الحسم مع الاستخبارات يعيد رسم خارطة صناعة القرار بالجزائر

فرض بوتفليقة وضعًا جديدًا في هرم السلطة بعد الإطاحة بمدير الاستخبارات وتعيين اللواء طرطاق مديرًا لمؤسسة ضعفت صلاحياتها بالنسبة لصناعة القرار الجزائري. وحُسم التأثير التاريخي للاستخبارات لصالح الرئاسة، لتتحول الأضلاع الثلاثة لصناعة القرار إلى ضلع واحد مع وجود رئاسة الأركان المتحالفة مع بوتفليقة.
201591563214348734_20.jpg
يعكس التغيير الذي شهدته المؤسسة الأمنية والعسكرية بالجزائر دخولها مرحلة جديدة، أهم مؤشراتها مغادرة جيل الثورة. (غيتي)

ملخص
يعكس التغيير الذي شهدته المؤسسة الأمنية والعسكرية دخولها مرحلة جديدة، أهم مؤشراتها مغادرة جيل الثورة. ويُعتبر تحولًا كبيرًا في الجزائر أن يتمكن بوتفليقة من إضعاف الاستخبارات التي كانت سببًا تاريخيًّا لوجوده في الرئاسة بحثًا منها عن مُنقذ لإصلاح الواجهة الدولية للنظام الذي عانى من أزمة السمعة والمصداقية بفعل الحرب الداخلية في التسعينات.

جرَّد بوتفليقة وحليفه، رئيس أركان الجيش، جهازَ الاستخبارات من كل الإمكانات التي تجمَّعت لديه في المراحل السابقة، وبتجريد هذا الجهاز من صلاحياته أصبحت إقالة مديره التاريخي الفريق (توفيق) أمرًا سهلًا وبدون تداعيات سلبية. وقد أمر قايد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش بحل مصلحة الشرطة الاقتصادية التي كانت تابعة لجهاز الاستخبارات. ويُنسب لهذه المصلحة إجراؤها تحقيقات في قضايا فساد، أبرزها قضية سوناطراك. بالإضافة إلى قرارات بوتفليقة بإنهاء مهام مدير الأمن الداخلي ومدير مكافحة التجسس على مستوى جهاز الاستخبارات.

وترتبط التغييرات الجارية في المؤسسة الأمنية بشكل مباشر بالاحتمالات والسيناريوهات الممكنة لخلافة الرئيس بوتفليقة، وتأتي هذه التغييرات في سياق سياسي يعرف جدلًا داخل الرأي العام الجزائري ونخبه السياسية حيال الانتهاء من عملية إنجاز التعديلات الدستورية التي وعد بوتفليقة بإتمامها وتقديمها قريبًا، بالإضافة إلى استعداد متوقَّع لحراك سياسي من طرف قوى المعارضة. وجاءت هذه التغييرات في المؤسسات الأمنية لتشير إلى إضعاف خصوم الرئيس التاريخيين في جهاز الاستخبارات، وإرسال رسالة لتأكيد استمرار قدرة بوتفليقة الذي يعمل في إطار منظومة حكم مغلقة، على إدارة البلاد بالنسبة للخارج وكذلك لخصومه السياسيين في الداخل.

رغم الظروف الصحية التي يعرفها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والتي تُعتبر نقطة الضعف التي يرتكز عليها خطاب معارضيه لتأكيد الحاجة إلى عملية انتقالية سياسية سريعة في الجزائر، فإن بوتفليقة تمكَّن من إحداث تغييرات كبيرة على مستوى المؤسسة الأمنية والعسكرية وإعادة رسم خطوط القوى المؤثرة في النظام الجزائري وصناعة القرار بداخله، في ظروف اقتصادية صعبة بالنسبة للتوازنات الاجتماعية؛ حيث أعاد تراجع أسعار الطاقة وتأثيراته الاقتصادية الحديث عن مهددات الاستقرار الاجتماعي.

بعد الإطاحة بالجنرال محمد مدين "توفيق" رجل الاستخبارات القوي، عُيِّن اللواء عثمان طرطاق "البشير" (65 عامًا) ابن ولاية سطيف، على رأس مؤسسة ضعيفة الصلاحيات وفاقدة التأثير بالنسبة لصناعة القرار الجزائري في الوقت الحالي. وفي كل الأحوال، فإن الرجل ينتمي لدائرة الرئيس بوتفليقة، حيث يشغل منصب مستشار لدى رئيس الجمهورية، بما يؤشِّر على الامتداد الذي صار لبوتفليقة داخل دائرة الاستخبارات. ولا يمكن وضع مقارنة من حيث القوة بين "توفيق" واللواء طرطاق الذي سبق تجريده من مهامه على رأس جهاز الأمن الداخلي أو ما يُعرف بمديرية مكافحة التجسس منذ سنتين. ورغم إحالته إلى التقاعد فقد عُيِّن سنة 2013 خلال نفس سنة إبعاده، في منصب مستشار لدى رئيس الجمهورية وهو الذي سبق وأن تقلَّد مسؤوليات عليا بمصالح الاستخبارات والأمن.

يعكس التغيير الذي شهدته المؤسسة الأمنية والعسكرية دخولها مرحلة جديدة، أهم مؤشراتها مغادرة جيل الثورة. ويُعتبر تحولًا كبيرًا في الجزائر أن يتمكن بوتفليقة من إضعاف الاستخبارات التي كانت سببًا تاريخيًّا لوجوده في الرئاسة بحثًا منها عن منقذ لإصلاح الواجهة الدولية للنظام الذي عانى من أزمة السمعة والمصداقية بفعل الحرب الداخلية في التسعينات.

الرئاسة تحسم الصراع مع الاستخبارات

شكَّل الثلاثي، مؤسسة الرئاسة والاستخبارات ورئاسة الأركان، العناصر الأساسية للحكم وصناعة القرار في الجزائر. ورغم التجاذبات ومحاولة كل مؤسسة من هذه المؤسسات الاستحواذ على أكبر قدر من التأثير داخل المشهد السياسي الجزائري في المراحل السابقة، إلا أنه في النهاية كانت القرارات الصادرة عن هذه المؤسسات تمثِّل في الواقع الصيغة السياسية النهائية للتفاهم داخل أجنحة النظام القوية.

فرض الرئيس بوتفليقة معادلات جديدة بالنسبة لمؤسسة الرئاسة، وما يفسر السهولة التي مكَّنته من إحداث هذا الحجم من التغييرات داخل المؤسسة العسكرية هو سلسلة القرارات التي اتخذها منذ مجيئه، والتي جعلته يخلق ميزان قوى لصالحه داخل مؤسسات النظام الجزائري، مقرونة مع حضور قوي وفعال للعائلة(1). وتمكَّن من تعيين قائد الأركان "الفريق قايد صالح" نائبًا له على رأس وزارة الدفاع، وهو ما مكَّنه من مواجهة مؤسسة الاستخبارات من موقع أقوى، والتي كان مديرها (توفيق) متحفظًا على تجديد ولاية بوتفليقة في انتخابات عام 2014، ويرجع هذا التحفظ الذي يُعتبر في الواقع معبِّرًا عن موقف جزء كبير من الرأي العام والطبقة السياسية الجزائرية، إلى أسباب تتعلق بطبيعة الصراع داخل أجنحة النظام.

انضمام رئيس الأركان طرفًا في صف بوتفليقة في مواجهة خيارات مدير الاستخبارات المتواجد في منصبه منذ بداية التسعينات كانت له تأثيرات مهمة في إضعاف الاستخبارات. ذلك أن تنحي مدير الاستخبارات المعروف بدوره التاريخي في ما يوصف بصناعة الرؤساء، يؤدي من الناحية السياسية إلى إزاحة أحد العناصر الأساسية في مثلث صناعة القرار، ويصب في اتجاه تقوية مؤسسة الرئاسة، في ظل الصعوبات التي تكتنف عملية إدارة الخيارات والقرارات السياسية بين المؤسسات الثلاث المؤثرة، لتصبح في واقع الأمر مؤسسة واحدة مؤثرة وهي الرئاسة، باعتبار حتى رئاسة الأركان متحالفة مع الرئاسة وخاضعة لتوجهاتها.

جاءت التغييرات كذلك بقيادة جديدة للحرس الجمهوري، وفي صفوف الدرك الوطني التي وُصفت بأنها الأكبر مند عدة سنوات؛ حيث تمت إحالة ثلاثة جنرالات من جهاز الدرك إلى التقاعد، وعدد من الضباط. وشملت التغييرات التي تندرج ضمن مسار صراع الرئاسة وجهاز الاستخبارات، الذي طفا للعلن منذ انتخابات الرئاسة عام 2014، مؤسسات الأمن الرئاسي والحرس الجمهوري ومسؤول الأمن الداخلي ومكافحة التجسس. وقد صعَّد حادث إطلاق النار في قصر "زيرالدة" الإقامة الصيفية للرئيس بوتفليقة، سرعة وحجم التغييرات الأمنية داخل المؤسسة العسكرية، وخلق حالة من الجدل الداخلي أكدت انطباعًا سائدًا بوجود خلافات بين أركان النظام.

وترجع هذه التغييرات في القيادات العسكرية والأمنية في جزء منها إلى إشكالية الصلاحيات التي تمتلكها هذه المؤسسات، وبشكل خاص في ملفات رئيسية، أهمها: صلاحيات الاطِّلاع على التقارير السرية للغاية المتعلقة بمتابعة التطورات الأمنية في الساحل، والجهة التي ينبغي أن تتبع لها مديرية أمن الجيش، ودور الوحدات الخاصة المكلفة بملاحقة أمراء الجماعات الإرهابية التي يقودها الجنرال "حسان"(2). وقد فاقم من إشكالية الصلاحيات "الوضع الأمني شديد الاضطراب في الحدود الجنوبية والشرقية، خاصة فيما يتعلق بإدارة الملفات الأمنية الثقيلة، مثل تسيير أزمة الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين في شمال مالي والعمليات الأمنية السرية الخاصة"(3).

جرَّد بوتفليقة وحليفه رئيس أركان الجيش جهازَ الاستخبارات من كل الإمكانات التي تجمَّعت لديه في المراحل السابقة، وبتجريد هذا الجهاز من صلاحياته أصبحت إقالة مديره التاريخي الفريق (توفيق) أمرًا سهلًا وبدون تداعيات سلبية. وقد أمر قايد صالح، نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، بحل مصلحة الشرطة الاقتصادية التي كانت تابعة لجهاز الاستخبارات، وينسب لهذه المصلحة إجراؤها تحقيقات في قضايا فساد، أبرزها قضية سوناطراك. بالإضافة إلى قرارات بوتفليقة "بإنهاء مهام مدير الأمن الداخلي ومدير مكافحة التجسس على مستوى جهاز الاستخبارات"(4).

يغادر الجنرال توفيق، الذي تلقى تدريبه على يد جهاز (KGB)، الاستخبارات بعد أكثر من 20 سنة مارس فيها تأثيره من خلال شخصيته التي وُصفت حسب بعض المصادر بصفتين، هما: "التكتم" و"جنون العظمة"(5)؛ حيث عرفت السنوات الأخيرة إشكالات عديدة في علاقته مع الرئيس بوتفليقة.

كيف تقرأ هذه التغييرات سياسيًّا؟

يعتقد بعض المراقبين أن شهر العسل بين جمع الرئيس بوتفليقة ودائرة الاستخبارات كان قد انتهى بنهاية عام 2009 عندما قرَّر بوتفليقة إعادة فتح التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف عام 1992. وبشكل أساسي مثَّلت قضية شركة سوناطراك التي تمثِّل عصب الاقتصاد الجزائري منعطفًا مهمًّا بلغته العلاقة بين مكونات النظام وبالأساس من ناحية الاستخبارات. ويعتبر لجوء الاستخبارات إلى اتخاذ إجراءات قوية ضد من اتُّهموا بالفساد في الشركة مؤشرًا على أن الأمور قد اتخذت منحى تصادميًّا بين الأطراف التقليدية داخل النظام الجزائري: الطرف المدني المتمثل في الرئاسة والطرف العسكري ممثَّلًا في دائرة الاستخبارات.

شركة سوناطراك ليست مجرد مؤسسة بترولية اقتصادية، وهي في الحقيقة مصدر حيوية الدولة وممر العلاقة بين الجزائر والاقتصاد الدولي بأبعاده السياسية. ويبدو أن تداعيات تفجير ما وُصف حينها بـ"فضيحة سوناطراك" من طرف الضبطية القضائية التي تتبع لمصلحة الاستخبارات العسكرية، واتهام شكيب خليل، أحد المقرَّبين من بوتفليقة، بتلقي رشاوى وعمولات في صفقات عُقدت مع شركات أجنبية، كان أحد الأسباب الأساسية وراء تنامي الشعور لدى بوتفليقة باقتراب دائرة الاستخبارات أكثر من عناصر حلقته الضيقة.

ظهر الجدل الحاد بشكل أكبر داخل أعلى هرم السلطة أثناء إعادة انتخاب بوتفليقة لعهدة رابعة بين فريقين؛ يساند أحدهما الرئيس ويدعم بقاءه، وعلى رأسه قائد أركان الجيش قايد صالح، بينما تحفَّظ الفريق الثاني الذي قاده توفيق مدين على بقائه بداية ثم تراجع وسانده. ويبدو أن تداعيات هذا الوضع شكَّل دافعًا للرئاسة لإحداث تغييرات في موازين القوى المؤثِّرة بالقرار، وزاد من وتيرة التغييرات التي يقودها بوتفليقة في المؤسسة الأمنية، في محاولة لحسم الصعوبات التي تجدها الرئاسة في تأمين عملية الانتقال السياسي.

ومن الأسباب الرئيسية لتعقيدات هذه العملية الانتقالية صعوبات الاتفاق بين أجنحة السلطة في الجزائر على من سيخلف بوتفليقة، وهو ما يبرر الحاجة إلى إحداث التغييرات في مؤسسة مؤثرة من حجم الاستخبارات. ويبدو أن قرارات بوتفليقة تسعى لإحلال جيل جديد من الضباط والأمنيين الذين يُعتقد أنهم أكثر ولاء للرئيس من كثير من القيادات التاريخية.

ترتبط التغييرات الجارية في المؤسسة الأمنية بشكل مباشر بالاحتمالات والسيناريوهات الممكنة لخلافة الرئيس بوتفليقة، وتأتي هذه التغييرات في سياق سياسي يعرف جدلًا داخل الرأي العام الجزائري ونخبه السياسية حيال الانتهاء من عملية إنجاز التعديلات الدستورية التي وعد بوتفليقة بإتمامها وتقديمها قريبًا، بالإضافة إلى استعداد متوقَّع لحراك سياسي من طرف قوى المعارضة. وجاءت هذه التغييرات في المؤسسات الأمنية لتشير إلى إضعاف خصوم الرئيس التاريخيين في جهاز الاستخبارات، وإرسال رسالة لتأكيد استمرار قدرة بوتفليقة الذي يعمل في إطار منظومة حكم مغلقة، على إدارة البلاد بالنسبة للخارج وكذلك لخصومه السياسيين في الداخل.

وضمن هذا الوضع، فإن قضية الخلافة تجري في أوضاع شديدة التعقيد، ذلك أن القادة والأسماء المؤثرة في المسار الانتقالي متقدمون في السن؛ حيث يبلغ بوتفليقة 78 عامًا، ويبلغ الجنرال قايد صالح 80 عامًا، و"لحد الساعة كان موقف الجنرال قايد صالح أساسيًّا لبقاء بوتفليقة في الحكم؛ لكن هذه المعادلة يمكن أن تتغير بسرعة في حالة غياب أحد الأطراف, مما سيغير ميزان القوى لصالح هذا الطرف أو ذاك"(6).

داخليًّا، بالمشهد السياسي هنالك انقسام بين وجهتي نظر تجاه هذه التغييرات، وعلى سبيل المثال يرى رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير الوطني، محمد جميعي، أن التغييرات عادية باعتبارها مندرجة ضمن صلاحيات الرئيس كوزير للدفاع. بالمقابل، أرجعت أطراف معارضة الإقالات التي أقدم عليها بوتفليقة إلى الصراع بين أجنحة السلطة، و"بالأخص بين رئاسة الجمهورية بقيادة شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، وجهاز الاستخبارات بقيادة الجنرال (توفيق)، بخصوص التحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة. وأن ما يحدث من تغييرات يؤكد أن ساعة الحسم اقتربت، خاصة مع عودة مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى إلى الواجهة السياسية، وسط تضاعف نشاط الوزير الأول عبد المالك سلال، وهما الشخصيتان المنتظر تنافسهما على كرسي الرئاسة بدعم من المتنازعَين"(7).

دعمت القوى السياسية المقربة من الرئيس بوتفليقة التغييرات التي يُحدثها في المؤسسة الأمنية وبشكل خاص في الاستخبارات، وسبق أن أشار الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، المقرَّب من بوتفليقة، في سياق انتخابات العهدة الرابعة إلى تدخل جهاز الاستخبارات التابع للجيش في الشأن السياسي، واتهم مدير الاستخبارات بالفشل في إدارة الملفات الأمنية. ولم يكن موقف عمار سعداني الذي اعتُبر واجهة لصراع الرئاسة والاستخبارات متفَقًا عليه داخل جبهة التحرير الوطني؛ "حيث أعلن أعضاء من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عن استنكارهم لاتهامات الأمين العام للحزب عمار سعداني "بفشل" مدير الاستخبارات"(8). لكنَّه بالمحصلة عكَس اتجاهًا سياسيَّا داعمًا لتقليص صلاحيات الاستخبارات. وقد كشفت تصريحات سعداني مساحة الظل وأظهرت وجهة نظر بوتفليقة تجاه الاستخبارات، وقد عبَّر أحمد أويحيى في ندوة صحفية بمقر حزبه عن "أنَّ خُطط الرئيس في المجال الأمني لا تهدف إلى تحطيم أجهزة الاستخبارات، بل هي عملية إعادة تنظيم تتلاءم ومستجدات الساحة الوطنية والدولية"(9).

بغضِّ النظر عن المواقف السياسية المعبَّر عنها، فإن التغييرات الأمنية يُفترض أن تشكِّل مقدمة لحدوث انفتاح جزئي في المشهد السياسي، خاصة من ناحية علاقة الأحزاب السياسية بنشاط ومدى تأثير الاستخبارات عليها في المراحل السابقة.

تمضي وتيرة التغييرات التي تعرفها البنية الأمنية والعسكرية بسرعة أكبر من تلك التي تعرفها البنية السياسية التي تعيش حالة ركود ووضع انتقالي معقَّد، عنوانه الأبرز: كيفية الانتقال من عهد بوتفليقة إلى عهد آخر، لكن مع الحفاظ في نفس الوقت على توازن النظام والأجنحة التي يتكون منها سواء ذات الطابع العسكري أو السياسي المدني. وإذا لم يكن بوتفليقة عازمًا على البقاء بالحكم لفترة أطول، فهو على الأقل حريص على اختيار خليفته بالمعايير التي يراها هو بنفسه.

خاتمة

تأتي التغييرات في المنظومة الأمنية في الجزائر في سياق يعرف فيه جيرانها دينامية تؤدي إلى انبثاق نخب سياسية جديدة ودخول أجيال جديدة إلى السلطة. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن بوتفليقة قد أوشك على استكمال سيطرته على مصادر القرار في الدولة، بعد إخراج الاستخبارات من اللعبة السياسية وضمان ولاء قيادات رئاسة الأركان. ويبدو أن التأثير التاريخي لجهاز الاستخبارات في المشهد السياسي قد حُسم لصالح مؤسسة الرئاسة؛ حيث إن الأضلاع الثلاثة لصناعة القرار الجزائري باتت قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى ضلع واحد مع وجود رئاسة الأركان التي لا تختلف حقيقة مع توجهات الرئيس بوتفليقة، على الأقل في المرحلة الراهنة.
____________________________
كمال القصير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات، مسؤول منطقة المغرب العربي.

المراجع
1- الجزائر: الرجل والنظام، عبد الناصر جابي، مبادرة الإصلاح العربي، عدد يونيو/حزيران 2014،
http://www.arab-reform.net/sites/default/files/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1..%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85%202014.pdf
2- 3 ملفات فجَّرت الصراع بين الرئاسة والجيش والاستخبارات، جريدة الخبر الجزائرية، بتاريخ 24 فبراير/شباط 2014،
http://www.elkhabar.com/press/article/26823/#sthash.XkorQNcM.m3OT05wN.dpbs
3- 3  ملفات فجَّرت الصراع بين الرئاسة والجيش والاستخبارات، جريدة الخبر الجزائرية، بتاريخ 24 فبراير/شباط 2014،
http://www.elkhabar.com/press/article/26823/#sthash.XkorQNcM.m3OT05wN.dpb
4- الجيش ينتقد مؤوِّلي تغييرات بوتفليقة الأخيرة داخل المؤسسة العسكرية، جريدة الشروق الجزائرية، بتاريخ 25 سبتمبر/ أيلول 2013،
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/179131.html
 5-Security Assistance Monitor: Security Sector Reform in Algeria: Curbing the Department of Intelligence and Security: November 19, 2013 · by Graham F. West
https://securityassistancemonitor.wordpress.com/2013/11/19/security-sector-reform-in-algeria-curbing-the-department-of-intelligence-and-security/
6 - الجزائر: تعقيدات ترتيب خلافة الرئيس بوتفليقة، مركز الجزيرة للدراسات، عابد شارف، بتاريخ: 12 يوليو/تموز 2015،
http://studies.aljazeera.net/reports/2015/07/201571212431451990.htm
7 – "تغييرات الرئاسة": من مواجهة التحديات إلى صراع الأجنحة، آدم الصابري، جريدة الأخبار، بتاريخ 28 يوليو/ تموز 2015،
http://www.al-akhbar.com/node/238685
8- سباق تصريحات في الجزائر على خلفية توجيه اتهامات لمدير الاستخبارات، موقع فرنسا 24، بتاريخ: 5 فبراير/شباط 2014،
http://www.france24.com/ar/20140205-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%A9#./20140205-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25B2%25D8%25A7%25D8%25A6%25D8%25B1-%25D8%25AD%25D8%25B1%25D8%25A8-%25D8%25AA%25D8%25B5%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25AD%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D8%25A3%25D8%25AC%25D9%2586%25D8%25AD%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AD%25D8%25B2%25D8%25A8-%25D8%25A8%25D9%2588%25D8%25AA%25D9%2581%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2582%25D8%25A9?&_suid=1441872570656043300213538973364
9- أويحيى: بوتفليقة لا يريد تحطيم الـ«DRS»، موقع الجزائر 24، بتاريخ: 12 سبتمبر/أيلول 2015،
http://aljazair24.com/national/20150912-21813-%d8%a3%d9%88%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89-%d8%a8%d9%88%d8%aa%d9%81%d9%84%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d8%aa%d8%ad%d8%b7%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%80drs.html

نبذة عن الكاتب