تاريخ الإسماعيليين الحديث: الاستمرارية والتغيير لجماعة مسلمة

أحاطت بالإسماعيلية بيئة معقدة من الصراعات السياسية جعلتها تاريخيا جماعة غامضة، وتعامل الكثير من السنة والشيعة مع أفكارها بوصفها هرطقة وباطنية. يحوي هذا الكتاب دراسة مسحية للوجود الإسماعيلي اليوم، والذي يتركز في الهند وآسيا الوسطى أفغانستان والصين إضافة إلى شرق أفريقيا واليمن وسورية.
201421065345298734_20.jpg
(الجزيرة)

يقدّم هذا الكتاب دراسة مسحية شاملة للوجود الإسماعيلي اليوم وتاريخهم الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهي جماعة إسلامية شيعية يتركز وجودها في الهند وآسيا الوسطى وأفغانستان والصين إضافة الى شرق إفريقيا واليمن وسوريا.

ومن أهم فصول الكتاب: الإسماعيليون في سوريا وآسيا الوسطى، الإسماعيليون في آسيا الوسطى في الأزمنة الحديثة، الإسماعيليون الصينيون في الأزمنة الحديثة، الإسماعيليون في جنوب آسيا وشرق إفريقيا، الإسماعيليون: سياسات ومؤسسات ومنظورات معاصرة، شبكة الآغاخان للتنمية ومؤسساتها.

يعمل محرر الكتاب فرهاد دفتري مديرًا مشاركًا ورئيس دائرة البحث الأكاديمي والنشر في معهد الدراسات الإسماعيلية، وهو محرر استشاري للموسوعة الإيرانية، ومحرر مشارك في الموسوعة الإسلامية، وقد حصل على الدكتوراه من جامعة بيركلي عام 1971.

ومن المشاركين في الكتاب: سلطونبيك إكسكولوف، باحث في معهد الدراسات الإسماعيلية وجامعة كامبريدج، وعلي س. آساني، أستاذ اللغات الهندو أوروبية في جامعة هارفارد، وستيفانو بيانكا، معماري سويسري ومؤرخ للعمارة، وديك دوز أستاذ اللغة والثقافة العربية في جامعة نيجميجن في هولندا، وحكيم إلنزاروف؛ منسق دراسات آسيا الوسطى في معهد الدراسات الإسماعيلية، وذو الفقار هيرجي؛ أستاذ الأنثروبولوجي في جامعة يورك/كندا، وكريم هـ. كريم؛ مدير مشارك لمعهد الدراسات الإسماعيلية وعمل باحثًا في جامعة هارفارد، وزين ر. قاسم أستاذة الدراسات الدينية في كلية بومانا في كليرمونت بكاليفورنيا، وصفية قطب الدين، باحثة متخصصة بالشؤون الإسماعيلية وحائزة على الدكتوراه من جامعة أكسفورد، وطاهرة قطب الدين، أستاذة الأدب العربي في جامعة ييل، وماليس رونفن، وأمير سيدلا، وشيراز ثوباني.

يقول فرهادر دفتري: إن الدراسات الإسماعيلية بدأت منذ منتصف القرن العشرين تخرج من إطار هيمنة الخرافة والتشويه والغموض والسرية والمصادر التي جُمعت أو وُضعت من قبل منتقصي الإسماعيلية. ويغطي هذا الكتاب فترة لم تلقَ نصيبًا كافيًا من الدراسة والاهتمام في تاريخ الإسماعيلية، وبشكل عام فإن التاريخ الإسماعيلي -كما يقول دفتري- ما زال مجهولاً إلى أن يقوم الإسماعيليون أنفسهم بروايته أو يصل المؤرخون والباحثون إلى الوثائق والروايات الأصلية، ويتميز هذا الكتاب بأن معظم فصوله كتبها باحثون إسماعيليون درسوا في جامعات غربية مهمة، ويتقنون اللغات الرئيسية التي ينطق بها الإسماعيليون، مثل: الفارسية والعربية والأوردو...

الإسماعيلية: مدخل تاريخي وتعريفي

تُعتبر الإسماعيلية الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية، وتمتد في وجودها اليوم في أكثر من 25 دولة، ويُقدّر أتباعها بحوالي 12 مليونًا، يتواجد معظمهم في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وإيران والصين، وشرق إفريقيا (كينيا وزنجبار) وسوريا واليمن، ولهم وجود في أوروبا والقارة الأميركية.(1)

ومعظم الإسماعيليين اليوم يعترفون بالآغاخان إمامًا لهم، وهو اليوم كريم؛ الآغاخان الرابع والإمام التاسع والأربعين حسب سلسلة الأئمة التي يتبعها الإسماعيليون بدءًا من علي بن أبي طالب، وهناك أيضًا الإسماعيليون الطيبيون والذين يتبعون سلاسل مختلفة من الأئمة والدعاة ذوي السلطة المطلقة، وقد استقل الدروز بأنفسهم، وصاروا جماعة مستقلة منذ فترة مبكرة بعد وفاة الحاكم بأمر الله الخليفة والإمام الفاطمي في القرن الحادي عشر الميلادي.

كُرّست الإسماعيلية (الدعوة الهادية/الدعوة) كجماعة شيعية مستقلة بعد وفاة الإمام جعفر الصادق في العام 756م؛ حيث اتبعت جماعة من الشيعة الإمام إسماعيل بن جعفر، وتابعت بعد ذلك اتباع سلسلة مستقلة من الأئمة من ذرية إسماعيل بن جعفر، ثم انقسمت في العام 899م بخروج القرامطة، المجموعة التي رفضت الاعتراف بالخلفاء الفاطميين أئمة، وكانت ذروة نجاح الإسماعيلية بقيام دولة الفاطميين (909م) والتي أنشأت إمبراطورية واسعة ممتدة من المغرب إلى مصر والشام، وكان يتبعها مؤيدون في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وبوفاة الخليفة الفاطمي المستنصر (1094م) انقسمت الإسماعيلية إلى فرعي النزارية والمستعلية نسبة إلى نزار والمستعلي ابني المستنصر.

تمثل الإسماعيلية النزارية اليوم أغلبية الإسماعيليين، وهم يتبعون سلسلة من الأئمة تنتهي بكريم آغاخان الرابع، الإمام التاسع والأربعين للإسماعيليين، والمقيم في بومبي في الهند، وهو من مواليد العام 1936، وقد تخرج في جامعة هارفارد، وأسس معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن، وجامعة آغاخان في كراتشي وجامعة آسيا الوسطى في طاجيكستان وكازاخستان، والمركز العالمي للتعددية في أتاوا.

وقد بدأت الإسماعيلية في عهد الآغاخان الثالث (1877–1957) تنهج نهجًا جديدًا في الانفتاح على العالم والمشاركة الاجتماعية والثقافية الواسعة؛ فقد أنشأ شبكة واسعة من المدارس والمعاهد المهنية والمكتبات والأندية الرياضية والمستشفيات. وتنفق شبكة الآغاخان أكثر من 300 مليون دولار سنويًا على أنشطتها غير الربحية في التعليم والصحة والإسكان والثقافة والفنون...

كتب المؤرخ برنارد لويس: إن الإسماعيلية تعني أشياء مختلفة في أمكنة وأزمنة مختلفة، وقد طورت الإسماعيلية كثيرًا من أفكارها واستجاباتها، ويقول سلطان شاه الآغاخان الثالث: لم يكن هناك أحكام قطعية في الإسماعيلية (مذكرات الآغاخان) وهناك سيرة طويلة من التقية والسرية.

الإسماعيليون في سوريا

يقول ديك دوز: إن حياة الإسماعيليين السوريين في التاريخ الحديث تغيرت بهجرتهم من الجبال المطلة على شرق المتوسط إلى السهول الداخلية في منتصف القرن التاسع عشر بعد سلسلة من الصراعات الطويلة مع العلويين، ثم باعترافهم بالآغاخان الثالث إمامًا لهم، وهم اليوم يمثلون واحدًا في المائة من السكان في سوريا.

وقد اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وكان ذلك منسجمًا مع توجهات الآغاخان الثالث، وفي ظل الآغاخان الرابع أُعيد تنظيم الجماعة الإسماعيلية حسب الدستور الإسماعيلي (1986)؛ حيث أصبح هناك مجلس وطني وهيئة للطريقة والثقافة الدينية الإسماعيلية.

الإسماعيليون في آسيا الوسطى

يمتد الإسماعيليون في جبال بامير وهندوكوش، والتي تشمل اليوم ستة بلدان: أفغانستان والصين والهند وباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، ويقيمون بشكل أساسي في بدخشان المقسمة بين أفغانستان وطاجيكستان، ولهم وجود في ولاية بغلان الأفغانية.

وقد انتشرت الدعوة الإسماعيلية في آسيا (خراسان وما وراء النهر) منذ نهاية القرن التاسع الميلادي، وكان للإسماعيليين حضور مؤثر في البلاط الساماني. وفي الصراع والتنافس بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية في أواخر القرن التاسع عشر جرى اهتمام بحثي ومعرفي (استشراقي) كبير بالمنطقة، وأُعدت دراسات ومسوحات كثيرة حول بامير والإسماعيليين، وبدخول البامير في الإمبراطورية الروسية عام 1895 تحرر الإسماعيليون من اضطهاد الأغلبية السنية.(حكيم نزاروف، وسلطونبيك إكسكولوف، ص85)

ولكن تقسيم مناطق الإسماعيليين بين الدول غيّر كثيرًا في علاقات الجماعات وبنيتها الاجتماعية؛ ففي الحقبة الشيوعية أُعيد تنظيم المناطق والسكان في مجالس وإدارات مختلفة اختلافًا كبيرًا عن بنية القيادة والإدارة الإسماعيلية على مدى القرون السابقة، وأُعيد أيضًا بناء القيادة الدينية؛ حيث اختيرت سلطة دينية موالية للسوفيت، وكان للموقف الشيوعي العدائي من الدين دور في ملاحقة شيوخ الإسماعيليين ونفيهم، بل والقتل أحيانًا كما حدث للشيخ سيد يوسف عليشو الذي قُتل أمام أتباعه المريدين، ولكن القيادات التقليدية للجماعات الإسماعيلية استعادت دورها في نهاية الثمانينيات، وشاركت بفعالية في التطورات السياسية التي أفضت إلى استقلال طاجكستان.(87–91)

في أفغانستان كان الإسماعيليون في بدخشان الأفغانية يتعرضون لاضطهاد سني، ولكن تحسنت أحوالهم في الحقبة الشيوعية (عكس ما حدث لهم في الشيوعية السوفيتية)، وزادت مشاركتهم السياسية في الجهاز البيروقراطي للدولة (93-94)، ثم استعادت الإسماعيلية حضورًا قويًا منذ أوائل التسعينيات، وأقامت شبكة الآغاخان سلسلة من المشروعات التعليمية والاجتماعية، وبدأت تتشكل من جديد فرص لإحياء الهوية الدينية الإسماعيلية في أفغانستان.

الإسماعيليون في الصين

يشكّل الإسماعيليون في مقاطعة سنجيانغ الصينية امتدادًا لبدخشان وطاجيكستان، وقد بدأت الإسماعيلية بالانتشار هناك على يد الشاعر الإسماعيلي ناصر خسرو(**) في القرن الحادي عشر الميلادي، وهم يواجهون تحديات عدة، فما زالت الثقافة الإسماعيلية في الصين شفاهية تمتد إلى خسرو، وتقيد السلطات الصينية الحريات والطقوس الدينية، وتُعيّن هي رجال الدين وتوظفهم وتمنحهم إجازات مزاولة عملهم، ولكن تحسنت الحال بدءًا بالثمانينيات؛ وأصلحت ورممت أماكن العبادة التي تضررت وأُعيد استخدامها لغاياتها الأصلية.

تُعتبر الجماعة الإسماعيلية في الصين أقلية دينية وإثنية ولغوية وعِرقية، ويربطهم التاريخ بسكان المنطقة الإيرانيين، ويرتبط موروثهم الثقافي بالإسماعيليين الطاجيك والباميريين، وتشكّل السياسة الدينية الرسمية في الصين تحديًا للإسماعيليين، ويحتاجون إلى المواءمة والجمع بين مواطنتهم الصينية والحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية.

الإسماعيليون في جنوب آسيا

بدأت الدعوة الإسماعيلية بالانتشار في جنوب آسيا (البنجاب والسند) في القرن الحادي عشر الميلادي، وكان يشار إلى تعاليم الإسماعيلية في الهند بمصطلح "الساتباث" أي: الصراط المستقيم، وعُرف الإسماعيليون بالساتباثيين أو الخوجة، وهو لقب فارسي يعني: السيد أو المالك، ويبدو أنه في مجتمع طبقي ومتعدد الأديان والطوائف مثل الهند كان ثمة حاجة لهُويّة طبقية وطائفية، وكان للإسماعيليين أيضًا جماعات أخرى غير الخوجة ذات الطابع التجاري، مثل: اللوهانيين، وتأثر الإسماعيليون في الهند بالتقاليد والأعراف الهندية، مثل حظر زواج الأرملة وحرمان النساء من الميراث.

وبمجيء الآغاخان إلى الهند في القرن التاسع عشر بدأت سلسلة تقاليد وصراعات تجري داخل الطائفة الإسماعيلية، وكان للمحاكم البريطانية دور حاسم في تحديد الإطار القانوني لهوية الخوجة، وقد لاحظت الإدارة البريطانية -كما يقول ويلفريد (كتاب الإسلام في التاريخ الحديث)- أن المجتمعات المسلمة عمومًا تؤكد مفهوم الاقتداء بالممارسة الطقسية أكثر من الاقتداء بالعقيدة، باعتبارها المعيار الذي يقرر الممارسة الإسلامية الصحيحة.(252)

وبعد الاستقلال قامت دولة باكستان على أساس الهوية الإسماعيلية، وبرغم أن القائد المؤسس لباكستان محمد علي جناح هو إسماعيلي من "الخوجة" فإن باكستان اتجهت بعده نحو ممارسات دينية وثقافية زادت من حدة الاختلافات الدينية والمذهبية.

وهناك تواجد إسماعيلي في شمال باكستان (شيترال وجيلجيت) وهو امتداد للإسماعيليين في بامير وهندوكوش، وقد هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى أنحاء أخرى في باكستان بسبب العداء السياسي وتدفق جماعات البشتون، وقد جرت هجرات واسعة للإسماعيليين جنوب الآسيويين بسبب الصراعات والبحث عن حياة وفرص أفضل، وتعد كراتشي اليوم أهم تجمع للإسماعيليين في آسيا.

الإسماعيلية المستعلية (البهرة)

يُسمّى الإسماعيلية المستعلية -ويسمون أيضًا: الطيبيون- نسبة إلى المستعلي الفاطمي الذي دخل في الستر العام 1130، وخضعت الجماعة المستعلية لقيادة سلسلة من الدعاة المقيمين في اليمن، ثم تحولوا إلى الهند في العام 1539، وقد حافظ البهرة -كما صاروا يسمون- على ثقافة ذات نزعة طقوسية تقليدية مميزة، وعلى تماسكهم كجماعة اتصفت بالفكر التحديثي.

وقد شهد البهرة حالة من الصعود في القرن التاسع عشر بفضل الحماية البريطانية لهم، وانتقل مقر قيادتهم إلى مومباي، واندمجوا بعد الاستقلال مع المسلمين الهنود، وآثروا البقاء في الهند على الهجرة إلى باكستان، والإمام الحالي للبهرة هو الداعي الثاني والخمسون محمد برهان الدين الثاني، ويركز البهرة على الهوية الفاطمية، ويستلهمون حضارتها وطابعها المعماري، وهم يشكّلون اليوم طبقة واسعة من التجار (البهرة تعني التاجر) والمهنيين في الهند.

وهناك طائفة البهرة السليمانيين أو المكارمة والتي اتبعت خطًا مختلفًا من الدعاة بدءًا من الداعية السابع والعشرين في سلسلة دعاتهم في العام 1597، ويتركز معظمهم اليوم في منطقتي نجران في السعودية وفي حراز في اليمن، ولهم وجود في الهند.

وهناك البهرة العلويون الذين اتبعوا خطًا مستقلاً من الدعاة بدءًا بالداعية التاسع والعشرين 1631، ومقر قيادتهم اليوم في مدينة فادودارا الهندية، وداعيهم الحالي هو طيب ضياء الدين وهو الداعي الرابع والأربعون في خط الوراثة، وأكثرهم يعملون في التجارة ولديهم مكتبة تضم 450 مخطوطة إسماعيلية، ولا يكادون يختلفون عن البهرة الداوديين في شيء.

شبكة الآغاخان للتنمية

تمثل شبكة الآغاخان للتنمية القوة الرئيسية الدافعة للتنمية في المجتمعات الجبلية في آسيا الوسطى، في مجالات التعليم والصحة والتدريب والثقافة والفنون، وقد نمت الشبكة منذ أسّسها سلطان شاه الآغاخان الثالث على مدى من قرن من الزمان، وهي اليوم أكبر وكالات التنمية الخاصة في العالم، وتعمل في أكثر من 30 بلدًا، ويوجد اليوم أكثر من 140 هيئة منفصلة تنتمي للشبكة، ويعمل فيها حوالي 58 ألف موظف وأكثر من 20 ألف متطوع يعملون بتفرغ كامل.

في المجال التعليمي تدير الشبكة أكثر من 300 مدرسة تخدم حوالي 60 ألف طالب، وهناك أيضًا جامعة الآغاخان في كراتشي وثلاث جامعات في آسيا الوسطى، وهناك أيضًا برامج أكاديمية وبحثية لتطوير التعليم في مختلف أنحاء العالم، وفي المجال الصحي تدير الشبكة سلسلة من المستشفيات والعيادات والصيدليات في عدة دول، وفي برامج التنمية العامة تساعد الشبكة في التنظيم الاجتماعي للقرى والتجمعات السكانية، وتطوير الأراضي الزراعية والطاقة الكهربائية، والاستثمار الاجتماعي وتمويل المشروعات الصغيرة والتنمية الريفية.

وفي مجال الثقافة والفنون تدير الشبكة مجموعة واسعة من مشروعات العمارة والفنون والتطوير المعماري والفني للمدن والحدائق والمباني وترميم المباني والآثار التاريخية، والتعليم المعماري.

 الإسماعيلية: سرية وغموض وجدل معقد

أحاطت بالإسماعيلية بيئة معقدة من الصراعات السياسية جعلتها تاريخيًا جماعة غامضة، وأظهرتها أفكارها ومبادئها لدى كثير من السنة والشيعة كجماعة هرطقة وباطنية. وقد مرت الإسماعيلية على مدى تاريخها بأحداث وتحولات كبرى أثّرت في مسارها الفكري وبنيتها الاجتماعية وعملها الدعوي والسياسي.

اليوم، بعد دخول الإسماعيلية في مرحلة من الوضوح تبدو جماعة شيعية لا تختلف عن المسلمين السنة والشيعة اختلافًا جوهريًا، وقد تأثرت مثل جميع المسلمين بالمؤثرات الصوفية والفلسفية السائدة، كما أن الصراعات السياسية فرضت عليها سلوكًا سريًا معقدًا في معظم فترات تاريخها، وإن استطاعت أن تقيم دولاً مهمة في التاريخ الإسلامي مثل الدولة الفاطمية والحمدانية والساسانية،أو أن يكون لها حضور سياسي وعسكري قوي مثل قلاع آلموت وأخواتها المنتشرة في آسيا والتي كانت مراكز علمية وسياسية ودفاعية، فقد ظل الأئمة النزاريون يعيشون في آلموت (1094–1256) وكان لهم حضور سياسي قوي في إيران على مدى قرون عدة، ثم انتقل تأثيرهم إلى الهند، ومنذ انتقال الإمام الآغاخان إلى الهند وهم يؤدون دورًا سياسيًا واجتماعيًا كبيرًا في الهند وفي العالم؛ فقد كان الآغاخان الثالث رئيسًا لعصبة الأمم في الثلاثينيات،(2) وشغل ابنه علي منصب سفير باكستان في الأمم المتحدة،(3) واختير ابنه صدر الدين مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة،(4) وينتمي إلى الإسماعيلية  الرئيس المؤسس لباكستان؛ محمد علي جناح، وعدد كبير من العلماء المشهورين في التاريخ الإسلامي، مثل: ناصر خسرو، وابن سينا، والفارابي، والرازي، وإخوان الصفا، والسجستاني، وابن العربي، وابن الفارض، والطوسي وغيرهم.(5)

وربما يكون من المهم جدًا اليوم إعادة دراسة الجماعة الإسماعيلية في العالم وتقييمها من جديد وفق تاريخها ورؤيتها لنفسها كما تفصح عنها الدراسات الإسماعيلية والأخبار والتقارير المستندة إلى مصادر إسماعيلية.
_________________________________
إبراهيم غرايبة - باحث في العلوم الاجتماعية

الهوامش
(**) ناصر خسرو (1004 – 1088) رحالة وشاعر وفيلسوف فارسي إسماعيلي، كان داعية إسماعيليًا، وتُعتبر كتبه مثل "سفرنامه" وأشعاره مصدرًا ثقافيًا مهمًا ومرجعًا للإسماعيليين وبخاصة في الصين وإيران وآسيا الوسطى.
1- The Ismaili Community: http://www.theismaili.org/cms/16/The-Ismaili-Community
2- مذكرات آغاخان، ترجمة سيف الدين القصير، دمشق، دار المدى، 2006.
3- راجع موقع ويكيبيديا: http://en.wikipedia.org/wiki/Prince_Aly_Khan 
4- صدر الدين آغاخان (إيران) 1965 – 77، موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة:
http://www.unhcr-arabic.org/pages/4be7cc273a5.html
http://www.unhcr-arabic.org/4c8607f7c.html
5- تاريخ الدعوة الإسماعيلية، مصطفى غالب الطويل، دار الأندلس، بيروت، بدون تاريخ نشر.

نبذة عن الكاتب