التجديد للبشير: انفراد بالقرار ومصادرة للحوار

رشَّح الحزب الحاكم في السودان الرئيس عمر البشير للانتخابات الرئاسية القادمة، فانفرد بتحديد وجهة المرحلة المقبلة، متخليا عن تعهدات الحوار التي قطعها للمعارضة السياسية.
20141118103417486734_20.jpg
البشيير يعد أنصاره بالبقاء في السلطة (رويترز)

ملخص
جاء انعقاد المؤتمر الرابع لحزب المؤتمر الوطني السوداني بينما تعيش البلاد مشهدًا سياسيًّا مفتوحًا على كثير من الاحتمالات السلبية.

وعلى الرغم من تأكيداته المتكررة على التمسك بالحوار سبيلاً لحل مشاكل السودان، والسعي لتوافق جماعي مع كل الأحزاب والتنظيمات السياسية لاستكمال مرتكزات الاستقرار والسلام، فإن حزب المؤتمر الوطني استبق ما يمكن أن يسفر عنه هذا الحوار ليعلن تمسكه بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة؛ وذلك دون التفات إلى موقف معظم قوى المعارضة؛ الذي يدعو إلى تأجيلها انتظارًا لما سيسفر عنه الحوار. وقد أعاد الحزب انتخاب البشير رئيسًا له ومرشحًا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

بهذه القرارات يمكن القول: إن الرئيس البشير يظل الرجل الأقوى في النظام السوداني بلا منازع؛ وهو ما يجعله مفتاح أي حل سياسي قادم للأزمة السودانية بقدر ما يجعله أهم عقبة أمام هذا الحل.

مقدمة

على وقع التعقيدات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعيشها البلاد، جاء انعقاد المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في الفترة من 23 وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2014. هذا المؤتمر هو الأول للحزب بعد انفصال جنوب السودان، ويُشَكِّل منعطفًا مهمًّا في مسار المشهد السياسي السوداني الراهن في ضوء القرارات والتوصيات التي توصَّل إليها المؤتمرون؛ فقد خرج المؤتمر بجملة من القرارات والتوصيات؛ التي ستكون لها انعكاساتها الكبيرة على مستقبل الوضع في السودان بكامله؛ وعلى رأس هذه القرارات إعادة انتخاب الرئيس عمر البشير رئيسًا للحزب ومرشحًا له للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإجراء تعديلات وتغييرات مهمَّة في الهياكل القيادية للحزب؛ فضلاً عن المطالبة بتغيير طريقة اختيار حكام الولايات (الولاة) لتكون بالتعيين لا الانتخاب.

ما مضمون هذه القرارات وانعكاساتها المحتملة على الواقع السياسي الراهن في السودان؟ وإلى أيِّ حدٍّ يملك حزب المؤتمر رؤية متكاملة لمعالجة أزمات السودان المتعدِّدة؟ وما آفاق المستقبل؛ سواء فيما يخصُّ النظام الحاكم، أو مسيرة التوافق الوطني بين الفرقاء السودانيين؟

أزمات متعددة وحلول مؤجلة

 من حيث التوقيت جاء انعقاد المؤتمر الرابع لحزب المؤتمر الوطني السوداني بينما تعيش البلاد مشهدًا سياسيًّا مفتوحًا على كثير من الاحتمالات؛ ففي حين يُبَشِّر النظام بحلول قريبة لكل مشاكل السودان السياسية والاقتصادية والأمنية، وبعهدٍ من الرخاء والاستقرار والازدهار، تُحَذِّر المعارضة من انفجارات قادمة، ومزالق خطرة في انتظار هذا البلد الذي أنهكته الحروب والمواجهات الممتدة؛ فالأزمات التي تواجه السودان عديدة ومعقدة؛ بينما الحلول تبدو غائبة أو مؤجلة، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى جملة من التحديات التي تحكم المشهد السوداني حاليًا:

سياسيًّا: يشهد السودان حالة من الاحتقان السياسي ربما بدرجة غير مسبوقة؛ وذلك في ظلِّ تعثُّر مسيرة الحوار الوطني، وتصاعد حدَّة الخلافات بين النظام وقوى المعارضة، وعلى الرغم من أن النظام هو الذي أطلق بنفسه مبادرة الحوار قبل نحو عام في مسعى لحلحلة الانسداد السياسي؛ بل والحيلولة دون حدوث مزيد من الشروخ في جسد السلطة، فإن مسيرة هذا الحوار متعثِّرة وغير واضحة الأفق. وعلى الرغم من تأكيدات النظام على تمسُّكه بالحوار خيارًا استراتيجيًّا لحلِّ مشاكل البلاد، فإن الممارسات على الأرض لا تدعم هذا التوجُّه؛ بل يبدو النظام ماضيًا في طريقه، مستبقًا في إجراءاته أي نتائج متوقَّعة لهذا الحوار؛ وبينما تبدو لغة الحوار معطَّلة فإن التهديد والوعيد أكثر حضورًا في خطاب الطرفين.

اقتصاديًّا: يعاني السودان من ضائقة اقتصادية متصاعدة؛ لاسيما منذ انفصال الجنوب عام 2011، وما خلفه من آثار اقتصادية ترتَّب عليها حرمان الشمال من موارد اقتصادية وثروات كبيرة، وهو ما زاد من وطأة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان أصلاً؛ سواء نتيجة فشل السياسات الاقتصادية للنظام، أم لعجزه عن إدارة الموارد الهائلة للبلاد، وانتشار الفساد بمعدلات كبيرة، أو جراء استمرار العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليه منذ أواخر التسعينات(1). وقد انعكس التردِّي اللافت في الأوضاع المعيشية سلبًا على شعبية النظام في الشارع، فضلاً عن أنها باتت تهدَّد بتكرار انفجارات شعبية شبيهة بالمظاهرات التي جرت في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي 2013، احتجاجًا على رفع أسعار الوقود، وعلى الرغم من إقرار السلطة بصعوبة الأوضاع الاقتصادية -التي تمثَّلت في ارتفاع كبير في الأسعار، وتراجع قيمة العملة السودانية (الدولار يعادل حاليًا 6,10 جنيهات بالسعر الرسمي؛ لكنه يصل إلى نحو 8,50 جنيه في السوق السوداء)- فإنه لا يبدو قادرًا على وضع الحلول لمواجهتها؛ بينما يتساءل كثير من السودانيين عن الثمن الذي حصلت عليه الخرطوم نظير موافقتها على انفصال الجنوب؛ فهي لم تجنِ ثمار هذا الانفصال تحسُّنًا في علاقاتها مع الغرب -وخصوصًا الولايات المتحدة- كما كان متوقَّعًا؛ بل بقيت العقوبات الأميركية على حالها، وظلَّ النظام مصنَّفًا ضمن الدول الراعية للإرهاب. وقد أثَّرت العقوبات الأميركية بشكل فادح على الاقتصاد السوداني؛ وذلك من خلال منع العديد من الدول والشركات من الاستثمار فيه، حيث تقدَّر خسائر السودان المباشرة جرَّاء هذه العقوبات بنحو أربعة مليارات دولار سنويًّا، وقد تأثَّرت قطاعات عديدة نتيجة ذلك؛ ولاسيما الطيران والنقل والتكنولوجيا إلى جانب قطاع الأدوية.

أمنيًّا: ربما يكون انفصال الجنوب قد رفع عن كاهل الخرطوم عبئًا أمنيًّا وعسكريًّا استنزف موارد وقدرات البلاد لسنوات طويلة؛ لكنه لم يؤدِّ إلى تقليص رقعة التمرُّد والمواجهة في الأطراف؛ بل فتحت جبهات مواجهة جديدة، ولم تعد الأزمة قاصرة على إقليم دارفور في الغرب؛ بل امتدَّ التمرُّد المسلح ليشمل مناطق أخرى؛ مثل المواجهات المسلحة الحالية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة بين الجيش وبين مقاتلي الحركة الشعبية قطاع الشمال لتقترب المواجهة من وسط البلاد، وهذا يجعل البلاد مرشحة لمزيد من الاستنزاف الداخلي، فضلاً عن استمرار الحضور الأجنبي في الشأن السوداني؛ الذي صار شأنًا دوليًّا وإقليميًّا بامتياز.

مظاهرة سياسية ورسائل كثيرة

 في ظلِّ هذه المعطيات انعقد المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني بحضور آلاف من منتسبيه الذين جاؤوا من مختلف ولايات السودان، وقد بدا المؤتمر -الذي عُقد تحت شعار: "نقود الصلاح.. نستكمل النهضة"- في مجمله أقرب لمظاهرة سياسية كبيرة من جانب الحزب؛ الذي حرصت قياداته خلال كلماتها على توجيه رسائل عديدة للداخل والخارج؛ رسائل الداخل أكَّدت وحدة الحزب وتماسكه، والتفافه صفًّا واحدًا خلف قيادته، وقدرته على امتلاك زمام المبادرة في مواجهة الآخرين (المعارضة)، وامتلاك الرؤية والبرنامج الذي يضمن حلولاً ناجعة لكل مشاكل السودان في مقابل عجز وضعف المعارضة. أما رسائل الخارج فكانت التأكيد على نجاح السودان في كسر العزلة الإقليمية والدولية المفروضة من خلال الانفتاح على الأشقاء والأصدقاء، ولم يغب حديث المؤامرة عن كلمات قيادات المؤتمر؛ سواء ما يتعلق بالتآمر على السودان ضمن ما سموه المؤامرة الدولية الراهنة على المنطقة العربية ككل. وقد وصف الرئيس عمر البشير في كلمته في افتتاح المؤتمر ما يحدث من تطورات بأنه "مخطط خبيث يستهدف كل دول المنطقة وفي طليعتها السودان". كما امتدت الاتهامات إلى قيادات المعارضة بالتآمر مع الخارج على البلاد؛ وذلك في إشارة لزعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي؛ الذي وقَّع اتفاقًا في شهر أغسطس/آب الماضي مع الجبهة الثورية -التي تضم حركات التمرد المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق- بهدف التوصل إلى رؤية موحدة للوصول لتوافق وطني شامل، وهو الاتفاق الذي رفضته السلطة.

وعلى الرغم من تأكيداته المتكررة على التمسك بالحوار سبيلاً لحل مشاكل السودان، والسعي لتوافق جماعي مع كل الأحزاب والتنظيمات السياسية لاستكمال مرتكزات الاستقرار والسلام، فإن حزب المؤتمر الوطني استبق ما يمكن أن يسفر عنه هذا الحوار ليعلن تمسكه بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة؛ وذلك دون التفات إلى موقف معظم قوى المعارضة؛ الذي يدعو إلى تأجيلها انتظارًا لما سيسفر عنه الحوار(2).

وقد خرج المؤتمر بالعديد من القرارات والتوصيات؛ لكن هناك أربعة قرارات مهمة تستدعي التوقف عندها؛ لما قد يترتب عليها من تداعيات سياسية كبيرة وعميقة على مستقبل المشهد السياسي السوداني برمته:

  • الأول: إعادة انتخاب الرئيس البشير رئيسًا للحزب، واختياره مرشحًا له لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمتوقع أن تجري في شهر إبريل/نيسان القادم.
  • الثاني: إعادة تشكيل الهيئات القيادية للحزب، ولاسيما المكتب القيادي ومجلس شورى الحزب، وضمُّ وجوهٍ جديدة لهذه الهيئات مع إبعاد قيادات تاريخية.
  • الثالث: الإعلان عن إجراء تعديلات في الدستور تتضمن إلغاء انتخاب ولاة الولايات، وأن يتم اختيارهم بالتعيين.
  • الرابع: التمسك بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في موعدها المحدد، كاستحقاق دستوري وقانوني، ودعوة الأحزاب الأخرى لاستكمال استعداداتها لهذه ال انتخابات.

شعار: "لا بديل للبشير"

"لا بديل للبشير" بهذه العبارة هتف الآلاف من أعضاء المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر؛ وذلك في رسالة لا تخطئها العين على أن البشير هو الرجل الأقوى بلا منازع داخل الحزب، وعلى الرغم من أن مسألة إعادة انتخاب البشير رئيسًا للحزب ومرشحًا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة كانت محسومة سلفًا؛ فإنه قد جرت منافسةٌ بدت شكلية وبلا معنى على الفوز برئاسة الحزب بين البشير وبين كلٍّ من الفريق بكري حسن صالح نائب الرئيس، والدكتور إبراهيم غندور نائب رئيس الحزب، والنائب السابق للبشير علي عثمان محمد طه، ومساعد الرئيس السابق الدكتور نافع علي نافع؛ بل إن نافعًا ومحمد طه أعلنا قبل إعلان النتيجة تأييدهما لإعادة انتخاب البشير. وقد حاز البشير نسبة تجاوزت 94 % من المصوتين من أعضاء المؤتمر العام؛ حيث نال 4425 صوتًا من إجمالي الأعضاء والبالغ عددهم 4606 عضو، وبنسبة 73% من عضوية المؤتمر؛ بهذه النتيجة حسم الحزب الجدل حول رئاسته ومرشحه للانتخابات الرئاسية، ووضع حدًّا للتكهنات حول ترشح البشير من عدمه، وقد جاءت هذه الخطوة في رأي قيادات المؤتمر دليلاً على تماسك الحزب ووحدة صفه، واعتبرت هذه القيادات أن اختيار البشير كان أمرًا حتميًّا فرضته المصلحة الوطنية لمواجهة الأوضاع والمخاطر الأمنية والسياسية الصعبة التي يمر بها السودان؛ التي تتطلب بقاءه على رأس السلطة لفترة رئاسية جديدة؛ لكن خصوم السلطة اعتبروا هذا الاختيار مؤشرًا واضحًا على شيخوخة وعجز النظام عن تجديد الدماء في قياداته واختيار خليفة للبشير، والإبقاء على الوجوه نفسها؛ التي صنعت أو ساهمت في أزمات السودان المتعددة(3).

وعلى عكس ما ساقه المؤتمر من مبررات لبقاء البشير على رأس السلطة، رأى معظم فصائل المعارضة في استمرار الرجل تهديدًا واضحًا للسودان واستقراره وأمنه؛ بل ويهدد بنسف فرص نجاح الحوار الوطني بين الفرقاء السودانيين؛ بينما رأى معارضون آخرون أن بقاء البشير في السلطة هو "تأكيد لديمومة الفساد والحرب والقهر"(4)، وفضلاً عن أن إعادة ترشيح البشير -الذي أمضى في الحكم ربع قرن- يشكل انتهاكًا واضحًا للدستور الذي أقره النظام الحاكم نفسه عام 2005، الذي حدَّد فترات الرئاسية بفترتين فقط، فإن هذه الخطوة تشكل في رأي المعارضة مصادرة لما يمكن أن يخرج به الحوار الوطني بين النظام وبين المعارضة، الذي كانت تأمل أن يقود إلى تشكيل حكومة انتقالية تقود البلاد لفترة انتقالية يتم فيها وضع دستور جديد للبلاد؛ ومن ثَمَّ إجراء انتخابات بمشاركة الجميع؛ بما يساهم في وضع حل نهائي لمشاكل السودان، ويقود إلى تغيير النظام بطريقة سلمية.

وما بين المؤيدين الذين يرون في بقاء البشير على رأس السلطة ضمانة لنجاح المشروع الوطني، والمعارضين الذين يعتبرونه تكريسًا لاستمرار الأزمة السياسية، وقطع الطريق على أي تغيير سياسي؛ فإن المؤكَّد حسب متابعين للشأن السوداني أن اختيار البشير كان قرارًا إجباريًّا للحفاظ على تماسك الحزب ومنع تفجره من الداخل، لاسيما في ظل الصراع الظاهر بين المتنافسين الأربعة؛ الذين خاضوا مع البشير معركة الفوز برئاسة الحزب، وعلى الرغم من النفي المتكرر لوجود أي انقسامات أو خلافات داخل صفوف المؤتمر؛ فإن ذلك لا ينفي حقيقة وجود صراعات بين جناحين داخل الحزب؛ أحدهما يتبنى موقفًا إصلاحيًّا يطالب بالتغيير والتجديد في الدولة والحزب، والآخر محافظ يعارض أي تغيير. وإذا كان حديث البشير عن مراكز القوى داخل الحزب إشارة واضحة على الصراع داخل الحزب؛ فإن تصريحات الدكتور أمين حسن عمر -القيادي البارز في حزب المؤتمر- كانت أكثر وضوحًا في هذا الصدد؛ فقد استبق إعادة انتخاب البشير بإعلان تحفظه على ذلك وقال: إنه يحبذ أن يختار الحزب مرشحًا آخر.

ولا يمكن في قراءة إعادة انتخاب البشير تجاهل موقف المحكمة الجنائية الدولية من الرئيس السوداني المطلوب أمام المحكمة، الذي يدرك جيدًا أن بقاءه في السلطة هو الحصانة لعدم تسليمه للمحاكمة، وبالتالي ليس أمامه سوى التمسك بالسلطة. ويرى المراقبون للشأن السوداني أن بقاء سيف المحكمة الجنائية مسلطًا على رقبة البشير هو السبب الرئيس الذي يجعل تنحيه عن السلطة طواعية أمرًا مستحيلاً(5).

مزيد من إحكام القبضة

في إطار ما سُمِّيَ بإعادة بناء مؤسسات الحزب شهد حزب المؤتمر إجراء تغييرات في تشكيلة الهيئات القيادية، تم بموجبها ضم وجوه جديدة من الصف الثاني في المناصب القيادية للحزب؛ بينما تم استبعاد عدد من الوجوه القديمة، وكان لافتًا للنظر أن هذه التغييرات جاءت عقب توعد الرئيس البشير في كلمته في ختام المؤتمر بالتصدي لما وصفها بمراكز القوى داخل الحزب، وتأكيداته أنه لن يسمح لهذه المراكز بأن تفرض آراءها؛ "وإنما الرأي رأي الشورى"(6). هذا الوعيد اعتبره مراقبون إشارة للتخلص من بعض القيادات المنافسة للرئيس داخل الحزب؛ التي تقف عقبة أمام سيطرته على القرار داخله؛ وبينما يُؤَكِّد أنصار النظام أن هذه التغييرات دليل على حيوية الحزب، وقدرته على الدفع بدماء جديدة في صفوفه الأمامية واستجابة لمطالبات الإصلاح والتجديد التي يقودها شباب الحزب؛ لكن يقول محللون سودانيون: إنها تأتي استكمالاً لسعي البشير لإحكام قبضته على مقاليد الحزب، وإبعاد كل منافسيه. وكان البشير قد قام في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي بالتخلص من القيادات الكبيرة، وإبعادها من المناصب القيادية داخل مؤسسة الرئاسة والحكم، وعلى رأسهم النائب الأول للرئيس علي عثمان طه، والنائب الثاني الحاج آدم، ومساعد الرئيس نافع علي نافع، ورئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر، ومن قبلهم رئيس جهاز الأمن السابق الفريق صلاح قوش، إلى جانب الدكتور غازي صلاح الدين؛ الذي كان أحد المطالبين بعدم ترشح البشير؛ الذي اضطر إلى الانشقاق عن الحزب وتشكيل حركة سياسية باسم حركة الإصلاح الآن، وغيرهم من القيادات الكبيرة. بعض هذه الأسماء احتفظت بمواقعها في المكتب القيادي للمؤتمر؛ الذي يضم في عضويته 46 عضوًا، لكن في الوقت نفسه جرى الدفع بوجوه جديدة أكثر ولاء للرئيس، لاسيما في هيئة قيادة مجلس شورى الحزب؛ التي تضم عشرين عضوًا.

وفي مقابل مخاوف المعارضة من أن يؤدي إحكام قبضة البشير على صناعة القرار داخل النظام إلى انعكاسات سلبية على مستقبل الحوار والمصالحة الوطنية، لاسيما في ظل مواقفه التي لا تتوافق مع مطالب وشروط هذه المصالحة؛ فإن بعض أوساط المعارضة قرأ الأمر بشكل مغاير؛ إذ رأوا أن سيطرة البشير على مقاليد الحزب يمكن أن يمهد لحدوث انفراجة في الأفق السياسي المسدود بين النظام وبين المعارضة؛ وحسب هذه الأوساط فإن البشير -وقد حسم معركة رئاسة الحزب والترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وبنجاحه في إعادة تشكيل هياكل المؤتمر القيادية- أصبح أكثر قدرة على مواجهة مراكز القوى داخل الحزب؛ مما يجعله الرجل الأقوى داخل النظام، وهذا ما يعطيه القدرة على ترتيب قواعد اللعبة السياسية في البلاد وفق ما يريد؛ وبهذا المعني سيكون الرئيس أكثر قدرة على عقد صفقات سياسية مع المعارضة، والوصول إلى تفاهمات وتنازلات بهدف إنجاح مسيرة الحوار الوطني. هذا الرأي هو ما استند إليه أحد قيادات حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن الترابي لتفسير موقف الترابي من النظام، وتمسكه بآلية الحوار الوطني؛ باعتباره الرهان الذي يُعَوِّل عليه للتغيير السياسي لتجنيب البلاد خيارات كارثية. ويستند هذا الرهان إلى أن البشير هو الأقدر على إحداث التغيير مقابل بقائه في السلطة، وبعد أن أصبح أقوى من الحزب والحكومة(7)؛ لكن نجاح هذا الرهان من عدمه يبقى متوقفًا على الوجهة التي سيسلكها البشير فيما يتعلق باستحقاقات الحوار الوطني، وهو أمر لا يزال محفوفًا بالكثير من الغموض.

تعيين الولاة: القنبلة الموقوتة

في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حذَّر البشير من خطر تنامي النزعات القبلية والجهوية على الأمن القومي للبلاد، وأكد أن الأمر يستدعى "وقفة مراجعة ترعى مصلحة الوطن وأمنه واستقراره". وقد كانت هذه الكلمة بمثابة التأكيد على عزم الحزب إجراء تغييرات في طريقة اختيار حكام الولايات (الولاة)؛ لتصبح بالتعيين بدلاً من الانتخاب، وسبقت ذلك حملة إعلامية، وتحذيرات متكررة من قيادات المؤتمر من تنامي النزعات القبلية والجهوية بشكل بات يهدد وحدة السودان. ووفق هذا الرأي فإن عملية انتخاب الولاة شجعت على تنامي النزعات القبلية والجهوية في كثير من مناطق السودان، وما ترتب على ذلك من تفشي العصبيات والفتن في المجتمع السوداني، وقد أعلن الحزب عن التقدم بمشروع للمجلس الوطني (البرلمان) لإجراء تعديلات دستورية تقضي بمنح رئيس الجمهورية سلطة تعيين الولاة بدلاً من انتخابهم كما ينص الدستور الحالي، ومن المتوقع أن يتم تمرير هذه التعديلات بسهولة داخل البرلمان؛ وذلك بالنظر إلى الأغلبية الكاسحة التي يتمتع بها حزب المؤتمر، الذي يهيمن على نسبة 98% من مقاعد البرلمان؛ وعلى الرغم من أن البشير أكَّد التزامه بالحكم اللامركزي في البلاد، وبأن المسألة تستهدف فقط معالجة الآثار السلبية لإقحام القبلية في العمل السياسي؛ فإن الكثير من قوى المعارضة حذَّرت من خطورة هذا التوجه، ورأت فيه ردة سياسية عن أهم منجزات النظام الاتحادي؛ الذي تأسس في ظل حكم الإنقاذ، ويرى المعارضون أن تعيين الولاة بدلاً من انتخابهم يهدم أحد الأعمدة الأساسية لنظام الحكم الفيدرالي؛ الذي جرى اعتماده في السودان منذ سنوات وتم تكريسه في الدستور الحالي، ويتيح لسكان الولايات إدارة شئونهم بدرجة أكثر استقلالية عن الحكومة المركزية. كما ترى الأوساط السياسية في الخرطوم أن هذا القرار ستكون له تبعات خطيرة للغاية على مستقبل استقرار؛ بل ووحدة السودان؛ لاسيما أن الحكم الفيدرالي من المطالب الأساسية لحركات التمرد المسلحة، وهو بند ثابت في كل اتفاقيات ومبادرات حل المشكلات السياسية في السودان؛ سواء في الجنوب قبل الانفصال، أو في دارفور، أو في الشرق وغيرها من مناطق المواجهة المسلحة، وجدير بالذكر أن الخلاف على طريقة اختيار الولاة كان السبب الرئيس للمفاصلة السياسية الشهيرة ما بين الدكتور حسن الترابي والرئيس البشير؛ التي انتهت بالطلاق السياسي بينهما عام 1999.

كما لا تخفي المعارضة استغرابها من المبررات التي ساقها حزب المؤتمر الوطني للمطالبة بإلغاء انتخاب الولاة بدعوى التصدي للنزعة القبلية والعشائرية؛ إذ يرى خصوم النظام أن المؤتمر هو المسؤول الأول عن تفشي هذه النزعة وانتشارها؛ بل السعي لاستغلالها سياسيًّا من خلال تشجيع الولاءات القبلية، ويشير بعض المحللين السياسيين إلى أن سلطة الإنقاذ شجعت هذا التوجه منذ اليوم الأول لها في الحكم؛ حيث سعت لخلخلة الولاءات التقليدية لحزب الأمة في ولايات الغرب؛ وذلك من خلال شراء ولاء الزعامات القبلية، والدخول في صفقات لتعيين شيوخ القبائل؛ بل إن عدوى الممارسة القبلية انتقل من الولايات إلى الحكومة المركزية، وأصبح تعيين الوزراء يتم عبر المحاصصة القبلية(8).

من هنا فإن كثيرين يرون أن قرار العودة لاختيار الولاة بالتعيين لا يتعلق بالخوف على وحدة السودان؛ بقدر ما يتعلق بعلاج مشكلة داخلية في حزب المؤتمر الوطني؛ لاسيما بعد الصراع القبلي العنيف الذي شهدته المؤتمرات القاعدية للحزب خلال الفترة الماضية، والخاصة بمرشحي الولايات؛ حيث شهدت هذه المؤتمرات تهديدات بالانشقاق من الحزب ما لم يتم اختيار المرشح من قبيلة بعينها؛ من هنا فإن الحزب أراد معالجة مشكلة تخصه؛ لكنه أوجد مشكلة أكبر؛ وذلك من خلال التراجع عن أحد مرتكزات الحكم الاتحادي، واستباق عملية الحوار الوطني؛ التي يفترض أن تناقش كل القضايا الخلافية بما فيها تجربة الحكم الاتحادي، وهو ما تراه المعارضة محاولة من النظام لفرض وصايته على الحياة السياسية، وتكريس الوضع الراهن ما قد يقود البلاد لمزيد من الاحتقان، ويذهب بعضهم إلى اعتبار التراجع عن انتخاب الولاة مسألة كاشفة عن انتقال النظام الحاكم من حال الخوف من الآخر إلى الخوف فيما بين مكونات السلطة وبعضها البعض، وهو ما يُظهر حالة التآكل الداخلي الذي يعيشه النظام(9).

الانتخابات: المشكلة والحل

أظهرت قرارات المؤتمر العام للحزب إصراره على المضي قدمًا في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المتوقع في شهر إبريل/نيسان من العام المقبل 2015، كاستحقاق دستوري لا يمكن القفز عليه كما يؤكد الحزب؛ بينما ترى أحزاب المعارضة أن النظام يتعامل مع إجراء الانتخابات باعتباره غاية في حدِّ ذاته، وليس وسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد؛ لاسيما في ظل حالة الانقسام بشأن هذه الانتخابات، وتهديد غالبية أحزاب المعارضة بمقاطعتها؛ هذا الجدل يثير تساؤلات كثيرة حول فرص نجاح هذه الانتخابات -إن جرت- في دفع جهود المصالحة الوطنية، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الاحتقان والانسداد السياسي، ونسف أي فرصة لنجاح الحوار في الخروج بالبلاد من الأزمة؟

يستند النظام في موقفه من ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها إلى ما يعتبرها استحقاقات دستورية؛ إذ إن شرعية الحكومة الحالية تنتهي في شهر إبريل/نيسان المقبل، وهو أمر لا يمكن تجاهله؛ وعلى الرغم من وجود بعض الأصوات المعتدلة؛ مثل الدكتور إبراهيم غندور نائب رئيس الحزب، الذي ترك الباب مفتوحًا لإمكانية تأجيل الانتخابات إن تم التوافق على ذلك بين مكونات الحوار الوطني، فإن التيار الأكثر تشددًا والمتمسك بإجراء الانتخابات هو الأقوى حتى الآن؛ فقد وصف أحد رموز هذا التيار الدعوات المطالبة بتأجيل الانتخابات بأنها نوع من المكر السياسي(10). ويهدد الخلاف حول الانتخابات وموعدها بنسف عملية الحوار الوطني المتعثرة أصلاً؛ لاسيما أن كل الأحزاب السياسية -بما فيها تلك الحليفة للنظام أو الشريكة له في الحكم- أعلنت رفضها لإجراء الانتخابات، وهددت بمقاطعتها في حال أصرت الحكومة عليها.

وترى المعارضة أن إجراء الانتخابات يجب أن يقرره المشاركون في الحوار الوطني، وأن يسبق هذه الانتخابات تهيئة الأجواء ووضع الشروط اللازمة لضمان نزاهتها وسلامتها، وتضع المعارضة عددًا من الشروط قبل الذهاب لأي انتخابات على رأسها وقف التضييق على الحريات السياسية، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، وتشكيل حكومة انتقالية توافقية لفترة انتقالية، يُقَرِّر الحوار الوطني مدتها وطبيعة مهامها، وعلى رأسها الإشراف على تعديل الدستور والإعداد للانتخابات المقبلة(11)، وعلى الرغم من أن كل الظروف المحلية والإقليمية والدولية لا تبدو مواتية لإجراء هذه الانتخابات؛ فإن تشبث حزب المؤتمر الوطني حتى الآن بإجرائها وتعيين مفوضية للانتخابات والإعلان عن بدء تسجيل الناخبين يمثل في رأي المعارضة محاولة لفرض إرادته، مما سيؤدي إلى تعميق حدة التأزم في المشهد السياسي، ويجعل هذه الانتخابات جزءًا من المشكلة لا خطوة على طريق الحل.

 نظام مأزوم ومعارضة مبعثرة

لكن ما يُغري النظام وحزب المؤتمر الحاكم على مواصلة خطواته الانفرادية -كما يقول كثير من المحللين السودانيين- هو ضعف أحزاب المعارضة وتشرذمها، التي تبدو على تنوعها أضعف من أن تفرض رؤيتها على النظام؛ فهي تعاني حالة من التشرذم والانقسام وغياب الرؤية الواحدة؛ فحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي يحاور النظام، ويبدو متمسكًا بالحوار مراهنًا على قدرته على إحداث تغيير سياسي عبر هذه الآلية؛ بما يجنب السودان مزالق خطرة يمكن أن تحملها أي بدائل أخرى للتغيير؛ أما حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي فإنه يقاطع جلسات الحوار، ويعاني من انقسامات في صفوفه أثرت بشكل كبير على حضوره في الشارع، وقد تعرَّض زعيمه للسجن لمدة شهر عقب انتقاده لممارسات قوات التدخل السريع، وغادر الخرطوم مؤخَّرًا، ويتعرض لاتهامات بالخيانة من قبل رجالات النظام عقب توقعيه اتفاقًا مع الجبهة الثورية؛ أما حزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني فهو شريك في الحكم؛ بينما أحزاب التحالف الوطني -الذي يضم نحو عشرين حزبًا من الأحزاب الصغيرة اليسارية والقومية- فهي غير مؤثرة وغير فعالة في الشارع. أما المعارضة المسلحة التي تشكل ما يسمى الجبهة الثورية -وتضم الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان- فإنها تسعى إلى إسقاط النظام بالقوة أو بالخروج الجماهيري للشوارع، وهي وإن كانت تُشَكِّل خطرًا على النظام؛ لكنها لا تبدو قادرة على إسقاطه؛ بل إنها بدت أكثر مرونة في الآونة الأخيرة، وهو ما ظهر في إعلان باريس؛ الذي وقعته مع الصادق المهدي. وقد تأثرت قدرة هذه الحركات بالمتغيرات الإقليمية؛ سواء انفصال الجنوب أو سقوط نظام القذافي في ليبيا، أو بالاتفاق الذي جرى توقيعه مؤخَّرًا بين السودان وتشاد لوقف الدعم للمتمردين في دارفور، وهو ما يساهم في إضعاف قدرتها على تصعيد عملياتها ضد النظام؛ بل ربما يدفعها إلى تقديم تنازلات على مائدة الحوار الذي يرعاه الاتحاد الإفريقي.

استنتاجات

على ضوء القرارات التي خرج بها المؤتمر العام لحزب المؤتمر وانعكاساتها المحتملة على مجمل الوضع السياسي في السودان والأفق المحتملة لهذا الوضع، يمكن استخلاص النتائج التالية:

  1. أظهرت قرارات الحزب تناقضًا واضحًا ما بين إعلان تمسكه بالحوار الوطني خيارًا استراتيجيًّا لخروج البلاد من أزماته، وتجاوز حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، وما بين إصراره على اتخاذ قرارات أحادية تشكل في جوهرها تفريغًا لهذا الحوار من مضمونه، واستباقًا لأي نتائج يمكن أن يخرج بها، ولاسيما فيما يتعلق بالانتخابات القادمة، أو موضوع تعيين الولاة؛ وهي موضوعات رئيسية على أجندة الحوار الوطني.
  2. نجح الحزب في الخروج بهذه القرارات أكثر تماسكًا، وتجاوَز الكثير من العقبات والأزمات الداخلية؛ التي كانت تهدد بتفجير الحزب من الداخل، ولاسيما فيما يتعلق بمسألة ترشيح البشير من عدمه؛ فقرار إعادة انتخاب البشير رئيسًا للحزب شكَّل صمام أمان لبقاء المؤتمر موحدًا، ومَنَعَ تفجُّر الخلافات بين المتنافسين على خلافته؛ لكنه أظهر في الوقت ذاته عجزًا واضحًا على إيجاد البديل للبشير، وإخفاقًا في طمأنة السودانيين على المستقبل، كما أن الحزب لم يُقَدِّم رؤية متماسكة للخروج بالبلاد من أزماتها، واكتفى بالحديث عن عناوين عريضة عن النهضة والإصلاح.
  3. ربما يكون الحزب قد استطاع تسوية بعض مشاكله الداخلية؛ لكن بعض قراراته ستساهم في خلق مشاكل أكبر على صعيد السودان ككل؛ لاسيما في موضوع التراجع عن مسألة انتخاب الولاة؛ إذ إن هذا القرار ربما يكون ساهم في إرضاء بعض المستويات القاعدية للحزب وضمان ولائها القبلي، كما أنه ربما يأتي في إطار مساعي البشير لإحكام قبضته على النظام السياسي؛ لكن الخطورة هنا تكمن في تداعيات هذا القرار المحتملة على صعيد وحدة السودان ككل؛ لاسيما في ظل الانقسامات القائمة.
  4. على الرغم من أن حزب المؤتمر الوطني يُظهر حالة من التماسك الداخلي فإنه ومعه النظام يواجهان انقسامًا داخليًّا متزايدًا على ضوء خروج مجموعات مهمة من قياداته وتشكيلها هياكل خاصة بها، مثلما فعل غازي صلاح الدين، وهناك مجموعات أخرى فضلت الاعتزال.
  5. قوة النظام في السودان مستمدة إلى حدٍّ كبير من ضعف وتبعثر المعارضة، وعجزها عن توحيد صفوفها وفرض شروطها على السلطة؛ فالمشهد يبدو قائمًا على توازن ضعف بين نظام مأزوم ومعارضة ضعيفة؛ لكن حجم الأزمات والتحديات التي تواجه البلاد تجعل من الصعب على أي طرف مواجهتها منفردًا.
  6. بهذه القرارات يمكن القول: إن الرئيس البشير يظل الرجل الأقوى في النظام السوداني بلا منازع؛ وهو ما يجعله مفتاح أي حل سياسي قادم للأزمة السودانية بقدر ما يجعله أهم عقبة أمام هذا الحل.

 

الخلاصة هي أنه لا توجد قراءة واحدة لما تمخض عنه المؤتمر العام من سيطرة واضحة للرئيس البشير على القرار داخل حزب المؤتمر، ونجاحه في إبعاد خصومه أو إضعافهم، فبعضهم -ومنهم حزب المؤتمر الشعبي- يرى في ذلك فرصة للتفاهم مع الرئيس لإحداث تغيير سياسي عبر حوار يجنب السودان مخاطر الانفجار؛ بينما يرى آخرون أن ذلك يكرس الحكم الاستبدادي، ويغري النظام بمزيد من الإجراءات الإقصائية؛ التي تزيد من تعقيد الأزمة، وتطيل حالة العزلة الدولية التي يعيشها السودان بعد أن أصبح رهينة في يد رئيس مطلوب للعدالة الدولية.
________________________________
المصادر والهوامش
(1) أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما قرارًا أواخر الشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2014  بتجديد العقوبات الأميركية على السودان لمدة عام آخر.
(2) نص البيان الختامي للمؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني، 25 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(3) اعتمدت هذه الورقة على مقابلات أجراها الكاتب مع عدد من قيادات في حزب المؤتمر الوطني وأحزاب المعارضة السودانية وباحثين ومحللين سودانيين.
(4) محجوب حسين، شرعية حكم البشير -ثلاثية الأمن والميليشيات والجيش الموجه- صحيفة القدس العربي – 29 من سبتمبر/أيلول 2014.
(5) فيصل محمد صالح، مفاجأة المؤتمر الوطني السوداني المكشوفة – صحيفة العربي الجديد – 22 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(6) كلمة الرئيس البشير أمام الجلسة الختامية للمؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني - 25 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.
(7) مقابلة أجراها الكاتب مع أحد قيادات حزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي.
(8) السودان: تعيين الولاة ردة سياسية ودستورية – فيصل محمد صالح – صحيفة العربي الجديد - 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
(9) مقابلة أجراها الكاتب مع الأكاديمي والباحث السياسي السوداني الدكتور محمد محجوب هارون في الخرطوم.
(10) تصريحات للدكتور نافع علي نافع عضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني السوداني. 
(11) مقابلة أجراها الكاتب مع أحد قادة حزب الأمة القومي المعارض الذي يتزعمه الصادق المهدي.