تجمع الساحل الخماسي.. تنسيق في ظل التعقيدات

قرر رؤساء خمس دول في منطقة الساحل الإفريقية (موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، النيجر وتشاد) إنشاء تجمع الساحل الخماسي الذي أطلقوا عليه: مجموعة الدول الخمس في الساحل، فهل هذا الإجراء محاولة للاستفادة من الظرف السياسي والأمني الدولي أم استجابة للاستحقاقات الملحة للواقع التنموي والأمني بالمنطقة؟
20149219620214734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يعتبر توقيت إنشاء مجموعة الدول الخمس في الساحل بأهدافه المعلنة في البيان الختامي خيارًا سليمًا وقراءة واعية للظرف الدولي قد توفر لشعوب المنطقة فرصًا جديدة لتحسين البنية الاقتصادية إذا تمت إعادة هيكلة اقتصاديات دول المنطقة وتطبيق مزيد من الشفافية والعمل على الحد من الفساد.

إن حظوظ نجاح تجمع دول الساحل الخماسي في غياب عضوية الجزائر ستكون أكبر نظرًا إلى انسجام وتوافق توجهات دول التجمع في رؤيتها لمحاربة الإرهاب مع المرتكزات والسياسات العامة المتبعة من قبل الدول الكبرى التي تقود الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل عكس الحضور الجزائري الذي عادة ما يتسم بقدر عال من مشاكسة الكبار ومحاولة التعامل معهم بندية تخلو معظم الأحيان من العقلانية وروح البراغماتية, فرغم سمعة الدبلوماسية الجزائرية في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم إلا أن الأداء الدبلوماسي الجزائري في العقد الأخير اتسم بقدر كبير من الارتجال وسوء التقدير خالطه قدر من التخبط.

أما فيما يخص الحرب الكونية على الإرهاب وبالذات في منطقة الساحل فإننا نتوقع أن تتعزز حظوظ التجمع بمشاركة فاعلة ولاسيما في وجود قيادتي نواكشوط ونجامينا حيث تطمح الأولى إلى دور قيادي في إفريقيا والثانية إلى التخلص من خطر المجموعات الجهادية المتطرفة المتواجدة على حدودها الشمالية والغربية والجنوبية.

توطئة

في مساء الأحد 16 فبراير /شباط 2014 قرر رؤساء الدول الخمس (موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، النيجر وتشاد) المجتمعة في العاصمة الموريتانية (نواكشوط) إنشاء تجمع الساحل الخماسي الذي أطلقوا عليه: مجموعة الدول الخمس في الساحل، في خطوة رأى فيها المراقبون محاولة للاستفادة من الظرف الدولي أكثر مما هي استجابة للاستحقاقات الملحة للواقع التنموي والأمني بالمنطقة!

تقول لغة الأرقام: إن مجموعة الدول الخمس في الساحل تحوز كل مكامن القوة والمنعة لانطلاقة مارد اقتصادي وسياسي إقليمي بالمنطقة نظرًا إلى امتداد هذا التجمع من تخوم دولة السودان شرقًا إلى ضفاف المحيط الأطلسي غربًا بمساحة إجمالية قدرها 5.37 مليون كم²، وبتعداد سكاني يبلغ 61.67 مليون نسمة؛ مما يؤشر إلى أن هذا التجمع مثالي لأن يكون سوقًا تكاملية لا سيما أنه باستثناء موريتانيا التي تطل على الأطلسي تعتبر بقية دول التجمع دولاً حبيسة. هذا ما تقوله لغة الأرقام على المستوى النظري لكن على أرض الواقع لا تبدو الصورة وردية حيث إن: 

  • الناتج الإجمالي المحلي (GDP) لمجموعة الدول الخمس في الساحل يبلغ 78.182 مليار دولار(1)، وهو ما يعادل الناتج الإجمالي المحلي لدولة غانا في غرب إفريقيا.
  • تتراوح نسبة الأمية في دول المجموعة من 42% من مجموع السكان في موريتانيا إلى 83% في النيجر(2). نسب الأمية في دول التجمع من أعلى المعدلات عالميًا.
  • تقع أربع دول، هي: النيجر وتشاد ومالي وموريتانيا في قائمة أفقر 15 دولة في العالم بل إن النيجر تعتبر أفقر دولة في العالم(3)؛ حيث يقع ثلاثة أرباع سكان دول المجموعة في خانة الفقراء، وتتراوح نسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر بين 43 إلى 54%.
  • تعتبر دول المجموعة محطة ترانزيت دولية لتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية المتجهة إلى الدول الأوروبية.
  • عرفت أربع دول من المجموعة حروبًا أهلية ذات طابع عرقي وديني ما زالت تداعياتها مستمرة في الإقليم.
  • شهد جميع دول المجموعة انقلابات عسكرية على حكومات مدنية منتخبة في أكثر من مرة.
  • في العقد الأخير استوطنت تنظيمات جهادية متطرفة في الدول الخمس المكونة للتجمع.

سياقات وظروف النشأة

ورد في البيان الختامي للقمة الأولى في نواكشوط أن الرؤساء الخمسة "قرروا إعداد برنامج بأولويات الاستثمار ومشاريع هيكلية تعطي الأولوية للأمن والبنى التحتية الأساسية (النقل والطاقة والاتصالات والمياه) والتحديث الديمغرافي والأمن الغذائي والاقتصاد الرعوي"؛ مما أعطى الانطباع بأن الهاجس التنموي يشكّل أولوية لدى قادة دول التجمع نظرًا لتشابه ظروف دولهم التي تتقاطع في أنها من أفقر دول العالم وأكثرها تخلفًا وتتخبط في مشاكل أمنية وتنموية تتجاوز قدرات حكام التجمع!

لعبت نواكشوط دورًا محوريًا في إبراز هذا الكيان إلى الوجود في محاولة منها لاستغلال واستثمار رئاستها الدورية للاتحاد الإفريقي، وعملاً منها على تزعم كيان تحقق من خلاله غايات مزدوجة لا يمكن لها أن تتحقق في وجود الزعامة الجزائرية الطاغية التي لم تترك لنواكشوط هامشًا حتى للمناورة؛ فقبل ما يزيد على أربع سنوات رأت الجزائر ضرورة التنسيق والتعاون الوثيق مع دول الجوار الصحراوي المجاور لحدودها الجنوبية الأكثر هشاشة لمواجهة الإرهاب العابر للقارات ومكافحة التنظيمات الجهادية التي استوطنت وتغلغلت في المنطقة الممتدة من موريتانيا غربًا وحتى تشاد شرقًا.

وتمخض عن هذا العزم الجزائري إنشاء تجمع "دول الميدان" المكون من أربع دول، هي: الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر. وأفضت تدابير مذكرة التعاون وتنسيق النشاطات لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والموقّعة بتمنراست في 13 أغسطس/آب 2009 بين الدول الأربع إلى تكوين "قيادة أركان الجيوش المشتركة" لدول الميدان في تمنراست عام 2010 لشن حملات والقيام بعمليات عسكرية ضد معاقل الإرهاب بالمنطقة مع أنها فعليًا لم تشارك في أي مجهود حربي على الأرض ضد الإرهابيين حتى الآن! إضافة إلى إنشاء المركز الإفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب بالجزائر العاصمة والذي غدا في بحر سنوات قليلة بيت خبرة ومركزًا استخباراتيًا مهمًا فيما يتعلق بشأن المجموعات الجهادية في دول الساحل. هذا بالإضافة إلى "وحدة الربط والدمج" التي تضم مصالح استخبارات البلدان الأربعة ومهمتها إعداد تقارير دورية عن نشاط الإرهابيين واقتراح إجراءات ميدانية لمواجهتهم.

إلا أن هيمنة الجزائر المطلقة على تجمع "دول الميدان" على غرار ما فعل القذافي بتجمع دول الساحل والصحراء واستفرادها بالقرار وتهميش بقية الأعضاء كان له الدور الأبرز في إضعاف هذا التجمع وامتعاض بقية الشركاء.

رضي كل من موريتانيا ومالي والنيجر بالزعامة الجزائرية على مضض على أمل أن تتدفق الاستثمارات والأموال من الجارة النفطية الغنية إلى بلدانهم المأزومة والتي تعاني اقتصادياتها من اختلالات بنيوية مزمنة:

  1. وعدت الجزائر باستثمارات تتجاوز 37 مليار دولار في قطاعات مختلفة في موريتانيا منها 20 مليار دولار في قطاع الحديد والصلب من منجم غار جبيلات الواقع على المنطقة الحدودية بين موريتانيا والجزائر(4)، و11مليار دولار في قطاع الصيد البحري و3.8 مليار دولار في القطاع الزراعي و2.2 مليارات دولار في قطاعات التعليم والسياحة.

    هذه الوعود أسالت لعاب نواكشوط التي أمّلت كثيرًا في هذا التجمع إلا أن الوقائع ومجريات الأمور كانت مخيبة لها حيث تقلصت الاستثمارات الجزائرية في موريتانيا بدل أن تزيد وكان أقساها سحب استثمارات شركة (سوناطراك) النفطية من موريتانيا في يوليو/تموز 2010 بعد 23 سنة من العمل هناك(5)، في خطوة محيرة أربكت سوق المحروقات في موريتانيا.

    ووجدت موريتانيا بعد 4 سنوات من الشراكة الصورية في تجمع دول الميدان أن الاستثمارات الجزائرية لم تتعدّ 41 مليون دولار!

  2. كما وعدت الجزائر باستثمارات بمليارات الدولارات في كل من مالي والنيجر لعل أهمها العزم على إنشاء طريق بري يربط كلاً من مدن الجنوب الجزائري بمالي والنيجر ونيجيريا، قيل وقتها: إنه سيوفر 100 ألف فرصة عمل. كما صرحت الجزائر في أكثر من مناسبة بعزمها على افتتاح مناطق حرة في المدن الحدودية للتجارة البينية. اللافت في هذا السياق هو الاهتمام الجزائري المتزايد بيورانيوم النيجر والذي تحاط المفاوضات بشأنه بسرية تامة!

استغلت نواكشوط اهتمام العالم بمنطقة الساحل التي تقول كل المؤشرات إنها مرشحة بقوة لانتقال داعش إليها بعد أن تحول إليها معظم الأفغان العرب وباتت مرتعًا خصبًا وأرضًا ممهدة لأن تكون مركزًا للإرهاب العابر للقارات وخصوصًا بعد سقوط نظام القذافي وما خلّفه من تداعيات مكّنت المجموعات الجهادية في المنطقة.

تقول التقارير الاستخباراتية الغربية: إن تنظيم داعش عمل منذ 8 أشهر على الانتشار والتغلغل في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل متخذًا من جنوب ليبيا مركز انطلاق(6)؛ حيث رصدت الاستخبارات الفرنسية شبكة تجنيد تعمل من الأراضي السورية والعراقية مرورًا بأضنة وإسطنبول في تركيا وجزيرة جربة ومدنين في تونس ونالوت والزنتان وغدامس وأوباري والقطرون في ليبيا، وعلى تنسيق مع الجهادي الجزائري مختار بلمختار -المكنّى بالأعور- الذي يدير معسكرًا للتدريب واستقبال المتطوعين على مشارف مدينة أوباري في الجنوب الليبي.

يقول أريك شميت في مقال له في "نيويورك تايمز" 26 مايو/أيار 2014(7)، في معرض حديثه عن عزم الولايات المتحدة تدريب قوات النخبة في دول أربع، هي: ليبيا والنيجر وموريتانيا ومالي لمواجهة القاعدة وفروعها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل: إن موريتانيا ما كانت لتقدم على خطوة إنشاء مجموعة الدول الخمس في الساحل لولا وجود غطاء دولي. وفي هذا السياق نرى أن عوامل أربعة كانت وراء ظهور الوافد الجديد إلى حيز لعبة الأمم تتمثل في: 

  • الخلاف الأميركي-الجزائري: فرغم التصريحات الدبلوماسية للمسؤولين في البلدين التي تُظهر العلاقات وكأنها في أحسن حالاتها وأن التنسيق الأمني في أعلى درجاته لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل وشمال إفريقيا إلا أن بواطن الأمور تشي بخلاف المعلن فهناك تباين كبير في طرق المعالجة الأمنية, بل إن واشنطن اتهمت الجزائر في أكثر من مناسبة بتراخيها في محاربة الإرهاب جنوبًا! وبلغ الخلاف درجات متقدمة برفض الجزائر لطلب أميركي بإقامة قاعدة للطائرات بدون طيار (درونز) في المناطق الجنوبية للجزائر لملاحقة وقتل عناصر القاعدة وفروعها في ليبيا ومنطقة الساحل فكان رد الفعل الأميركي إلغاء صفقة شراء طائرات بدون طيار كانت الجزائر قد تقدمت بها إلى أميركا(8). في سياق الخلاف بين الدولتين يشهد الاستثمار في قطاع النفط الجزائري منذ ما يزيد على العقد تنافسًا شديدًا يصل حد الصراع بين الشركات الأميركية ونظيراتها الروسية كانت الغلبة فيه حتى الآن لصالح الشركات الروسية. ويُرجع الخبراء ذلك إلى ماضي العلاقات الذهبية مع الاتحاد السوفيتي الذي ورثته روسيا الاتحادية.
  • الخلاف الفرنسي-الجزائري: أدى إصرار الجزائر على التفاوض بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة في شمال مالي صيف العام 2012، عندما سيطرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد وجماعة أنصار الدين الإسلامية وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي على ثلثي شمال مالي, أدى هذا الإصرار إلى تراجع مكانة ودور الجزائر في الحرب التي تزعمتها فرنسا لتحرير شمال مالي والتي تُوجت بعملية "سرفال". بل سعت فرنسا إلى تحجيم الدور الجزائري وألّبت كلاً من موريتانيا والنيجر وجعلتهما يوافقان على قرار شنّ الحرب في قمة الاتحاد الإفريقي بأبوجا التي كانت رصاصة الرحمة لتجمّع دول الميدان. ظهرت الجزائر برفضها المشاركة في الحرب في شمال مالي وكأنها تغرد خارج السرب وأظن أنه لم يكن قرارًا صائبًا لاسيما أن الجماعات الإرهابية كانت على مرمى حجر من حدودها.

    يرى العديد من المراقبين أن التباين في طرق معالجة قضية الإرهاب بمنطقة الساحل بين باريس والجزائر لا شك كان دافعًا قويًا لفرنسا للبحث عن شركاء آخرين في المنطقة يتبنون الخيارات الفرنسية بالخصوص.

  • صراع النفوذ والزعامة المزمن بين الرباط والجزائر: حاولت الجزائر وبشتى الطرق عزل المغرب إفريقيًا وإبعادها عن أي إسهام في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل التي تراها الجزائر الباحة الخلفية لها وتستميت في الدفاع عن نفوذها فيها. وقد نجحت الجزائر حتى 2011 في تقزيم الدور المغربي إفريقيًا عبر إقحام جبهة البوليساريو في معظم هياكل ومؤسسات الاتحاد الإفريقي، كما ساعدها في إقصاء المغرب من ساحة التأثير إفريقيًا علاقتها المميزة مع الرئيس الليبي الراحل القذافي صاحب النفوذ الواسع في إفريقيا.

    وشهد العامان المنصرمان نشاطًا دبلوماسيًا محمومًا للجارتين اللدودتين: المغرب والجزائر في إفريقيا أفضى إلى إحياء تجمع الساحل والصحراء وتنامي الدور المغربي إفريقيًا وتجدده على حساب تقلص وتراجع دور الجزائر, وهناك أكثر من مؤشر على أن هذا الصراع هو للاستفادة من تركة القذافي في إفريقيا والعمل على خلق زعامة شمال إفريقية تكون المرادف الموضوعي لغياب الدور الليبي.

  • جلب الاستثمارات الأجنبية: لا شك أن قادة الدول الخمس يدركون أن اهتمام المجتمع الدولي بمنطقة الساحل وسعيهم إلى اجتثاث المجموعات الجهادية المتطرفة، التي استغلت ظروف المنطقة لتحولها إلى وكر للإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للقارات, فرصة ثمينة قد لا تتكرر لجلب الاستثمارات الأجنبية إلى دولهم التي في أمسّ الحاجة لتلك الاستثمارات للتنمية واستحداث بنية تحتية لائقة لشعوبها، خاصة أن دول التجمع الخمس لا تمتلك الرساميل الكافية للإنفاق العام وبالأحرى استحداث بنية تحتية حديثة. ومن هنا كان ربط التنمية المستدامة بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه.

    مشاركة دول خليجية ثرية في الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل كالإمارات (التي شاركت في عملية سرفال بقيادة فرنسا) والسعودية يجعل مجموعة الدول الخمس في الساحل وسيلة مناسبة للحصول على المساعدات الخليجية ولو على شكل قروض ميسرة، ولاسيما أن حكومتي الإمارات والسعودية أظهرتا سخاء في الإنفاق على محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والقرن الإفريقي.

التحديات التي تواجه المجموعة

التحدي الأمني
لا شك أن التحديات الأمنية التي تواجه مجموعة الدول الخمس في الساحل كبيرة وتتجاوز قدراتهم مجتمعين على التصدي لها؛ كوجود القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في المنطقة وفروعها كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وحركة بوكو حرام، أو المجموعات القريبة منها كجماعة أنصار الدين الإسلامية، فضلا عن قرابة أحد عشر تنظيمًا مسلحًا في الجنوب الليبي تتخذ من مدن أم الأرانب وتمسة وأوباري قواعد لوجيستية لشراء السلاح المنتشر في ليبيا (21 مليون قطعة سلاح) وللتدريب والدعم، والتنسيق بين مختلف هذه التنظيمات المتطرفة في أعلى درجاته مؤخرًا, وتقول التقارير الاستخباراتية الغربية: إن أعداد المنضوين من الشباب تحت هذه التنظيمات يتراوح بين 7 آلاف إلى 43 ألف مقاتل، وأن قرابة نصفهم يمتلكون قدرات قتالية عالية(9).

كما تنشط شبكات التجنيد على امتداد مدن دول التجمع حيث يتواجد وسطاء التجنيد ينشطون ويعملون في قرابة أربعة آلاف مدرسة ومعهد قرآني ومؤسسات دينية ذات طابع خيري ودعوي، وتشكل مجالا خصبا لوسطاء التجنيد لصالح التنظيمات الجهادية، وتتركز هذه المادارس والمعاهد أساسًا في مدن نواكشوط ونواذيبو وروصو ومنطقة الحوضين في موريتانيا، ومدن كيدال ومنكا وتمبكتو وتاوديني وغاو وليري وموبتي في مالي، وفي نيامي وزندر وأغاديز وأرليت في النيجر، وفي نجامينا وأبشا وفايا في التشاد، وفي واغادوجو وبوبو ديولاسو ودوري وهفويا وتوغان ونونا في بوركينافاسو.

وتتركز العناصر الأجنبية من أتباع المجموعات الجهادية في مدن الجنوب الليبي وشمال التشاد والنيجر وشرق مالي، أما وسطاء التجنيد فعادة ما يكونون من أبناء البلد بحيث يتكلمون اللهجات المحلية ويجيدون التواصل مع الأهالي بلكنات محلية، وأحيانًا يكونون من أعيان البلد وعلى صلة بالمجتمعات الأهلية الإفريقية؛ كل ذلك لتسهيل الانتشار من جهة وجهة أخرى لعدم لفت الانتباه وتجنبًا للملاحقة. وتنشط القاعدة في تجارة التهريب والهجرة غير الشرعية، وقد سُجِّلَ تعاونٌ وتنسيق وثيق بينها وبين المافيا الكولومبية والبرازيلية في تجارة المخدرات؛ مما جعل من مالي والنيجر وتشاد وليبيا أهم معابر المخدرات والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؛ مما مكّن القاعدة من السيطرة على معابر التهريب الرئيسية في منطقة الساحل ووفر لها مصدرًا للدخل، وجاء انهيار الدولة ومؤسساتها في ليبيا بُعيْد سقوط نظام القذافي كفرصة ذهبية لإيجاد معبر آمن إلى أوروبا، وتنشط قوارب الهجرة السرية وتهريب المخدرات عبر مدن زوارة وصبراته والزاوية والخمس وزليطن ومسلاتة وسرت والنوفلية وبن جواد على الساحل الليبي.

وقد ساعد القاعدةَ وفروعَها على السيطرة والتحكم بتجارة التهريب والمعابر الحدودية السرية استعانتُها وتجنيدُها لخبراء الصحراء من الطوارق وقبائل البرابيش, كما مكّنها انتشار الفقر والأمية من شراء الذمم والتغلغل أفقيًا في المجتمعات المحلية عبر أسلوب تقديم المساعدة للأسر والعائلات المحتاجة وإقامة مشاريع ريعية غير ربحية وتقديم قروض للمعوزين من غير فوائد. كل هذا سيشكّل تحديًا كبيرًا لقادة بلدان تجمع الساحل الخماسي وسيصعّب مهمة اجتثاث واقتلاع القاعدة وفروعها بعد أن أضحت جزءًا من مكونات النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية لهذه البلدان بعد أن غابت الدولة وخدماتها عن تلك المجتمعات الأهلية!

التحديات الاقتصادية
التحديات الاقتصادية تتمثل أساسًا في:

  1. غياب الإرادة السياسية الفاعلة في اتخاذ خطوات ثورية وفعالة لخلق بيئة مشجعة وجالبة للاستثمار الأجنبي وفق مرتكزات وبِنى وأنساق التفكير الاستراتيجي للتخطيط.
  2. ارتفاع نسبة الأمية بمعدلات قياسية حيث تصل في بلد كالنيجر إلى 83% من مجموع السكان مما يترتب عليه اتساع شريحة الفئات المعدمة؛ فمن المعروف أن الأمية والفقر صنوان متلازمان وهما من أشد معوقات التنمية التي تستدعي معالجات مغايرة لما هو متعارف ومتبع في دول التجمع.
  3. انتشار الفقر والأمية والبطالة والمرض جعل هذه الدول مرتعًا للجريمة المنظمة العابرة للقارات ومعبرًا دوليًا لتجارة المخدرات ومركزًا للهجرة غير الشرعية.
  4. غياب الشفافية والممارسة الديمقراطية أفضى إلى استشراء الفساد على كافة المستويات؛ الشيء الذي سيحد من تدفق الاستثمارات مهما كانت القوانين والنظم واللوائح المنظمة للاستثمار جذابة. 
  5. الاقتصاد الريعي وعدم فعالية القطاع الخاص.
  6. تواضع وضعف البنية التحتية الجالبة للاستثمار.
  7. عدم وجود طبقة عمال وفنيين مهرة.
  8. تآكل الطبقة المتوسطة التي هي عماد أي اقتصاد نامٍ وديناميكي.
  9. اتساع الفجوة بين القلة المترفة والأغلبية المعوزة حيث يتمتع 1.8% من مجموع سكان دول التجمع بحوالي 79% من الثروة.

هذه التحديات وغيرها هي ما جعلت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يقول: إن مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا لا تكون فقط بتدريب قوات النخبة والعمل العسكري بل بالمساعدات الاقتصادية والعمل طويل النفس لتأهيل اقتصاديات دول المنطقة(10).

مستقبل المجموعة

إن توقيت إنشاء مجموعة الدول الخمس في الساحل بأهدافه المعلنة في البيان الختامي يعتبر خيارًا سليمًا وقراءة واعية للظرف الدولي لا شك ستوفر لشعوب المنطقة فرصًا جديدة لتحسين البنية الاقتصادية لدول التجمع هذا إذا تمت إعادة هيكلة اقتصاديات دول المنطقة وتطبيق مزيد من الشفافية والعمل على الحد من الفساد, أي: خلق بيئة جالبة للاستثمارات حيث تشكّل دول التجمع فرصًا واعدة للاستثمار الاجنبي شريطة العمل على الحد من المعوقات.

حظوظ نجاح تجمع دول الساحل الخماسي في غياب عضوية الجزائر ستكون أكبر نظرًا إلى انسجام وتوافق توجهات دول التجمع في رؤيتها لمحاربة الإرهاب مع المرتكزات والسياسات العامة المتبعة من قبل الدول الكبرى التي تقود الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل عكس الحضور الجزائري الذي عادة ما يتسم بقدر عال من مشاكسة الكبار ومحاولة التعامل معهم بندية تخلو معظم الأحيان من العقلانية وروح البراغماتية, فرغم سمعة الدبلوماسية الجزائرية في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم إلا أن الأداء الدبلوماسي الجزائري في العقد الأخير اتسم بقدر كبير من الارتجال وسوء التقدير خالطه قدر من التخبط.

أما فيما يخص الحرب الكونية على الإرهاب وبالذات في منطقة الساحل فإننا نتوقع أن تتعزز حظوظ التجمع بمشاركة فاعلة ولاسيما في وجود قيادتي نواكشوط ونجامينا حيث تطمح الأولى إلى دور قيادي في إفريقيا والثانية إلى التخلص من خطر المجموعات الجهادية المتطرفة المتواجدة على حدودها الشمالية والغربية والجنوبية.
___________________________
الحسين الشيخ العلوي - باحث وأكاديمي موريتاني.

الهومش
1. آفاق الاقتصاد العالمي: دراسة استقصائية للأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية, صادرة عن صندوق النقد الدولي في إبريل/نيسان 2013 http://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/weo/2013/01/pdf/texta.pdf
2. تقرير التنمية البشرية 2014, المضي في التقدم: بناء المنعة لدرء المخاطر, الصادر عن منظمة الأمم المتحدة.  http://www.un.org/ar/esa/hdr/pdf/hdr14.pdf
3. المصدر السابق.
4. http://www.saharamedias.net/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1-20-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%AC%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89_a18551.html
5http://www.turess.com/alfajrnews/36812
6. http://icsr.info/category/publications/reports/
7. U.S. Training Elite Antiterror Troops in Four African Nations
http://www.nytimes.com/2014/05/27/world/africa/us-trains-african-commandos-to-fight-terrorism.html?_r=2
8http://www.raialyoum.com/?p=85718
9. تقرير ديوان المحاسبة الحكومية بالولايات المتحدة الأميركية حول مكافحة الإرهاب http://www.gao.gov/assets/300/295873.pdf
10http://www.irinnews.org/report/53703/west-africa-economic-aid-is-needed-to-combat-terrorism-in-sahel-not-just-military-training-icg

نبذة عن الكاتب