفتيات. وما إن أبدت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا رغبتها في تقديم المساعدة حتى برزت مخاوف من تدخل في نيجيريا يقوده الغرب. يتناول هذا التقرير عملية الاختطاف والتهديد الذي تمثله جماعة بوكو حرام، ثم يحلل ما إذا كان الاختطاف قد استُخدم كذريعة من قبل القوى الغربية لدخول البلاد.

 ما هي جماعة بوكو حرام؟

بوكو حرام هي إحدى الجماعات الإسلامية(1) الأكثر وهمية والمُساء فهمُها على هذا الكوكب. حتى الاسم نفسه لا يخلو من القابلية للخلاف أو الجدل؛ فالاسم الأصلي والكامل للجماعة هو "جماعة أهل السنة للدعوة والقتال". وعلى الرغم من أن أغلب الناس يعتقدون أن "بوكو حرام" تعني "التعليم الغربي حرام"، فإن هذا التعريف ليس إلا واحدًا من الخصائص التي تضفي مزيدًا من الغموض على هوية الجماعة.(2)

بقول محمد ليمان، العالم متخصص في لغة الهوسا، اللغة السائدة في شمال نيجيريا، يقول: إن "بوكو" تعني في الأصل الشيء (فكرة أو كائن) الذي ينطوي على أي شكل من أشكال الخداع والاستطراد. والاسم يدل على "أية قراءة أو كتابة غير ذي صلة بالإسلام".(3)

تشكّلت بوكو حرام في مدينة مايدوغوري في عام 2002،(4) كحركة تغيير اجتماعي. ومن بين ممؤسسيها مجموعة من علماء الدين والقادة المحليين الذين ناهضوا الفساد والبطالة وكانوا يتحدثون عن تغيير حياة الناس العاديين في شمال نيجيريا.(5) وقد ظل شمال نيجيريا في تخلف مفرِط وكان منقطعًا إلى حد كبير عن الحكومة الاتحادية. ومعظم النيجيريين، سواء أكانوا في الشمال أو الجنوب، يعيشون تحت خط الفقر، وبدون ماء ولا كهرباء ولا مرافق أساسية. غير أن المناطق الشمالية يتركز فيها الفقر بشكل خاص.(6)

عرفت بوكو حرام، بعد وفاة زعيمها محمد يوسف في السجن لدى الشرطة في عام 2009،(7) صراعا على السلطة من أجل السيطرة على الجماعة. وتغيرت طبيعة بوكو حرام ابتداءً من عام 2009 ولاسيما عام 2010؛ حيث أصبحت الجماعة وحشية، فتقتل عشوائيًا، وتستهدف كل رموز البنية التحتية لدولة نيجيريا، واستهدفت قواعد الجيش ومراكز الشرطة، ثم في وقت قريب جدًا أصبحت لها أهداف سهلة كالكنائس والمدارس في محاولة لإرهاب وتفكيك جميع أجهزة الدولة.(8) ويجب التأكيد على أن المدنيين العاديين عانوا وطأة هجمات بوكو حرام.

بين عشية وضحاها، تحولت الجماعة إلى شيء مرعب، وتريد تطبيق الشريعة الإسلامية في كل أنحاء نيجيريا (الشريعة موجودة بالفعل في نظام العدالة الجنائية في اثنتي عشرة ولاية شمالية.(9)

أصبح أمر بوكو حرام مربكًا بعد أن انخرط أعضاؤها في الجريمة فقتلوا ومثّلوا بآلاف المدنيين، سواء أكانوا مسيحيين أم مسلمين. ليس معروفًا ما إذا كانت الفصائل داخل الجماعة تسيء إلى سمعة الحركة من خلال تنفيذ الجرائم البشعة، بحكم أن الاتصال بالجماعة أمر نادر ودائمًا ما يكون مقتضب.

في أعقاب التصاعد الكبير في العنف، أعلنت الحكومة النيجيرية حالة الطوارئ في ثلاث ولايات شمالية في مايو/أيار 2013‎، وهي: آدموا، وبورنون ويوبي. ولكن العنف لم يتوقف. بين عامي 2010 و2013، قُتل ما يقارب 3600 شخص في العنف المرتبط ببوكو حرام.(10) وعلى مدى العامين الماضيين هاجمت الجماعة أكثر من ثلاثمائة مدرسة. وخلال الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2014، قُتِل ما يقرب من ألف شخص فتدخل جيش البلاد للقضاء على الجماعة بوحشية.

وباعتبار الجماعة تمردًا مدفوعًا محليًا، لم يمنع العنف الذي وقع ضد السكان المدنيين من انضمام الناس لعضويتها. هذا بالإضافة إلى أن المنطقة الحدودية الجبلية مع الكاميرون، التي يسهل اختراقها، سمحت لبوكو حرام بتنفيذ هجمات في نيجيريا ثم عبور الحدود لقضاء فترة من النقاهة في أمان نسبي.(11)

حتى بعد عملية الخطف الجماعي الذي حدث في إبريل/نيسان عام 2014، وما تبعه من غضب عالمي، لم تنته الهجمات ولا الخطف.

التهديد المحلي مقابل التهديد الدولي

على العموم، ظلت بوكو حرام تهديدًا محليًا. وكانت أعمال العنف أيضًا محصورة إلى حد كبير في شمال شرق نيجيريا، وإن كانت هناك هجمات في أبوجا كما طالت أحيانا ممثلية الأمم المتحدة. ويبقى السؤال الذي لا يزال المطروح هو: لماذا لم تتمكن نيجيريا من احتواء هذه الآفة؟ وبما أنه من المفهوم إلى حد كبير أن التمرد يؤثر في الشمال، فمن المرجح أن يكون الأمر منطويًا على مزيج معقد من السياسة القذرة، وعدم وجود إرادة سياسية وضعف تكتيكات مكافحة التمرد؛ مما سمح لبوكو حرام أن تزدهر.(12)

قد أصبح تمدد الجماعة إلى كل من الكاميرون وتشاد والنيجر أيضًا محور الكثير من المداولات ومصدر قلق لدى جيران نيجيريا. يعتبر كل من النيجر وتشاد بشكل خاص عرضة لأنشطة الجماعة؛ حيث تتقاسم النيجر الحدود مع ثلاث ولايات نيجيرية تعتبر بوكو حرام مؤثرة فيها جدًا. "إن ما يسمى "المساحات غير المحكومة" أصبحت تشكّل تهديدًا خطيرًا لسلامة الأراضي والأمن الشخصي"، وفقًا لمعهد الدراسات الأمنية (ISS).(13)

كان توجيه الاهتمام العالمي نحو بوكو حرام إثر اختطافها التلميذات في إبريل/نيسان 2014 المحفز لإعادة تأطير الجماعة كتهديد إقليمي، وليس مجرد مشكلة نيجيرية خاصة. وبوصفها جماعة على صلة بتنظيم القاعدة،(14) فإن بوكو حرام لا تمثل خطرًا كبيرا على المصالح الوطنية للدول المشاركة في ما يُسمى: الحرب العالمية على الإرهاب. وعليه، يبدو أن أهداف المجموعة تدور حول توسيع قاعدتها في المقام الأول، وتطبيق أقسى تفسير لها للشريعة، والأهم من ذلك زعزعة الاستقرار في نيجيريا، خاصة مع اقتراب الانتخابات في مطلع العام المقبل. لقد أصبحت الجماعة بحكم طبيعة أنشطتها عبر الحدود النيجيرية، أصبحت جماعة إقليمية أيضًا بشكل متزايد.

في عام 2013، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا بوكو حرام جماعة إرهابية،(15) ولكن الأحداث الأخيرة فقط وضغط الرأي العام الشعبي هي التي أجبرت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي، على التعاطي بشكل بنَّاء مع التهديد الذي تشكّله بوكو حرام. في شهر مايو/أيار عام 2014، بعد شهر من اختطاف الفتيات، وبعد عشرة أيام من بلوغ القصة ذروتها أخيرًا على المستوى الدولي، انعقدت قمة خاصة حول بوكو حرام في باريس.

قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند متحدثًا في القمة إن بلاده قد حسمت أمرها ضد إرسال قوات لأن نيجيريا لها موارد كافية للتعامل مع الوضع.(16) أيًا كان الأمر، فقد وافقت نيجيريا بالفعل على وحدة تتكون من فرق أميركية وفرنسية وبريطانية لمساعدة القوات على الأرض؛ لتقديم "الخبرة" والمشورة و"الدعم الفني".

إن قرار حضور قمة في فرنسا حول قضية تعتبر لُغزًا محليًا إلى حد كبير في شمال نيجيريا، زاد الشكوك في أن الحوار بين نيجيريا وجيرانها قد انهار. وُصِفت المحادثات في باريس بأنها محاولة لجلب جميع أصحاب المصلحة حول المائدة، لتسهيل غارات عبر الحدود؛ مما يعد محور الحديث المحرج في العلاقات بين نيجيريا والكاميرون، على وجه الخصوص. إنه في هذه القمة أطلق الرئيس غودلاك جوناثان على بوكو حرام عبارة "القاعدة في غرب إفريقيا".(17)

وعلاوة على ذلك، فإن قرار استضافة هذا الاجتماع في باريس يوحي أيضًا بأن الاتحاد الإفريقي أو المنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس) قد فشلا في معالجة المشكلة. وبما أن تهديد بوكو حرام قد ظهر في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، لم يُطرح الأمر كموضوع خاص في المجلس إلا في مايو/أيار2014.(18)

ووفقًا لسليمان ديرسو Dersso، وهو باحث وأحد معدي تقرير السلام والأمن، لم يأخذ الاتحاد الإفريقي هذا الموضوع على محمل الجد(19) إلا في أواخر مايو/أيار من هذه السنة. وباعتبار الاتحاد هو الهيئة المكلفة أساسًا بالأمن في القارة، فإن قراره الخاص بالتركيز على الجماعة يعد خطوة تهدف إلى ضمان إشراك بلدان المنطقة بشكل كامل في هذا الشأن.

بعد أيام من الاجتماع المنعقد في باريس، في 22 مايو/أيار 2014، أضاف مجلس الأمن الدولي بوكو حرام إلى قائمة التنظيمات الإرهابية.(20) ووفقًا للبيان فإن بوكو حرام احتفظت بعلاقة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب لأغراض التدريب والدعم المادي. أعلنت الامم المتحدة كذلك أن أعضاء من بوكو حرام قاتلوا مع جماعات القاعدة في مالي في عامي 2012 و2013 قبل عودتهم إلى نيجيريا. قيل في عام 2012: إن زعيم بوكو حرام شيخو أفصح عن القرابة مع الأفرع التابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان والصومال والعراق وشمال إفريقيا واليمن.

كثيرًا ما يُردد الارتباط بتنظيم القاعدة ولكن من الصعب إثبات ذلك حتى الآن. وعلى الرغم من أن بوكو حرام نفسها تدّعي الوصل بتنظيم القاعدة، لم يكن هناك أي اعتراف علني بهذا الوصل من تنظيم القاعدة نفسه.(21) أضف إلى ذلك، أن بوكو حرام تشارك في القتل الجماعي للمدنيين، بما في ذلك المدنيون المسلمون، وهذا أيضًا على خلاف مع أساليب تنظيم القاعدة. على الرغم من هذه التناقضات الواضحة، يبدو من غير المحتمل أن تظل بوكو حرام على قيد الحياة دون تدريب وتمويل من الخارج.

ظلت الحكومة النيجيرية تهاجم الجماعة بعناد على مدى السنوات الخمس الماضية، ولكن حادثة الخطف قد ألحقت ضررًا بالغًا بسمعة البلاد، وإدارة الرئيس جوناثان. وعليه، يمكن القول: إن قرار قبول المساعدة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسماح بوصف بوكو حرام على أنها فرع من تنظيم القاعدة، محاولة نيجيرية للتخلي عن مسؤولية استئصال الجماعة، وعلى نطاق أوسع ملكية نيجيريا للأزمة.

ومع اقتراب الانتخابات المقررة في أوائل عام 2015، يتوجب على غودلاك جوناثان إقناع الناخبين بأنه اتخذ القرارات الصحيحة لصالح بلاده.

هذا بالطبع هو الخطاب الذي تسعد به القوى الغربية؛ فقد قال سفير الولايات المتحدة السابق لدى نيجيريا، جون كامبل: إن زعيم بوكو حرام شيخو يجب النظر إليه باعتباره تهديدًا عالميًا.(22) وبالمثل، فإن وزير الخارجية البريطاني السابق، ويليام هيغ، قال لمجلة نيوزويك الأميركية: إنه بقدر ما أن على السلطات النيجيرية معالجة قضية بوكو حرام، "نحن جميعًا لدينا دور نؤديه".(23)

من الاحتمالات المستبعدة دائمًا إمكانية التدخل في عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى مطاردة بوكو حرام، حتى مع وجود ضغط جماهيري كبير. ذلك أولاً وقبل كل شيء، لأن بوكو حرام تشكّل تهديدًا محليًا ولم تشكّل بعدُ تهديدًا يُذكَر للمصالح المادية للاعبين الغربيين المنخرطين في الحرب العالمية على الإرهاب. ثانيَا: مع وجود أفغانستان والعراق في سُلّم أولويات عمليات الولايات المتحدة، في الوقت الذي يواجه فيه البَلَدان حركات تمرد، فإنه يمكن القول بأن فتيات المدارس المخطوفات في ركن قصي من نيجيريا لسن من أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة أو فرنسا. هذا، على الرغم من قول باراك أوباما قولته المسجلة: إن العثور على الفتيات هو أولوية.(24)

غير أن محاولة الحكومة النيجيرية ضم بوكو حرام إلى تنظيم القاعدة، وإيجاد صلات لها قوية بجماعات إرهابية أخرى في القارة قد أتاحت الفرصة لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحتى إسرائيل والصين وكندا، لإرسال فرق متخصصة، وإيجاد موطئ قدم في بلد قاوم في الماضي وجود قوات أجنبية.

إن استجابة باراك أوباما للأزمة النيجيرية يمكن ربطها بقراره إرسال 100 من الخبراء العسكريين إلى أوغندا بعد حملة كوني Kony 2012. وفي عام 2014 قررت الولايات المتحدة، إرسال 150 جنديًا إضافيًا للبحث عن زعيم جيش الرب للمقاومة جوزيف كوني زعيم الحرب.(25) قد يمثل إرسال فريق صغير تحولاً في طبيعة العمليات الأميركية في أجزاء كثيرة من القارة. وهذه الطريقة هي الأسهل، والأقل تعقيدًا، وكذلك "الطريقة الأقل تكلفة لإظهار العزيمة في قضية شعبية".(26) وعلاوة على ذلك، فإنها أقل إبهامًا من محاولة إدارة بوش إنشاء أفريكوم في القارة.

ففي عام 2006، حاولت الولايات المتحدة إنشاء قيادة إفريقية عُرفت باسم أفريكوم؛ ففشلت الإدارة الأميركية في الحصول على بلد إفريقي واحد على استعداد لاستضافة المقر. في ذلك الوقت، كانت نيجيريا من بين حفنة من البلدان الإفريقية، بما فيها جنوب إفريقيا، التي أعربت عن قلقها إزاء إنشاء أفريكوم. ثم كان القلق أن الدولة المضيفة لأفريكوم لن تتحول فقط إلى هدف لأولئك الذين يحملون المشاعر المعادية للولايات المتحدة فحسب، بل إن العملية نفسها في نهاية المطاف تؤدي لتقويض سيادة البلد المضيف.

يقول الكاتب السياسي دان غلاسبروك:(27) إن العديد من الإخفاقات الحالية، بما في ذلك الحروب الأهلية والصراعات الصغيرة في القارة الإفريقية غالبًا ما تكون نتيجة لتدخل أجنبي. ويَرى أن غالبًا ما يكون نفس الغرباء هم الذين يكونون بعد ذلك على استعداد لتقديم المساعدة أو الدعم ضد الجهات ذاتها التي كثيرًا ما ساعدوا على إيجادها. (28) ويُطلَق على هذا عبارة "مضرب الحماية". مع استمرار العنف في شمال نيجيريا بلا هوادة، كان هناك لغط يدور حول بدء التدخل العسكري على نطاق واسع في البلاد، تحت ستار حماية المدنيين. ومنذ أن وقّعت الدول على اتفاقية مسؤولية الحماية (R2P)، في الأمم المتحدة في عام 2005، جرت تدخلات في دارفور، وليبيا وساحل العاج واليمن وجنوب السودان ومالي على مدى العقد الماضي.

 قضية مسؤولية الحماية (R2P)

بما أن "مسؤولية الحماية" تعنى في المقام الأول حماية المدنيين، إلا أن المبدأ لا يخلو من مشاكل، أولاً: اتفاقية "مسؤولية الحماية" تثير تساؤلات غير مريحة عن حق الدول في التدخل في سيادة دولة أخرى. ثانيًا: المثال الليبي يوضح كيف تم أيضًا استخدام "مسؤولية الحماية" للحث على تغيير النظام، مما ينتج عنه غالبًا تداعيات بعيدة، كثيرًا ما تكون خارج الدولة نفسها.

لقد أوجد قرار أوباما تجاهل الكونغرس كما أن التدخل في ليبيا عام 2011، كجزء من الجهود التي يقودها الناتو "لحماية المدنيين" أوجد أكثر من سابقة، أبرزها: التدخل السريع لمعالجة القضايا الشعبية. وقد وُصفت إزالة معمر القذافي، زعيم ليبيا حينها، بأنها انتصار. وبالتالي، اعتُبر التدخل ناجحًا على المدى الطويل للشعب الليبي، والمنطقة. وبطبيعة الحال، سنبقى لنرى ما إذا كان التدخل في ليبيا سيثبت أنه في مصلحة المواطنين. علاوة على ذلك، فإن الانهيار في ليبيا قد أثّر على كل شمال إفريقيا وخاصة مالي والنيجر وتشاد. ولم ينجُ حتى غرب إفريقيا متمثلاً في الكاميرون ونيجيريا. الحقيقة هي أن وضع بوكو حرام تعزّز بقرار دخول حلف الناتو في ليبيا في عام 2011؛(29) حيث تواترت تقارير تفيد بأن أسلحة سائبة وجدت طريقها الى شمال نيجيريا. وكتب الصحفي غلين غرينوالد أن على دعاة الحرب تحمُّل المسؤولية عن العواقب [خوض الحرب]، وأنه "ليس ثمة شيء نبيل في غزو وقصف دولة لتغيير نظامها إذا كان ما ينجم عن ذلك هو عدم الاستقرار الشامل". الحالة الليبية ليست فريدة من نوعها تمامًا. بدأت "مسؤولية الحماية" في ساحل العاج أيضًا عام 2011، بعد الأزمة التي أعقبت الانتخابات، ومهدت الطريق لتغيير النظام.(30)

في نواح كثيرة يُعتبر النقاش الدائر حول ما إذا كان الوضع في شمال نيجيريا يقتضي مثل هذا التدخل مجافيًا للحقيقة. لقد جُربت تكتيكات الذراع القوية ولكنها فشلت فشلاً ذريعًا. وإن إحلال السلام في الشمال يتطلب أكثر من مجرد القوة العسكرية؛ الأمر يتطلب حوار سياسيًا.

الخلاصة

لقد خلقت الهستيريا الجماعية التي اكتنفت خطف التلميذات زخمًا في المجتمع الدولي وأدت للفت الأنظار إلى الفظاعات التي ترتكبها بوكو حرام. وإن ارتباطات الجماعة، غير واضحة المعالم، بغيرها من الجماعات المسلحة، بما في ذلك تنظيم القاعدة، تعني أن الجماعة تجذب اهتمام المجتمع الدولي.

على الرغم من أن الكاميرون والنيجر وتشاد تواجه زيادة عمليات التسلل والتدخل من بوكو حرام، إلا أن الأزمة تظل نيجيرية بحتة. وبالرغم من امتداد التهديدات، تبقى بوكو حرام موجودة في وسط اجتماعي وسياسي بشكل خاص، وليست بحكم التعريف حركة عابرة للحدود الوطنية. الاهتمام الأساسي للحركة هو تركيع الحكومة النيجيرية. ونظرًا لتطلع الولايات المتحدة إلى توسيع موطئ قدمها في القارة، كان لابد لأوباما وشركائه في الحرب على الإرهاب، المملكة المتحدة وفرنسا، التسرع في تقديم المساعدة للجيش النيجيري.

نيجيريا هي أكبر اقتصاد في إفريقيا وقربها من تشاد ومالي يجعلها ذات أهمية جغرافية وسياسية على حد سواء. وبحكم أنها قوة إقليمية مهيمنة، فإن التأثير عليها قد يوفر نفوذًا على منطقة غرب إفريقيا وعلى المنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).

ليس من المعقول أن نتصور أن نيجيريا تستجلب تدخلاً على نطاق واسع، باعتبار هذا من شأنه أن يضر بمحاولة جوناثان إعادة انتخابه، ولكن السماح بتدخل من نوع معين، بطريقة متأنية، في شكل دفعات صغيرة غير مؤذية، قد يُكسب الحكومة قدرًا من الوقت. الأشهر الستة المقبلة ستكون موضع ترقب لصيق.
_____________________________
أزاد عيسى - إعلامي وكاتب من جنوب إفريقيا.

الإحالات
1- ملف البلاد: Nigeria in “Peace and Security Council Report, No 59,  http://www.issafrica.org/uploads/PSC59_%20June_14English.pdf  (Accessed:  June 15, 2014)
2- Murphy, Dan (2014) ‘Boko Haram doesn’t really mean ‘Western education is a sin’ in Christian Science Monitor, http://www.csmonitor.com/World/Security-Watch/Backchannels/2014/0506/Boko-Haram-doesn-t-really-mean-Western-education-is-a-sin  (Accessed June 12, 2014)
3- المرجع نفسه.
4- تحليل: Understanding Nigeria’s Boko Haram radicals, IRIN News, http://www.irinnews.org/report/93250/analysis-understanding-nigeria-s-boko-haram-radicals  (Accessed June 17, 2014)
5- مجلس الأمن (2014) مجلس الأمن، لائحة العقوبات على تنظيم القاعدة: إضافة بوكو حرام إلى قائمة عقوباته،  مجلس الأمن،
 http://www.un.org/News/Press/docs/2014/sc11410.doc.htm   (تمت الزيارة في 12 يونيو/حزيران 2014)
6- Nigeria Economic Report (2013) in The World Bank, إضغط هنا  (Accessed June 23, 2014)
7- ملف البلاد: Nigeria in “Peace and Security Council Report, No 59,  http://www.issafrica.org/uploads/PSC59_%20June_14English.pdf (Accessed:  June 15, 2014)
8- المرجع نفسه.
9- BBC (2013) Nigeria’s Zamfara Shari court orders amputation, in BBC, http://www.bbc.com/news/world-africa-14858441  (Accessed June 23, 2014)
10- Murdock, Heather (2013) Nigerian Military: More than 200 Boko Haram captured, in Voice of America, http://www.voanews.com/content/nigerian-military-says-it-has-captured-more-than-two-hundred-boko-haram/1664850.html  (Accessed June 20, 2014)
11- Okube, Doyin (2014) Talk to Al Jazeera, Al Jazeera English, http://www.aljazeera.com/programmes/talktojazeera/2014/06/doyin-okupe-failing-control-boko-haram-201462092135897145.html  (Accessed June 21, 2014)
12- ملف البلاد: Nigeria in “Peace and Security Council Report, No 59,  http://www.issafrica.org/uploads/PSC59_%20June_14English.pdf  (Accessed:  June 15, 2014)
13- تحليل الدولة: Nigeria in “Peace and Security Council Report, No 59,  http://www.issafrica.org/uploads/PSC59_%20June_14English.pdf  (Accessed:  June 15, 2014)
14- Department of Public Information (2014) “Security Council Al-Qaida Sanctions Committee adds Boko Haram to its Sanctions list” News and Media Division, New York http://www.un.org/News/Press/docs/2014/sc11410.doc.htm 
15- Di Giovanni, Janine (2014) The deadly mission of Boko Haram, Newsweek http://www.newsweek.com/2014/05/30/deadly-mission-boko-haram-251505.html  (Accessed: June 17, 2014) Jacinto, Leela (2014)
16http://www.france24.com/en/20140517-hollande-france-24-exclusive-interview-nigeria-boko-haram/
17- المرجع نفسه.
18- Dersso, Solomon (2014) AUPSC finally paying attention to Boko Haram,
AU Peace and Security Council Report No 59 URL http://www.issafrica.org/multimedia/aupsc-finally-paying-attention-to-boko-haram
19- المرجع نفسه.
20- مجلس الأمن (2014) مجلس الأمن، لائحة العقوبات على تنظيم القاعدة: إضافة بوكو حرام إلى قائمة عقوباته،  مجلس الأمن،  http://www.un.org/News/Press/docs/2014/sc11410.doc.htm   (تمت الزيارة في 12 يونيو/حزيران 2014)
21- Cock, T (2014) “Boko Haram too extreme for ‘al Qaeda in West Africa brand’ in Reuters URL http://www.reuters.com/article/2014/05/28/us-nigeria-bokoharam-analysis-idUSKBN0E81D320140528
22- Di Giovanni, Janine (2014) The deadly mission of Boko Haram, Newsweek http://www.newsweek.com/2014/05/30/deadly-mission-boko-haram-251505.html  (Accessed: June 17, 2014)
23- المرجع نفسه.
24- CBS (2014) Nigeria finally accepts US help to rescue girls kidnapped by Boko Haram, but is it too late? in CBS NEWS,  http://www.cbsnews.com/news/nigeria-accepts-us-help-to-rescue-girls-kidnapped-by-boko-haram-too-late/  (Accessed June 21, 2014)
25-  http://www.npr.org/blogs/thetwo-way/2014/03/24/293762569/us-sending-more-troops-to-hunt-for-ugandan-warlord-joseph-kony
26- المرجع نفسه (2014).
27- Deyoung, Karen (2014) Obama boosts effort to find Kony, in The Washington Post,  http://www.washingtonpost.com/world/national-security/2014/03/23/aa468ca6-b2d0-11e3-8020-b2d790b3c9e1_story.html  (Accessed June 19, 2014)
28- Glazebrook, D (2014) Western foreign policy as a protection racket in Middle East Eye URL http://www.middleeasteye.net/columns/western-foreign-policy-protection-racket/1893574900  (Accessed: June 20, 2014)
29- Greenwald, Abe (2014) Unsecured weapons went to Boko Haram, Commentary Magazine,  http://www.commentarymagazine.com/2014/05/08/unsecured-libyan-weapons-went-to-boko-haram/  (Accessed June 23, 2014)
30- Vines, Alex Responsibility to protect – Two case studies with Alex Vines, in UNRIC,  http://www.unric.org/en/responsibility-to-protect/26982-responsibility-to-protect-two-case-studies-with-alex-vines-  (Accessed June 20, 2014)

نبذة عن الكاتب