اعتداءات بيشاور: فشل استخباراتي وتداعيات كبيرة

بحث هذه الورقة في أسباب الاعتداء الذي نفذته حركة طالبان باكستان على مدرسة أطفال يديرها الجيش الباكستاني في بيشاور، وأسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصًا غالبيتهم من الأطفال، وتقرأ هذه الورقة هذا الهجوم في سياقات إقليمية ودولية تتعلق بتطورات الوضع في أفغانستان.
20141231121359992734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
جاء الاعتداء الذي نفذته حركة طالبان باكستان في مدينة بيشاور، بعد الانشقاقات التي شهدتها صفوف الحركة، وشكَّل الهجوم صدمة للباكستانيين بكافة أطيافهم، ووحَّدهم بكافَّة أطيافهم تجاه خطر التطرف، واستهدف الاعتداء -الذي أسفر عن مقتل 144 شخصًا غالبيتهم من الأطفال- مدرسة أطفال يُديرها الجيش الباكستاني في بيشاور، ودفع الهجوم رئيس حزب الإنصاف عمران خان إلى وقف احتجاجاته المتواصلة منذ أشهر؛ التي كان يطالب فيها بإسقاط حكومة نواز شريف؛ فقد دعا الأخير إلى مؤتمر لعموم الأحزاب الباكستانية لوضع سياسة وطنية لمواجهة "الإرهاب".

سارعت جماعات منشقَّة عن طالبان إلى التبرُّؤ من العمل وإدانته؛ بينما أدانت الهجوم حركة طالبان أفغانستان، وأتى توجُّه قائد الجيش ورئيس الاستخبارات العسكرية إلى كابول للمطالبة بتسليم متهمين تقول إسلام آباد: إنهم أداروا الهجوم من داخل أراضيها. وعلى رأسهم زعيم طالبان باكستان الملا فضل الله؛ ليعكس مدى عمق الشكوك بين باكستان وأفغانستان ومن خلفها أميركا؛فالأخيرة على ما يبدو رفضت تسليم المطلوبين لباكستان، في خطوة فُسرت على أنه سياسة ردع باستخدام المسلَّحين، ما دامت باكستان تُسهِّل عمليات طالبان أفغانستان وشبكة حقاني المطلوبة أميركيًّا وأفغانيًّا، وهو ما ردَّت عليه باكستان -على ما يبدو- بالإفراج عن ذكي الرحمن؛ المتهم الرئيسفي هجمات مومباي 2008 المسجون في سجونها.

لا يُستبعد أن يُطلِق الهجوم عاصفة من الشكوك واللاثقة بين باكستان من جهة، وبين أفغانستان وأميركا والهند من جهة أخرى؛ خصوصًا أن باكستان ترى الدول الثلاث في حلفٍ ضدَّها بأفغانستان؛ بينما تخشى هذه الدول أن تعود باكستان إلى لعبتها القديمة في دعم طالبان أفغانستان لملء فراغ ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

لا تُعَدُّ حالة الحرب والعنف التي تعيشها مدينة بيشاور الباكستانية جديدة عليها؛ فقد كانت وما زالت تتحكم ببوابة آسيا الوسطى؛ حيث "أرض اللعبة العظمى"، فمن هنا عبر الإسكندر المقدوني، والمغول، والبريطانيون، ومن هنا سعى الروس للوصول إلى باكستان والمياه الدافئة، ومن هنا قاوم المجاهدون الأفغان الاحتلال السوفيتي واكتسبت وصفًا في أدبيات الجهاد الأفغاني على أنها "بوابة الخلافة المفقودة"، وأخيرًا وليس آخرًا كانت بوابة طالبان أفغانستان للخروج من الحكم بدعمٍ باكستانيٍّ للتحالف الغربي عام 2001، ثم العودة إلى قتالهم بدعمٍ باكستانيٍّ خفيٍّ.

ما جرى يوم السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول علامة فارقة في تاريخ المدينة وتاريخ باكستان بشكل عامٍّ؛ فقد دهم تسعة مسلحين يرتدون لباسًا عسكريًّا وبأحزمة ناسفة -ينتمون إلى ما تبقى من حركة طالبان باكستان- "مدرسة الجيش العامة"؛ وهي مدرسة نخبوية في منطقة أمنية عالية الحساسية، وفتح المهاجمون النيران على الطلبة فقتلوا أكثر من 140 شخصًا بينهم 131طفلاً وعشرة من الأساتذة والإداريين وعناصر الجيش؛ التي دخلت في اشتباكات معهم.

وأكد البيان الصادر عمَّا تبقى من حركة طالبان -التي يقودها حاليًّا فضل الله- أن العمليةَ انتقامٌ للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في مناطق القبائل، ووصف البيانُ -الذي تعمَّدت المؤسسات الإعلامية الباكستانية تغييبه وتجاهله- العمليةَ بالقول: "إنها العدالة التاريخية التي أرغمتنا على خطوة قاسية كهذه لمهاجمة مدرسة يدرس فيها أبناء العسكريين؛ هؤلاء العسكريون المصرُّون على ممارسة المذابح والقتل العامِّ في مناطق القبائل؛ التي دعونا إلى وقفها".

الهجوم على مركز عصب الجيش ومستقبله

من الواضح أن المهاجمين اختاروا الهدف بعناية؛ تَبَيَّن ذلك من بيانهم أنهم خططوا للعملية قبل أربعة أشهر من وقوعها، واختيارُ مدرسة لنخبة العسكريين عكس الرغبة في إلحاق الأذى بعائلات العسكريين وليس بالعسكريين أنفسهم؛ وذلك مع ضرب العلاقات العائلية الداخلية، وتشتيت ذهن المقاتل في جبهات قتاله مع طالبان، كما هدف إلى ضرب مستقبل هذه العائلات العسكرية، التي تورِّث في العادة أبناءها الإرث العسكري، كما كان مناسبة للحركة للتذكير بمصير أكثر من مليوني نازح من وزيرستان بفعل العمليات العسكرية، وكذلك التذكير بمصير أبنائهم قتلاً وتشريدًا وتغييبًا عن التدريس والعلم(1).

مِثْل هذا الهجوم سيُطلق أسئلة كثيرة في أذهان الضباط والجنود المشاركين في العمليات العسكرية ضد مسلَّحي طالبان؛ فقد يتساءل الجندي أو الضابط المرابط على الجبهات ما ذنب أولادي أن يدفعوا ثمنًا لا علاقة لهم به. وقد يتعدَّاه إلى مراجعة حساباته في جدوى بقائه في مؤسسة كهذه.

فشل استخباراتي.. ولا مبالاة سياسية

كشفت العملية عن ضعف كبير مثَّل فشلاً استخباراتيًّا، وهو الفشل الذي ربما بات يصبغ عمل المؤسسات الأمنية، وتحديدًا ما حصل بعد الهجوم الأميركي على مقر أسامة بن لادن في أبيت آباد قرب إسلام آباد في مايو/أيار 2008، فكيف يتمكَّن تسعة مسلَّحين بلباس عسكري من اختراق منطقة عالية الحساسية، ويُنَفِّذون هجومًا بهذا الشكل المريع على مدرسة تضمُّ نخبة العسكريين الباكستانيين؛ بينما الكلُّ كان قد توقَّع أن تضرب طالبان قريبًا ردًّا على عمليات وزيرستان، وكان آخر التحذيرات تصريحات لقائد الجيش الباكستاني الجنرال راهيل شريف لضباطه العسكريين من أن طالبان تستعدُّ لعمليات عسكرية ضخمة؟ لكن الأجهزة الأمنية لم تتمكَّن من كشف تفاصيل المخطط، ولا تحذير جهاز الشرطة؛ الذي من المفترض أن يعمل وفقًا لتقارير استخبارية، وكان تقرير أبيت آباد الذي صدر في أعقاب مقتل أسامة بن لادن دعا إلى إيجاد آلية مشتركة بين الأجهزة الأمنية الباكستانية لمواجهة الوضع الأمني في البلاد، وهو ما لم يتحقَّق، وبرزت أهميته في هجوم بيشاور الحالي؛ لذا فقد دعا نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية الأسبق العميد صلاح ترمذي إلى ضرورة أن يتمَّ تشكيل آلية للتعاون بين الأجهزة الأمنية الباكستانية على غرار ما حصل في أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011(2).

أما على صعيد السياسة الداخلية فقد كانت الأحزاب منهمكة في مناكفاتها السياسية، بعد أن أشغل زعيم حزب الإنصاف الباكستاني عمران خان كلَّ الساسة في باكستان باحتجاجاته المتواصلة منذ أشهر؛ داعيًا إلى الإطاحة بحكومة شريف بحجة تزوير انتخابات مضى عليها أكثر من عام ونصف العام، وهي الاحتجاجات التي شلَّت الحياة السياسية الباكستانية، ودفعت بالجيش إلى واجهة السياسة والعلاقات الدولية؛ وكان ذلك من خلال مطالبة الأحزاب بتحكيم قائد الجيش في المواجهة بين الحكومة والمعارض، أو من خلال زيارات قائد الجيش إلى أميركا، وتأديته دورًا سياسيًّاواضحًا، في ظلِّ افتقار الحكومة إلى استراتيجية سياسية داخلية وخارجية واضحة.

ماذا تبقَّى من حركة طالبان باكستان؟

لم يتبقَّ من حركة طالبان باكستان إلا مجموعة فضل الله؛ التي انضمَّت بالأصل إلى الحركة في وقت متأخِّر من نشوئها على أيدي مؤسسها بيت الله محسود؛ الذي قُتِل في هجوم بطائرة أميركية بلا طيار عام 2008، وكانت مادة طالبان باكستان ونواتها الصلبة هي مناطق وزيرستان وتحديدًا قبائل محسود؛ التي يمثِّلها الآن طرفان؛ أحدهما بقيادة شهريار محسود وجهاد يار، والثاني بقيادة خالد سجنا، وكلاهما انشقَّا عن الحركة ولا علاقة لهما بها، وجاء انشقاق القائد جول بهادر -الذي يقود مجلس شورى وزيرستان الشمالية- ليعزل تمامًا مجموعة فضل الله عن وزيرستان؛ خصوصًا أن جول بهادور شخصية موثوقة لدى حركة طالبان أفغانستان، وقد تناغم جول بهادور مع حركة طالبان أفغانستان بإدانة الهجوم على بيشاور، وقد وجَّه أحد قادته الكبار أمير خان ليُنَدِّد بالعملية، وقال الأخير في حديث هاتفي مع الكاتب: إن الهجوم غير إسلامي (مكررًا عبارات حركة طالبان أفغانستان التي وصفت الهجوم بـ"غير إسلامي") استهدف أبرياء، وهو ضد الأصول والمبادئ الإسلامية، وإمارة أفغانستان الإسلامية تدينه بأشد العبارات"(3).

وأتى انشقاق ستة من القادة الطالبانيين السابقين ومبايعتهم لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ليزيد من عزلة مَنْ تَبَقَّى من طالبان باكستان؛ لاسيما أن العمليات العسكرية المتواصلة في وزيرستان وغيرها دفعت الحركة إلى أن تكون في حالة هروب وتشتت(4)؛ لذا فقد لجأ مَنْ تبقَّى منها إلى تنفيذ عملية المدرسة كهدف رخو؛ وذلك بعد أن تعذَّر استهداف مقرَّات عسكرية وأمنية كما كان يجري في السابق.

ولأول مرَّة يُدين المفتي الأعظم الباكستاني تقي الدين عثماني العملية وبشدَّة؛ وهو المنتمي للمدرسة الديوبندية الحنفية، التي تنتمي إليها طالبان باكستان وأفغانستان؛ التي لم يسبق لها أن أصدرت أيَّة إدانة لعمليات طالبان باكستان وأفغانستان؛ حيث وصف الهجوم بـ".. عمل الكفرة ضد المسلمين، وهي مجزرة مخزية قام بها ظالمان ممن لا يحملون قلوبًا"(5). وهو من شأنه أن يرفع المظلة الدينية التي يتغطَّى بها مَنْ تبقَّى من الحركة؛ التي كانت على مدى الأعوام الماضية إن لم تكن مؤيدة ومتعاطفة معها، فقد التزمت الصمت.

مجزرة وحَّدَت الباكستانيين

كان الجانب الإيجابي الوحيد لمجزرة بيشاور أنها وحَّدت الباكستانيين المنقسمين سياسيًّا وحزبيًّا، وكذلك الانقسام السياسي والعسكري؛ فعلى الفور أعلن زعيم حزب الإنصاف عمران خان وقف احتجاجاته، وهُرِع إلى بيشاور للمشاركة في المؤتمر الذي دعا إليه رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف على عجل لعموم الأحزاب الباكستانية لبحث تداعيات مجزرة بيشاور، وأصدر شريف قراره المثير برفع الحظر عن حكم الإعدام في باكستان؛ وهو ما سيسوق عددًا من قيادات طالبانية سجينة إلى المقصلة؛ أملاً في تهدئة شارع مشحون ضدهم.

بيد أن الحلقة المفقودة حاليًّا تكمن في الافتقار إلى سياسة حكومية داخليًّا وخارجيًّا واضحة ومطبقة نصًّا وروحًا، بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية، ومع كل الأحزاب السياسية كما يرى رستم شاه مهمند السفير الباكستاني الأسبق في كابول، وغيره من الخبراء الأمنيين(6).

سلام أفغانستان مقابل سلام باكستان

لم يَدُرْ بخلد أحد قبل الهجوم على مدرسة بيشاور أن تطير شخصية عسكرية باكستانية بمثل قائد الجيش الجنرال راهيل شريف ورئيس استخباراته العسكرية القوية الجنرال رضوان أختر إلى كابول للمطالبة بعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية الباكستانية، وتسليمها المطلوب الأول قائد طالبان باكستان الملا فضل الله المنحدر من مقاطعة وادي سوات؛ الذي شهد مواجهات دامية بين العسكر ومسلحي فضل عام 2006 قبل أن يُرغمه الجيش على الهروب ومقاتليه إلى أفغانستان؛ فقد كانت باكستان على مدى العقود الماضية بمثابة المطرقة لأفغانستان، ومن خلفها القوات الأميركية؛ لكنها تحوَّلت اليوم إلى سندان، وأتت العمليات العسكرية المتوالية لباكستان على مناطق القبائل الباكستانية، وآخرها العملية الحالية في شمال وزيرستان؛ لتدفع مزيدًا من القيادات إلى الهرب إلى أفغانستان، وطَلَبِ الدعم والمساندة والإيواء من الحكومة الأفغانية ومن خلفها الهند(7) العدوة التقليدية لباكستان.

قبل أسابيع كان الجنرال راهيل شريف يتباهى بقدرته على إرغام الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني على زيارته في مكتبه براولبندي العاصمة العسكرية لباكستان، وهو خرق للتقاليد الدبلوماسية أن يقوم رئيس زائر بزيارة مقر قائد الجيش، تبعها زيارة راهيل شريف للولايات المتحدة الأميركية؛ التي استمرت أسبوعين لوضع أسس التعامل بين البنتاغون والقيادة العسكرية الباكستانية؛فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الانسحاب الغربي من أفغانستان؛ لكن شهر العسل الذي تحدَّث عنه الكثيرون بين أفغانستان ومن خلفها أميركا وباكستان في التعاون لم يَطُل، بعد أن اتهمت مصادر أمنية باكستانية أفغانستان بإيواء المطلوبين الباكستانيين، وعلى رأسهم القائد عمر ناراي المقيم في منطقة نازيان بننجرهار الأفغانية، الذي تقول الأوساط الأمنية الباكستانية: "إن المهاجمين للمدرسة كانوا يتواصلون معه هاتفيًّا. وقد حمل قائد الجيش الباكستاني كل هذه الوثائق خلال زيارته إلى كابول، ولقائه مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، وقائد قوات حفظ السلام الدولية "إيساف" جون شامبل"(8).

وقد سبق الهجوم تسليم الولايات المتحدة الأميركية لباكستان أحد المطلوبين المهمِّين من قيادات طالبان؛ وهو لطيف محسود يوم 7 من ديسمبر/كانون الأول 2014؛ الذي كانت القوات الأميركيةاعتقلته داخل أفغانستان، واحتفظت به طوال تلك الفترة، وهو ما أشاع جوًّا تفاؤليًّا في باكستان عن فتح صفحة جديدة في التعاون الأمني بين الطرفين، ولعله كان ثمنًا لعمليات "ضرب عضب"؛ التي يُنَفِّذها الجيش الباكستاني في شمال وزيرستان منذ أشهر، وشملت شبكة حقاني التي تُطالب واشنطن الجيش منذ سنوات باستهدافها وتفكيكها.

بدا قائدُ الجيش صارمًا حين هدَّد بملاحقة المطلوبين خارج الحدود، وقصد بذلك الأراضي الأفغانية(9)، وربما المسؤولون الأفغان ومن خلفهم الأميركيون في قمة النشوة وهم يَرَوْنَ مَنْ كانوا يتهمونه بالأمس بتصدير مقاتلي طالبان أفغانستان وباكستان لقتالهم في الشرق الأفغاني المتاخم لباكستان، هذا القائد يَفِدُ إليهم اليوم ويطلب مساعدتهم في وقف العنف ببلاده.

لكن من غير المتوقَّع أن تتعامل أفغانستان ومن خلفها أميركا بالسرعة التي يرغب فيها قائد الجيش الباكستاني بتسليمه مطلوبين يُعَدُّون كنزًا مهمًّا في تثبيت الوضع الأفغاني؛ الذي تطمح إليه واشنطن من خلال مقايضتهم بالتدخل الباكستاني بأفغانستان؛ إذ لا تكف المصادر الأميركية عن توجيه الاتهام لباكستان في إيواء مقاتلي طالبان أفغانستان وشبكة حقاني؛ التي آلمت الأميركيين في غير واقعة أفغانية؛ لذا لا يُستبعد أن يكون قرار المحكمة الباكستانية في الإفراج بكفالة عن ذكي الرحمن المسؤول العسكري لعسكر طيبة، والمتهم الرئيسي بهجمات مومباي 2008 هو ردٌّ باكستانيٌّ على رفض أميركا وأفغانستان التعاون معها في تسليم المدبرين لهجوم بيشاور ممن يقيمون داخل أفغانستان.

وعليه، فإن اللعبة العظمى قد تعود بقوة؛ فكلا الطرفين الباكستاني والأفغاني ومن خلفه الأميركي لديه من الأوراق التي يلعب بها وقادر من خلالها على إيلام الطرف الآخر؛ لكن تبقى الأوراق التي بأيدي باكستان أقوى بكثير، وعلى رأسها شبكة حقاني التي لا تزال فاعلة داخل أفغانستان؛ بخلاف ما يُعلن باكستانيًّا أنها من ضمن المشمولين بالعمليات العسكرية المناوئة لها ولطالبان باكستان في شمال وزيرستان، إضافة إلى ذلك ورقة مقاتلي طالبان أفغانستان؛ التي لا تزال باكستان لديها القدرة على التأثير عليهم في صراعهم مع الحكومة الأفغانية ومن خلفها الأميركية.

لدى باكستان جبالٌ من الشك وعدم الثقة في الحليف الأميركي؛ لذا فمن المستبعد أن تطوي زيارة راهيل شريف للولايات المتحدة الأميركية، أو غيرها من العمليات التجميلية، تاريخًا من الشك وعدم الثقة، وقد عكس ذلك وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف أخيرًا في مؤتمر أمني عقده معهد الدراسات الاستراتيجية التي تديره الخارجية الباكستانية؛ حين قال: "إن أميركا ليست حليفًا يمكن الوثوق به، فقد كانت حليفًا نسبيًّا لنا في الستينات والسبعينات، وكانت سياساتها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا كارثية، وما زلنا ندفع ثمنها"(10).

ربما أدركت واشنطن أن سياسة الردع هي الكفيلة بالتصدي للتدخلات الباكستانية بأفغانستان؛ لاسيما وهي تخشى من أن تعود إسلام آباد إلى لعبتها في دعم حركة طالبان أفغانستان، لاستغلال فراغ سيخلفه رحيل القوات الغربية منها، وتعود إثرها لعبة التدخلات الإقليمية؛كما حصل في مرحلة ما بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان 1989؛ لذا فإن واشنطن تعمل على ما يبدو بمقتضى مقولة السيد المسيح: "رُدُّوا الحجر من الجحر الذي انطلق منه". أو بمقولة: داوِها بالتي كانت هي الدَّاء.
_____________________________________
د. أحمد موفق زيدان: مدير مكتب الجزيرة في اسلام آباد
 

الهوامش والمصادر
[1] - قنديل شام: من يعرف من يُقتل وأين؟! على موقع البي بي سي باللغة الأوردية الباكستانية، 18 من ديسمبر/كانون الأول 2014 http://www.bbc.co.uk/urdu/pakistan/2014/12/141217_qandeel_peshawar_piece_tim 
[2] _ فخر دوراني: صحيفة ذي نيوز الباكستانية الصادرة بتاريخ 18 من ديسمبر/كانون الأول 2014، ولم يتم نشر التقرير على النسخة الإلكترونية.
[3] – تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية نشرته صحيفة الدون الباكستانية، الصادرة بتاريخ 18 من ديسمبر/كانون الأول2014 https://www.dawn.com/news/1151407/afghan-taliban-condemn-peshawar-school-attack 
[4] _ أحمد موفق زيدان: الصراع على تركة تنظيم طالبان المريض. وهي ورقة عما تبقى من الحركة نشرها مركز الجزيرة للدراسات 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014: http://studies.aljazeera.net/reports/2014/11/2014112781458702961.htm 
[5] – سيد عارفين: مفتي عثماني يصف المهاجمين بظالمان. صحيفة ذي نيوز الباكستانية، الصادرة بتاريخ 18 منديسمبر/كانون الأول 2014 http://www.thenews.com.pk/article-169017-Mufti-Rafi-Usmani-terms-school-attackers-as-Zaliman 
[6] - فخر دوراني: تعاون الحكومة الأفغانية مفتاح لصيانة السلام في أفغانستان، صحيفة ذي نيوز الباكستانية،الصادرة بتاريخ 18 من ديسمبر/كانون الأول 2014، غير متوفر على النسخة الإلكترونية.
[7] - مقابلة الرئيس الباكستاني الأسبق برفيز مشرف مع محطة السي إن إن الأميركية، بتاريخ 17 من ديسمبر/كانونالأول 2014، ونشرت أجزاء منها صحيفة ذي نيشن الباكستانية في اليوم التالي 18 من ديسمبر/كانون الأول 2014 http://nation.com.pk/national/18-Dec-2014/raw-trained-fazlullah-says-mush 
[8] –إسماعيل خان: طالبان تقتل 131 طفلاً مدرسيًّا ومديرًا من بين 141 قتيلاً في هجوم على مدرسة عسكرية ببيشاور. صحيفة الدون الباكستانية، الصادرة بتاريخ 18 من ديسمبر/كانون الأول 2014 http://www.dawn.com/news/1151361/taliban-massacre-131-schoolchildren-principal-among-141-dead-in-attack-on-army-public-school-peshawar 
[9] – آصف بشير تشودري: قائد الجيش يحذر كابول من مطاردة ساخنة في أراضيها: اقضوا على طالبان، وإلا فنحن سنقوم بالمهمة. ذي نيشن الباكستانية، الصادرة بتاريخ 18 من ديسمبر/كانون الأول 2014 http://nation.com.pk/editors-picks/18-Dec-2014/coas-warns-kabul-of-hot-pursuit 
[10] – حسن بلال زيدي: وزير الدفاع الباكستاني يقول واشنطن ليست حليفًا موثوقًا. انظر: صحيفة الدون الباكستانية، الصادرة بتاريخ 26 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 http://www.dawn.com/news/1146987

نبذة عن الكاتب