الدول المغاربية وعاصفة الحزم بين الدعم والتحفظ

أنتجت عملية عاصفة الصحراء واقعا مغاربيا متباينا من حيث المواقف، حيث أعلن المغرب دعمه للعملية، وامتنعت الجزائر عن ذلك بما يتوافق مع عقيدتها العسكرية، واختارت تونس موقفا توفيقيا بين دبلوماسيتها التقليدية وحكومتها التعددية، ودعمت أطراف الأزمة الليبية العملية، التي اعتبرتها موريتانيا عملا عربيا مشتركا.
20154894854110580_20.jpg
أنتجت عملية عاصفة الصحراء واقعًا مغاربيًّا متباينًا من حيث المواقف السياسية والعسكرية (أسوشيتد برس)

ملخص
تحلل هذه الورقة مواقف الدول المغاربية من عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن ضد حركة الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وتجسد مواقف الدول المغاربية من عاصفة الحزم بوضوح طبيعة ومستوى علاقتها بدول الخليج. فالمغرب الذي يرتبط بعلاقات متقدمة واستراتيجية مع أغلب دول الخليج أعلن دعمه ومشاركته في عاصفة الحزم منذ البداية، بينما اختارت تونس موقفًا توفيقيًّا بين دبلوماسيتها التقليدية من جهة وتشكيلة حكومتها متنوعة الأطياف من جهة أخرى. أما الجزائر فإنها عبَّرت عن موقف يعكس مستوى علاقتها بدول الخليج ويتوافق مع عقيدتها العسكرية التقليدية، وينسجم إلى حد ما مع سياستها الخارجية الراهنة. ورغم التنازع على الشرعية في ليبيا، فإنّ فُرقاء الأزمة عبروا عن دعمهم لهذه العملية.

أما بالنسبة لموريتانيا، فإنّ موقفها المساند لعاصفة الحزم التي اعتبرها الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، “عملًا عربيًّا مشتركًا”، فلا ينتظر أن يكون له تأثير ذو شأن على وضعها الإقليمي باستثناء إمكانية مساهمة تطابق الموقفين المغربي والموريتاني في هذه العمليات العسكرية في تحسن العلاقات بين البلدين.

مقدمة

تهدف هذه الورقة إلى تحليل مواقف الدول المغاربية من عاصفة الحزم التي يشنُّها التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية بمشاركة مجموعة من الدول العربية والإسلامية منذ يوم الخميس 26 مارس/آذار 2015 في اليمن ضد قوات جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. ويشارك في هذا التحالف عشر دول، منها خمس دول خليجية وهي السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين، وخمس دول عربية وإسلامية وهي الأردن والمغرب ومصر والسودان وباكستان. وقد أثارت المشاركة المغربية في هذه العمليات العسكرية ردود فعل مختلفة، لاسيما أن مواقف الدول المغاربية لم تكن منسجمة إزاء هذه الحملة العسكرية.

إن تحليل مواقف الدول المغاربية من عاصفة الحزم لا يمكن أن يتم بمعزل عن رصد طبيعة العلاقات المغاربية-الخليجية الحالية التي تتحكم فيها عوامل مختلفة، وهذا ما يستدعي الربط في هذه الورقة التحليلية بين هذه العمليات العسكرية وطبيعة العلاقات التي تربط بين دول الخليج الأساسية وكل دولة مغاربية على حدة. والعلاقات المغاربية الخليجية الحالية هي ذاتها انعكاس لطبيعة النظام الإقليمي العربي الراهن المتسم بالفوضى، مما يدفع دوله إلى السعي لضمان أمنها من خلال الاعتماد على الذات عبر آليتين أساسيتين وهما: أولًا تعزيز قدراتها العسكرية، وثانيًا نسج تحالفات عسكرية وسياسية، وهو ما نشاهده اليوم في تحالف عاصفة الحزم.

ستركز هذه الورقة على تحليل مواقف الدول المغاربية الرئيسية وهي المغرب والجزائر وتونس. ويجدر الذكر أن موريتانيا أيّدت دعمها لعاصفة الحزم التي اعتبرتها عملًا عربيًّا مشتركًا، وهذا ينسجم تمامًا مع طبيعة علاقة موريتانيا مع دول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات والكويت. وأما ليبيا فرغم التنازع على السلطة الشرعية، فإن الفُرقاء الليبيين الأساسيين (حكومة الإنقاذ الوطني ومن ورائها ثوار فجر ليبيا، وحكومة الثني في طبرق) عبّروا عن دعمهم الصريح لعاصفة الحزم. واختلفت مواقف الدول المغاربية الثلاث الأساسية من عاصفة الحزم، فبينما يشارك المغرب عمليًّا في العمليات العسكرية الجوية من خلال طائراته المرابطة في دولة الإمارات، فإن تونس تفهمت دواعي هذه الحملة العسكرية مما يعني مساندتها لها وإن لم تشارك فيها، في حين نجد الجزائر تتحفظ عليها وترفض صراحة المشاركة فيها.

المغرب بين مقتضيات التحالف الاستراتيجي والحركية الدبلوماسية الجديدة

يمكن تفسير موقف المغرب المساند لعاصفة الحزم والداعم لها فعليًّا عبر مشاركة طائراته في الضربات الجوية تحت قيادة المملكة العربية السعودية من خلال عناصر متنوعة تميّز علاقة المغرب مع دول الخليج عمومًا، وخاصة السعودية، ويمكن إجمال هذه العناصر فيما يلي:

التطابق في الرؤى السياسية: لقد كان التطابق في الرؤى السياسية بين الأنظمة السياسية في الخليج والنظام المغربي من أهم أسباب دعوة دول مجلس التعاون الخليجي المغرب -إلى جانب الأردن- للانضمام إلى المجلس في عام 2011. ولم يكن منطلق هذه الدعوة فقط تشابه الأنظمة من حيث بنيتها وتوارث الحكم فيها، بل لأنّ تصوراتها إلى القضايا الدولية -لاسيما في المحيط الجهوي- غالبًا ما تكون متشابهة إلى حد التطابق. فهي عمومًا سياسة خارجية هادئة ومتحفظة، وترنو إلى الحفاظ على الوضع القائم ما لم يكن هناك تهديد جديّ لتوزيع القوى القائم، فآنذاك تجدها تتحالف فيما بينها لإعادة ميزان القوى إلى ما كان عليه. وقد لاحظنا ذلك عندما حاول صدام حسين أن يلحق الكويت بالعراق، ونشاهده اليوم بعد ما وجدت هذه الدول أن سيطرة الحوثيين على اليمن من شأنه أن يغيِّر موازين القوى جذريًّا لصالح إيران.

الإطار القانوني الاتفاقي: إضافة إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك ومقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية، هناك أيضًا تقدُّم في علاقات المغرب العسكرية والأمنية مع دول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات(1). وقد شارك المغرب منذ بداية السبعينات من القرن الماضي في تكوين وتدريب قوات خليجية خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعندما غزا صدام حسين الكويت، أرسل المغرب 1200 عنصر من قواته العسكرية للدفاع عن السعودية، وساند التحالف العسكري الذي قاد إلى تحرير الكويت وكبح قوات صدام حسين. وللمغرب علاقات أمنية وعسكرية وطيدة مع دولة الإمارات بدأت منذ بداية تأسيس هذه الدولة، وفي عام 2006 عقد المغرب اتفاقًا عسكريًّا متعدد الأبعاد مع الإمارات شمل التكوين وتبادل المعلومات والعمليات المشتركة. وقد شهد التعاون العسكري والأمني بينهما تقدمًا كبيرًا عام 2014 من خلال إبرام اتفاقيات متنوعة في هذا المجال، وقد تجسد هذا التعاون عمليًّا من خلال مشاركة طائرات مغربية إلى جانب دولة الإمارات في الضربات التي تشنها هذه الأخيرة ضد تنظيم داعش في العراق.

الحيوية الجديدة في الدبلوماسية المغربية: وتظهر في سعي المغرب لتنويع شركائه وتعزيز حضوره الإقليمي في كلٍّ من إفريقيا جنوب الصحراء والعالم العربي. ويبدو واضحًا أن المغرب يعمل بشكل حثيث لتجاوز دبلوماسية المقعد الشاغر، ولا يريد أن يغيب عن الفضاء العربي خلال هذه المرحلة الحاسمة التي يتم فيها إعادة رسم خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة.
 
المرونة في اتخاذ القرار العسكري: لا يزال الشأن العسكري في المغرب مجالًا محفوظًا للملك وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية(2)؛ مما يجعل عملية اتخاذ القرار العسكري تتسم بالمرونة، خاصة أن المجلس الأعلى للأمن الذي أُنشئ بمقتضى دستور عام 2011 لم يصدر بعدُ القانون المنظم له والمحدد لاختصاصاته. فرغم أن الدستور المغربي في الفصل 99 جعل قرار إشهار الحرب من اختصاص المجلس الوزاري بعد إحاطة البرلمان من لدن الملك، فإنّ تعريف الحرب وتمييزها عن العمليات العسكرية المختلفة، يجعل الملك طليق اليد فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التي لا تندرج ضمن المفهوم التقليدي للحرب.

الوضع الداخلي في المغرب: حظيت المشاركة المغربية في عاصفة الحزم حتى الآن بتأييد صريح أو ضمني من كل الأحزاب الممثلة في البرلمان باستثناء حزب واحد وهو الحزب الاشتراكي الموحّد(3) ، عكس الجزائر مثلًا التي رفضت فيها بعض الأحزاب أيّ مشاركة للجيش الجزائري في هذه العمليات العسكرية. ويفسِّر هذا التأييد العام للحرب ضد الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح، بالتعاطف الكبير للشعب المغربي مع الانتفاضة اليمنية ضد الرئيس السابق الذي يحاول الآن إجهاض أهدافها والعودة إلى الحكم من جديد.

الجزائر بين العقيدة العسكرية التقليدية ونظرية اللعبة الصفرية

إذا كانت العوامل التي حددت الموقف المغربي من عاصفة الحزم دفعته تلقائيًّا للتماهي مع الموقف الخليجي، فعلى النقيض من ذلك فإنّ محددات سياسة الجزائر الخارجية على المستوى الجهوي تجعلها تتحفظ على هذه العمليات وعدم مساندتها لها، ويمكن اختصار أبرز هذه المحددات فيما يأتي:

العقيدة العسكرية الجزائرية: وهي التي تجعل الجزائر تمتنع حتى الآن من إشراك قواتها العسكرية خارج الحدود(4). وقد مورست عليها ضغوط دولية كثيرة لإشراكها في العمليات العسكرية في شمال مالي عام 2012 إلا أنها امتنعت، واكتفت بالموافقة على هذا التدخل الذي قادته فرنسا بعد ضغط دولي كبير. وعمومًا فإن الجزائر تتحفظ على استعمال القوة العسكرية لحل النزاعات الدولية، وتجسّد ذلك في مرات كثيرة في العالم العربي، مثل رفضها لحرب الخليج الثانية وغزو العراق والضربات العسكرية الدولية في ليبيا، ورفضها الدائم لاستعمال القوة العسكرية ضد نظام الأسد.

الانشغال الدبلوماسي بإفريقيا: عُرفت الدبلوماسية الجزائرية بتركيزها الكبير على القارة الإفريقية لاسيما جنوب الصحراء، حيث نسجت علاقات قوية مع حلفائها الأفارقة الأساسيين الذين يشاطرونها مواقفها الخارجية لاسيما جنوب إفريقيا ونيجيريا وزيمبابوي وأنجولا وغيرها، بينما كان حضورها على الساحة العربية ضعيفًا، لاسيما بعد حصار نظام صدام حسين ثم سقوطه، والأزمة السورية الحالية، حيث لم يعُدْ للجزائر حلفاء عرب أقوياء يمكن الاعتماد عليهم.

العلاقات الجزائرية-الإيرانية: يمكن أن تُفسِّر علاقةُ الجزائر مع إيران جزئيًّا الموقفَ الجزائري، وقد تأكد ذلك في مناسبات أخرى مثل رفضها التدخل العسكري الدولي في سوريا. حيث إن التقارب الجزائري الإيراني الحالي بسبب ملف سوريا، وانخفاض سعر النفط يفسر أيضًا هذا الموقف الجزائري المتحفظ من عاصفة الحزم. وقد كان للجزائر دومًا علاقات جيدة مع إيران بعد الثورة التي قادها الخميني عام 1979(5)، عكس المغرب الذي كانت له علاقة جيدة مع إيران الشاه الذي استُقبِل في المغرب بعد الإطاحة به، بينما لم يكتف الملك الراحل الحسن الثاني بمعارضة إيران بعد الثورة، بل وصل به الحد إلى تكفير الخميني رسميًّا.

الوضع الجزائري الداخلي: المواجهة المستمرة للجماعات المسلحة، وأيضًا الاضطرابات الاجتماعية خاصة في الجنوب بسبب بدء استغلال الغاز الصخري يمثل أحد العوامل التي تدعو الجزائر للتركيز في هذه الفترة على شؤونها الداخلية، وعدم الانشغال بقضايا دولية أو جهويّة شائكة، لاسيما أن عاصفة الحزم قد يطول أمدها.

العلاقات المغربية-الخليجية: لا شك أن الشنآن السياسي القائم بين الجزائر والمغرب المشارك في هذه العمليات يفسِّر سير الدبلوماسية الجزائرية في هذا المنحى، بناء على منطق نظرية اللعبة الصفريّة، حيث لم يُسجّل خلال السنوات الأخيرة أيّ اتفاق بين الدبلوماسيتين المغربية والجزائرية في أيٍّ من القضايا الإقليمية إلا ما نَدَر. وترى الجزائر من خلال هذا التصور أن العلاقات المغربية الخليجية القوية والتي انتعشت أكثر خلال انتفاضات الربيع العربي قوَّت موقع المغرب سياسيًّا واقتصاديًّا في المنطقة؛ مما يعني تلقائيًّا خسارة للجزائر حسب هذا التصور. وللتذكير فإن الجزائر عبرت رسميًّا، على لسان السيد عبد العزيز بلخادم، وزير الدولة الجزائري السابق والممثل الشخصي السابق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عن استغرابها عندما دُعي المغرب من قِبل دول الخليج عام 2011 للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. ويضاف إلى هذا أن دول الخليج من أكبر الداعمين لموقف المغرب من نزاع الصحراء، بينما تقف الجزائر على النقيض من ذلك تمامًا بدعمها بكل الوسائل لجبهة البوليساريو.

الاختلاف حول آليات التحكم في أسعار النفط العالمية: شهدت العلاقات الجزائرية-الخليجية فتورًا ظاهرًا خلال الشهور الماضية، لاسيما بين الجزائر والسعودية؛ بسبب تناقض تصورات البلدين حول آليات مواجهة تراجع أسعار النفط ورفض السعودية والإمارات تخفيض إنتاجهما من النفط قصد التحكم في أسعاره في الأسواق العالمية؛ مما جعل الجزائر تعيد النظر في سياستها الخارجية تجاه دول الخليج، وتفكر في تشكيل تكتل في مجال الطاقة يحمي مصالحها إلى جانب كل من روسيا وفنزويلا وإيران، وهي الدول المتضررة من انخفاض أسعار النفط، إلى جانب سعيها إلى إحياء منظمة الدول الإفريقية المصدرة للنفط من خلال تنسيقها خلال الشهور الماضية مع كل من جنوب إفريقيا ونيجيريا وأنجولا. وقد وصل الحد ببعض السياسيين الجزائريين إلى اعتبار السياسة النفطية الجديدة لدول الخليج بأنها مؤامرة هدفها الإضرار بالجزائر، حيث صرّح مثلًا عمار سعداني، الأمين العام لجبهة التحرير الوطنية، أن السعودية متورطة في مخطط أميركي خليجي يستهدف الجزائر من خلال التلاعب بأسعار النفط(6).

تونس بين الإكراهات الداخلية والدبلوماسية التوفيقية

يمكن إرجاع موقف تونس المتفهِّم لعاصفة الحزم إلى محددين أساسيين: أوَّلهما داخلي وهو محدد مركّب من عوامل فرعية مختلفة، وأما المحدد الثاني فيرتبط بالدبلوماسية التونسية التقليدية.

المحدد الداخلي: يبدو أن الموقف التونسي المتفهم لهذه العمليات العسكرية والمساند لها، دون الإعلان عن الرغبة في المشاركة فيها يعكس طبيعة التشكيلة الحكومية الحالية المكوّنة من أطياف سياسية متنوعة، التي تضطر إلى اتخاذ مواقف خارجية توفيقية. إضافة إلى ذلك، فإن المشاكل الأمنية الداخلية التي تواجهها تونس خلال هذه المرحلة تعيقها أيضًا من الانخراط في أي معركة عسكرية خارج حدودها؛ لذلك يظل التأييد هو الموقف الواقعي والبراغماتي الأنسب لدبلوماسيتها خلال هذه الفترة على الأقل.

الدبلوماسية التونسية التقليدية: ينسجم موقف تونس من عاصفة الصحراء مع الدبلوماسية التونسية التقليدية التي كانت دائمًا في توافق مع دول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية. فقد اتسمت الدبلوماسية التونسية دومًا -إذا استثنينا موقف تونس المتحفظ من حرب الخليج الثانية(7)، وسياستها خلال مرحلة حكم الرئيس السابق المنصف المرزوقي- بالبراغماتية تجاه دول الخليج بإعطائها الأولوية للجوانب الاقتصادية. وقد تضررت تونس -إلى حد كبير- من الناحية الاقتصادية من موقفها المتحفظ من حرب الخليج الثانية؛ لذلك فإن الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي، سيحاول أن يتفادى الآثار السلبية لأي موقف غير محسوب من هذه الحرب على اقتصاد البلاد التي تحتاج إلى استثمارات أجنبية كبيرة؛ بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تمر بها. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس التونسي الحالي تعهّد خلال حملته الانتخابية بتحسين علاقة بلده بدول الخليج التي تراجعت نسبيًّا خلال حكم الرئيس المنصف المرزوقي. لذلك يمكن القول: إن الموقف التونسي الداعم لعاصفة الحزم حتى وإن لم تشارك فيها عمليًّا، أملته بشكل أساسي الظروف الداخلية لتونس التي تمر بمرحلة انتقالية.

وبعيدًا عن الأوضاع السياسية والأمنية المتدهورة في ليبيا والتي لا تسمح بالحديث عن موقف متطور من مجريات الأحداث في اليمن يأتي موقف موريتانيا، وقد ساندت موريتانيا عاصفة الحزم التي اعتبرها رئيسها محمد ولد عبد العزيز "عملًا عربيًّا مشتركًا"، إلا أنه لا ينتظر أن يكون له تأثير ذو شأن على وضعها الإقليمي باستثناء إمكانية مساهمة تطابق الموقفين المغربي والموريتاني في هذه العمليات العسكرية في تحسُّن العلاقات بين البلدين التي شهدت شنآنًا دبلوماسيًّا خفيًّا خلال السنوات الأخيرة(8). بيد أنه على مستوى العلاقات الموريتانية-الخليجية فسيكون للموقف الموريتاني تأثير إيجابي مهم، وسيُسهِم هذا الموقف في تجاوز سوء التفاهم الذي ساد بين الطرفين خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991 التي عارضتها موريتانيا بحكم علاقاتها الوطيدة مع العراق آنذاك، وأيضًا أثناء العمليات العسكرية الجوية في ليبيا التي أدت إلى إسقاط نظام القذافي الذي كانت له علاقة وطيدة بالنظام الموريتاني الحالي، كما قد يبدِّد هذا الموقف أيضًا التخوفات الخليجية من انتعاش علاقات موريتانيا مع إيران مقابل الفتور الذي دبّ في علاقاتها بدول الخليج. وينتظر أن يستفيد الاقتصاد الموريتاني من هذا الموقف، خاصة أن موريتانيا اليوم في أمسّ الحاجة إلى دعم اقتصادي ومالي، لاسيما أن الاستثمار الخليجي استنكف عن الحضور في الاقتصاد الموريتاني؛ بسبب موقف موريتانيا من حرب الخليج الثانية، وقد تكرس هذا الوضع أيضًا خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب الفتور في العلاقات بين الجانبين(9).

مستقبل المشاركة المغربية في عاصفة الحزم وتداعياتها السياسية

رغم أن السعودية باعتبارها قائدة عاصفة الصحراء لم تفصح في البداية عن كل الخطوات اللاحقة للخطة العسكرية الحالية، لكن يبدو من خلال التجارب السابقة أن الحملة العسكرية الجوية لا تحقق كل الأهداف، ولا يمكن من خلالها وحدها التحكم في الأرض ما لم تكن هناك قوات برية موالية تستفيد من التغطية العسكرية الجوية، كما حدث في ليبيا في 2011. ويبدو أن القوات الموالية للرئيس اليمني الحالي، عبد ربه منصور هادي، وقوات القبائل المساندة له غير قادرة حتى الآن على صدّ قوات الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح؛ مما سيجعل التحالف العسكري الحالي يضطر للنزول إلى الأرض، وقد صرح المتحدث باسم عاصفة الحزم، العميد أحمد عسيري، مساء يوم الثلاثاء 31 من مارس/آذار 2015 أن العمليات العسكرية الحالية هي خطة شاملة تشمل عمليات جوية وبرية وبحرية، وكل خطوة تأتي في وقتها، ولم يستبعد اللجوء إلى التدخل البري إذا استدعته الضرورة سواء بشكل محدود أو واسع. ونظرًا لجغرافية اليمن المختلفة عن ليبيا، فيتوقع أن تستعين السعودية بالقوات البرية المتحالفة معها، لاسيما أن المغرب كسب خلال حرب الصحراء تجربة في حرب العصابات التي قد تلجأ إليها قوات جماعة الحوثيين إذا انتقل التحالف العسكري إلى مرحلة التدخل البري في اليمن.

ومن جهة أخرى، فنظرًا لقوة مؤسسات المجتمع المدني في المغرب التي رغم أنها تتفهم حتى الآن دواعي عاصفة الحزم والمشاركة المغربية فيها ولم تعبِّر بعدُ عن معارضة منظمة من خلال مسيرات شعبية؛ فإنّ إطالة أمد هذه العمليات وسقوط عدد كبير من المدنيين أو سقوط جنود مغاربة في هذه المعركة سيُحرج صانع القرار العسكري في المغرب. لذلك فإن المشاركة المغربية إذا تحولت العمليات العسكرية إلى حرب برية ستكون رمزية، وستركز أكثر على الجوانب اللوجستية.

أما فيما يتعلق بالتداعيات السياسية لهذه العمليات العسكرية على العلاقات المغاربية البينيّة، فإن المشاركة المغربية في عاصفة الحزم ستعمق أكثر الخلاف السياسي المستعصي بين المغرب والجزائر، وستعزِّز تنافسهما على النفوذ، لاسيما إذا حاز المغرب من مشاركته في هذه العمليات العسكرية منافع سياسية واقتصادية مهمة. إنّ ما يرجّح هذا التوقع أن تنسيق السياسات الخارجية للدول المغاربية واتخاذ مواقف موحّدة لاسيما فيما يتصل بالقضايا الجهوية لا يزال أمرًا مستبعدًا؛ بسبب استمرار قضية الصحراء الغربية بدون حل، والتي تسمِّم العلاقات بين الدولتين المغاربيتين الرئيسيتين. لذلك يتوقع أن تستمر المنافسة وسوء الثقة بين هذين البلدين لأجل غير مسمى، وستبقى كل واحدة منهما تنظر إلى مواقف الدولة الأخرى بعين الريبة والشك، ما لم تحلّ قضية الصحراء نهائيًّا ويتم بناء اتحاد مغاربي متين ومتماسك. وهذا الوضع الصعب للعلاقات المغربية-الجزائرية، سيجعل أي مساعٍ دبلوماسية للوساطة أو الصلح بين البلدين في الوقت الراهن مآلها الفشل.

وفي ما يتعلق بالعلاقات المغاربية-الخليجية، فلن يحدث فيها تغير مهم بعد عاصفة الحزم، وسيستمر المغرب الشريك المغاربي الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي، وستتعزز العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، وستتحسن نسبيًّا علاقات دول الخليج مع كل من تونس وموريتانيا نظير موقفيهما المؤيِّد لعاصفة الحزم، بينما قد تتأثر العلاقات الجزائرية الخليجية؛ بسبب تحفظ الجزائر على هذه العمليات العسكرية، إضافة إلى الاختلافات العميقة حول سياسات التحكم في أسعار النفط العالمية.

خاتمة

تجسد مواقف الدول المغاربية الثلاثة الأساسية من عاصفة الحزم بوضوح طبيعة ومستوى علاقتها بدول الخليج. فالمغرب الذي يرتبط بعلاقات متقدمة واستراتيجية مع أغلب دول الخليج أعلن دعمه ومشاركته في عاصفة الحزم منذ البداية، ولم يفاجئ هذا الموقف العارفين بالسياسة الخارجية المغربية وتاريخها تجاه منطقة الخليج. في حين اختارت تونس موقفًا توفيقيًّا بين دبلوماسيتها التقليدية من جهة، وتشكيلة حكومتها متنوعة الأطياف من جهة أخرى. أما الجزائر فإنها عبرت عن موقف يعكس مستوى علاقتها بدول الخليج ويتوافق مع عقيدتها العسكرية التقليدية، وينسجم -إلى حد ما- مع سياستها الخارجية تجاه بعض الدول المعارضة لعاصفة الحزم خاصة إيران وروسيا.
__________________________
د. سعيد الصديقي: أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا-أبو ظبي، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله-المغرب.

المصادر
1- بشأن التعاون العسكري والأمني بين المغرب ودول الخليج وأشكاله، انظر: عبد الإله الزكريتي، "المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي: دراسة تقييمية لأبعاد التعاون"، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، المغرب، 2011- 2012، ص96- 105.
2- لمعرفة المزيد عن سلطات الملك العسكرية، انظر: سعيد الصديقي، "تطور الجيش المغربي: عهدان ونهج واحد"، مركز الجزيرة للدراسات، 23 من مارس/آذار 2015.
http://studies.aljazeera.net/reports/2015/03/201532364121389332.htm
3- بخصوص تأييد الأحزاب المغربية لعاصفة الحزم، انظر: الحسن أبو يحيى، “تأييد صامت لمشاركة المغرب في عاصفة الحزم”، موقع الجزيرة نت.
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/3/29/تأييد-صامت-لمشاركة-المغرب-في- عاصفة-الحزم
4- حول العقيدة العسكرية الجزائرية وتطور سياستها العسكرية، انظر:
Laurence Aïda Ammour, “Evolution de la politique de défenseAlgérienne,” Centre Français de Recherche sur le Renseignement, BULLETIN DE DOCUMENTATION N°7, Aou?t 2013.
http://www.cf2r.org/images/stories/bulletin_documentation/bulletin-documentation-7.pdf
5- لإلقاء نظرة سريعة على العلاقات الجزائرية والإيرانية، انظر: سيدي أحمد ولد سالم، "العلاقات الجزائرية-الإيرانية متينة في أغلب مراحلها"
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/fa4f91b0-143f-4ce3-95b2-9501faee601c
وانظر أيضًا:
Ariel Farrar-Wellman, “Algeria-Iran Foreign Relations,” May 9, 2010.
http://www.irantracker.org/foreign-relations/algeria-iran-foreign-relations
6- تناقلت وسائل إعلام مختلفة تصريح عمار سعداني، الأمين العام لجبهة التحرير الوطنية، انظر على سبيل المثال:
http://www.elhayat.net/article12165.html  ؛ http://alifpost.com /مستجدات/أزمة-صامتة-بين-الجزائر-والسعودية-على-خ ؛ http://elraaed.com/ara/watan/58697-سعداني-يتهم-السعودية-بإضعاف-الجزائر-في-سوق-%26quot%3Bالبترول%26quot%3B.html
7- بل ذهب وزير خارجية تونس آنذاك، الراحل الحبيب بولعراس، في 23 يناير/كانون الثاني 1991 إلى أن ما جرى ليس حربًا لتحرير الكويت، وإنما لتدمير العراق وإرهاب شعبه وتحطيم قدراته الاقتصادية وبنيته الأساسية وإمكانياته الصناعية. انظر: "مواقف وردود فعل تونس خلال مرحلة عاصفة الصحراء".
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/IraqKwit/27/sec25.doc_cvt.htm
8- انظر تصريح سعيد الصديقي (كاتب المقال) لموقع العربية نت حول التوتر الصامت في العلاقات المغربية-الموريتانية خلال السنوات الأخيرة، والتي لا تزال تداعياتها قائمة حتى الآن:
http://www.alarabiya.net/articles/2011/10/19/172485.html
9- انظر حوار الرئيس الموريتاني مع جريدة الرياض الذي اعترف فيه بوجود فتور في العلاقات الموريتانية-الخليجية، وغياب دول الخليج عن الاستثمار في موريتانيا، جريدة الرياض، العدد 15091، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2009.
http://www.alriyadh.com/467238

نبذة عن الكاتب