جمهورية الكونغو الديمقراطية: البحث عن سلام بعيد المنال

يتناول الباحث الكيني والجامعي لوك أوبالا في هذا التقرير مسار السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت تعرف بزائير واقفا عند منعطفات هذا السلام المتعرجة ومستشرفا الآفاق التي من الممكن أن تؤول إليها سيرورة هذا البلد الإفريقي ذي الفرص الواعدة والذي مزقته الاستقطابات والصراعات.
2015817112129257734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
لا تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية زائير سابقا تعاني من غياب الاستقرار والصراع المتجدد بعد خمسين سنة من الاستقلال عن فرنسا؛ إذ تفتَّتت البلاد بعد الاستقلال على أسس عرقية وقبلية ومناطقية، وشهدت صراعات دامية ومستمرة، نتجت في معظمها عن سوء ممارسة القيادة، والتنافس على الموارد الطبيعية، والنزاع على حقوق المواطنة، وتهميش واستبعاد الآخرين من الانتفاع بموارد الدولة. كانت نتائج الصراعات مدمِّرة على البلاد والسكان، عانت بسببها أجيال عديدة، وتصاعدت الشكوك بين المواطنين؛ دفعت آثار الصراع الهيئات الدولية والإقليمية والإفريقية وكذلك الحكومات إلى الضغط من أجل إحلال السلام الدائم في البلاد؛ ومن ثَمَّ أنشئت بعثة لحفظ السلام تحت قيادة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، واستُمِدَّت منها العديد من الدروس للمعنيين بالسلام، من ضمنها الحاجة إلى اتخاذ إجراءات تعاونية ترتكز على بناء الشراكات، وتعبئة الموارد، وكذلك توفير دعم سياسي قوي على المستويات المحلية والوطنية والدولية، تخلُص هذه الورقة البحثية إلى أن عملية السلام لا تزال معقدة ومليئة بالغموض، وأن نجاح عملية السلام يتطلب صدق الجهات المعنية والتزامها.

مقدمة

جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقًا) بلد شاسع به الكثير من الموارد الهائلة غير المستغلة، وخلال 50 عامًا بعد الاستقلال دخلت البلاد في صراعات مستمرة، ترتبت عليها آثار مدمرة على الشعب والاقتصاد والتقدم العام المحرز؛ الأمر الذي دفع بعض الجماعات الإقليمية والدولية إلى محاولة استعادة السلام الدائم في البلاد؛ إلا أن عملية التفاوض من أجل إحلال السلام تباطأت في معظم الأحيان إلى حدٍّ يُثير الإحباط، كما أن العديد من اتفاقات السلام سرعان ما تمَّ خرقها لتتجدد الصراعات تارةً أخرى بعد فترة وجيزة من التوقيع عليها.

يُنظر إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية عمومًا على أنها في حالة حرب دائمة على الرغم من المحاولات المبذولة لإحلال السلام المستدام؛ يشير التاريخ الحديث للبلاد أنه بعد سنوات من الهدوء النسبي في عهد الرئيس موبوتو، ظهر تمرد جديد في الجزء الشرقي من البلاد بدعوى الإطاحة بالرئيس السابق موبوتو سيسي سيكو؛ حيث بدأ التمرد في مدينة غوما في منتصف التسعينات من القرن العشرين، أعقبه تمرد آخر ظهر كذلك في شرق البلاد أواخر التسعينات، واستمر الصراع في شرق الكونغو حتى بعد الوصول إلى اتفاقات سلام عدة، وتسبب في وجود ما يزيد على 12 من الميليشيات والجماعات المتطرفة الأجنبية والكونغولية في شرق الكونغو، كما تسبَّب في فشل تنفيذ اتفاقات السلام التي وقعتها الأطراف تنفيذًا كاملًا(1).

أضحت الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر تعقيدًا نظرًا إلى بعض العوامل الداخلية والخارجية، من ضمنها المزيج الذي نتج عن القوات الرواندية السابقة من جهة وميليشيا "إنتراهاموي"من جهة أخرى، وزاد من تعقيد الأمر ظهور الجماعة المتمردة الأوغندية المعروفة باسم "جيش الرب للمقاومة"؛ التي سعت إلى الإطاحة بموسيفيني من السلطة في أوغندا.

وفي محاولة للحدِّ من النزاعات وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وافقت حكومتي رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في أواخر عام 2008 على شن هجوم عسكري مشترك ضد "المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب الكونغولي" و"القوات الديمقراطية لتحرير رواندا". كما اتفقت الحكومتان على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتفعيل التعاون الاقتصادي بينهما، وفي يناير/كانون الثاني 2009 شنت رواندا والكونغو عملية عسكرية مشتركة في شرق الكونغو(2)، وفي أواخر شهر فبراير/شباط انسحبت القوات الرواندية من جمهورية الكونغو الديمقراطية ضمن اتفاقية عُقِدَت بين البلدين. أضعفت العمليات العسكرية المشتركة من قدرة الجماعات المتمردة في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى حدٍّ كبير؛ مما أعطى الأمل لتحقيق السلام في المنطقة.

تعقُّد الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية

اتسم التاريخ الحديث لجمهورية الكونغو الديمقراطية بالصراعات؛ التي اشتعلت جراء الأحداث التي وقعت في الجزء الشرقي من البلاد وفي الدولتين المجاورتين؛ أوغندا ورواندا(3)؛ حيث نزح مليون شخص إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أثناء الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 وبعدها، وانتقل الصراع أثناء ذلك من رواندا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وامتدَّ أثره على السكان المحليين، أسهم ذلك في ظهور انتفاضة التوتسي في المنطقة عام 1996 وظهور التمرد المدعوم من رواندا وأوغندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأدَّى الصراع في النهاية إلى الإطاحة بالحكومة الكونغولية.

من أكبر المشكلات التي تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية مشكلة تشتت المصالح بتشتت البلاد وشعبها، كان نتيجة ذلك أن أصبحت البلاد في بؤرة ما يسميه بعض المراقبين "الحرب العالمية الإفريقية"(4)؛ وذلك بين القوات الحكومية المدعومة من أنغولا، وناميبيا، وزيمبابوي، والمتمردين المدعومين من أوغندا ورواندا؛ التي حصدت في أعقابها أرواح ما يقرب من 6 ملايين شخص كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للقتال، ونتج عن ذلك أسوأ حالات الطوارئ في إفريقيا في العقود الأخيرة(5)، وأدت الحرب في النهاية إلى أزمة إنسانية خطيرة في البلاد.

زاد من تعقيد الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية اتساع الفجوة بين أثرياء البلد وفقرائها؛ فالبلد غني بالموارد الطبيعية الهائلة، غير أنه على الرغم من ذلك غير قادر على توفير البنية التحتية الأساسية لغالبية السكان، جذبت ثروات البلاد المغامرين الجشعين، والشركات متعددة الجنسيات منزوعة الضمير، وأسياد الحرب الشرسين، والحكومات الفاسدة، وأدت إلى تقسيم المجتمع بين الجماعات العرقية المتنازعة(6).

جمهورية الكونغو الديمقراطية كبيرة الحجم، تماثل في مساحتها مساحة أوروبا الغربية، ومن المفارقات العجيبة أن هذه المساحة الكبيرة قد أدَّت إلى تفاقم المشكلات في البلد منذ فترة الاستعمار حتى الآن؛ الأمر الذي دفع الرئيس السابق موبوتو إلى محاولة تغيير الوضع بعد وصوله إلى السلطة التي تولاها بينما البلاد الشاسعة في طريقها نحو التفكك. استمرت الحروب بين الفصائل المسلحة من أبناء المناطق كما كانت أثناء النضال من أجل الاستقلال، كان هدف موبوتو ساعتها هو توحيد البلد المنقسم؛ فسعى إلى سحق الجماعات المتمردة لهذا الغرض، وانتهى به المطاف إلى تغيير اسم البلد إلى "زائير".

غير أن معظم الدراسات التي أجريت على موبوتو تشير إلى أنه بمجرد أن استطاع السيطرة على معظم أنحاء البلاد، انهمك في نهب ثرواتها، وشرع في استغلال الثروات لغرض البقاء في السلطة، حتى فقد السيطرة على البلاد في النهاية؛ وسارع في سقوطه الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994؛ التي أغرقت البلاد في أكثر الصراعات دموية في تاريخ إفريقيا(7).

خلص العديد من المراقبين إلى أن الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية ترجع أسبابها أولًا وأخيرًا إلى الموارد، وعلى الرغم من أن الموارد تمثل عاملًا مهمًّا في الصراعات بجمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن الوصول إلى استنتاجات عامة سريعة يؤدي إلى تقويض دراسة بعض القضايا الأساسية المهمَّة؛ مثل: قضية الهوية في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ خاصة فيما يتعلق بهوية التوتسي، وقضية تطوير البنية التحتية، وقضية غياب نفوذ السلطة الحاكمة في بعض أنحاء البلاد. وفي الواقع، دفعت أزمة الهوية القوات المتمردة المسلحة إلى استغلال الموارد الطبيعية الهائلة وتأجيج الصراع المستمر في البلاد؛ وبالتالي فإن البحث عن السلام المستدام في جمهورية الكونغو الديمقراطية يجب أن يضع هذه العوامل في الاعتبار.

السلام وأصحاب المصالح

تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية مليء بالصراعات ومحاولات السلام الفاشلة، حاولت بعض الجماعات التوسط لإحلال السلام بين الجماعات المتحاربة؛ التي آل بها الأمر إلى الانكسار بعد توقيع اتفاقية السلام، وشهدت السنوات الأخيرة الماضية محاولات من بعض الهيئات الإقليمية؛ مثل "الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي"، وأصحاب النفوذ للتوصل إلى تسوية بشأن النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ لكن الأمر واجهته صعوبات كبيرة؛ بيد أن بصيص الأمل في إحلال السلام عاد عندما وقَّعت الأطراف المتحاربة اتفاقًا لوقف إطلاق النار بمدينة لوساكا في 10 من يوليو/تموز 1999(8).

ينطوي اتفاق السلام على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة تتألف من الأطراف المتحاربة؛ وذلك إلى جانب إنشاء فريق من المراقبين من منظمة الوحدة الإفريقية/الأمم المتحدة، تتألف اللجنة العسكرية المشتركة من ممثلين اثنين من كل طرف من أطراف النزاع تحت رئيس محايد يتم تعيينه من قبل منظمة الوحدة الإفريقية؛ رشح الموقعون من أطراف الصراع ممثلين في اللجنة بالفعل، وكانت واجبات فريق المراقبين من اللجنة العسكرية المشتركة ومنظمة الوحدة الإفريقية/الأمم المتحدة تتمثل في التحقيق في انتهاكات وقف إطلاق النار، ووضع آليات لنزع سلاح الميليشيات، ورصد انسحاب القوات الأجنبية، وشرعت اللجنة العسكرية المشتركة والمجموعات المراقبة في تنفيذ عمليات حفظ السلام؛ التي انتهت بنشر قوة حفظ السلام الدولية عام 1999(9)، وأقر مجلس الأمن نشر 90 مراقبًا عسكريًّا في 6 من أغسطس/آب 1999(10).

من المهم أن ندرك أن الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية اشتركت فيه جماعات عدة، كان من ضمنها "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، و"المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب" و"جيش الرب للمقاومة"، و"ميليشيا مايماي تشيكا"، و"تحالف القوى الديمقراطية"، ويكفي هنا ذكر نبذة مختصرة عن كل مجموعة من هذه المجموعات على النحو التالي:

القوات الديمقراطية لتحرير رواندا: تتألف القوات الديمقراطية لتحرير رواندا من متطرفي الهوتو الروانديين؛ الذين دخلوا الكونغو بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وهاجمت هذه القوات المدنيين مرارًا، كما حدث في يناير/كانون الثاني 2012 عندما قتلوا 26 شخصًا جنوب كيفو، وتورطت كذلك في تجنيد الأطفال. ذكرت هيومن رايتس ووتش أن هذه القوات قتلت 314 مدنيًّا في هجمات مختلفة بين إبريل/نيسان 2012 ومايو/أيار 2013؛ ومن ثَمَّ ظلت القوات الديمقراطية لتحرير رواندا -على الرغم من ضعفها- شريكًا مهمًّا في الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول 2013، أكدت أوكسفام أن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات تحرير رواندا، إلى جانب جماعات متمردة أخرى، لا يمكن أن تنسى في ضوء الهزيمة المفاجئة التي مني بها متمردو حركة 23 من مارس/آذار.

"ماي ماي تشيكا": شاركت "ماي ماي تشيكا" في العنف الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال مهاجمة المدنيين وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تشكلت المجموعة عام 2009 من قِبَل رجال أعمال الموارد المعدنية، وشاركت في الصراع الذي اشتد مع المتمردين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، قبل ذلك اكتسبت "ماي ماي تشيكا" سمعة سيئة بارتكاب سلسلة من أعمال العنف الجنسي لا مثيل لها عام 2010.

في الواقع، ارتكبت القوات الرواندية ومتمردو "ماي ماي تشيكا" أعمال اغتصاب جماعي لأكثر من 240 شخصًا في شرق الكونغو خلال الفترة من 30 يوليو/تموز إلى 4 من أغسطس/آب 2010، كما نهبت المنازل والمحلات التجارية التي امتلكها من تعرَّضوا للاغتصاب، وقعت هذه الجرائم على بعد أميال قليلة من قاعدة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ لكنَّ بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية لم تكن قادرة على حماية المدنيين من الكونغوليين.

أدى ذلك إلى اعتراف أتول كهاري؛ الذي كان حينها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، بفشل استجابة الأمم المتحدة للأحداث التي أدَّت إلى ارتكاب أعمال وحشية غير مقبولة ضد سكان القرى في المنطقة، وعند التحقق من الأمر دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى محاكمة سريعة وعادلة لمرتكبي هذه الأعمال، كما دعا إلى تعزيز بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية في "التفاعل مع السكان المدنيين"، وبعد وقوع عمليات الاغتصاب الجماعي، توقعت مارغوت والستروم -الممثل الخاص للأمين العام المعني بالعنف الجنسي في حالات الصراع- تجدد الهجوم على الضحايا في المستقبل من قِبَل القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث كان "هناك بالفعل بعض المعلومات من قوات حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية تفيد بأن أفراد القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية هم الذين ارتكبوا عمليات الاغتصاب والقتل والنهب".

تحالف القوى الديمقراطية: كان تحالف القوى الديمقراطية الذي تدعمه أوغندا موجودًا بالفعل منذ منتصف التسعينات من القرن العشرين، ارتكب أفراد تحالف القوى الديمقراطية أعمال اختطاف؛ وذلك على الرغم من أنه كيان صغير بالمقارنة مع الجماعات الأخرى، وعُرف بارتباطه بشبكات تنظيم القاعدة وحركة الشباب الإرهابية، كان هدف تحالف القوى الديمقراطية هو إقامة الشريعة الإسلامية في أوغندا، بيد أن القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية شنت عملية روينزوري عام 2010 في محاولة لطرد تحالف القوى الديمقراطية من جمهورية الكونغو الديمقراطية.

جيش الرب للمقاومة: كان جيش الرب للمقاومة الأوغندي تحت قيادة جوزيف كوني، زعيم الحرب سيئ السمعة المعروف بتجنيد الأطفال، وفي ديسمبر/كانون الأول 2009 قَتَل جنودُ جيش الرب للمقاومة أكثر من 300 شخص، واختطفوا أكثر من 250 شخصًا على مدى أربعة أيام في قرية مكومبو شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتلا ذلك هجمات مماثلة في السنوات اللاحقة؛ بالإضافة إلى ذلك لم تستطع القوات المسلحة في كثير من الأحيان حماية المدنيين الكونغوليين من هجمات جيش الرب للمقاومة؛ وذلك نظرًا إلى أن تركيز الحكومة الكونغولية انصب على "حركة 23 من مارس/آذار".

ومن ثَمَّ، فإن فهم الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية فهمًا جيدًا يستتبع فهم العوامل والتيارات الدفينة التي تسببت في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 وما نتج عنها في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ فمن الواضح من أول وهلة أن الإبادة الجماعية زادت من مطامع رواندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية بسبب وجود الميليشيات والقوات المسلحة الرواندية السابقة المسؤولة عن الإبادة الجماعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1994، حاولت تلك القوات أن تتخذ طريق العودة إلى رواندا بالقوة؛ ومن ثَمَّ كان موقف رواندا تجاه مشكلة الإنتراهاموي يتمثل في هزيمتهم عسكريًّا(11)، وبعد الإطاحة بنظام الهوتو عام 1994 على إثر الإبادة الجماعية، تفيد التقديرات بأن أكثر من مليوني شخص من الهوتو فروا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية خوفًا من أعمال انتقامية ضدهم من قبل الحكومة الجديدة التي يسيطر عليها التوتسي.

ومن بين الذين فرُّوا من رواندا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية الميليشيات المسؤولة عن جرائم الإبادة الجماعية(12)؛ التي سرعان ما تحالفت مع حكومة موبوتو، وشرعت في مهاجمة أعداد غفيرة من سكان التوتسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ الذين عاشوا في البلاد على مدى عقود عدة، أدى ذلك إلى اضطرابات خطيرة في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، واضطر مئات الآلاف من السكان إلى النزوح من منازلهم؛ ونتيجة لذلك، شرعت حكومة التوتسي في رواندا في دعم الميليشيات المتناحرة، وانخرطت في حروب مع ميليشيا الهوتو والقوات الحكومية الكونغولية كليهما.

في نهاية المطاف اقتحمت ميليشيا التوتسي، المتحالفة مع الجماعات المحلية الأخرى التي تدعمها أوغندا، مدينة كينشاسا، وأطاحت بحكومة موبوتو، وعينت لوران كابيلا رئيسًا، وغيرت اسم البلد مرة أخرى من "زائير" إلى "جمهورية الكونغو الديمقراطية"؛ لكن السيد كابيلا فشل في طرد ميليشيا الهوتو، وسرعان ما أرسلت رواندا الصغيرة، التي وضعته في السلطة، قوة جديدة للإطاحة به، حينها استنجد الرئيس كابيلا بزيمبابوي وناميبيا وأنغولا، وخاضت جميع الدول الست وغيرها على مدار السنوات الخمس التالية حربًا بالوكالة على الأراضي الكونغولية، وُجِّهت التهم إلى جميع الأطراف باستخدام الحرب غطاءً لنهب ثروات البلاد، ويقال: إن أكثر من خمسة ملايين شخص لقوا حتفهم في الحرب وتداعياتها، معظمهم من الجوع أو المرض أو الاثنين معًا، وعلى الرغم من إعلان إنهاء الحرب عام 2003، فإن الأوضاع ما زالت غير مستقرة في شرق البلاد(13).

مبادرات السلام وإسهامات جماعات المصالح

الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي
في 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وافق رؤساء البلاد أعضاء الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي على نشر فريق من خبراء عسكريين فورًا لتقييم العنف المتصاعد في البلاد؛ وذلك إلى جانب فريق إضافي لتقييم الوضع على الأرض، الأهم من ذلك أنه تمَّ إنشاء لواء تدخُّل تابع للأمم المتحدة من قِبَل المؤتمر الدولي المعني بمنطقة البحيرات الكبرى بدعم من الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي.

وفقًا لبعض التقديرات، قررت الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي في 8 من ديسمبر/كانون الأول 2012 نشر قوات الاحتياط تحت رعاية الجبهة القومية الإسلامية؛ وذلك بهدف تقليل تأثير رواندا وأوغندا على هذه القوة(14). وعقد الاتحاد الإفريقي مشاورات بشأن تفعيل الجبهة القومية الإسلامية في نهاية ديسمبر/كانون الأول؛ خاصة فيما يتعلق بدمجها أو فصلها عن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية(15)، وفي بداية شهر يناير/كانون الثاني 2013 سافر المستشار العسكري للأمم المتحدة إلى المنطقة؛ وذلك في محاولة للتوفيق بين جهود الأمم المتحدة والجهود الإقليمية الرامية إلى ترتيب الأوضاع الأمنية في الأجزاء الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي اجتماع على مستوى الوزراء حضره المستشار العسكري يوم 8 من يناير/كانون الثاني 2013، تمت مناقشة تكوين لواء للتدخُّل يتألف من قوات الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي ضمن إطار بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

المؤتمر الدولي المعني بمنطقة البحيرات الكبرى والاتفاق الإطاري في فبراير/شباط 2013
عقب تمرد "حركة 23 من مارس/آذار"، كان من الواضح لقادة منطقة البحيرات الكبرى أن ثمَّة حاجة ملحة لمعالجة العنف المتصاعد في منطقة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وحولها، استغل الرئيس الكونغولي كابيلا المؤتمر الدولي المعني بمنطقة البحيرات الكبرى كمنبر للنقاش، عقدت خلاله سلسلة من الاجتماعات التي أسفرت عن محادثات السلام في كمبالا.

في 24 من فبراير/شباط 2013، تم التوصل إلى اتفاق سلام توسط فيه مجلس الأمن بين رؤساء الدول في المؤتمر الدولي المعني بمنطقة البحيرات الكبرى، ووقَّع على الاتفاق كلٌّ من أنغولا وبوروندي وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو برازافيل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا، وجنوب إفريقيا، وجنوب السودان، وتنزانيا، وأوغندا، وزامبيا. ودعا الاتفاق رسميًّا إلى تحقيق "إطار من السلام، والأمن، والتعاون بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ودول المنطقة"، كما أكد ضرورة حلِّ قضايا العنف الجنسي ونزوح السكان، وانتهاكات حقوق الإنسان، وأشار إلى أن التقدم يبدأ مع انتهاء العنف.

الأهم من ذلك أن الاتفاق حدد الأدوار المترابطة والمستقلة للجهات الفاعلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية ودول المنطقة وداخل المجتمع الدولي. وعلى المستوى الإقليمي، وافقت جمهورية الكونغو الديمقراطية على إجراء المزيد من الإصلاح الهيكلي والعمل نحو اللامركزية، وتعهدت القوى الإقليمية باحترام سيادة القوى الإقليمية الأخرى، وتعزيز التعاون بين الدول(16).

دور الأمم المتحدة والدول الغربية في إنهاء الحرب
بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة موجودة في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عام 1999، وتُعَدُّ من أكبر عمليات حفظ السلام في العالم بوجود ما يقرب من 20 ألف فرد على الأرض، كُلِّفت البعثة بحماية المدنيين، والمساعدة في إعادة إعمار البلاد، وأدَّت دورًا أساسيًّا في تنظيم انتخابات ديمقراطية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما شنَّت عدة عمليات عسكرية ضد مختلف الجماعات المتمردة.

في فبراير/شباط 1999، وَقَّعت 11 دولة إفريقية على إطار السلام والأمن والتعاون لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة في أديس أبابا تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة؛ اتفقت الدول الموَقِّعة على عدم التساهل مع الجماعات المسلحة، أو تقديم أي نوع من أنواع الدعم لها؛ وعلى عدم إيواء أي شخص متهم بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، أو مدرج ضمن قائمة عقوبات الأمم المتحدة، أو توفير أي نوع من الحماية له، كما اتفقت على التعاون مع مبادرات العدالة الإقليمية. في هذا السياق، عين ماري روبنسون، الرئيس السابق لأيرلندا، مبعوثًا خاصًّا للأمم المتحدة لمنطقة البحيرات الكبرى من أجل دعم تنفيذ هذا الاتفاق.

في عام 1999، تم نشر بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ وذلك بغرض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق لوساكا الذي وَقَّعَت عليه الأطراف المتحاربة، ضمن أغراض أخرى كذلك. وشاركت البعثة أيضًا في عملية نزع السلاح والتسريح والإعادة إلى الوطن، وإعادة التوطين وإعادة الإدماج، وتسهيل الانتخابات التي أجريت عام 2006، كما كُلِّفت بحماية المدنيين عام 2000(17).

في شهر مارس/آذار أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نشر لواء التدخُّل، انتُدبت هذه القوة المكونة من 3000 فرد من القوات الإفريقية، ضمن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، للقيام بعمليات هجومية لتحييد الجماعات المسلحة في شرق الكونغو (هيومن رايتس ووتش، 2012).

لكنَّ تقريرًا أجراه بعض الخبراء بتكليف من الأمم المتحدة عام 2009 قال: إن تدخل الأمم المتحدة لم يفعل شيئًا لوقف العنف؛ بينما ما زال المتمردون المستمرون في القتل ونهب الموارد الطبيعية يفلتون من العقاب. ويرى التقرير أن المتمردين تدعمهم شبكة إجرامية دولية تمتد عبر إفريقيا إلى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، وحذَّرت هيومن رايتس ووتش من مخاطر أن تصبح الأمم المتحدة متواطئة في أعمال وحشية ضد المدنيين.

في أغسطس/آب 2010، وُجِّه اتهام لقوات الأمم المتحدة بأنها لم تحرك ساكنًا لوقف اغتصاب أكثر من 150 امرأة وطفلًا على بعد أميال قليلة من قاعدتهم قرب وفونغي، وأنهم لم يعرفوا ما جرى إلا بعد مرور 10 أيام على الهجمات، ولكي توائم الوضع المتغير، غيرت البعثة اسمها من "بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية" إلى "بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية".

في 24 من يناير/كانون الثاني 2013، أسفرت المحادثات بين زعماء المنطقة اتفاقًا بشأن إطار السلام والأمن التعاون لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة، ووافق الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي، ورئيس المؤتمر الدولي المعني بمنطقة البحيرات الكبرى على الاضطلاع بدور الضامن لهذا الاتفاق.

ينص إطار السلم والأمن والتعاون على مجموعة من المبادئ على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، من بينها: استكمال إصلاح القطاع الأمني وتعزيز سلطة الدولة على المستوى الوطني، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وعدم تقديم المساعدة أو الدعم للجماعات المسلحة على المستوى الإقليمي، ومراجعة استراتيجية بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية على المستوى الدولي. وتم إنشاء آلية رقابة إقليمية لتعزيز هذه المبادئ(18).

مثَّل التوقيع على إطار السلم والأمن والتعاون خطوة أساسية نحو قبول نشر لواء التدخل؛ ففي 28 من مارس/آذار 2013، اعتمد مجلس الأمن القرار 2098 لعام 2013، الذي ينص على إنشاء لواء للتدخل ضمن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ يتألف اللواء من 3 آلاف جندي من مالاوي وجنوب إفريقيا وتنزانيا.

في يوليو/تموز 2010، تحولت البعثة إلى البعثة القائمة حاليًّا، ألا وهي "بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية"، انتُدبت البعثة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار وتوطيد السلام(19).

استمر الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية على الرغم من وجود قوات الأمم المتحدة، ونشأ تمرد جديد في إبريل/نيسان 2012 متمثلًا في حركة 23 من مارس/آذار. ولأجل وضع حدٍّ لدوامة العنف المتكررة، أقرَّت الأمم المتحدة في مارس/آذار 2013 تشكيل لواء للتدخل ضمن إطار بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وحصل اللواء على تفويض صريح بالهجوم، بما في ذلك الحق في تحييد الجماعات المسلحة؛ تفيد التقارير بأن هذا التفويض هو الأول من نوعه في تاريخ الأمم المتحدة.

يقال عادة: إن الحاجة لمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة المسؤولين عنها كان مصدر قلق للمجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تعرض خلالها أكثر من 6 ملايين شخص لقتل منهجي من قبل النظام النازي لأسباب عرقية وجنسية وأسباب أخرى(20).

التحديات التي تواجه عملية السلام

اشتمل الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية على ثلاثة أبعاد: بعد محلي، وآخر وطني، وأخير إقليمي(21). استلزم الأمر التعامل مع عملية السلام على هذه المستويات الثلاثة جميعًا كي يعود السلام إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأتاح الأمر فرصة فريدة للمجتمع الدولي ليستأنف التعامل مع دول المنطقة، ويبرهن على التزامه تجاه عمليات السلام الإفريقية، ويعيد بناء الثقة مع الشركاء الوطنيين في وسط إفريقيا وشرقها وجنوبها.

ظل المجتمع الدولي على وجه الخصوص ثابتًا في دعمه للجهود الإقليمية المبذولة لاستعادة وحدة أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية وحل قضاياها الأمنية(22)، ومارس في هذا الإطار ضغوطًا مستمرة على جميع فصائل المتمردين لتوقيع اتفاق لوساكا لوقف إطلاق النار، كما مارس الضغوط على جميع الأطراف لاحترام هذا الاتفاق. على الجانب الآخر، مارست الولايات المتحدة ومجلس الأمن الضغط الدبلوماسي الإقليمي على أوغندا ورواندا لاحترام اتفاق كيسانغاني لوقف إطلاق النار، واحترام تعهداتها تجاه اتفاق لوساكا لوقف إطلاق النار، واتخاذ موقف مشترك بشأن مسألة التوقيع من طرف التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية، ليتسنى للكنغوليين بدء إجراء النقاش الوطني.

وعلاوة على ذلك، لاقت البعثة العسكرية المشتركة، وكذلك رئيسها الذي عينته منظمة الوحدة الإفريقية، دعمًا قويًّا مدروسًا، على أساس أن اللجنة العسكرية المشتركة مكونة من ممثلين عن الأطراف المتحاربة، ولا تخضع للإشراف أو المحاسبة من قبل هيئة محايدة، اضطلع الاتحاد الإفريقي (الذي كان معروفًا حينها باسم "منظمة الوحدة الإفريقية") بدور أكثر فعالية، ألا وهو التحكيم في الاتفاق.

دفعت الرغبة في نجاح عمليات التفاوض لأجل السلام المجتمع الدولي إلى حشد كل الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق استجابة استباقية غير عسكرية لمشكلة الإنتراهاموي والقوات المسلحة الرواندية السابقة من خلال الآتي: 

  • الضغط على حكومتي كابيلا وزيمبابوي لتسريح الإنتراهاموي والقوات المسلحة الرواندية السابقة كبادرة حسن نية في إحلال السلام في المنطقة. 
  • تشجيع الدول المجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية على بذل جهد خاص لاعتقال قادة الجماعات المسؤولة عن الإبادة الجماعية المدرجة أسماؤهم على قائمة المحكمة الدولية في أروشا.
  • دعم خطة التسريح وإعادة إدماج الإنتراهاموي والقوات المسلحة الرواندية السابقة، التي يتراوح عددها بين 30 ألف - 45 ألف فرد، وتستند هذه التجربة إلى نجاح  إدماج الإنتراهاموي والقوات المسلحة الرواندية السابقة (منذ فبراير/شباط 1999) في المجتمع الرواندي.

شهد ذلك تشجيع الحكومات الإقليمية على أن تكون شاملة في سياساتها، وأن توفِّر البدائل لإعادة إدماج الجماعات المتمردة في كلٍّ منها، كما كان متوقَّعًا أن تدعم تلك الحكومات قوة حفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية بتفويض حقيقي ملموس، بالطبع أدرك الجميع أن عملية السلام لن تنجح دون دعم من شعب جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ لاسيما في الحوار الوطني الكونغولي وحوار المصالحة، وأدَّى هذا الإدراك إلى إسهام مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية في العملية من خلال تقديم خبراء الدعم الفني إلى الوسيط.

لكنَّ عملية السلام معقَّدة وتحتاج إلى موارد هائلة؛ وقد أدَّى تفهُّم هذا الأمر إلى إنشاء كيان لتعبئة الموارد لأغراض عديدة من بينها تقديم المساعدة الإنسانية، وإعادة إعمار البنية التحتية وتأهيلها على المستوى المحلي، وإجراء مبادرات المصالحة على المستوى المجتمعي، ومن ضمن هذه المبادرات عملية "كيميا الثانية"، وعملية "يوموجا ويتو"، وعملية "أماني ليو" (السلام اليوم)؛ التي تمَّ إنشاؤها لتسهيل عملية السلام على المستوى المحلي.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن إلقاء اللائمة فقط على الموارد الطبيعية فيما يخصُّ النزاعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن المعادن في جمهورية الكونغو أدَّت دورًا مهمًّا في تأجيج الصراع؛ الأمر الذي أدَّى إلى سنِّ العديد من التشريعات الأساسية في الولايات المتحدة الأميركية فيما يخص "المعادن قيد النزاع" و"قانون الإغاثة والأمن وتعزيز الديمقراطية في جمهورية الكونغو الديمقراطية لسنة 2006"، ساعدت في إرساء السلام الدائم في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ ولهذه التشريعات تأثيرات بعيدة المدى على الكيانات متعددة الجنسيات؛ التي قد تشترك في النزاع من خلال المعاملات التجارية، وفي الوقت نفسه، وفَّرت هذه التشريعات دعمًا كبيرًا للإصلاح السياسي الداخلي والانضباط وإصلاح القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإصلاح القطاع الأمني، وتقديم الدعم لعملية نزع السلاح والتسريح والإعادة إلى الوطن، وإعادة التوطين، وإعادة الإدماج.

تأثير الصراع والدروس المستفادة من مفاوضات السلام

أودت الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية بحياة الملايين، وشرَّدت الكثير من الذين تعرضوا لمزيد من العنف والمرض وسوء التغذية، كما خلَّفت الصراعات جيلًا مضطربًا من الأطفال والصغار والبالغين، وفكَّكت كيانات السلطة وأواصر الثقة بين المجتمعات المحلية، وحطَّمت نظم التعليم والرعاية الصحية تمامًا، وعطَّلت طرق النقل والبنية التحتية، وألحقت أضرارًا لا تحصى بالبيئة في أراضي القارة، وممراتها المائية، ونباتاتها، وحيواناتها(23)، وأحدثت فوضى في الشعوب، بما في ذلك اغتصاب النساء والأطفال.

وبغضِّ النظر عن المستوى الذي ينظر من خلاله للأمر؛ فإن الدروس المستفادة من النزاعات وعمليات السلام تتباين بنفس تباين تأثيرات النزاعات على مختلف الجماعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ ومع ذلك فمن الواضح أن عملية السلام يجب أن تتكامل مع الاستراتيجية السياسية لتحقيق السلام الدائم في هذه الظروف؛ وبالتالي لابُدَّ من دمج عمليات السلام في النظام السياسي.

يستلزم تحقيق التعبئة الناجحة للموارد تأسيس علاقة واضحة بين مبادرات السلام والأهداف المرجوة؛ فعلى المستوى العالمي، يجب ألا تكون أهداف أي عملية متضاربة أو غير قابلة للتطبيق على المستوى التقني، بل يجب وضعها وتوضيحها مصحوبة بانتدابات واضحة ومرنة وموثوق بها، مع تنفيذ قواعد الاشتباك؛ فعلى سبيل المثال ينبغي أولاً لمقرري السياسات تجنُّب المشكلات الاستراتيجية التي انخرطت فيها بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ التي تم تكليفها بمساعدة حكومات كنغولية متعاقبة سببت المشكلات نفسها التي سببها المتمردون في البلاد.

ثانيًا: ينبغي لمقرري السياسات، بمجرد انتدابهم، وضع حدٍّ لاتساع الهوة بين مستويات القوة المصرح بها والعدد الفعلي للأفراد على الأرض؛ إذ تعيق هذه الفجوة فيما يخص عدد الأفراد قدرة البعثة على استغلال ما يعرف بالساعة الذهبية بعد توقف القتال مباشرة، كما تعد هذه الفجوة علامةً على فقدان الأطراف المتنازعة للإرادة السياسية داخل المنظمة صاحبة التفويض.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتضح للجميع أن بعثات حفظ السلام لابُدَّ أن تستند إلى مبدأ راسخ، وموقف قوي، وقواعد اشتباك واضحة، بحيث لا تضطر إلى "التخلي عن زمام المبادرة لصالح مهاجميها"؛ سيؤدي ذلك إلى تمكين البعثات من تحقيق مهامها الانتدابية، وكذلك حماية موظفيها والمدنيين المحليين. ومن وجهة النظر المثالية، يجب أن تكون الوحدات العسكرية داخل عمليات السلام قوية بما يكفي لردع الأطراف المتنازعة عن استخدام القوة ضد قوات حفظ السلام أو المدنيين؛ وهذا الأمر مهم للغاية؛ لأن البعثات الضعيفة سقطت ضحية للمخربين مرارًا(24).

كانت القضايا المتعلقة بتوليد القوة -أي نشر ما يكفي من قوات حفظ السلام على الأرض بسرعة- عنصرًا مهمًّا في بعثات حفظ السلام، ولكي تكون بعثات حفظ السلام ناجحة، يجب أن تُحدث تأثيرات سياسية معينة في مسرح الأحداث، كاستخدام القوة الغاشمة ضد المخرِّبين، أو حماية معسكرات النازحين وطرق الإمداد، وبسط سلطة القانون؛ لذلك ينبغي لمقرري السياسات ألا ينشغلوا بالأفكار ضيقة الأفق المتعلقة بنشر عدد بعينه من أفراد البعثة، والتركيز بدلًا من ذلك على القدرات اللازمة لتحقيق النتائج السياسية المنشودة(25).

يعتبر الاحتفاظ بالشرعية أمام الجمهور، بما فيهم الأطراف المتناحرة، والسكان المحليين المدنيين، والمنظمات الدولية غير الحكومية والحكومات الأجنبية، عاملًا مهمًّا لتحقيق النجاح في بعثات حفظ السلام، ومن الأهمية بمكان ألا تكون قوات حفظ السلام خاضعة أبدًا لرقابة شاملة على شرعيتها؛ لأن ذلك سيعتمد على تصورات الجهات الفاعلة الأخرى.

يصبح الوضع أكثر تعقيدًا عندما تصل الجماهير إلى استنتاجات مختلفة حول شرعية طرف من الأطراف، بعثات حفظ السلام التي ينظر إليها على أنها أعمال شرعية تحقق أهدافها في الغالب، ليس فقط لأنها تستقطب الأفراد والأموال والدعم السياسي بسهولة، وإنما لأن السكان المحليين سيوفرون لها ما تحتاجه من معلومات وأشكال المساعدة الأخرى كذلك.

تواجه بعثات حفظ السلام عندما يُنظر إليها على أنها غير شرعية صعوبات على كل الأصعدة، كما حدث مع بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال في ضوء تكلفتها الكبيرة، وبصرف النظر عن تفاصيل الانتداب، ربما تفقد بعثة حفظ السلام شرعيتها بسبب تصرفاتها وسلوكها، خاصة عندما يتم اتهام قوات حفظ السلام بارتكاب جرائم حرب، وبالنسبة إلى حالة جمهورية الكونغو الديمقراطية، غرقت بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية(26) في الفساد والاستغلال الجنسي وأعمال التحرش، وكان من المفترض أن تقوم بحماية المدنيين من العنف.

تقل احتمالية السلوك غير الشرعي عندما يتم تدريب قوات حفظ السلام تدريبًا جيدًا لمواكبة التحديات التي ربما تواجههم في الميدان، والالتزام بالقوانين والأخلاقيات المهنية، بالإضافة إلى حصولهم على الراتب الكافي خلال بعثاتهم، وضمان معاقبتهم حال إدانتهم بارتكاب أفعال غير قانونية.

إنَّ تَعَرْقُل بعثات حفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية لدليل على أهمية تحديد أولويات لتلك البعثات لدعم حفظ السلام بطريقة فعالة، ويتضح جليًّا من هذا الأمر أنه يجب على مقرري السياسات وضع المزيد من الموارد في عمليات السلام الفاعلة لمعالجة أسباب النزاعات المسلحة وأعراضها، كما يجب تقييم مزايا نشر بعثة لحفظ السلام من خلال الرجوع مباشرة إلى دراسة احتمالات تأسيس بعثة سلام ناجحة. 

لا تقتصر بعثات حفظ السلام الفاعلة على توفير المزيد من الأموال، على الرغم من أهمية رؤوس الأموال وإنفاقها إنفاقًا رشيدًا؛ ولكنها بالأحرى تتطلب توفير وساطة مستدامة ومدعومة من شخصيات وهيئات سياسية بارزة، وعلاوة على ذلك سيكون للوسطاء وفرقهم المتمركزين بشكل دائم في المنطقة المعنية تأثير أكثر إيجابية على الأرجح من تأثير المبعوث الخاص؛ الذي لا يقوم سوى بزيارات عابرة لمنطقة النزاع.

وتشير بعثات حفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية إشارةً واضحةً إلى الحاجة لتصميم استراتيجيات دخول وخروج أفضل، ويُعتقد بصفة عامة أن معرفة مكان نشر بعثات حفظ السلام وزمانها وتوقيت مغادرتها مسألة مهمة قلما تطرح للنقاش، وينبغي إدراكها في سياق الصراع الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفيما يتعلق بالانخراط في الأمر، ينبغي وضع مسألة القبول في الاعتبار: من الذي لابُدَّ من أخذ موافقته؟ ومن تكون موافقته مرغوبة ولكن ليست ضرورية؟ وما ينبغي فعله في حال رفضت بعض الأطراف إبداء موافقتها، أو وضعت شروطًا إضافية لها بعد نشر قوات حفظ السلام؟ ستساعد هذه المؤشرات المرتبطة بمسألة الموافقة في توضيح كيفية المضي قدمًا حين ينشأ الجدل بشأن كيفية إنهاء العمليات وتوقيت ذلك.

تدعو الحاجة دائمًا لاستثمار موارد أكثر وأفضل في عمليات السلام، من منطلق أن عمليات السلام الفاشلة تلحق ضررًا بالغًا بمصداقية المنظمات المشاركة، كما تضع السكان المحليين من المدنيين في موقف حرج؛ بل أحيانًا يتعرض مفهوم حفظ السلام نفسه للخطر(27)؛ لذلك ينبغي بذل أقصى جهد دولي لضمان نجاح أي بعثة من بعثات حفظ السلام فور اتخاذ قرار بنشرها، وفي الوقت المناسب ستقوم مجموعة من البعثات الناجحة بإنعاش فرق حفظ السلام، وتقوية مصداقية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأطراف الأخرى المشاركة في قوات حفظ السلام؛ مثل: الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي. وبناءً على ذلك، فإن قوات حفظ السلام تستحق موارد أكثر وأفضل لإنجاز مهامها العديدة المطلوبة.

ويتمثل الدرس المهم المستفاد من عملية السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية في الحاجة إلى الشراكة في عملية حفظ السلام، كما كان الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حسب اعتقاد بعضهم؛ حيث كانت عملية السلام عبارة عن شراكة بالفعل منحت المجتمع الدولي فرصة فريدة من نوعها للتفاعل مع دول المنطقة من جديد وإظهار الالتزام بعمليات السلام الإفريقية، وإعادة بناء المصداقية مع الأطراف الوطنية في وسط إفريقيا وشرقها وجنوبها، ظل المجتمع الدولي على وجه الخصوص ثابتًا في دعمه للجهود الإقليمية المبذولة لاستعادة وحدة أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية وحل قضاياها الأمنية؛ وذلك في ضوء الإخفاق في منع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

خاتمة

على الرغم من الانتقادات الكثيرة لبعثات حفظ السلام في شتى بقاع العالم، فإنها تبقى الأداة الأساسية التي يستخدمها المجتمع الدولي لفض النزاعات، وتشير الأدلة العملية إلى أن بعثات حفظ السلام أسهمت في تراجع وتيرة الصراعات في مناطق عديدة مزقتها الحرب.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه قد صاحب بعثات حفظ السلام بعض مخيبات الأمل، بما يبرز أهمية إجراء الإصلاحات ليتسنى لهذه البعثات أن تلبي رغبات المجتمع؛ وبالتالي فعلى صناع القرار والمحللين على حدٍّ سواء أن يعملوا لضمان توفير التوجيهات التشغيلية المعقولة لبعثات حفظ السلام بانتدابات واضحة وموارد كافية لتحقيق الأهداف المقترحة، وسيسهم النجاح في هذا الأمر في تقليل عدد الصراعات في إفريقيا وحجمها تدريجيًّا، والحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن العنف، وبالتالي تتاح فرصة التنمية الحيوية المستدامة.
________________________________________
لوك أوبالا: أستاذ محاضر بكلية البيئة العمرانية، نيروبي، كينيا.

سيد جويلي: إعلامي ومترجم مصري.

الحواشي والمصادر
1 - أليكس جيه، وبول دي، (2012)، توسيع قاعدة قوات الأمم المتحدة والبلدان المشاركة بقوات الشرطة، من أجل إحلال السلام. رقم 1، نيويورك: معهد السلام الدولي.
2 - بيراما ديوب، وجين ماكونفيل، (2012)، بناء قدرات الجسر الجوي لإفريقيا: استراتيجية لتعزيز الفعالية العسكرية، موجز إفريقيا الأمني رقم 22. واشنطن العاصمة.
3 - بول دي، (2011)، بعثات حفظ السلام في إفريقيا: الدروس المستفادة منذ عام 2000، واشنطن العاصمة.
4 - http://www.bbc.com/news/world-africa-13283212 ، 2015
5 - لامونت إس (2012)، الأمم المتحدة تخوض حربًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية: الجوانب القانونية للواء التدخل، منشورات الأمم المتحدة.
6- دائرة البحوث التابعة للكونغرس الأميركي، www.crs.gov ، 1 من سبتمبر/أيلول 2011.
7- http://www.monuc.org/Gender/downloads/OpEdDRCWomenWar.pdf . 2011.
8 - الفريق الدولي المعني بالأزمات، (1999)، "الاتفاق على وقف لإطلاق النار في جمهورية الكونغو الديمقراطية: دراسة تحليلية للاتفاق وآفاق السلام"، تقرير الفريق الدولي المعني بالأزمات بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية، رقم 5.
9 - اتفاق وقف إطلاق النار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
10 - قرار مجلس الأمن 1258، 6 من أغسطس/آب 1999.
11 -  تقرير الفريق الدولي المعني بالأزمات بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية، رقم 5، 20 أغسطس/آب 1999.
12-  المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، "نشرة إعلامية بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية"، 1: 1، (جنيف: المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة)، 24 من مايو/أيار 2004.
13-  انظر: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة S / RES / 2098 (2012).
14- ستيرنز، جيسون، "سياسة لواء التدخل: من بريتوريا إلى كيغالي"، 27 من إبريل/نيسان 2013، http://congosiasa.blogspot.se/2013/04/the-politics-of-intervention-brigade.html ، سبتمبر/أيلول 2013.
15 - الاتحاد الإفريقي، "الاجتماع بشأن الترتيبات الأمنية المزمع اتخاذها في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية ينتهي في أديس أبابا"، 28 من ديسمبر/كانون الأول 2013، http://www.peaceau.org/en/article/the-meeting-on-the-security-arrangements-to-be-established-inthe- eastern-part-of-the-democratic-republic-of-congo-ends-in-addis-ababa,، تم الدخول للصفحة في سبتمبر/أيلول 2013.
16 - http://www.crimesofwar.org/commentary/two-sides-to-every-story-congo-and-the- rwandan-genocide/  2015
17- انظر: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة S/Res/1234 (2000).
18- إطار السلام والأمن والتعاون لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة.
19- مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة S / RES / 1925 (2010).
20 –http://www.un.org/en/preventgenocide/rwanda/about/bgpreventgenocide.sht… 2015
21- الاتفاق على وقف إطلاق النار في جمهورية الكونغو الديمقراطية: تقرير الفريق الدولي المعني بالأزمات بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية، رقم 5، 20 أغسطس/آب 1999.
22- رايس إس، (2009). النقاش بشأن حفظ السلام، مجلس الأمن الدولي، نيويورك، 29 من يونيو/حزيران 2009، ويمكن الوصول إليها عبر الرابط: http://usun.state.gov/briefing/statements/2009/125798.htm
23- بيج إف، (2008)، هل لحفظ السلام؟ تشكيل خيارات المتحاربين بعد الحرب الأهلية (برينستون: مطبعة جامعة برينستون).
24- تقرير الفريق المعني ببعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وثيقة الأمم المتحدة،   A/55/305–S/2000/809 (نيويورك: الأمم المتحدة، 2000).
25- انظر: بول دي وليامز، "بعثات الاتحاد الإفريقي للسلام: تحليل مقارن"، الأمن الإفريقي، رقم 2، 2/3 (2009)، 97-118.
26- بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
27- بول دي (2011)، قدرات إدارة النزاعات في الاتحاد الإفريقي، ورقة عمل، واشنطن العاصمة: مجلس العلاقات الخارجية.

نبذة عن الكاتب